* درانسات ويحوت 2 ١ ( )‏ ---+-:7727 , 9 2" وار , 1 , مس

يي" 7 ' ظ َ

: 17 ,. أ

سسا ب ئ

117

201711:

هذا الكتاب

يتناول هذا الكتاب تاريخ العلاقة بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» والطرق الصوفية.. وهو ليس بحثا تاريخيا مجرداء بل هو نموذج عن الصراع التاريخي الطويل بين التيارات السلفية والتيارات الصوفية.. أو هو صراع بين القراءة الحرفية الظاهرية للإسلام» والقراءة العميقة له. وقد حاولت هذه الدراسة وما يليها من الدراسات أن ننصف الطرق الصوفية التي

أوذيت كثيرا من طرف الجمعية في عهد الاستعمار

الفرنسي» وأوذيت بعد الاستقلال من طرف

ورثتها من أبناء الحركات الإسلامية.

دراسات وبحوث

في

جمعية العلماء المسلمين والطرق الصوفية

وقاريخ العلاقة بينهما

رفن غلمنة

د. نور الدين أبو لحية الطبعة الثانية له-1

دار الأنوار للنشر والتوزيع

+١

حم

المنهج: أهم مصادر البحث ومراجعه: أولا ‏ المصادر:

ثانيا ‏ المراجع:

الفصل الأول:

نبذة تاريخية عن جمعية العلماء والطرق الصوفية المبحث الأول نبذة تاريخية عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

المطلب الأول: المرحلة التأسيسية للجمعية أولا ‏ مؤسس الجمعية: ١‏ أحمد توفيق المدني: "' عبد الحميد بن باديس: '"‏ الطيب العقبي: ثانيا ‏ جلسات التأسيس: الثا قانون الجمعية:

المطلب الثاني: جمعية العلماء في عهد ابن باديس وأهم منجزاتها:

أولا- استبعاد المحافظين من الجمعية:

ثانيا حضور المؤتمر الإسلامي:

”5

3/

10

7١

3

5

/ و

ثالثا رفض برقية التأيبد لفرنسا: المطلب الثالث: جمعية العلماء في عهد الإبراهيمي: المرحلة الأولى 1155-١919‏ ): المرحلة الثانية ( ١965-١955‏ ): المطلب الرابع: دور الشيخ العربي التبسي في جمعية العلماء ١‏ - قبل تأسيس الجمعية: ادهل تأسيين الممعية: مرحلة العضوية في المجلس الإداري لجمعية العلماء 5 مرحلة الرئاسة الفعلية لجمعية العلماء: المبحث الثاني نبذة تاريخية عن الطرق الصوفية المعاصرة لجمعية العلماء المطلب الأول: الطريقة القادرية أولا ‏ مؤسس الطريقة القادرية: ثانيا ‏ شيوخ الطريقة في الجزائر: ١‏ الشيخ محمد الحاشمي بن إبراهيم: ؟ الشيخ عبد العزيز بن ال هاشمي: القاضي شعيب بن علي: المطلب الثاني: الطريقة الرحمانية أولا مؤسس الطريقة: ثانيا ‏ شيوخ الطريقة ال رحمانية وأعلامها: الشيخ عبد الرحمن باش تارزي:

5

/ا6

04

1

516

11

1/

4

0“

07“

ك/ا

/ا/ا

/١

5

الله

1م

الشيخ مصطفى بن عبد الرحمن باش تارزي:

الشيخ محمّد بن أبي القاسم: السيدة زينب بن محمد بن أبي القاسم: الشيخ محمد بن الحاج محمد بن أبي القاسم: الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي: الشيخ أبو القاسم الحفناوي: محمد بن عزوز البرجي: الشيخ محمد المكي بن عزوز: الشيخ عبد الكريم بن التارزي: الشيخ الطاهر العبيدي: المطلب الثالث: الطريقة التيجانية أولا- مؤسس الطريقة: ثانيا ‏ مشايخ الطريقة التيجانية: الشيخ أحمد سكيرج العياشي : الشيخ محمد الحافظ التيجاني: المطلب الرابع: الطريقة العلاوية أولا مؤسس الطريقة: انيا- مشايخ الطريقة العلاوية: الحاج عدة بن تونس: الشيخ محمد بن خليفة المدنى:

خاتمة الفصل

/ا/

4١

45

3

040

11

الفصل الثاني العلاقة بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والطرق الصوفية المبحث الأول: العلاقة الرسمية بين جمعية العلماء والطرق الصوفية

المطلب الأول: مرحلة التوافق وأسبابها: أولا ‏ بداية التوافق ومدته: ثانيا ‏ أسباب التوافق: ١‏ مصالح الجمعية المتعلقة بالتوافق: ١‏ - مصالح الطرق الصوفية المتعلقة بالتوافق: ٠“‏ مصالح الجزائر المتعلقة بالتوافق:

المطلب الثاني: مرحلة الخلاف وأسبابها: أولا الأحداث السابقة على تأسيس الجمعية: ثانيا الأهداف الداعية للتأسيس: ثالثا ‏ التنافر بين الاتجاهات الفكرية: رابعا الأسباب النفسية: خامسا ‏ المؤامرة الاستعمارية:

المطلب الثالث: نتائج الخلاف بين الجمعية والطرق الصوفية أولا ‏ زيادة شدة الخلاف: ثانيا تضييع المكاسب والطاقات:

تضبيع المكاسب: تضيبع الطاقات:

ثالثا ‏ تأسيس جمعية علماء السنة :

4

١1

١7

١

١7١

المبحث الثاني العلاقة الشخصية بين الجمعية والطرق الصوفية المطلب الأول: الموقف المعتدل: الشيخ عبد الحميد بن باديس: الشيخ أبو يعلى الزواوي: المطلب الثاني: الموقف المتشدد: الشيخ الطيب العقبي: الشيخ مبارك الميل: الشيخ محمد السعيد الزاهري: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: خاتمة الفصل الفصل الثالث وسائل التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية المبحث الأول: وسائل تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية المطلب الأول: التنقلات والتجمعات أولا ‏ التنقللات: ١‏ -تنقلات عامة: النموذج الأول: النموذج الثاني: النموذج الثالث: ١‏ - تنقلات مناسباتية:

81

ال

ضف

الخطبة الأولى: الخطبة الثانية: ثانيا ‏ التجمعات: المطلب الثاني: الصحافة المكتوبة ١_المنتقد:‏ ١‏ -الشهاب *_الجزائر: 5 - صدى الصحراء: ._الإصلاح: 5 الوق ١ا-السنة‏ المحمدية: #بالشريغة المسدية: 4 -الصراط السوي: ٠‏ الجحيم ١‏ -البصائر: المطلب الثالث: الكتب والرسائل جواب سوال عن سوء مقال: رسالة بدعة الطرائق في الوسلام: رسالة الشرك ومظاهره: الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير: المبحث الثاني: وسائل تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية

١

ضرف

نوف

اخرض

رف

سم

53

7”

56

المطلب الأول: التنقلات والتجمعات المطلب الثاني: الصحافة المكتوبة ١‏ _-جريدة النجاح: ١‏ - صحيفة لسان الدين: صحيفة البلاغ الجزائري: المطلب الثالث: الكتب والرسائل رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف:

رسالة القول المعتمد في مشروعية الذكر بالإسم المفرد :

الشهائد والفتاوى: أعذب المناهل في الأجوبة والرسائل تنبيه القراء إلى كفاح مجلة المرشد الغراء: وقاية الذاكرين من غواية الغافلين الدرة البهية في أوراد وسند الطريقة العلاوية خاتمة الفصل الفصل الرابع أساليب التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية المبحث الأول: أساليب تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية المطلب الأول: المواجهة العلمية أولا مصادر الجمعية في الرد على الطرق الصوفية: ثانيا- خصائص المواجهة العلمية:

1١١

316

5 1/

571

رفف

8

ا

اا

78

8

ا

كا

58

كرا

ليرا

7 1/

50١

١‏ -عدم الاعتراف بالآخر: ١‏ - الانتقائية في التعامل مع القضايا العلمية: ٠“‏ - ترجيح الفتوى على ال حوار العلمي: 5 - عدم المناقشة العلمية الهادفة: 5 الرجوع في المناقشات إلى العامة بدل العلماء المطلب الثاني: المواجهة الأدبية أولا الخطابة: ثانيا - الشعر: ١-_الزاهري:‏ ؟ -الطيب العقبي: ٠‏ - الإبراهيمي الثا- القصة: رابعا ‏ المقالة الأدبية: المطلب الثالث: المواجهة العاطفية النموذج الأول: الاعتداء على ابن باديس النموذج الثاني: الاعتداء على الزاهري النموذج الثالث: طلب المباهلة المبحث الثاني: أساليب تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية

أولا ‏ الاعتماد على المصادر التي ألفت في الرد على الوهابية:

ثانيا ضعفها في علوم الحديث: ثالثا تسامحها مع المخالف:

7”

ا

ارون

78

سردن

لفل

تخرسن

ارون

5”

7”

تددن

لل

ادن

فون

ذلا

و4 وو

مقدمهة

لا شك أن الباحث في الواقع الديني والثقافي والاجتاعي للجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي» يجد فصيلين مهمين متميزين كان لكيلهم أثره في الحياة الجزائرية:

أما الأول: فيمثله مشايخ الطرق الصوفية ومريدوهم وزواياهم وأوقافهم التي لم تكن تخلو منها مدينة ولا قرية في جميع القطر الجزائري» وهم - لذلك- متغلغلون في جميع الحياة الجزائرية اجتماعية كانت أو تربوية أو ثقافية أو حتى ما ارتبط منها بالجانب السياسي والعسكري.

وأما الثاني: فهم العلماء أو طلبة العلم الذين تبنوا الفكر الإصلاحي التنويري أو الوهابي الذي كان في ذلك الحين في أوج نشاطه في المشرق العربي» وقد تسنى هذا الفريق أيضا أن يقيم بعض المؤسسات التربوية والإعلامية التي ينشر من خلاها آراءه ومشاريعه الإصلاحية» وقد تجلى هذا الفصيل في أجلى صوره في (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)

ومن الطبيعي أن يحصل بين فصيلين كبيرين كهذين الفصيلين أنواع من العلاقة والتعامل المبنية على أساس التوجهات الفكرية المختلفة» وعلى أساس المشاريع الإصلاحية التي قد تختلف التصورات حوها.

بناء على هذاء وبناء على أهمية ما حصل في تلك الفترة الخطيرة من التاريخ الجزائري» والتي انبنى عليها الواقع الجزائري بعد الاستقلال تثار إشكالات كثيرة يمكن صياغتها كا يلي:

الأول: لقد كان كلا التيارين يحملان أفكارا مختلفة» تصل أحيانا إلى درجة التناقصء وكان لا في نفس الوقت مشاريع يشتركان فيها كبغض الاستعار وحب التخلص منه» والحرص على الهوية العربية الإسلامية» والحرص على تحقيق العدالة والتخلص من الجور والتمييز العنصري الذي فرضه الاستعمار.

وهذا يستدعي التساؤل عن تعامل هذين الفصيلين مع هذين الجانبين» وهل غلب كلاهما

١

الاتجاه الفكريء وما يفرزه من اختلافات تصل إلى حد التناقضء أم أنهما ترفعا على هذاء وعلم| أن الواقع الجزائري لا يسمح بطرح تلك الخلافات» وأن الأولى هو العمل في المتفق عليه» وترك الخلاف لمحله.

الثاني: هو أنه من المتفق عليه» بل من البديبي أن التيار الإصلاحي في الجزائر» كا هو في العالم الإسلامي أجمع» ينطلق من خلافه التام مع التيار التقليدي المحافظ المتمثل في الطرق الصوفية ومؤسساتهاء بل إنه لم يسم إصلاحيا إلا لثورته على التيار التقليدي» وهذا يستدعي التساؤل عن الأسباب المحركة لذلك الخلاف» ومدى أهميتهاء وموضوعيتها.. وهل كان ما حدث من خلاف خطأ استراتيجيا وقع فيه كلا الطرفين المختلفين حين غفلا عن القضايا الكبرى التي كان يمكن أن يتوجها لما.. أم أن ما حصل كان ضرورة لابد منهاء ولم يكن هناك بد من إعلان الحرب على المخالف. فالجسم المريض لا يمكنه أن يتحرر خارجيا إلا إذا تحرر داخليا؟

الثالث: وهو بعد إقرارنا بوجود الخلاف الفكري بين كلا الفصيلين» وهو مما لا يجادل فيه أحد. هل كان هناك فرص لتخفيف بعض مظاهر الخلاف. أو الحد منه نهائياء أم أنه لم يكن لما مناص من ذلك.. أي أن ما حصل هو ما ينبغي أن يحصلء فلم يكن أمام الجمعية» ولا أمام الطرق الصوفية إلا تلك الأساليب والوسائل التي استعملاها؟

الرابع: هو عن آثار ذلك التعامل» وما حصل فيه من وفاق أو خلاف» هل بقي محصورا في المحال التي كان فيهاء أم أنه تعداها إلى نواح أخرى كالسياسة والمجتمع والثقافة والدين وغيرها؟

وفي هذه الحالة» هل يمكن أن نستفيد من الأخطاء التي وقعتء ونتدارك مالم يمكن تداركه في المرحلة السابقة» أم أن ذلك كله مستحيل؟

وهل تستفيد التيارات العلمانية المختلفة مما يحدث اليوم من خلاف بين التجديديين أو

1

الحركيين أو السلفيين» وبين الطرقيين أو المحافظين؟

وهل استغلت الحكومات المتعاقبة على الجزائر ذلك الخلاف القديم» والذي اكتسى كل حين ثيابا جديدة» في صرف الإسلاميين عن التأثير الاجتماعي» وعن المناصب السياسية؟

هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها في هذه السلسلة من الدراسات التي نتقدم بها للباحثين وطلبة العلم لإعادة قراءة التاريخ بدقة وموضوعية بعيدا عن أي مؤثرات» وقد عنونا السلسلة ب (دراسات حول جمعية العلماء والطرق الصوفية في الجزائر)

وقد دفعنا إلى اختيار البحث في هذا الموضوع دوافع كثيرة يمكن حصرها في:

دافع علمي: وهو أني رأيت أكثر الباحثين في هذا الموضوع يقفون مع أحد طرفي التعامل» بل نراهم في أحيان كثيرة يعتبرون الطرف الآخر هو أساس المشكلة وسببها.. وهذا يؤثر كثيرا على المنهج العلمي» فهو يتطلب التعامل مع الطرفين من زاوية موضوعية واحدة.

وكمثال على ذلك كتاب (صراع بين السنة والبدعة) للشيخ أحمد حماني - رحمه الله - فهو مع أهميته البالغة في الموضوع إلا أن مؤلفه يمثل فيه طرفا من أطراف النزاع» وبالتالي صار أقرب إلى الوثيقة أو المصدر منه إلى البحث الموضوعي.

وهكذا نجد الكثير من المراجع في هذا الباب تنظر من زاوية واحدة لهذا الموضوع الخطير» وبالتالي تعلن حربها على الطرف الآخرء لتصبح هي الأخرى فردا من أفراد الخلاف.. ولهذا رأينا الحاجة إلى استعمال الحيدة المطلقة حتى نصل إلى الحقيقة من بابها الصحيح.

دافع عملي : وهو ناشئ من اعتقادنا أن الحاضر صدى لللاضيء وما يحصل اليوم ربما يكون قد حصل مثله من قبل» والعاقل هو الذي يستفيد من صواب غيره وخطئه حتى لا يفوته الصوابء» وحتى لا يكرر الخطأ.

والدعوة الإسلامية خصوصا بحاجة إلى الكثير من التجارب في هذا المجال» فهي تخوض

كما خاض سلفها حر وبا عديدة مع تيارات مختلفة» وهي تحتاج إلى نوع من النضج في هذا الباب

1١ه‎

لتستفيد من حسنات التجارب السابقة» وتعتبر بسيئاتها.

وللأسف نجد الكثير من الدعاة في الجزائر على إلمام مفصل وواسع بكثير من الحركات الإسلامية الشرقية» وأنواع التعامل التي حصلت لا مع مختلف التيارات» بين!| تغيب عنهم الحركة الإسلامية الجزائرية» بل يعتبرونها من تاريخ المواجهة للاستعمار وكأنها لم يكن لها هدف إلا مواجهة الاستعارء وبما أن الاستعمار قد ذهب. فقد انتهى دورها.

دافع شخصي: وهو أنه أتيح لي أن أطلع عن كثب على من يمثل جمعية العلماء والطرق الصوفية في واقعنا المعاصر.

فقد صحبت بعض الطرق الصوفية» وتنلمذت في بعض الزوايا التي كان لها علاقة بمشائخ الجمعية» ودرّست فيهاء وقد أتيح لي أن أتعرف على مواقفها المختلفة سواء من جمعية العلماء كرجال يمثلونهاء أو على الأفكار التي بثتها جمعية العلماء» أو لا يزال ورثتها يبثونها.

ومثلما صحبت هذه الطرق انخرطت في بعض الحركات الإسلامية» ورأيت مواقفها المختلفة» بل والمتناقضة أحيانا من التصوفء. ومن الطرق الصوفية.

وقد كان لكلا الأمرين أثره في نفسي: فقد شعرت بنوع من الصراع بين ذلك الانتماء المحافظ. وبين ذلك التجديد الذي أتت به جمعية العلماء» والذي مثله بعد ذلك ورثتها.. وقد كنت أتساءل كل حين بيني وبين نفسي عن إمكانية التوفيق بين كلا التيارين: التيار التقليدي المحافظ المنسغرق في محافظته» وبين التيار التجديدي أو السلفي الذي مثلته الجمعية» ومثله بعد ذلك ورثتها.

وقد آلمني أكثر من ذلك أن الحركات الإسلامية مع ما أثبتته من قدرة على اختراق كثير من المواقع إلا أنها لم تفكر في اختراق الطرق والزواياء فتركتها ساحة مباحة لغيرها يتحكمون فيهاء بل قد تدبر لهم المكايد من خلاها.

وقد رأيت أن سر ذلك الخوف من التقدم لتلك الجهات لتوجيهها التوجيه الصحيح هو

15

النظرة التي لا تزال وليدة الماضيء والتي هي أثر من آثار خلاف جمعية العلماء مع هذه المحال» وهي تحتاج لذلك إلى جرأة في البحث بعيدة عن كل تعصبء وهو ما نفتقر إلى كثير منه للأسف.

وهذاء فأنا أحاول من خلال هذه الرسالة أن أكون جسرا واصلا بين الحركات الإسلامية التي تمثل في حقيقتها ودورها جميعة العلاء» وبين الزوايا والطرق الصوفية.. ليعملا جميعا في المتفق عليه» وما أكثر المتفق عليه.

أما المختلف فيه» وهو في أكثره فروع من المسائل الاعتقادية والسلوكية» فله نظيره في العالم الإسلامي أجمع» بل له نظيره في الكتب المتداولة.. فيمكن البحث فيه على طاولات البحث.. لتخفيف آثار الخلاف إلى أقل حدودها الممكنة.

المنهج:

بناء على موضوع هذه السلسلة, فإننا نعتمد المناهج التالية:

المنهج الوصفي التاريخي: وهو منهج ضروري لوصف واستعراض الأحداث التاريخية والظواهر الاجتاعية والثقافية والسياسية.. فللبحث ك) هو - ظاهر - علاقته بالتاريخ السياسي والحضاري.

المنهج التحليلٍ النقدي: ونحاول من خلاله دراسة الأسباب والظواهر والآثار ومناقشتهاء وربط بعضها ببعضء واستنباط الأحكام منها جزئية كانت أو كلية» نسبية كانت أو نهائية» مع الدراسة النقدية للوثائق والنصوص لاستخلاص الحقائق من مصادرها الأولى» وبكل موضوعية.

المنهج المقارن: فالدراسة مقارنة بين جهتين» وأسلوبه) في إدارة التعامل» وذلك يحتاج منا إلى عقد المقارنات المختلفة» بالإضافة إلى أنا نحتاج إلى هذا المنهج في بعض الأحيان لمقارنة هذا التعامل المحلي بأنواع أخرى من التعامل حصلت في نواح أخرى من العالم.

أهم مصادر البحث ومراجعه:

أولا ‏ المصادر:

وهي كثيرة يمكن تصنيفها إلى ما يلي:

١‏ الصحف الصادرة من كلا الطرفين:

أما الطرف الأول؛ وهو جمعية العلماء» فمن صحفها التي نعتبرها مصادر أساسية (المنتقد). و(الشهاب)» و(الإصلاح). و(البرق)» و(صدى الصحراء) و(السئة)» و(الشريعة)» و(الصراط)» و(البصائر)

وتعتبر (الشهاب)» و(البصائر) من أهم المصادرء حيث استمرتا بالصدور مدة طويلة» بين| توقفت الجرائد الأخرى بعد صدور كل منها بفترة قليلة.

أما صحف الطرق الصوفية» فأهمها جريدة (البلاغ الجزائري)» ومجلة (المرشد) التي كانت تصدرهما الطريقة العليوية» وقد كانت هذه الطريقة من أهم أطراف الخلاف مع الجمعية.

"‏ التقارير والمنشورات الصادرة من كلا الطرفين: باعتبارها وثائق رسمية» وقد حاولنا الرجوع لمنشورات كلا الطرفين في المسائل المختلفة:

فمن التقارير الصادرة عن جمعية العلماء (سجل موؤتمر الجمعية) المنعقد عام ١975‏ في العاصمة الجزائرية والمتألف من 778 صفحة. ويشتمل على تقرير أعده البشير الإبراهيمي نائب رئيس الجمعية» وفيه يبيين منجزات الجمعية منذ تأسيسها حتى عام 1975. كما يحدد الخطط المستقبلية للجمعية» ويضم أيضا كلمات وقصائد لبعض أعضاء الجمعية» ويعتبر تقرير الإبراهيمي أهم ما في هذا السجل.

ومنها (القانون الأساسي لجمعية العلماء الجزائريين)

أما المنشورات المرتبطة بالطرق الصوفية» فأكثرها مذكور في جرائدها ومجلاتها المختلفة كجريدة (البلاغ الجزائري)؛ ومجلة (المرشد)

الكتب والرسائل:

فمن الكتب الخاصة التي ألفت لتأييد خط الجمعية (رسالة الشرك ومظاهره)» للشيخ مبارك الميلي» و(بدعة الطرائق في الإسلام) للشيخ العربي التبسبي» و(الصراع بين السنة والبدعة) للشيخ أحمد حماني.

بالإضافة إلى مجموعة أعمال ابن باديس في تفسير القرآن والموضوعات العامة» وقد جمعت هذه الأعمال من قبل بعض تلاميذ ابن باديس في مصنفين يتعلق الأول بتفسير القرآن نشر عام 14»؛ ويعتبر الثاني أشمل وأعم من الأول لأنه يتضمن كامل آثار ابن باديس التي عثر عليها جامعهاء وضمنها كتابه (ابن باديس حياته وآثاره)

ومنها مجموعة مقالات البشير الإبراهيمي التي كتبها في افتتاحيات جريدة البصائر» في سلسلتها الثانية» وقد جمعت أيضا بعد وفاته.

ومنها الكتاب الجامع لآثار الشيخ العربي التببي» من تأليف تلميذه الأستاذ أحمد الرفاعي الشرفي» والذي عنوانه: (مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر بقسميه الأول والثاني)

بالإضافة إلى كتب الدكتور أحمد عيساوي الكثيرة المرتبطة بالجمعية عموماء وبالشيخ العربي التبسي وأعلام مدينة تبسة خصوصا.

ومن الكتب التي ألفت لتأييد خط الطرق الصوفية كتب ورسائل (أحمد بن مصطفى بن عليوة المستغانمي)» وهو من أكبر من توجه له النقد من طرف رجال الجمعية» ومن تلك الكتب والرسائل (رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوّف)» وهي رسالة للرد على الفقيه الشيخ عثمان بن مكي صاحب («المرآة لإظهار الضلالات)

ومنها (مظهر البينات في التمهيد بالمقدمات)» و(القول المقبول فيما تتوصل إليه العقول). و(القول المعتمد في مشروعية الذكر بالإسم المفرد)» و(البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور)» و(المواد الغيثية الناشئة عن الحكم الغوثية)» و(المنح القدوسية في شرح المرشد المعين

1

بطريق الصوفية)» و(ديوان الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي)» و(الأبحاث العلوية في الفلسفة الإسلامية)» و(رسالة الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف». و(أعذب المناهل في الأجوبة والرسائل).. وغيرهاء وهي في جلها مناقشات علمية لما كان يطرح في ذلك الحين من مسائل في المحال المختلفة.

ونحب أن ننبه هنا إلى أن بعض المصادر المرتبطة بالطريقة العلاوية تكاد تكون مفقودة» ولهذا فقد رجعت في| يخصها إلى مرجعين:

الأول: كتاب (صفحات مطويّة في التصوّف الإسلاميّ) لشيخ الطريقة الدرقاوية في الأردن الشيخ أحمد حسن شحاذة الردايدة والذي نقل جزءا كبيرا من كتب الشيخ ابن عليوة في كتابه هذاء وخاصة أهم كتاب من كتب الشيخ وهو(أعذب المناهل) الذي صار في حكم المفقود. لأني لم أجده بعد البحث الطويل» ولهذا فإني في التوثيق أنقل من هذا الكتاب مع الإشارة إلى المصدر الأصلي.

الثاني: رسالة علمية جادة بعنوان (الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتاعية 89--195) للباحثة غزالة بوغانم» وهي رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة منتوري بقسنطينة» قسم التاريخ والآثار» وميزة هذه الرسالة أن صاحبتها قامت بإجراء مقابلات مع شخصيات مهمة في الطريقة العلاوية لم يتسن لي اللقاء معهاء بالإضافة إلى اطلاعها على بعض الكتب التي صارت في حكم المفقود.

ثانيا ‏ المراجع:

وهي كثيرة جدا:

منها ما يرجع لدراسة الواقع الجزائري إبان الاستعمار» وخاصة في تلك الفترة التي تأسست فيها الجمعية ومارست فيها نشاطاتهاء وهي كثيرة لعل أهمها كتابات أب القاسم سعد الله حول

الحركة الوطنية الجزائرية» وحول التاريخ الثقافي الجزائري.

”٠

ومنها مؤلفات أحمد توفيق المدني ك (كتاب الجزائر)» و(هذه هي الجزائر) و(حياة كفاح) باعتبار مؤلفها عاصر الحركة؛ فكان لسانا معبرا عنها وعن مواقفها في هذا المجال.

ومنها كتابات يحي بوعزيز. وخاصة منها كتابه (كفاح الجزائر من خلال الوثائق)

ومنها الكتابات التي تؤرخ للجمعية أو الطرق الصوفية وتحلل نشاطاتهاء ومنها كتاب (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي في الجزائر) لأحمد الخطيب.

ومنها ما يرجع إلى دراسة الشخصيات التي تمثل الجمعية أو تمثل رجال الطرق الصوفية:

وأهمها - بالنسبة للتأريخ لرجال الجمعية - مؤلفات الدكتور تركي رابح عمامرة الكثيرة في هذا المجال» وخاصة كتابه (الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد بن عبد الوهاب في طريق الإصلاح والسلفية» دراسة مقارنة)» وكتابه ( الشيخ عبد الحميد بن بايس فلسفته وجهوده في التعليم»» و(الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر)» و(الشيخ عبد الحميد بن باديس باعث النهضة الإسلامية العربية في الجزائر الحديثة)؛ و(الشيخ عبد الحميد بن باديس شيخ المربين وشيخ المصلحين في الجزائر)» و(جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التاريخية ١1657-- ١141١‏ ورؤساؤها الثلاثة : ابن باديس - والإبراهيمي - والشهيد الشيخ العربي التبسي)

ومنها كتاب (الإمام عبد الحميد بن باديس: الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية) للدكتور محمود قاسمء وكتاب (ابن باديس وعروبة الجزائر) لمحمد الميلي» وكتاب (عبد الحميد بن باديس وبناء قاعدة الثورة الجزائرية) لبسام العسلي.. وغيرها كثير.

أما الكتب التي تؤرخ لرجال الطرق الصوفية» فمن أهمها كتاب (الروضة السنية في ذكر المآثر العلوية) للشيخ عدة بن تونس» ويتناول فيه حياة الشيخ العلوي بالتفصيلء والخلاف الذي جرى بينه وبين رجال جمعية العلماء» ويذكر أهم مريديه في القطر الجزائري وخارجه.

ويعتبر الكتاب من أهم الوثائق التي تتناول شخصية الشيخ.

>31

ومنها (ذكريات الدكتور مارسيل كاريه)» وهي ذكريات أو مذكرات طبيب فرنسي كان قد باشر معالجة الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي في السنوات الأخيرة من حياته» وقد نشرها في طنجة سنة 2١1957‏ وهي تكتسي أهمية كبرى باعتبارها شهادات حية من مصادر أجنبية على سيرتهم» وخصوصا الجانب التفصيل فيها.

الثالث: كتب اهتمت بدراسة الخلاف بين المدرستين اللتين تمثلان الجمعية والطرق الصوفية» وهي المدرسة السلفية والمدرسة الصوفية» وهي كتب كثيرة جداء منها كتاب ( جهود علماء السلف في القرن السادس الحجري في الرد على الصوفية)» للدكتور محمد بن أحمد بن علي الجوير» وأصل الكتاب رسالة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراة في العقيدة والمذاهب المعاصرة» ومنها كتاب (الردود العلمية في دحض حجج وأباطيل الصوفية: ردود طائفة من علماء القرن السادس) للكاتب السابق» وكتاب (جهود علماء الحنفية في دحض عقائد القبورية) للشيخ العلامة شمس الدين السلفي. وكتاب (الطريقة الشاذلية: عرض ونقد)» وهو رسالة علمية من تأليف الدكتور خالد بن ناصر العتيبي» وكتاب (عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية) للدكتور أحمد بن عبدالعزيز القصيرء وغيرها كثير.

بالإضافة إلى كتب الطرق الصوفية الكثيرة في هذا المجال.

وأخيراء من الصعوبات التي واجهتني أثناء القيام بالبحث هو المواجهة مع من ينظرون إلى التاريخ الجزائري ورجاله بنوع من التقديس الذي يحول بينهم وبين النظرة العلمية الملوضوعية.

والحمد لله» فهذه النظرة التقديسية ربم| تكون في مصيرها إلى الزوال» وخاصة بين الباحثين والأكاديميين الصادقين الذين يجعلون من الماضي موضع عبرة لا موضع تقليد.

والثانية هي ذلك الخوف من الذين يتصورون أن كل بحث له علاقة بالطرق الصوفية لا يعدو أن يكون تشجيعا للخرافة أو الشعوذة أو الدجل.. وهذه النظرة القاصرة للأسف لازلنا نعاني منهاء وهي التي تحول بيننا وبين استثار كثير من الطاقات الإسلامية» بل وتصرف جهودنا

در

إلى كثير من الحزئيات التي تشتت جهودناء وتترك الفرصة للمغرضين ليندسوا إلينا من خلاهها. وأما الثالثة» فإنا مع محاولتنا أن نكون موضوعيين في بحثنا ووجهنا بفقد بعض ما نحتاجه من وثائق» وقد اضطرنا هذا إلى نوع من التحليل الذي قد يفتقد الموضوعية العلمية.. فلذلك

نحن نستغفر الله مسبقا لأي خطأ يمنعنا من التحقيق العلمى الجاد.. والحمد لله أولا وأخيرا.

الح

الفصل الأول نبذة تاريخية عن جمعية العلماء والطرق الصوفية

مع الشهرة التي حظيت بها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومثلها الطرق الصوفية» ومع كثرة البحوث المعرفة بها والمؤرخة لما إلا أن المنهج العلمي يتطلب منا التقديم بالتعريف بكليهماء وذلك لسببين:

الأول: أن هذا من ضروريات المنهج العلمي» فالتصديقات فرع عن التصوراتء والحكم على الثيء فرع عن تصوره.

الثاني: أن التعاريف والتواريخ المرتبطة بالجمعية قد تختلف من جهة إلى أخرى» وقد تتدخل في بعضها الذاتية والأحكام الجزافية» وهذا يقتضي منا التحقيق للوصول إلى الحقيقة بعيدا عن التقليد.

وبناء على هذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين:

المبحث الأول: نبذة تاريخية عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

المبحث الثاني: نبذة تاريخية عن الطرق الصوفية المعاصرة لجمعية العلماء.

المبحث الأول نبذة تاريخية عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

تعتبر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أكثر الجمعيات الدينية والثقافية الجزائرية شهرة» ذلك أن سمعتها في تاريخ الإصلاح والثقافة تعدت الجزائر لتشمل العالم كله.

ولذلك أسباب كثيرة لعل أهمها هو اجتماع الكثير من العمالقة الكبار في الفكر والأدب والنشاط في وقت واحدء وفي جمعية واحدة.

ومنها الأهداف الكثيرة التي حملتها الجمعية في ظل واقع استعماري مليء بأصناف المعوقات والمثبطات.

ومنها الأعمال الكثيرة التي استطاعت أن تقوم بها - بغض النظر عن المواقف حوها - إلا

أنه لا يمكن لأحد من الناس أن ينكرهاء وكيف ينكرهاء ونحن لا نزال نرى آثارها في الواقع

الجزائري إلى الآن. وأسباب كثيرة أخرى جعلت من جمعية العلماء عند الكثير من الباحثين أكبر حركة إصلاحية عرفتها الجزائر في تاريخها الحديث.

انطلاقا من هذا نحاول في هذا المبحث أن نتعرف على تاريخهاء والعوامل المؤثرة فيه» والتي أتاحت لها كل ذلك التأثير» وقد قسمنا المبحث إلى ثلاثة مطالب بحسب المراحل التي مرت بها:

المطلب الأول: المرحلة التأسيسية للجمعية

المطلب الثاني: جمعية العلماء في عهد ابن باديس وأهم منجزاتها

المطلب الثالث: جمعية العلماء في عهد الإبراهيمي وأهم منجزاتها

المطلب الرابع: دور الشيخ العربي التبسبي في جمعية العلماء

أما ما يرتبط بتوجهها الفكريء ومشاريعها الإصلاحية» ووسائلها في تحقيقهاء فستتحدث عنها بتفصيل في فصل خاص في الباب الثاني من هذه الرسالة.

المطلب الأول: المرحلة التأسيسية للجمعية

تعتبر المرحلة التأسيسية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أدق مراحلها التاريخية حساسية؛ باعتبار الظروف الاستعمارية التي كانت مر بها الجزائر حينئذ» وباعتبار الواقع الديني الذي كان يشكل فيه المحافظون نسبة أكبر بكثير من نسبة الإصلاحينء وباعتبارات أخرى كثيرة.

ومع ذلك فلم يكن تأسيسها عجيباء فقد كانت هناك عوامل كثيرة خففت من وطأة تلك الظروف القاسية» وقد أشار إلى بعض تلك العوامل الشيخ الإبراهيمي» الذي عزاها إلى أربعة عوامل7":

أولها: آثار دعوة الإمام محمد عبده التي تأثر مها المصلحون الجزائريون» وكذا مؤلفات تلميذه الشيخ رشيد رضا التي كان لا الأثر القوي في إذكاء الحركة الإصلاحية في الجزائر» ومن ثم توحيد جهودهم تحت جمعية واحدة.

ثانيها: الثورة التعليمية التي أحدثها الشيخ عبد الحميد ابن باديس بدروسه حيث كون عقولهم وشحذ عزائمهم وربى نفوسهم على وجه تتشوف به إلى كل دعوة تغيير في المستقبل بقائد الدين وشعار الإصلاح.

ثالثها: التطور الفكري الذي طرأ على عقول الناس من مخلفات وآثار الحرب العالمية الأولى.

رابعها: رجوع طائفة من المثقفين الجزائريين الذين كانوا يعيشون في المشرق العربي ولا سيا في الحجاز والشام والذين من أبرزهم الإبراهيمي والعقبي. )١(‏ سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. المنعقد بمركزها العام» نادي الترقي بالجزائر» دار الكتب» 1987 »

ص8 4» وما بعدهاء وانظر: آثار الإبراهيمى: .18١ /١‏ 5"

وقد وقعت في التأريخ لهذه الفترة خصوصا كثير من الخلافات بين المؤرخين للجمعية سواء كانوا من الموالين لهاء أو من المناوئين» وهي مهمة جدا من حيث دورها في إعطائنا الصورة للوضع حينذاك» وخاصة ما يرتبط منه بالتعامل بين الجمعية والطرق الصوفية.

وانطلاقا من هذاء فسنبحث في هذه الفترة خصوصا انطلاقا من وجهات النظر المختلفة محترمين لها جميعاء تاركين الحكم بعد ذلك للقارئ» أو للباحث المنصف لمزيد من البحث

ونحب أن ننبه هنا إلى أننا لن نطرق في هذا المطلب الخلاف الذي حصل بين الجمعية والطرق الصوفية في مرحلتها التأسيسية لأننا سنذكره بتفصيل من وجهات النظر المختلفة مع نتائجه وأسبابه في الفصل التالي لهذا الفصل.

ولهذا سنكتفي بالحديث عن ثلاثة أمور:

الأول: المؤسس الحقيقي للجمعية

الثاق#لسات التأسيسي» وكيت قت

الثالث: قانون الجمعية.

أولا ‏ مؤسس الجمعية:

اختلف المؤرخون للجمعية حول البداية الحقيقية للتفكير في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وبناء على ذلك اختلفوا في المؤسس الحقيقي لمال"» ونحب أن نطرح هنا هذا الخلاف, لغايتين:

الأولى: ما نراه من ضرورة مراجعة الأحداث التاريخية» وعدم التسليم لكل ما يذكره

)١(‏ لعل من أسباب الخلاف في هذا أن النداء الذي نشرته الشهاب في شهر فيفري ١97١‏ (إلى كافة الشعب الجزائري)» والذي جاء فيه : (هل من حازم يوفق لتأسيس جمعية العلماء فينال جائزة مالية مع تخليد اسمه )»لم يذكر فيه اسم الداعي» بل اكتفت جريدة الشهاب بقولها (والداعي إلى إعادة بحث هذا الموضوع الحام هو أحد الفضلاء الممتازين )

"7

المؤرخونء وكأنه حقيقة مقدسة لا يجوز المساس بهاء وخاصة إذا استلم زمام كتابة التاريخ طرف واحد له صلة بالجهة التي يكتب عنها.

ثانيا: ‏ أن الحكم على ما حصل بين الجمعية والطرق الصوفية من أحداث وتأثير يرجع بدرجة كبيرة إلى البداية التأسيسية للجمعية» ولهذا فإنه من المهم التعرف على المؤسس الحقيقي ودوافعه.

انطلاقا من هذا نذكر أهم الشخصيات التي دار الجدل حول كونها مؤسسة للجمعية» وهي - كما نرى - أربع شخصيات» كل شخصية منها تمثل توجها فكريا وإصلاحيا خاصاء سنعرفه في في هذه الرسالة عند عرض التوجهات الفكرية لجمعية العلماء.

١‏ أحمد توفيق المدني:

يعتبر (أحمد توفيق المدني)27 من الشخصيات المهمة التي ظهرت إبان تأسيس جمعية العلماء» وكان لها دور بارز فيهاء وهو يمثل شخصية الإداري المحنك الناجح الذي يستطيع أن يتأقلم مع كل التوجهاتء ولذلك اعتبره البعض مؤسسا حقيقيا للجمعية» بل كان هو نفسه يقول بذلك» ويرى أنه صاحب الفكرة".

ويرجع تاريخ نشأة الجمعية على حسب هذا المصدر إلى التقاء مجموعة من العلماء” بنادي الترقي لمناقشة الأوضاع التي آلت إليها الجزائر خاصة بعد الاحتفالات المئوية» وكذلك دراسة

(1) أحمد توفيق المدني (1845- )١985‏ من مواليد مدينة تونس وهو من عائلة جزائرية» زعيم سياسي قدير درس بالزيتونة وشارك في النضال الوطني بتونس ضمن الحزب الدستوري» سجن عدة مراتء له عدة مؤلفات منها كتاب الجزائر »197”١‏ وكتاب هذه هي الجزائر 214517 وكتاب حياة كفاح في ثلاثة أجزاء »عرف بنشاطه السياسي والصحافي انظر في ترجمته: محمد الطاهر العدوانيء مجلة التاريخ» العدد (١14‏ م.و.ف. م, الجزائر»/9١)‏ ص59١.‏

. 117/4, ١78 أحمد توفيق المدني» حياة كفاح» ج 7»» الشركة الوطنية للنشر والتوزيع»الجزائر» /ا191١» ص‎ )١(

)نو ارد العاضين وجمد عباسة وعم ن إساغيل, 58

موضوع تأسيس حركة تمثل الشعب الجزائري» ولكن لا تكون في الإطار السيامي» فاهتدوا في الأخير إلى تكوين جمعية إسلامية تجمع شمل العلماء» وغايتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرء وكانت مبادرة العاصمي بأن يطلق عليها اسم (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)27)

وقامت هذه الجماعة بتشكيل لحنة تحضيرية لتأسيس جمعية العلماء» وكان منهم - على حسب رواية المدني: محمد بن المرابط» ومحمود بن ونيش» ومحمد الزميرلي» والحاج ماماد المانصالي» ومحمد بن الباي» ومحمد علي عباس التركيء وقدور بن مراد الرودوسيء ومحمد بن الحفاف. بالإضافة إلى العاصمي» وعمر إسماعيل» وعبابسة» والمدني» وخرجوا بالقرارات التالية :

٠‏ السير إلى الأمام دون تردد وتواني إلى أن تجتمع هذه الجمعية.

أن النادي سيكون مقرها الرسمي إلى أن تقيم الجمعية لنفسها مقرا خاصا.

٠‏ أن رجال النادي وراء الفكرة أدبيا وماديا وقانونيا©.

ويذكر المدني بأن الأعضاء المجتمعين كلفوه بتحضير (قانون أساسي للجمعية)» وأنه قكن خلال ثلاثة أيام من إعداد مشروع القانون فوافق عليه أعضاء النادي".

وبعد مراسلة أعضاء النادي الاجتماع كان أول إجتماع يوم ٠5‏ ماي ١97١م‏ في نادي الترقي.

ولعل ما يؤيد هذا الرأي أن نادي الترقي الذي كان الحاضن الأكبر لجمعية العلماء بدأ نشاطه. بل تأسس عند عودة أحمد توفيق المدني إلى الجزائر أثناء صيف سنة ١975‏ .

وقد وصف أحمد توفيق المدني كيفية التأسيسء فذكر أنه أثناء حفل عشاء أقيم بمنزل السيد

محمد بن المرابط -أكبر التجار الجزائريين- على شرفه بعودته إلى الجزائر» وضم هذا الحفل ”7

6 المدني» حياة كفاح» ج؟. ص صضص.76١.‏ كلا ١ا.‏ 6 المدني» حياة كفاح» ج”". ص ١/1‏ .

(©) أحمد الخطيب: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» المؤسسة الوطنية للكتابء الجزائر» .١9/7‏ ص .١١7/‏ 58

رجلا من أعيان الجزائر وفضلائهاء وأخذ الحديث مجراه حول وضعية الجزائر وحول حاضرها ومستقبلهاء وقام السيد الحاج ماماد المانصالي» وشكر المدني بخطبه الواعظة ال حادفة في حفل التكريم» وكذا جمعية الشبيبة وما أثاره في نفوس الجزائريين» واقترح على المدني بأن يكمل عمله بإنشاء جمعية أو ناد على أن يعينوه ويؤيدوه» وصادق جمع كبير على ماقاله المانصالي» فاقترح المدني إنشاء ناد ضخم كبير يقع في أحسن حيء ويؤثث أحسن تأثيث يلم الشمل» وفيه يجمع الناس كل يوم» وفي هذا النادي تتكون الأفكار وتظهر الآراء وتناقش المشاريع وتبدو الحركات الصالحة. فمن أراد النهضة الاقتصادية وجد حوله رجال الاقتصاد. ومن أراد الإصلاح الاجتماعي وجد من يبحث في الإصلاح. إلى غير ذلك من مواضيع النهضة والحياة.

فرد عليه السيد يوسف بن المرابط بن الفكرة حسنة جدا لكنها مثل كل الأفكار تطفو على السطح حينا ثم ترسب ولا يبقى لها من أثر فم| كان على المدني إلا أن قال : (إن الفكرة سهلة التنفيذ وقريبة الإدراك» ويلزمها ثلاثة أمور: امال وعندكم والحمد لله والرجال وأنتم عصبة قوية من الرجالء والعزيمة وفيكم العزيمة الصادقة» فلو أردتم ولو عزمتم لكان لكم النادي في أقرب وقت)

وهنا أخذ الحاضرون يتناقشون وطال الحديث وتشعبت وتشاكست الآراء وتصادمت الغايات إلى أن هدأت الثائرة وخفت الحدة بعد ساعة فقال المدني : (الآن حسب رأبي عليكم أن تجربوا ليتكلف ثلاثة منكم بالبحث عن محل لائق محترم وفسيح وليتعهد جماعة منكم أو كلكم ببذل المال الكافي من أجل الإيجار والتأثيث ودفع التكاليف الأولى ثم لتعين لجنة لتحرير قانون أسامي يعرض على الاجتاع العام عند عقده)1"

وهكذا تأسس النادي» وكان خير مثال على الإصلاح الشامل الذي استطاع أن يجمع

(1) أحمد توفيق المدني» مذكرات حياة كفاح 1978/ 1405م ج؟ ( ش. و. ن. تء الجزائر )١91/1‏ ص١1١١.‏ 0

الجزائريين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية» ولو أن الأمر استمر على ذلك النهج لكان واقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مختلفا كثيرا عن الواقع الذي آلت إليه» والذي أدخلها في صراعات داخلية كثيرة شغلتها عن دورها الإصلاحي الأساسي الذي هو الحفاظ على الموية» والوقوف في وجه المستعمر.

"' - عبد الحميد بن باديس:

لاشك في اعتبار الشيخ عبد الحميد بن باديس هو صاحب الفكرة الحقيقي عند أكثر المئؤرخين» وخاصة من الموالين للجمعية» أو من الذين اقتصروا في مصادرهم على ما تورده الجمعية متلقين له تلقي المسلّم.

ولعل خير من دافع عن هذا الرأي وأكده (محمد خير الدين)» وهو من أشد المقربين إلى الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي7"» فهو ينفي بقوة أن تكون فكرة تأسيس الجمعية لغير عبد الحميد بن باديس حيث يذكر أنه هو والشيخ مبارك الميلٍ كانا حاضرين حين دعا ابن باديس محمد عبابسة بقسنطينة» وأوكل إليه مهمة الدعوة إلى تأسيس جمعية العلماء المسلمين بالعاصمة مع مراعاة العناصر التي لا تثير أسماؤها الشبهات والشكوك لدى الإدارة

الفرنسية أو حاوف أصحاب الزواياء وأن يوجه الدعوات إلى العلماء بنادي الترقي مع الحرص

)١(‏ لقد كان الإمام ابن باديس يعتز كثيرا بالشيخ خير الدين» فأئناء تجديد المجلس الإداري عام ١128‏ مء وأثناء التعريف بأعضائها قال: (و ثالثهم الشيخ محمد خير الدين عميد الحركة الإصلاحية في بسكرة وضواحيها وهو- من بين إخوانه - ممتاز بحسن التدبير التجاري والفلاحيء الذي قل أن لا يعود عليه بالأرباح لكنه كثيرا ما ترك ذلك في سبيل خدمة الجمعية بذلك التدبير» وهو مراقب الجمعية العام) (محمد خير الدين» المذكرات.ص 755. أنظر أيضا: عبد الحميد بن باديس: (المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) »جريدة البصائر» العدد 78 ١7176‏ أكتوبر ١97/8‏ »ص 7)» ومثله الشيخ الإبراهيمي الرجل الثاني» فقد كان يعتمد عليه كثيراء وكان ينشد دائم| قوله: الدين خير كله وأنا أرى -من خير هذا الدين (خير الدين) (محمد خير الدين:المصدر نفسه. ص )757١‏

0

أن يكون ذلك سرا حتى يكتب للموضوع النجاح.

وحسب خير الدين فإن محمد عبابسة وجه الدعوة لكل من عمر بن إسماعيل الدلسي والشيخ محمد العاصميء وأحمد توفيق المدني الذي كان صديقا لمبارك الميلٍ.

كما يذكر أن ابن باديس أفضى لهم بالسر وطلب كتمانه» كم| أخبرهم بأنه لن يحضر الاجتماع في يومه الأول حتى يستدعى رسميا لحضور الاجتاع العام» وكان هدفه تجنب ردود فعل الإدارة وأصحاب الزوايا الذين يتتحرجون بكل عمل يقوم به عبد الحميد ابن باديس2".

بل يذكر محمد خير الدين التحضيرات التي قام بها عبد الحميد بن باديس قبل التأسيس» وأهمها الاجتماع الذي دعا إليه عام »١147/‏ وكانت الدعوة موجهه إلى العلماء والطلاب العائدين من جامع الزيتونة والمشرق العربي الذين تفرس فيهم الشيخ المؤهلات العلمية والعملية والقدرة القوية والاستعداد التام للعمل في إنجاز هذا المشروع.

وكان الاجتماع - ىا يرويه الشيخ محمد خير الدين!) - في مكتب ابن باديس المجاور لمسجد الأربعين شريفا بقسنطينة» حيث ساد الحماس الفياض والعزيمة الصادقة في العلماء والطلاب» وأبدوا فيه الاستعداد لبداية عهد التضحية في سبيل الله ودينه والنهوض بالوطنء وافتتح ابن باديس الجلسة بخطبة عرض فيها على وجه الإجمال والإيجاز. خطوات فرنسا في طمس دين ولغة وهوية وقومية وشخصية الجزائريين» وذكرهم بتلك القوانين الجائرة التي تدرج المستعمر الفرنسي في إصدارهاء حنكة منه في طور التغيير واقتلاع الجذورء وامتصاصا لردود الفعل المتتظرة من جراء كل قانون ابتداءًا من قانون تقسيم الجزائر وإلحاقها بالعالات الفرنسية.. وذكر الشيخ العلماء بتلك المجاعة والجفاف التي عانت الجزائر منها سنة ١81/4‏ واستغلتها فرنسا في استمالة وتحويل المسلمين عن دينهم إلى الديانة النصرانية بقيادة الزعيم الروحي (1) رابح تركيء المرجع السابق : ص 55 -/51.

(؟) مذكرات الشيخ محمد خير الدين: /١‏ 87. هل

للمبشرين (الكاردينال لافيجري)

ويذكر خير الدين أن العلماء أجابوا كلهم باستعدادهم التام وشوقهم للتضحية في سبيل دينهم ووطنهم. وعرض الرئيس في الاجتتماع خطة العمل الإدارية والعملية مسلطا الضوء فيها على وسائل وجبهات التضحية التي تفرضها الظروف والأحوال في الغالب» ونص على الدروس والوعظ لعامة المسلمين والكتابة في الصحف والمجلات للتوعية» وإنشاء النوادي للاجتماعاتء وإلقاء الخطب والمحاضرات والاعتماد على الكشافة الإسلامية لعنصر الشباب» وتنمية روح النضال في الجزائريين» وهذه الوسائل هي عين الوسائل المعلن عنها بعد تأسيس الجمعية رسميا ما يؤكد قدم فكرة التأسيس للجمعية قبل موعدها الرسمي".

ومن المؤيدين لهذا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي» بل إنه ذكر تاريخا أسبق من التاريخ الذي ذكره محمد خير الدين» ولا بأس أن ننقل بتصرف بعض ما ذكره هنا لنرى من خلاله الدوافع الحقيقية لتأسيس الجمعية» قال: (كنا نؤدّي فريضة العشاء الأخيرة كل ليلة في المسجد النبوي» ونخرج إلى منزلي» فنسمر مع الشيخ ابن باديسء منفردين إلى آخر الليل حين يفتح المسجد فندخل مع أول داخل لصلاة الصبح» ثم نفترق إلى الليلة الثانية» إلى نهاية ثلاثة الأشهر التي أقامها بالمدينة المنوّرة.. كانت هذه الأسار المتواصلة كلها تدبيرًا للوسائل التي تنهض بها الجزائر» ووضع البرامج المفصّلة لتلك النهضات الشاملة التي كانت كلها صورًا ذهنية تتراءى في مخيلتيناء وصحبها من حسن النيّة وتوفيق الله ما حققها في الخارج بعد بضع عشرة سنة» وأشهد الله على أن تلك الليالي من سنة ١911“‏ ميلادية هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي لم تبرز للوجود إلا في سنة )0)١917١‏

ثم يذكر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي كيف رجع الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى

.87 /١ مذكرات الشيخ محمد خير الدين:‎ )١(

(؟) آثار الإبراهيمى: (6/ 717//8. 8

الجزائر» والخطوات التي قام بها لتنفيذ ما اتفقا عليه» فقال: (وشرع الشيخ بعد رجوعه من أول يوم في تنفيذ الخطوة الأولى من البرنامج الذي اتفقنا عليه» ففتح صفوقًا لتعليم العلم» واحتكر مسجدًا جامعًا من مساجد قسنطينة لإلقاء دروس التفسير وكان إماما فيه» دقيق الفهم لأسرار كتاب الله» فيا كاد يشرع في ذلك ويتسامع الناس به حتى انبال عليه طلاب العلم من الجبال والسهول إلى أن ضاقت بهم المدينة» وأعانه على تنظيمهم وإيوائهم وإطعام المحاويج منهم جماعة من أهل الخير وحبّي العلم» فقويت بهم عزيمته) 0"

ثم يذكر الثار التي جناها الشيخ عبد الحميد بن باديس بعد سنوات من ذلك الجهد التعليمي والتربوي» والذي كان نواة لتحقيق ما اتفقا عليه» فقال: (ورأيت بعيني النتائج التي حصل عليها أبناء الشعب الجزائري في بضع سنوات من تعليم ابن باديس» واعتقدت من ذلك اليوم أن هذه الحركة العلمية المباركة لما ما بعدهاء وأن هذه الخطوة المسدّدة التي خطاها ابن باديس هي حجر الأساس في خبضة عربية في الجزائر» وأن هذه المجموعة من التلاميذ التي تناهز الآلف هي الكتيبة الأولى من جند الجزائر» ولمست بيدي آثار الإخلاص في أعمال الرجالء ورأيت شبانًا من تخرّجوا على يد هذا الرجل وقد أصبحوا ينظمون الشعر العربي بلغة فصيحة وتركيب عربي حرٌء ومعان بليغة» وموضوعات منتزعة من صميم حياة المّة» وأوصاف رائعة في المجتمع الجزائري» وتشريح لأدوائه» ورأيت جماعة أخرى من أولئك التلامذة وقد أصبحوا يحبرون المقالات البديعة في الصحف. فلا يقصرون عن أمثالهم من إخوانهم في الشرق العربي» وآخرون يعتلون المنابر فيحاضرون في الموضوعات الدينية والاجتاعية» في رتجلون القول المؤث والوصف الجامع» ويصفون الدواء الشافي بالقول البليغ)”"

ثم يذكر مؤازرته لابن باديس في التحضير لتأسيس الجمعية» فقال: (وحللت بلدي وبدأت

)0 آثار الإبراهيمي: (5/ 717/4)

(؟) آثار الإبراهيمي: (71/9/5) ع

من أول يوم في العمل الذي يؤازر عمل أخي ابن باديس... بدأت ألا بعقد الندوات العلمية للطلبة» والدروس الدينية للجاعات القليلة» فلم تبيّآت الفرصة انتقلت إلى إلقاء الدروس المنظّمة للتلامذة الملازمين» ثم تدرّجت لإلقاء المحاضرات التاريخية والعلمية على الجماهير الحاشدة في المدن العامرة والقرى الآهلة» وإلقاء دروس في الوعظ والإرشاد الديني كل جمعة في بلد» ثم لما تم استعداد الجمهور الذي هزّته صيحاتي إلى العلم» أسّست مدرسة صغيرة لتنشئة طائفة من الشبان نشأة خاصة وتمرينهم على الخطابة والكتابة وقيادة الجاهير بعد تزويدهم بالغذاء الضروري من العلم)”"

بهذا التأريخ الذي ذكره الإبراهيمي يتبين لنا أن التاريخ الحقيقي لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين انطلق من الفترة التي كان فيها ابن باديس والإبراهيمي بأرض الحجازء وكان للفكرة ما بعدها من الجهد العام والخاص لتوفير الأرضية الصالحة لاستقبال الجمعية ورعايتها.

وهذا لا يعني أننا نرجح أن ابن باديس والإبراهيمي هما المؤسسان الحقيقيان للجمعية؛ وإنما نرجح أن هناك شعورا بين طبقات من المثقفين الجزائريين من أصحاب الاتجاه الإسلامي بضرورة تنظيم أنفسهم مثلما حصل بين تيارات أخرى في الجزائر.. أو مثلما حصل خارج الجزائر من تنظيمات إسلامية.

الطيب العقبي:

يعتبر الطيب العقبي من أكثر الأعضاء البارزين في الجمعية قبل تأسيسهاء بما كان يملكه من قدرات خطابية عالية» وبم| كان يملكه من شخصية قوية استطاع بها أن يقتحم محال كان من

)0 آثار الإبراهيمي: (0/ 717/4)

الوهابي» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانء في مقابل ابن باديس الذي كان يمثل دور محمد عبده ورشيد رضا وغيرهم من أصحاب المدرسة التنويرية.

وقد أشار إلى هذا مالك بن نبي عندما ذكر عن نفسه تأثره الشديد بالشيخ العقبي وتفضيله عليه في شبابه على الشيخ عبد الحميد بن باديس» فقال: (كان الشيخ العقبي يبدو في ناظري بدويا بين| يبدو الشيخ ابن باديس بلدياء وحين بدأت فيما بعد معركة الإصلاح وكنت أحد المشتركين فيهاء بقيت أحمل في أعماقي شيئا من التحفظ تجاه ابن باديس وبعض الأسى لكون الشيخ العقبي لا يقود تلك الحركة ولا يرأس جمعية العلماء)”"

وإلى اعتبار الطيب العقبي هو المؤسس الحقيقي للجمعية ذهب بعض الباحثين في تاريخ الجمعية("» ولعل ما يدل لهذا الرأى الوجيه الدور الكبير الذي لعبه الشيخ العقبي في نادي الترقي قبل تأسيس الجمعية.

فقد ذكر المؤرخون للنادي وللجمعية التغيير الذي أحدثه الطيب العقبي للنادي بعد انتقاله إليه بدعوة من أعضاء هيئة النادي التي أعجبت بفصاحته الراقية في اللغة العربية على اثر تأبينية ناصر الدين ديني7 ببوسعادة0).

بعد هذا التف أعيان الجزائر المصلحون حوله وأكرموه وجعلوا له مرتبا من صندوق النادي

6 مالك بن نبى» مذكرات شاهد للقرن. دار الفكر» دمشق» سورية» ١7”‏ .

إفة6 انظر: أحمد مريوش :الشيخ الطيب العقبي ودوره في الحركة الوطنية الجزائرية» مطبعة دار هومة الجزائر»/1٠٠٠»‏ ص 01

فيه إتيان دينيه )١1973/1/751(‏ ولد بباريسء والداه محاميان» وهو رسام فرنسي مشهور أعلن إسلامه بالجزائر وأتخذ اسم ناصر الدين سنة 1971م برع في التصوير وله لوحات معروفة» ألف بالفرنسية كتاب محمد بالاشتراك مع سليمان الجزائري وحلاه برسوم من ريشته؛ له بالفرنسية : حياة الصحراء »أشعة من نور الإسلام» توفي بفرنسا بنوبة قلبية وأوصى بنقل جثانه إلى بوسعادة للمزيد أنظر : سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي» ج8. ص .4١9‏

(:) مريوشء الطيب العقبى» ص.ص. 5 .١70 .١7‏ ب

يكفيه ثم اشتروا له دارا حسنة في حي (سانتوجين)"

في هذه الأجواء بدأ العقبي نشاطه بنادي الترقي» وقد قدرت محاضراته الأسبوعية فيه بأكثر من حمس محاضرات» هذا علاوة عن الحلقات والندوات التي كان يعقدها من حين لآخر مع جماعة النادي وبعض الأعيان من مختلف الولايات الأخرى وكلها تعالج الطرح الجديد للإصلاح ".

وقد لقيت دعوة العقبي الإصلاحية الإقبال الكبير وعمرت دروسه بالمؤمنين بهاء ىا استقطبت حركته عنصر الشباب وكذلك عمال الميناء الذين واضبوا على الاستماع إليه وأصبحوا الجند الواقي لحركته حتى أسماهم العقبي ب (الجيش الأزرق)7

بل حتى الحركة الكشفية استطاع العقبي أن يستقطبها من خلال تدعيمه وتوجيهاته لهاء ومن خلال توافد شباءها على نادي الترقي» وقد ذكر محمد بوراس زعيم الكشافة الإسلامية أنه كانت له علاقة بالعقبي» وكان من مناصريه سواء بالنادي أو بالخارج» واتضح ذلك في حضور بوراس لنشاطات العقبي سنة 1975م أثناء تحضيراته للمؤتمر الإسلامي©".

وقد ذكر مالك بن نبي تأثير العقبي على العاصمة» فقال: (... حتى وصلنا تحت لافتة (

نادي الترقي ) وربما كانت أول لافتة بالخط العربي في العاصمة كا قال له الدليل أنه من مريدي

(1) ) محمد علي دبوز» نهضة الجزائر وثورتها المباركة» ج 7”ءط (١‏ المطبعة العربية» الجزائر» )١91/١‏ ص ١١90‏ .

(') مريوشء الطيب العقبي» ص.ص 110.١79‏

(0) عرف محمد الطاهر فضلاء هذا الجيش بأنه: منظمة تشبه الفدائيين مكونة من الشباب المصلحين المتأثرين بالحركة الإصلاحية الجديدة والمبهورين بشخصية الطيب العقبي» تأثروا بدروسه ومحاضراته واهتدوا إلى الإقلاع عن الدنايا والتكفير عن السيئات بالرجوع إلى الله والاهتداء مهديه» ثم استعمال العنف أحيانا للدفاع عن الحركة الإصلاحية ومحركها الشيخ الطيب العقبي وكانوا حرسا له أينا كان وحيثا حل. انظر: محمد الطاهر فضلاءء الطيب العقبي رائد الإصلاح الديني بالجزائر (م. و. ف. م, الجزائر» )١9/25‏ ص017» وقد ذكر لي الدكتور أحمد عيساوي أن هذا غير صحيح.

(؛) انظر : مريوشء الطيب العقبي» ص177. ا

العقبي في هذا النادي حيث يعطي درسه كل مساء... ولم تكن ظاهرة التغير التي شهدتها العاصمة على وجه رجل الشارع وفي هيئته وكلامه وفي هذه اللافتة المكتوبة بالخط العريض» لم تكن تعني لي إلا شيئا واحدا هو أن موجة الإصلاح قد وصلت إلى هنا("

؛ - عمر إساعيل:

قد يستغرب البعض طرح اسم (عمر إسماعيل)"هناء خاصة وهو اسم غير معروف للكثير» ولكنا مع ذلك نطرحه باعتبارين:

الأول: أنه - مع كونه محسوبا على الجناح الصوفي - تولى مناصب حساسة في إدارة الجمعية في أول تأسيسهاء فقد ترأس اللجنة التأسيسية» وترأس لجحنة العمل الدائم في السنة الأولى من تأسيس الجمعية» وكان يمكن لو استمر في هذه الوظائف الخطيرة أن يحمي الجمعية من كثير من التقلبات التي حصلت فيهاء فقد كان يجمع بين التوجه الصوفي والتوجه الإصلاحي, وبالتالي كان أكثر أعضاء الجمعية قدرة على استيعاب كل أطياف التوجهات الفكرية الجزائرية.

الثاني: أن هناك من الباحثين المحترمين وشهود العيان من أخبر بهذاء بل صار يطالب به فقد نشرت جريدة ليبرتي (1.106116) الصادرة باللغة الفرنسية» في عدديها الصادرين يومي الجمعة : والسبت 5 ماي 2750١7‏ وكذلك يومي الجمعة ١١‏ والسبت ؟١‏ ماي 5١١7‏ مقالا في حلقتين من تأليف الكاتب (عبد الحكيم مزياني)» الذي يشغل منصب نائب رئيس مؤسسة القصبة.

والمقال عبارة عن تغطية للنشاط الذي نظمه المقهى الأدبي لمؤسسة قصبة الجزائر» الذي عقد

)00 بن نبى» مذكرات شاهد للقرن - الطالب - ص5 70. )١(‏ عمر إسماعيل : أحد أعيان العاصمة وأثريائها قام بدور كبير في تأسيس نادي الترقي مادياء تولى رئاسة اللجنة الدائمة التى وضعت لتأسيس ال جمعية وساعده في ذلك محمد المهدي (كاتب)» وآيت سى أحمد عبد العزيز (أمين الملل)» و محمد

الزمرلي والحاج عمر العنق (عضوان) (انظر: مريوشء الطيب العقبيء ص )١55‏ 0

بمناسبة إحياء الذكرى الواحدة والثانين لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وقد كان عنوان المقال (تكريم القصبة لجمعية العللاء ومؤسسها الشيخ عمر إسماعيل)

ولم يكن هذا العنوان خطأ من الكاتب أو الناشرء وإن| هو عنوان مقصود. وقد ذكر فيه إجماع الشهود من أصدقاء وأقارب (عمر إسماعيل)على أن فكرة تأسيس الجمعية تعود لعمر إسماعيل مشددين على ضرورة استعادة حقوقه التاريخية.

وقد ذهب الكاتب إلى أكثر من ذلك حين ذكر أن الإدارة الاستعمارية تعمدت إبعاد العناصر الصوفية» وقربت الإصلاحيين من ذوي التوجه السلفي لتمنحهم تسيير مراكز العبادة تطبيقا لقانون ١105‏ الذي يفصل بين الدين والدولة» منحازة بذلك لجانب الجناح الإصلاحي على حساب الجناح الصوفي في الجمعية.

ونحن مع احترامنا لهذا الرأي إلا أنا لا نرى ما ذكره من الأدلة كافياء بل القضية تحتاج إلى المزيد من البحث والأدلة بعيدا عن التحيز والتعصب.

ونأسف في نفس الوقت كثيرا لما قوبل به هذا الرأي المحترم الوجيه من طرف جمعية العلماء الجديدة» فقد حملت في موقعها على الإنترنت حملة شنيعة على الكاتب وعلى الجمعية» وعنونت حملتها بعنوان (ماذا وراء محاولة اختطاف جمعية العلماء؟!)20 وهو ناشئ للأسف من النظرة التقديسية للتاريخ» والتي لا تتيح لنا مراجعة الحقائق بعيدا عن كل تعصب.

وكل ما ذكره الكاتب من أدلة هو مجموعة خطابات تعودنا عليها لا تحمل أي طابع علمي» فهو ينتقل ‏ مثلا - من مناقشة الفكرة إلى الحديث عن صاحبهاء فيقول: (الاستغراب يأ من كون أن الحقيقة التي يعرفها العرب والعجم, ويعتقد بصحتها جل المؤرخين لحركة الإصلاح الوطني وتاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» هي أن الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس

)١(‏ انظر: الموقع الرسمي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على الرابط التالي (132.02ل0. للالقالها//:م11/) 8

- عليه رحمة الله- هو مؤسس جمعية العلماء المسلمين» فهل يكفي مقال لكاتب لامع وصحفي مخضرم ومقتدر في القضايا الثقافية ينصب اهتامه -حسب ما قرأنا له- على شؤون الفن والسيناء والقضايا الأدبية أن يقلب حقائق معروفة وموثقة منذ /١‏ سنة؟!)

وهو - ثانيا- يرجع في مصادره إلى المصادر التي لا يمكن الاعتاد عليها وحدهاء باعتبارها طرفا من الأطرافء فهو يذكر مثلا (الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» ومذكرات الشيخ محمد خير الدين» أحد مؤسسي جمعية العلماء وأعضائها القياديين» والدكتور أبو القاسم سعد الله» المؤرخ الجزائري المعروف,. وكل هؤلاء مشهود لهم باستقامتهم الدينية» وأمانتهم العلمية» وسعة إطلاعهم على قضايا وخفايا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)

ونحن لا ننكر هنا ما ذكره هذا الكاتبء وما ذكرته تلك المصادر» ولكنا في نفس الوقت لا نستطيع أن ننكر ما ذكره غيرهم» ولذلك نرى أن المنهج العلمي يجعلنا نحترم كل الآراءء ولا نقدس أحدا منها مهما كان» ولا نعتبر من خالفنا مختطفا مهما كانت صفته» ما دام يعتمد في ذلك على المنهج العلمي.

ثانيا جلسات التأسيس:

بغض النظر عن صاحب الفكرة فإنه بعد أقل من سنة على مرور الاحتفالات المئوية للاستعمار الفرنسي» والتي كانت بمثابة الشرارة التي ساعدت في إخراج الفكرة إلى الوجود2", عقدت الجلسة التمهيدية لوضع أسس وهيئات الجمعية صبيحة يوم الثلاثاء على الساعة الثامنة صباحا الموافق ل 0 ماي 197١‏ م.

وقد حضر حفل التأسيس ١7‏ عالما وطالب علم من مختلف أنحاء القطر الجزائري بدعوة

."51١ الشهاب ءج 5. م/ء المطبعة الجزائرية الإسلامية قسنطينة محرم ٠160١ه ص‎ )١( ٠

من اللجنة التأسيسية» وعلى رأسها عمر إسماعيل؛ وكان الاجتماع هيدف إلى وضع القانون الأسامبي للجمعية» فعينوا للرئاسة المؤقتة أبا يعلي الزواوي» وللكتابة محمد الأمين العمودي الذي تلى القانون فأقرته الجمعية بالإجماع.

وفي المساء من نفس اليوم أعيد الاجتاع لانتخاب الهيئات الإدارية» طبقا للقسم الثالث والفصل السابع من القانون الأساسمي وقد اعتمدت طريقة الاقتراع لاختيار الأعضاء وهم: عبد الحميد بن باديس» ومحمد البشير الإبراهيمي» والطيب العقبي, ومحمد الأمين العمودي. ومبارك المي وابراهيم بيوضء ومولود الحافظيء. ومولاي بن شريف. والطيب المهاجي. والسعيد الياجوري. وحسن الطرابلسي» وعبد القادر القاسمي» ومحمد الفضيل الورتيلاني» وحددت لمهؤلاء مهمة اختيار المهام فيم| بينهم.

وتم سن القانون الأسامي للجمعية وانتخاب الحيئة الإدارية وانتخب ابن باديس غيابيا(”' للرئاسة والإبراهيمي نائب له وللكتابة العامة محمد الأمين العمودي ولمساعدته العقبي والأمانة المالية للميلٍ والأستاذ إبراهيم بيوض مساعد له(".

وقد ضمت الجمعية في عضويتها اتجاهات مختلفة كان بعضها إصلاحيا مجدداء وكان البعض

الآخر يمثل المحافظين (كان رؤساء زوايا ٠”‏ طرق صوفية هامة في البلاد أعضاء مساعدين في

)١(‏ يفسر المؤرخون للجمعية سر تغيب ابن باديس عن الاجتاع هو أنه رأى في غيابه حكمة لتدعيم الجمعية وأن غيابه كان بأمر من المجتمعين حتى لا تتفطن الإدارة لأبعاد جمعية العلماء (مريوشء الطيب العقبي. ص »)١55‏ وهذا ما أكده محمد بن خير الدين الذي يذكر أن ابن باديس ذكر له أنه لن يلبي دعوة الاجتماع» ولن يحضر في يومه الأول حتى يقرر المجتمعون استدعاءه بصفة رسمية» فيكون بذلك مدعوا لا داعياء وبذلك يتجنب ما يكون من ردود فعل تقوم بها السلطة الفرنسية في البلاد وأصحاب الزوايا ومن سار في ركابهاء وبهذا الرأي السديد نجحت الخطة (محمد خير الدين» مذكرات» ج١2‏ ط١(‏ مؤسسة الضحىء الجزائر 7 )٠١١‏ ص 84) (0) عبد الكريم بو صفصافء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلاقاتها بالحركات الجزائرية الأخرى (1971 - 6 » المؤسسة الوطنية للكتاب»الجزائر» ص .1١7-1١ ١‏

4١

المجلس الإداري للجمعية)

يقول الإبراهيمي: (فانتخب المجلس الإداري من رجال أكفاء جمعتهم وحدة المشرب ووحدة الفكرة)(")

وفي اليوم الثاني الموافق ل5 ٠‏ ماي ١م‏ عفدت الهيئة الإدارية أول جلسة بنادي الترقي برئاسة محمد البشير الإبراهيمي» وقد حضر الاجتماع كل الأعضاء ما عدا الأستاذين» عبد الحميد بن باديس» وحسن الطرابلسي» وتم خلال الجلسة إعادة النظر في القانون الأساسي, وأقر بالإجماع» وقرر ترجمته للغة الفرنسية للمصادقة عليه"» وفي اليوم الثالث عقدت الحيئة الإدارية بحضور عبد الحميد بن باديس» وعرضت عليه لائحة الأعمال السابقة".

الثا قانون الجمعية:

لقد ذكرنا أن هناك اختلافا في واضع قانون الجمعية» فالكثير يذكر أنه من انجاز الإبراهيمي بطلب من ابن باديسء أما أحمد توفيق المدني فيذكر في مذكراته بأنهِ هو من كلف شخصيا بوضع هذا القانون» وبطلب من أعضاء نادي الترقي» ويقول في ذلك: (كلفتني الجاعة بإيجاد قانون

.75/8١ص آثار الإبراهيمي» ج54‎ )١(

(؟) وأهم ما جاء فيه في القسم الأول والفصل الأول: (أنه تأسست بالجزائر جمعية ثقافية تحت اسم (جمعية العلماء المسلمين)» مركزها نادي الترقي. كما نص القانون في نفس الفصلء وفي الفصل الثالث أنه لا يسوغ للجمعية الخوض في المسائل السياسية» وكان هذا المبدأ كضمان أول وشرط أساسي لكي توافق الحكومة الاستعمارية لقيام هذه الجمعية «الفضيل الورتيلانيء الجزائر الثائرة» دار الهدى- عين مليلة» الجزائر» ص54 .)١‏ كما حدد القانون أهداف الجمعية في الفصل الرابع» ولكي تباشر الجمعية في أعمالها وتحقق مقاصدهاء كان لا بد لها من ترخيص من طرف الإدارة الفرنسية» وتم تقديم طلب الموافقة على تأسيس الجمعية نظرا لضمها أعضاء مصلحين ورجال دين» وبفضل هذه المرونة والتكتيك سارعت الإدارة الفرنسية للاعتراف بها والموافقة على قادتها في مدة وجيزة لا تتعدى ١5‏ يوما (أبوالقاسم سعد الله: الحركة الوطنية ١450-١918‏ »ط1» الشركة الوطنية للنشر والتوزيع» الجزائر» ج*” »)ص 87)

(9) الشهاب عض 5١‏ 7..

أساسي بسيط للجمعية» أعرضه عليهم بعد أيام)» ثم يضيف: ( أما أناء فقد اعتكفت في مكتبتي ثلاثة أيام سطرت فيها للجمعية قانونها الأسامي با لا يخرج عن نطاق القوانين المعروفة الأخرى)20

بغض النظر عمن كتب القانون» فقد تمت صياغته تبعًا لنظام وقواعد الجمعيات المبينة بالقانون الفرنسي المؤرخ بأول جويلية سنة 110١‏ م, وقد كان مقس إلى 0 أقسام و1١‏ فصلاء حدّد في القسم الأول اسم الجمعية ومقرهاء أما القسم الثان فحدّدت مقاصد هذه الجمعية وغاياتها وأهدافهاء والقسم الثالث تطرق إلى أعضاء الجمعية» والقسم الرابع تطرق إلى مالية الجمعية وكيفية إدارتهاء أما القسم الأخير فوضح فيه الاجتماعات الإدارية والعامة» وكيفية تسييرهاةا.

وقد وصف الشيخ الإبراهيمي هذا القانون» وكيف سهر على إنجازه وتأثيره على أعضاء الجمعية وغيرهم بعد تقديمه لهم فقال: (كلفني إخواني أعضاء المجلس الإداري في أول جلسة أن أضع للجمعية لائحة داخلية نشرح أعالها ى) هي في أذهاننا لا ى] تتصوّرها الحكومة وأعوانها المضلّلون مناء فانتبذت ناحية ووصلت طرفي ليلة في سبكها وترتيبها فجاءت في مائة وسبع وأربعين مادة» وتلوتها على المجلس لمناقشتها في ثماني جلسات من أربعة أيام» وكان يحضر الجلسات طائفة كبيرة من المحامين والصحافيين العرب المثقفين بالفرنسية» فأعلنوا في نباية عرض اللائحة إِيم|نهم بأن العربية أوسع اللغات؛ وأنها أصلح لغة لصوغ القوانين ومرافعات المحامين» وكأن) دخلوا في الإسلام من ذلك اليوم» وخطب الرئيس عند تام مناقشة اللائحة

وإقرارها بالإجماع خطبة مؤثّرة أطراني فيها بها أبكاني من الخجلء وكان ما قال: عجبت لشعب

)١ (‏ انظر : أحمد توفيق المدني :حياة كفاح» مذكرات, في الجزائر ١175-١955‏ )» المؤسسة الوطنية للكتابء الجزائر صس// ١‏ -للا١.‏

(؟) انظر : علي حشلافء المرجع السابق» ص7١‏ .

أنجب مثل فلان أن يضل في دين أو يخزى في دنياء أو يذل لاستعمار. ثم خاطبني بقوله: وري بك زناد هذه الجمعية)(0

المطلب الثاني: جمعية العلماء في عهد ابن باديس وأهم منجزاتها:

يذكر تلميذ ابن باديس الشيخ محمد الطاهر فضلاء محاولات الاستعمار الفرنسي الساعية لنزع الرئاسة عن ابن باديس» وما قام به في هذا الصديد من إغراءات» وكيف قاوم ابن باديس كل تلك الإغراءات بقوة :وشجاعة 0 فذكر أنه بعك تأسيين الجمعية رسيميا» ويروة خخطها الإصلاحي الجهادي. استدعى الوالي العام (ميرانت) بقسنطينة الشيخ ابن باديس ووالده مصطفى بن باديس» وعرض عل الشيخ أن يختار لنفسه أية وظيفة يرغب فيها (مفتي أكبر.. أو قاضي قضاة مثلا) على شرط واحد هو أن يتخلى عن رئاسة جمعية العلماء, قائلا له : (يا شيخ اترك عنك هذا العار. اخرج من هذه الحشومة» ودع هذه الجاعة المسكينة التي جمعها عدو فرنسا بالنادي» فليس هؤلاء الرجال رجالكء وليست هذه الحثالة من الطلبة ممن يفتخر العالم بالانتساب لهمء أو أن يكون رئيسًا عليهم) وأمام هذا الاقتراح تأجج شعور الإمام ضد الوالي» وحاول الرد عليه» لولا وقوف والده وبكائه وإلحاحه عليه بقبول العرض بسبب أن الأسرة مقبلة على الإفلاس وأنه بقبوله تعلن الحكومة الفرنسية استعدادها لعملية الإنقاذ» بإضافة مساعدة مالية قصد تحسين الأوضاع الفلاحية والاقتصادية.

واقتضت حكمة الإمام ابن باديس» أن طلب فرصة قصيرة للتفكير والاستخارة حتى الصباح الموالي.. وخرج الإمام دار الولاية العامة» متأثرًا منفعلاً باكيا مدركًا السر الإلمي في يتم الرسول يَيهِ منذ صباه الأول» يقول: (اليوم فقط عرفت السرء وعرفت معه كيف يكون الابتلاء

.7/81١ /04 آثار الإبراهيمى:‎ )١( : مياص‎ ١954 انظر: محمد الطاهر فضلاء : دعائم النهضة الوطنية الجزائرية» ط١هء دار البعث» قسنطينة» الجزائر‎ 6

٠١5-٠6١١

بالنعمة وبالنقمة معّاء وبالخير والشر معًا وصدق الله القائل: (وَتلُوكُم السو وا كير فبنّة وين 00

وفي اليوم الموال كتب ابن باديس جوابه إلى ميرانت قال له فيه : (اقتل أسيرك يا ميرانتء أما أنافمانع جاري! اقتل يا ميرانت مصطفى بن باديس» واقتل معه عبد الحميد بن باديس» واقض على كل أسرة ابن باديس» إن منحك الله هذه القدرة» ولكنك لن تصل ابدًا إلى قتل جمعية العلماء بيديء لأن جمعية العلماء ليست جمعية عبد الحميد بن باديس» وإنما هي جمعية الآمة الجزائرية المسلمة» وما أنا فيها إلا واحد أتصرف باسم الأمة كلها. ومحال أن أتصرف تصرقًا أو أقف موقفًا يكون فيه قتل الجمعية على يدي. أقول هذاء وحسبي الله ونعم الوكيل)”"

ونحن لا ننكر هذه الرواية» ولكنا في نفس الوقت نرى أن الاستعمار الذي أباد ملايين الجزائريين» واستطاع بحيله ومكره أن يغتال من يشاء وكيف يشاء لم يكن محتاجا إلى أي إغراء ليحقق مقاصده ما دامت لديه تلك الأسلحة التي أباد مها الملايين.

بالإضافة إلى هذاء فإن جمعية العلماء كانت بحاجة إلى رجال أقوياء لتولي تلك المناصب الرفيعة» وكان يمكن حينها من باب الحنكة والسياسة أن يقبل بها ابن باديس» ثم يفوض رئاسة الجمعية لأي عضو من أعضاء الجمعية المقتدرين وما أكثرهمء وبالتالي تكسب الجمعية طابعا رسميا بالإضافة إلى طابعها الحر.

لكن مع ذلك. فإن الرواية التي ذكرها فضلاء ترسم صورة لشخصية ابن باديس القوية» والتي استطاعت أن تجعل من الجمعية في فترة رئاسته لها جمعية لها سمعتها في الجزائر جميعاء بل وصلت سمعتها إلى غيرها من البلاد العربية.

بالإضافة إلى هذه الصورة الممتلئة بالقوة نجد صورة أخرى ممتلئة بالتسامح وضحها في

.٠١ 5-١١7 محمد الطاهر فضلاء : دعائم النهضة الوطنية الجزائريةه ص‎ )١(

ه:

خطبة له قالها بعد انتخابه رئيسا للجمعية» ومما جاء فيها: (إخواني» كنت أعد نفسي ملكاً للجزائر أما اليوم فقد زدتم في عنقي ملكية أخرىء فالله أسأل أن يقدرني على القيام بالحق الواجب.. إخواني إنني أراكم في علمكم واستقامة تفكيركم لم تتتخبونٍ لشخصيء وإنا أردتم أن تشيروا بانتخابي إلى وصفين عرف به أخوكم الضعيف هذا : الأول إنني قَصَرْتَ وقتي على التعليم فلا شغل لي سواه فأردتم أن ترمزوا إلى تكريم التعليم إظهاراً لمقصد من أعظم مقاصد الجمعية وحثاً لجميع الأعضاء على العناية به كل بجهده. الثاني: أن هذا العبد له فكرة معروفة» وهو لن يحيد عنها ولكنها يبلغها بالتي هي أحسنء فمن قبلها فهو أخ في الله. ومن ردها فهو أخ في الله فالأخوّة في الله فوق ما يقبل وما يرد» فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى هذا الأصل» وهو أن الاختلاف في الثيء الخاص لا يمس روح الأخوة في الأمر العام)”"

انطلاقا من هاتين الصفتين في شخصية ابن باديس نحاول في هذا المطلب أن نذكر ثلاث

مواقف مهمة للجمعية في عهده!"؛ كذناياضج عن أن وع الحركة التي

.19731 الشهاب : ج5» ملا غرة صفر 11200ه جوان‎ )١(

)١(‏ من أهم ما يذكره المؤرخون للجمعية عند ذكرهم لمنجزات الجمعية في عهد ابن باديس: - دورهفي إخماد نار الفتنة بين اليهود والمسلمين (فاجعة قسنطينة) صيف ١975‏ م. - الدعوة إلى عقد مؤتمر إسلامي والمساهمة فيه شهر جوان ١915‏ م.

- مشاركته ضمن وفد المؤتمر إلى باريس في شهر جويلية ١9775‏ م.

- موقفه السَياسِيٌ من وعود حكومة فرنسا.

- محاورة لجنة البحث في البرلمان الفرنسي في شهر أبريل /19779 م.

- دعوة النواب إلى مقاطعة المجالس النيابية في شهر أوت عام ١911‏ م.

- نداءه لمقاطعة الاحتفالات القرنية لاحتلال مدينة قسنطينة خريف ١9717‏ م.

- موقفه من قانون 8 مارس ١97/8‏ م.

- موقفه من إرسال برقية التضامن مع فرنسا ضد التهديد الألماني.

كانت تتحرك بها الجمعية0". باعتبار أن الكثير من المؤرخين يعرضها باعتبارات من الإنجازات الكبرى إما للجمعية جميعاء أو لابن باديس خصوصاء ونحب أن نعرضها هنا ىا هي» وبوجهات النظر المختلفة:

أما أوهماء فيتعلق بعلاقة الجمعية مع الطرق الصوفية.

وأما الثاني» فيتعلق بالمطالب السياسية للجزائريين» وهي تتعامل في هذا ا حالة مع المستعمر الفرنسي.

وأما الثالث؛ فيتعلق برفض الجمعية لبرقية التأييد لفرنسا في حربها مع آلمانيا.

وسنذكر الكثير من المنجزات والمواقف الأخرى في الميادين المختلفة عند الحديث عن مشروع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإصلاحي في الباب الثاني من هذه الرسالة.

أولا ‏ استبعاد المحافظين من الجمعية:

لقد كان من أولى منجزات الفترة التي ولي فيها ابن باديس قيادة جمعية العلماء استبعاد المحافظين من الجمعية» والذين يشملون خصوصا على رجال الطرق الصوفية» والذين كانوا يشكلون جزءا مهما من الجمعية عند تأسيسها.

وبا أنا سنذكر هذا الموقف ونتائجه وأسبابه بتفصيل في الفصل التالي هذا الفصل عند ذكر العلاقة الرسمية بين الجمعية والطرق الصوفية» فإنا سنكتفي هنا بسرد الحادثة ى) ذكرها محمد

- الوقوف في وجه المحاولات الحادفة إلى زعزعة الوحدة الوطنية.

)١(‏ وهذا لا يعني اختزال المنجزات في هذاء فالجمعية في هذه الفترة كانت في أنشط عهودهاء فقد قامت بالتعريف بمبادئها من خلال صحفهاء وتأسيس عدد من المدارس والمساجد, كما قامت بإنجاز ثقاني امتد إلى فرنسا من خلال جهود الفضيل الورثلاني للجالية العالية الجزائرية بتلقين أبنائها مبادئ القراءة» والكتابة بالعربية» ومبادئ الدين الإسلامي» وتاريخ الإسلام» وجغرافية الجزائر» حتى يرتبط الصغار الجزائريون في المهجر بالحضارة العربية الإسلامية» وبوطنهم الأصلي الجزائر.. وغيرها كثير.

الصالح آيت علجت فقد ذكر مختصرا ما حدث في ذلك اليوم وأسبابه» فقال: (كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تضم اتجاهين في تشكيلتها: المحافظون والإصلاحيونء فالمحافظون هم المنتمون إلى شيوخ الزوايا والمرابطين والعلماء الذين لم يتأثروا بالحركة النجدية الوهابية التي كان للكثير من علماء الاتجاه الإصلاحي اتصالٌ بها حين وجودهم في الحجاز كالشيوخ السادة: ابن باديس والعقبي والإبراهيمي» زعماء حركة التجديد الذي لم يقبله العلاء المحافظون, فكانت بين الاتجاهين هجومات متبادلة عبر التجمعات والندوات وفي الصحف. وبإنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 2197١‏ التزم الفريقان بالكف عن النزاع والمجادلة في المسائل الخلافية وإحلال الوتام والصفاء اللذان لم يستمرا أكثر من سنة لتعود تلك الصراعات المذهبية والخنوض في الجزئيات والبحث عن الأسباب المثيرة للجدل بين الفريقين» ما جعل الخلاف بينهما يستفحلء» ويليه استدعاء الشيخ عبد الحميد بن باديس للشرطة للتدخل على أثر الانقسام العلني الذي حدث في جلسة الجمعية بتاريخ ٠5-75‏ -19775., ليخرج المحافظون (الطرقيون) على أثر هذا الاجتماع من الجمعية)”"

وقد اعتبر الشيخ الإبراهيمي بأن هذا الانشقاق الذي حصل في أوساط الجمعية تمقحيصالها من رجال الطرق الصوفية الذين أرادوا اختراقهاء فقال: (ولما جاء أجل الانتخاب للدورة الثانية هجم العليويون ومن شايعهم على ضلا لحم تلك الحجمة الفاشلة بعد مكائد دبروهاء وغايتهم استخلاص الجمعية من أيدي المصلحين» وجعلها طرقية عليوية واستخدامهم هذا الاسم الجليل في مقاصدهم الخاطئة ىا هي عادتهم في إلباس باطلهم لباس الحق» ووقف المصلحون لتلك الهجمة وقفة حازمة أنقذت الجمعية من السقوط ومحصتها من كل مذبذب الرأي مضطرب البدأء وتألف المجلس الإداري من زعماء الإصلاح وصفوة أنصاره» ورأى

)١(‏ آيت علجت. محمد الصالح : الشيخ المولود الحافظي حياته وآثاره» تقديم الدكتور محمد الشريف قاهرء الجزائر» منشورات دار الكتب» ص 17 -0/ا.

الناس عجيب صنع الله في نصر الحق على الباطل)”"

وقد كان لهذه الحادثة تأثيرها الكبير على العلاقة بين الجمعية والطرق الصوفية - ىا سنرى ذلك ني الفصل الثالث من هذا الباب - ومما زاد في آثارها سوءا استدعاء ابن باديس للشرطة عند وقوع احرج في نادي الترقي للمحافظة على الأمن, وقد انتقد في ذلك نقدا لاذعا وليم على استدعاء الشرطة (الفرنسية طبعا) لفض تنازع العلماء» لكن ابن باديس دافع عن الشرطة بحرارة".

وكان من ضمن ما قال في دفاعه: (ارتباط الجزائر بفرنسا اليوم صار من الأمور الضرورية عند جميع الطبقات فلا يفكر الناس اليوم إلا في الدائرة الفرنسية» ولا يعلقون آمالهم إلا على فرنسا مثل سائر أبنائها ورغبتهم الوحيدة كلهم هي أن يكونوا مثل جميع أبناء الراية المثلثة في الحقوق كما هم مثلهم ني الواجبات؛ وهم إلى هذا كله يشعرون با يأتيهم من دولتهم مما يشكرونه» وما قد ينتقدونه» وقد كنا نؤكد لهم هذا التعلق ونبين لهم فوائده ونبين لهم في المناسبات أن فرنسا العظيمة لا بد أن تعطيهم يوما- ولا يكون بعيداً- جميع ما لهم من حقوق وكنا لا نرى منهم لهذا إلا قبولا حسنا وآمالاً طيبة)”"

وقد دافع سعد الله عن هذا الموقف الحرج الذي وقع فيه ابن باديس والجمعية» فقال: (ومن هنا يتضح أن موقف العلماء لم يكن سهلاء فقد كانوا يمشون على البيض كا يقول المثل الأجنبي, فهم من جهة كانوا يريدون تحقيق مبادئهم وأهدافهم بأية وسيلة مشروعة» ومن جهة

أخرى كانوا واقعين تحت طائلة إجراءات استثنائية مستعدة لعرقلة سيرهم» بل وضعهم في

)18/8 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( أوت 171777م, وانظر: آثار ابن باديس:‎ - 175١ غرة ربيع الأول‎ 504- 5١١ انظر: الشهاب: ج 8م 48» ص‎ )١( فة‎

(0) الشهاب: ج 8م 8» ص 404-50١‏ غرة ربيع الأول 170١‏ - أوت 17727 م, وانظر: آثار ابن باديس: ١/4‏ 7". 61

قفص الاتهام» لذلك كانوا يناورون ما وسعتهم ال حيلة والمناورة ويجاملون ولكنهم لا يتنازلون عن مبادئهم» ومن أجل ذلك اصطدموا مرات بالإدارة)0")

ولسنا ندري ما هي الضرورة الداعية لاستعداء المستعمر على علماء أو طلبة علم وقع الخلاف بينهم» وكان يمكن أن يرفعوه بالحكمة واللين من غير أن يشوهوا سمعتهم بتدخل الشرطة الاستعمارية» بل بدعوتها للتدخل؟

هذا بعض ما حصل في ذلك اليوم التاريخي الذي صارت فيه الجمعية شيئا واحداء وتمثل طرفا واحدا بعد أن كانت تمثل الجزائر جميعاء وسنعود إلى تفاصيل الحادثة ى| يراها الطرفان» وخلفياتها ونتائجها في الفصل التالي لهذا الفصل باعتبارها حادثة مفصلية في تاريخ العلاقة بين اجمعية والطرق الصوفية.

ثانيا حضورر المؤتمر الإسلامي:

يعتبر حضور الجمعية في عهد ابن باديس للمؤتمر الإسلامي في شهر جوان ١975‏ من أهم الأنشطة السياسية التي قامت بها الجمعية» والتي لقيت في نفس الوقت جدلا في مدى جدواها وتأثيرها.

وقصة هذا المؤتمر - باختصار - هي أنه في عام 477١م‏ لوّحت فرنسا للجزائريين بمشروع (بلوم- فيوليت)7" الذي ينتقد السياسة الفرنسية السابقة» وفي مقترحات المشروع: إصلاح مستوى التعليم» تأمين نفس الحقوق التي للفرنسيين لبعض الجزائريين» إلغاء المحاكم الخاصة بالجزائريين.

وقد وقف الجزائريون مواقف مختلفة متباينة من هذا المشروع:

.937 /" سعد الله الحركة الوطنية:‎ )١( بلوم هو رئيس الوزراء في حكومة الجبهة الشعبية و(فيوليت) كان حاكيًا للجزائر في العشرينات» وقد عين في هذه‎ )0( الحكومة مختضًا بالشؤون الجزائرية.‎

فبينا عارض المستوطنون معارضة شديدة هذه الإصلاحات». بل رفضوا مجرد التفكير في منح الشعب الجزائري أبسط الحقوق» ذهب أعضاء النخبة الجزائرية في اتجاه المطالبة بالمساواة في بعض الحقوق (كالتمثيل والانتخاب)

وفي مقابل هؤلاء تحفظ أعضاء حزب النجم على سياسة الجبهة الشعبية» وأبدوا مخاوفهم من نتائجها على مستقبل الجزائرا"".

بين هذه المواقف رأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن تقف موقفا وسطاء فلم تجار السلطة في مزاعمهاء وفي نفس الوقت لم ترفض التعامل معهاء وبناء على هذا دعت إلى انعقاد هذا المؤتمر"» لجمع كلمة الآمة وتوحيد صفوفها حول المسألة الوطنية» والتصدي لا بخطط له المحتلون» ويقوم به بعض الجحزائريين تنفيذا لمخططات السلطة من ترويج لسياسة التغريب» ونشر أفكار الاندماج» والتساهل في شأن الذاتية".

بعد هذا عقد المؤتمر الإسلامي بباريس» واجتمع هناك العلماء (الإبراهيمي» ابن باديس» والطيب العقبي) برجال دولة فرنساء وبالصحافة الفرنسية» وبرجال نجم شال إفريقياء وكانت هذه فرصة للعلماء لإطلاع الساسة الفرنسيين على ما يجري بالجزائر.

وكان غالبية من حضر المؤتمر من دعاة الاندماج وأنصار مشروع (بلوم فيوليت)» ولذلك رأى المناصرون لحضور الجمعية هذا المؤتمر أنه كان له أثر فعال في تعطيل الاندماج وإبراز

..ا/٠‎ : 3" ينظر ابن باديس حياته وآثاره‎ )١(

(0) وقد ذكر أحمد ابن ذياب وحمزة بوكوشة أن صاحب الفكرة في الأصل هو الأمين العمودي الذي أشار بها على ابن باديس» وطلب منه أن تكون الدعوة صادرة باسمه انظر: أحمد ابن ذياب (جوانب نضالية من حياة الشهيد محمد الأمين العمودي).» مجلة الثقافة» السنة الخامسة عشرء عدد 87» مارس أفريل ,١9/05‏ ص 2775 وانظر: حمزة بوكوشة : مجلة الثقافة» عدد ٠”‏ جانفي 191/7, ص 04.

() انظر: آثار الإمام 5 : ..١1١8‏

وه

الذاتية الإسلامية العربية الجزائرية» حيث جاء في مطالب المؤتمر ما يلي1):

١‏ رفع جميع الأوضاع الخاصة مثل المتصرفيات ومجالس (الكريمينال" والمعاملات الخاصة مثل الانديجينه وأعطيات الجندية وزيادة مدة الخدمة العسكرية» والبرنامج الخاص بالتعلّم في المكاتب الابتدائية وغيرهاء وحرمان عرّال الجزائر من كثير مما يتمتع به العّال الفرنسيون.

- تسوية نواب الجزائريين بالثواب الفرنسيين في جميع المجالس»ء مع توحيد النيابة البرلمانية بكلا المجلسين بحيث يشارك في انتتخاب النوّاب البرلمانيين مشاركة فعلية جميع سكان الجزائر على اختلاف أجناسهم وعقائدهم مع بقاء المسلمين على جميع ذاتياتهم الإسلامية.

اعتبار اللغة العربية رسمية مثل اللغة الفرنسية» وتكتب بها مع الفرنسية جميع المناشير الرسمية» وتعامل صحافتها مثل الصحافة الفرنسية» وتعطى ال حرية في تعليمها في المدارس الحرة مثل اللغة الفرنسية.

5- تسليم المساجد للمسلمين مع تعيين مقدار من ميزانية الجزائر لها يتناسب مع أوقافها. وتتولّ أمرها جمعيات دينية مؤسسة على منوال القوانين المتعلقة بفصل الدين عن الحكومة.

5 تأسيس كلية لتعليم الدين ولسانه العربي لتخريج موظفي المساجد من أئمة وخطباء ومدرسين ومؤذنين وقيّمين وغيرهم.

” - تنظيم القضاء بوضع مجلة أحكام شرعية على يد هيئة إسلامية» يكون انتخابها تحت إشراف الجمعيات الدينية» وإدخال إصلاحات على المدارس التي يتخرّج منها رجال القضاء. منها تدريس تلك المجلة والتحقق بالعلوم الشرعية الإسلامية» وطبع التعليم بطابعها لتكوين رجال يكونون من أصدق الممثلين لها. )١(‏ آثار الإبراهيمي: )507/١1(‏ وما بعدهاء وانظر: حمزة بوكوشة : مجلة الثقافة» عدد 5 ٠‏ جانفي 191/7 ص 09.

(؟) كلمة فرنسية معناها الجرائم؛ الجنايات. 3

وقد ذكر حمزة بوكوشة أنه عند مقابلة ابن باديس لوزير الحربية الفرنسي آنذاك» وتصريحه له بأنه لا يمكنه أن يوافق على إعطاء المسلمين الجزائريين النيابة في البرلمان مع محافظتهم على الشريعة الإسلامية في الحقوق الشخصية» وقال لهم: (إن فرنسا معها مدافع)» فقال له عبد الحميد: (والحزائر معها اللّه)()

وكتب عبد الحميد حينها مقالاً في الشهاب وصف فيه تلك المقابلات ختمه بذكر أهم نتيجتين تمخض عنهاء وهي:

١‏ - أن الوفد أدى مطالب مؤقمر الأمة الجزائرية المسلمة بصدق وأمانة وشرف.

؟ - أن فرنسا بحكومتها وأحزابها وصحافتها عرفت أن وراء البحر أمة جزائرية إسلامية تطالب فرنسا بحقوقها وتحافط تمام المحافظة على شخصيتها ومقومات شخصيتهاا".

رغم عدم نجاح المؤتمر في تحقيق مطالبه إلا أن الجمعية ظلت حريصة عليه وقد كان من أوائل ما أصيبت به الجمعية من الخيبة بعد الخيبة التي رجعت بها من المؤتمر هو ذلك الموقف الذي وقفه (ابن جلول) بسبب حادثة مقتل مفتي الجزائر (محمود بن دالي)7"» المعروف بكحول»

(1) مع ذكر ابن باديس للقائه مع وزير الحربية إلا أنه لم يذكر هذا (انظر: آثار ابن باديس: ”/ ٠‏ 074 وانظر: حمزة بوكوشة : مجلة الثقافة» عدد 5 .٠‏ جانفي 1917/7. ص 11.

.75 /9 آثارابن باديس:‎ )١(

(©) وقد أثرت هذه الحادثة كثيرا في مسيرة الجمعية» ولعلها من الآثار السلبية لدخول المؤتمرء وقصتها هي أن رجلا معروفا بالإجرام يقال له عكاشة» نفذ جريمته يوم 7" أوت 1975م بقتل المفتي في الوقت الذي كان فيه العقبي وسائر مثلي المؤتمر مجتمعين بالملعب البلدي[ ٠١‏ أوت حاليا] يشرحون للأمة المطالب التي تقدموا بها إلى الحكومة الفرنسية» فلم| ألقي عليه القبض ادعى الجاني أنه تسلم من العقبي خنجرا من صنع بوسعادة ومبلغ ٠٠٠١‏ "فرنكاء فاعتقل العقبي ورفيق له وزج بها في السجنء وأغلق نادي الترقي» وضيق على أعضاء الجمعية في العاصمة» واحتشدت الجاهير وتجمعت تلقائيا احتجاجا على اعتقال الشيخ وصاحبه فكادت تحدث فتنة عمياء لولا أن توجه إليهم ابن باديس

آذك

الذي كان ضمن وفد المؤتمر إلى فرنساء وقد اتهم في قتله الشيخ الطيب العقبي.

ولم يكتف ابن جلول بخروجه من المؤتمر» بل ذهب بعيدا في خصومته للجمعية:؛ إذ التجأ إلى الطرق الصوفية وأقام لهم في قسنطينة حفلا كبيرا.

ولماجاءت سنة 1917م كان المؤتمر الإسلامي ما زال متماسكاء رغم الحملة التي شدّْت عليه من طرف ابن جلول ومن معهء وبقيت مطالب المؤتمر الأولى كما هي لم تتغيّر وأضيف إليها مطالب أخرى. ولكنّ شيئا من هذا كلّه لم يتحقق. فعقد اجتماع اللجنة التنفيذية للمؤتمر سنة ١م‏ وتمخض هذا الاجتماع عن قرارات مهمة منها: استقالة جميع النواب المسلمين وعدم مشاركتهم في المجالس المنتخبة اعتبارا من تاريخ الاجتماع» ى| جدّدت اللجنة مطالبتها بحرية تعليم اللغة العربية وإيجاد المدارس الكافية للتعليم العام والحرية المطلقة للوعظ والإرشاد. والتعليم في سائر المساجد.

وتكون وفد ضضم الشيخ ابن باديس وفرحات عباس للذهاب إلى فرنساء لعرض هذه المطالب على الحكومة الفرنسية» لكن فرنسا أجابت بالرفضء عندها أضربت الجمعية وصحفها عن الاهتام بهذا المؤتمر» حيث لم تحقق من ورائه أي شيء.

وقد كانت هذه الأحداث محل مناقشة كثيرة بين مؤيد لهذا العمل الذي قامت به الجمعية»

ورافض له يعتبر أن آثاره السلبية أخطر بكثير من آثاره الإيجابية» ولغل خير من يمثل هذا

عن تصريحاته بعد ذلك وأنكر أن تكون له علاقة بالعقبي وصاحبه؛ فأفرج عنهما| بصفة مؤقتة» ووضعا تحت المراقبة مع إمكانية التوقيف عند الضرورة» ثم لم يُفصل في القضية إلا بعد ثلاث سنوات» حيث حكم ببراءة العقبي وصاحبه بتاريخ 8 جوان 1975» ويرى البعض أن الحادثة قد أثرت كثيرا على العقبي ومواقفه. ولعلها من أسباب استقالته بعد ذلك من الجمعية» لكن الإبراهيمي يذهب إلى عكس ذلكء فيقول في (الآثار /١(‏ 7074): (ومن آثار هذه الحادثة على الأستاذ العقبي أنبا طارت باسمه كل مطار ووسعت له دائرة الشهرة حتى فيم| وراء البحار» وكان يوم اعتقاله يوما اجتمعت فيه القلوب على الألم والامتعاضء وكان يوم خروجه يوما اجتمعت فيه النفوس على الابتهاج والسرور) (انظر: الحادثة بتفصيل في: أحمد حماني» صراع بين السنة والبدعة» ج 7 ص/7/17١)‏

6:

التوجه هو الأستاذ الكبير مالك بن نبي» الذي انتقد بشدة ما آلت إليه الأمور في المؤتمر الجزائري» وانتقد سير الجمعية مع القافلة السياسية.

ومهمة هذا النقد هو ما أبرزه من تصوير للواقع الجزائري في تلك الفترة» والذي صار (أكثر جدباً وأفشى قحطأء لم تبق فيه تلك الرابطة التي كان المرء يشعر بها بين القلوب والعقول المجتمعة حول قضية في جو يضفي عليها القداسة... بل هذه القضية نفسها أصبحت كأنها ذابت وتبخرت في طوفان من كلام» إذ أصبح كل مقهى سوق عكاظه وكل مائدة فيها أصبحت منصة يخطب من حوها بها شاء ولمن شاء وكيفما شاء)”"

ويعزو ابن نبي سبب هذا التحول إلى تسليم (القيادة (المعمّمة) زمام الأمر للقيادة (المطربشة(". حتى على رأس المؤتمر الجزائري الإسلامي» الذي ذهب أول ضحية لهذا التسليم» وبداً ظهور (الجبهة الشعبية) بفرنسا يضيف مفعوله الخاص إلى الانبيار الذي حدث بالجزائر» فأصبح كل جزائري ذا اهتمام سياسي يعلن عضويته في الحزب الاشتراكي الفرنسبي» حتى بعض هيئة أركان حزب الإصلاح)”)

ويذكر بقاء تأثير هذا الحدث على الجزائريين لعقود. فيقول: (وإنني لأرىء وأنا أحرر هذه السطور بعد مضي ثلث قرنء نتائج هذا الانحراف في المظاهرة الطلابية التي تمر هذه اللحظة في الشارع تحت نافذتي» منادية بسقوط شخصية عربية أعلنت اليوم استقالتها من الحكم بعد

المزيمة النكراءء» بين| لم أرهمة هذا الشباب تتحرك قبل أسبوع لينادي بسقوط (موشي دايان)..

."/5 مذكرات شاهد القرن» ص‎ )١(

)١(‏ (المطربشة) كناية عن الزعماء السياسيين خريجي الجامعات» وهذه المصطلحات كانت قد ظهرت في مصر أثناء الصراع بين قيادات الأخوان المسلمين أصحاب العمائم الأزهريين وبين خريجي الجامعات من (الأفندية) كما كانوا يسمون.

(؟) مذكرات شاهد القرن» ص 7814.

6

إن هذا الظرف يكشف عن ظاهرة الفرار من الواجب بالتظاهر والمظاهرات» تلك الظاهرة التي لم تكن بعد نتائجها واضحة في الميدان السياسي ولكنها أصبحت في منتهى الوضوح في الحقل النفسي)("

ويذكر مالك بن نبي أن الشيخ العربي التبسبي» وهو من شيوخ الجمعية» كان يدافع عن ابن جلول باعتباره زعيماً سياسياً لا بد منه (وكان الرجل (بن جلول) يقوم علانية بدور من ينقض الغزل كلما غزله الشعب منذ ربع قرن)7"

والخلاصة التي يصل إليها مالك هي أن العلماء وهم الأمناء على مصلحة الشعب سلموا الأمانة لغيرهم» سلموها لمن يضعها تحت قدميه لتكون سلاً يصعد عليه للمناصب السياسية» سلموها للجناح القومي البرجوازي (فرحات عباس وأمثاله) الذي تقبلها منهم بكل سرور!

ويعتقد مالك أن العلماء لم يكن في استطاعتهم مواجهة هذا التيار لأنهم لا يشعرون به(" (ولا نهم لم يكونوا على جانب من الخبرة بوسائل الاستعمار في مجال الصراع الفكري حتى يفطنوا إلى هذا الانحراف, وربم| كان هذا سبب فتور علاقاتي بهم خاصة مع الشيخ العربي التبسي)*)

ويرى مالك أن الحركة الإصلاحية كان عليها أن تتعالى على أوحال السياسة والمطامع الانتخابية وأن من أسباب انجرارهم لهذه الأحوال هو شعورهم بمركب النقص إزاء قادة النياضة 0

.7"854 مذكرات شاهد القرن» ص‎ )١( (؟) مذكرات (087» وانظر: د. محمد العبدة» مالك بن نبي وجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين» مقال بموقع ابن باديس‎ على هذا الرابط : (1ع 3015.5 ططاح للاللالما//:مخغط)‎ .)"85( (؟) مذكرات‎ .)"85( (؛) مذكرات‎ .)"85( مذكرات‎ )5( كه‎

وقد صدقت فراسة مالك بن نبي في ابن جلول» فقد كتب بعدتذ الشيخ الإبراهيمي يقول: (ولكن الرجل - ابن جلول- تملكه الغرورء وتكشف عن خلال كلها غميزة في وطنيّة السياسيٌ» وكان أقوى الأسباب في سقوطه اصطدامه بجمعية العلماء» وهي التي كونته وأذاعت اسمه. وعبّدت له الطريق إلى النيابات» فأرادت الجمعية أن تستصلحه فلم ينصلح.ء فنبذت إليه على سواء)(")

وما ذكره مالك بن نبي حول انزلاق الجزائر إلى أوحال التهريج السيامي عاد الإبراهيمي عام ١105‏ ليقر به وينتقده» يقول في ذلك: (وكآن الحكومة الاستعمارية التي تدرس نفسية الشعوب عرفت مواطن الضعف في النفسيّة الجزائرية» فرأت أن الانتخابات هي الفتئة الكبرى للزعماء وأتباعهم؛ فتصّبّتها صناً يصطرعون حوله؛ والغالب على الشعوب البدائيّة في السياسة أن تكون على بقيّة من وثنيّة» أصنامها الشخصيات» فيكون إحساسها تبعاً الإحساسهم ولو إلى الضياع والشرء وهذه هي ا حالة السائدة في شرقنا)”"

ونرى أن ما حدث للجمعية وما ذكره مالك بن نبي من آثار هو نفس ما تقع فيه حركات الإسلام السياسبي حين تنصرف عن مهمتها الأساسية في تشكيل الأمة وتحصينها إلى ما يسميه مالك بن نبي بالزردات السياسية التي لا تقل خطرا عن الزردات الصوفية.

ثالثا رفض برقية التأييد لفرنسا:

وقصتها كى| يذكرها حمزة بوكوشة) هي أنه سنة 1977 ظن الناس أن الحرب بين فرنسا

.17 37 /0 آثار الإبراهيمي:‎ )١( .59 /7 (؟) الآثار الكاملة‎ (؟) يسمى هكذا النذر الذي يقام كل سنة قبل قيام الحركة الإصلاحية في المدن الجزائرية» انظر حديث مالك بن نبي عن‎ .7/5 هذا في (مذكرات شاهد القرن)» ص‎ وما بعدها.‎ ,1١ ص‎ »١91/7 جانفي‎ .٠ 5 انظر: حمزة بوكوشة : مجلة الثقافة» عدد‎ )5( لاه‎

وألمانيا على الأبواب» فبعثت جمعية الميعاد الخيري (هيئة متكونة من الأغوات والقياد)» وبعثت جماعة اتحاد الزوايا وغيرها من الميئات برقية ولاء وتأييد للحكومة الفرنسية» وشذت جمعية العلماء عن ذلك, فكبر ذاك على الفرنسيين.

فطلبوا من الشيخ الطيب العقبي أن ترسل جمعية العلاء برقية ولاء ليُظهر المسلمون الجزائريون مظهر اتحاد ووفاق في موالاة فرنساء فعرض القضية على الشيخ عبد الحميد بن باديس» فقال: (سينعقد الاجتماع العام للجمعية في هذه الأيام» وطبعاً يتقدم ذلك اجتماع المجلس الإدراي» وسأضع هذا الاقتراح في اجتماعه ليقول الأعضاء الإداريون كلمتهم)

وفي الاجتماع الإداري في “71 سبتمبر ١9708‏ طرح عبد الحميد القضية ببدوء؛ وطلب من الأعضاء إبداء آرائهم» فكانت غالبية الآراء ضد كتابة البرقية» واستصوب العقبي إرساهاء وقال في تبريره لذلك: (الحرب على الأبواب» وإرسال البرقية يخفف من حدة الفرنسيين» فتسلم مدارسنا ونوادينا ومشاريعنا الخيرية» ونبقى على اتصال بأمتنا ولو في زمن الحرب)» وأخذ يدافع عن نظريته» فعارضه كثير من الأعضاءء وعبد الحميد معتصم بالسكوت.

ولما طالت المناقشة طلب عبد الحميد من الأعضاء التصويت برفع الأيدي» فكانت النتيجة أربعة أصوات منهم العقبي يقولون بإرسالماء واثني عشر يقولون بعدم إرساهاء واحتفظ عبد الحميد بصوته. ولما انتهت المناقشة حمد الله وأثنى عليه» وكان ما قاله: (لو كانت أغلبيتكم تؤيد إرسال البرقية ما كنتم ترونني في مجلسكم هذا بعد اليوم)

وانتقلت القضية من الاجتماع الإداري الخاص بالأعضاء الإداريين إلى الاجتماع العام الذي تحضره الجماهير» فقال عبد الحميد على رؤوس الملأً: (أقول صراحة - واجتاعنا هذا لا يخلو من جواسيس رسميين أو غير رسميين- إني لن أمضي البرقية ولن أرسلها ولو قطعوا رأمي. وماذا تستطيع فرنسا أن تعمل؟ إن لنا حياتين حياة مادية وحياة أدبية روحية» فتستطيع القضاء على حياتنا المادية بقتلنا ونفينا وسجننا وتشريدناء ولن تستطيع القضاء على عقيدتنا وسمعتنا

مه

وشرفنا فتحشرنا في زمرة المتملقين» إننا قررنا السكوت)

وقد برر هذا الموقف بأن الحرب بين فرنسا وألمانيا (حقد الاستعار بعضه على بعض»ء ورغبة بعضه في إثارة مستعبدي بعضه عليه» واستمالتهم إلى نفسه. لأنْ تلك الأمم المستضعفة» هي مادة حياته وأساس قوته» فهو يتقاتل من أجلها تنافسا عليهاء لا رحمة بباء وإن تظاهر بالعطف والشفقة)00

وقد نتج عن هذه الحادثة آثار سلبية كثيرة على الجمعية» كان أوها استعفاء الشيخ الطيب العقبي من العضوية الإدارية لجمعية العللاء» واضطرار الجمعية إلى توقيف جريدة البصائر لكي لا ترغم على نشر ما لا ترضاه. فأعاد العقبي إصدار جريدته (الإصلاح) في 7/8 ديسمبر ١9774‏ والتي استمرت إلى العدد 77٠‏ الصادر في “امارس .١945/‏

المطلب الثالث: جمعية العلماء في عهد الإبراهيمي:

بعد وفاة ابن باديس لم يكن هناك شخص أولى وأقدر من الإبراهيمي على تولى ذلك المنصب الحساسء زيادة على أن القانون الأساسي للجمعية يقضي بتولية النائب في حالة وفاة الرئيس"".

وقد كان الإبراهيمي في تلك الأثناء منفيا بآفلوا"» ولم ترفع عليه الإقامة الجبرية إلا سنة

)١(‏ البصائر» العدد 2178 57 ربيع الأول 1704ه ١١‏ مايو» 1979م. (؟) وقد ذكرت بعض المصادر أنه عند وفاة ابن باديس حضر ممثل الوالي العام الفرنسي الكومندان شالء واقترح عليهم تعيين العقبي مقابل تقديم العونء بالرغم من أن هذا الأخير قد استقال من عضوية الجمعية منذ سبتمبر 197*8» بسبب الخلاف الذي وقع بينه وبين ابن باديس نتيجة رسالة الولاء والتأيبد التي كان سيبعثها العقبي للحكومة الفرنسية في حرءها ضد ألمانيا.

.76 م ,1)-م0 رعطنهة01ممتعامه0ن) عتعع [خ نآ عل عتزماكتط. :ممرعع 1-4 -011) (؟) يذكر المناصرون للإبراهيم في سبب اعتقاله أن فرنسا عرضت عليه في بداية الحرب العالمية الثانية أن يقبل بمنصب

شيخ الإسلام في الجزائر إن هو قال أو كتب ما يؤيّدها في حرمها ضد ألمانياء فرفض ذلك بإباء وشموخ, فكان أن نفي إلى 54

347١ء‏ فانتخب كرئيس للجمعية غيابياء وظل يشغل هذا المنصب إلى غاية اندلاع الثورة» رغم بعده عن الساحة.

ويمكن من خلال استقراء الأحداث والمواقف التي وقفتها الجمعية في عهد إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى ( 1955-١919‏ ):

مع قيام الحرب العالمية الثانية» طالبت فرنسا كافة الحيئات الجزائرية بتأييد موقف فرنساء لكن الجمعية رفضت. وكانت المواجهة مع السلطة الفرنسية مباشرة» ولهذا أصدرت السلطات قرارًا بإلغاء الجمعية عام »194٠‏ وتوفي ابن باديس في نفس العامء وخلفه محمد البشير الإبراهيمي في رئاسة الجمعية» ولكنه اعتقل وعَذَّبٍ في عام 2144١‏ ثم قامت سلطات الاحتلال بنفيه إلى الصحراءء وفي عام ١457‏ عادت الجمعية إلى النشاط بعد الإفراج عن رئيسها.

وتتميز هذه الفترة بتجمد نشاط الجمعية فيها مثل سائر الأحزاب الجزائرية نتيجة الحرب العالمية الثانية» حيث خضعت إلى الأحكام العرفية.

ونحب أن ننقل هنا بتصرف تصوير الشيخ الإبراهيمي لتلك الفترة وما حصل فيها من أحداث. لأنها - بالإضافة إلى تصويرها الواقع الجزائري في ذلك الحين بدقة - تصور كذلك الفكر الثوري الذي كان يحمله الإبراهيميء وكان يقود الجمعية على أساسه.

يقول ذاكرا الفترة التي كان فيها في الغرب الجزائري: (بلغت إدارة الجمعية وهي في مستهل حياتها من النظام والقوة مبلعًا قويًا بديعًا فأصبحنا لا نتعب إلا في التنقل والحديث. أما الحكومة الاستعارية فإننا بنينا أمرنا من أول خطوة على الاستخفاف بها وبقوانينهاء وقد كنا نعلن في جرائدنا كل أسبوع بأن القوانين الظالمة لا تستحق الاحترام من الرجال الأحرار» ونحن أحرار الصحراء. (انظر: الدكتور عبد العزيز الصغير الدخان. جمعية العلماء ابن باديس البشير الإبراهيمي: المصابيح المشرقة

في ليل مظلم طويلء على موقعه بالانترنت (أماغط. /١"-لقاه‏ طككاع/ص اه مم /رصامء.عص هط 2 0- ل // :م خط)) ٠‏ 5

فلتفعل فرنسا ما شاءت» وكان هذا الكلام ومثله أنكى عليها من وقع السهام لأنها لم تألف ساعه. وقد اطمأنت إلى أن الشعب الجزائري قد مات كما صرح بذلك أحد ساستها الكبار في خطبة ألقاها على تمثلٍ الأمم في المهرجان الذي أقامته في عيدها المتوي لاحتلال الجزائرء وكان ثما قال: (لا تظنوا أن هذه المهرجانات من أجل بلوغنا مائة سنة في هذا الوطنء فقد أقام الرومان قبلنا فيه ثلاثة قرون» ومع ذلك خرجوا منه. ألا فلتعلموا أن مغزى هذه المهرجانات هو تشييع جنازة الإسلام بهذه الديار)("

ثم يذكر تأثير ذلك السلوك الثوري عليه وعلى الجمعية» فيقول: (ولما ضاقت فرنسا ذرعًا بأعمالي ونفد صبرها على التحديات الصارخة لماء وأيقنت أن عاقبة سكوبها عنا هو زوال نفوذها وخاتمة استعمارهاء اغتدمت فرصة نشوب الحرب العالمية الثانية» وأصدر رئيس وزرائها إذ ذاك "دالاديى" ( 122120161) قرارًا يقضي بإبعادي إلى الصحراء الوهرانية إبعادًا عسكريًا لا هوادة فيه» لأن في بقائي طليقًا حرا خطرًا على الدولة» ىا هي عبارته في حيثيات القرار» ووكل تنفيذ قراره للسلطة العسكرية فنقلوني للمنفى في عاشر أفريل سنة 2195٠‏ وبعد استقراري في المنفى بأسبوع تلقيت الخبر بموت الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمه الله- بداره في قسنطينة بسرطان في الأمعاء» كان يحس به من سنوات ويمنعه انهاكه في التعليم وخدمة الشعب من التفكير فيه وعلاجه. وقد شيع جنازته عشرات الألوف من الأمة رغً) عن قسوة الأحكام العسكرية وقت الحرب)”"

ثم يذكر انتخاب الجمعية له بإجماع» فيقول: (واجتمع المجلس الإداري للجمعية ورؤساء التعووو ونه وا مهو ريتك تقاف العلاة بالحماء جر لفون الى وانا في لتقن فأصبحت أدير الجمعية وأصرف أعمالها من المنفى بالرسائل المتبادلة بيني وبين اخواني بواسطة

)585 /5( آثار الإبراهيمي:‎ )١(

() آثار الإبراهيمي: (5/ 585) 5١‏

رسل ثقات)00

المرحلة الثانية :)١965-١1955(‏

وتعتبر فترة نشاط واسع بالنسبة للجمعية» وخاصة في نشر رسالتها التعليمية من خلال مدارسهاء ومساجدها رغم احتياجها للال.

وقد ذكر الشيخ الإبراهيمي منجزاته فيهاء فقال: (بقيت في المنفى ثلاث سنين تقريبّاء ولما أطلق سراحي من المنفى أول سنة ثلاث وأربعين كانت فاتحة أعمالي تنشيط حركة إنشاء المدارس» فأنشأت في سنة واحدة ثلانًا وسبعين مدرسة في مدن وقرى القطر كله كلها بأموال الأمة وأيديهاء واخترت لتصميمها مهندسًا عربيًا مسلا فجاءت كلها على طراز واحد لتشهد للأجيال القادمة أنها نتاج فكرة واحدة)”"

ويذكر النشاط الكبير الذي بذلته الجمعية في بناء المدارس في ذلك الوقتء فقال: (وتهافتت الأمة على بذل الأموال لتشييد المدارس حتى أربت على الأربعائة مدرسة, وم أتخل بعد رئاستي للجمعية وخروجي من المنفى عن دروسي العلمية للطلبة وللعامة)9)

ثم يذكر موقف المستعمر من هذا النشاط» فيقول: (ولما رأت فرنسا أن عقابها لي بالتغريب ثلاث سنوات لم يكف لكسر شوكتيء وأنني عدت من المنفى أمضى لسانًا وقلبًا وعزيمة ما كنتء وأن الحركة التي أقودها ل تزدد إلا اتساعًا ورسوححاء اتتهزت فرصة باية الحرب ودبرت للجزائر ثورة مفتعلة فقتلت من الشعب الجزائري المسلم ستين ألقّاء وساقت إلى المعتقلات سبعين ألما معظمهم من أتباع جمعية العلماء» وألقت بي في السجن العسكري المضيق تمهيدًا لمحاكمتي بتهمة التدبير لتلك الثورة» فلبئت في السجن سنة إِلَّا قليل» ثم أخرجوني بدعوى

)585 /5( آثار الإبراهيمي:‎ )١( )5865 /5( آثار الإبراهيمي:‎ )(

() آثار الإبراهيمي: (5/ 5865) 15

صدور عفو عام على مدبري الثورة ومجرميها وكان من "زملائي" ني السجن الدكتور شريف سعدان- رحمه الله-» والصيدلي فرحات عباس والمحامي شريف حاج سعيد وغيرهم)”"

ثم يذكر النشاط المتزايد الذي قام به بعد خروجه من السجنء» فقال: (ولما خرجت من السجن عدت إلى أعمالي أقوى عزيمة ما كنت» وأصلب عودًا وأقوى عنادّاء وعادت المدارس التي عطلتها الحكومة زمن الحربء. وأحييت جميع الاجتماعات التي كانت معطلة بسبب الحربء ومنها الاجتماع السنوي العام» وأحييت جريدة (البصائر) التي عطلناها من أول الحرب باختيارنا باتفاق بيني وبين ابن باديس لحكمة» وهي أننا لا نستطيع تحت القوانين الحربية أن نكتب ما نريد» ولا يرضى لنا دينناء وممتناء وشرف العلم» وسمعة الجمعية في العالم» أن نكتب حرقًا مما يراد مناء فحكمنا عليها بالتعطيل وقلنا: بيدي لا بيد عمروء وحسنًا فعلناء كذلك عطلنا مجحلة (الشهاب) الناشرة لأفكار الجمعية)”()

ويذكر الإبراهيمي النشاطات الكثيرة التي كان يقوم بها في الجمعية» فيقول: (كنت أقوم للجمعية بكل واجباتهاء وأقوم للجريدة بكل شيء حتى تصحيح الناذج» وأكتب الافتتاحيات بقلميء وقد تمر الليالي ذوات العدد من غير أن أطعم النوم» وقد أقطع الألف ميل بالسيارة في الليلة الواحدة» وما من مدرسة تفتح إِلّا وأحضر افتناحها وأخطب فيه وما من عداوة تقع بين قبيلتين أو فردين إِلّا وأحضر بنفسي وأبرم الصلح بينهماء وأرغم الاستعمار الذي من همه بث الفتن» وإغراء العداوة والبغضاء بين الناس» فكنت معطلًا لتدبيراته في جميع الميادين)7”

ثم يذكر النشاط المتزايد الذي قام به في مجال التعليم» فيقول: (بلغ عدد المدارس الابتدائية العربية أربعمائة وزيادة» وبلغ عدد تلامذتها إلى اليوم الذي سافرت فيه إلى الشرق مئات الآلاف

)5865 /5( آثار الإبراهيمي:‎ )١( )5865 /5( آثار الإبراهيمي:‎ )(

() آثار الإبراهيمي: (5/ 5865) 117

بين بنين وبنات» وبلغ عدد معلميها ألما وبضع مئات» وبلغت ميزانيتها الخاصة (وهي فرع من الميزانية العامة لجمعية العلاء) مائة مليون فرنك وزيادة إلى نهاية خروجي من الجزائر سنة 7 . ولا بلغ عدد المتخرجين من مدارسنا بالشهادة الابتدائية عشرات الآلاف» وجدت نفسي أمام معضلة يتعسر حلهاء ذلك أن حاملٍ هذه الشهادة ذاقوا حلاوة العلم فطلبوا المزيد» وأرهقوني من أمري عسرّاء وألحوا علي أن أتقدم مهم خطوة إلى الأمام» وحرام علي - على حد تعبيرهم - أن أقف بهم دون غاياته» فكان واجبًّا علي أن أخطو بهم إلى التعليم الثانوي» وأهبت بالأمة أن تعينني بقوة أبلغ بها غرض أبنائهاء فاستجابت فكان ذلك مشجمًا على إنشاء معهد ثانوي بمدينة قسنطينة نسبناه إلى إمام النهضة ابن باديس..» وكانت نيتي معقودة على إنشاء معهدين ثانويين آخرين» أحدهما بمدينة الجزائر» والثاني بمدينة تلمسانء وقد بلغ تلامذة المعهد البادضي فق السنة الأول آلا أووؤيذون» وكلهم منتخبون من مدارسنا الابتدائية من جميع القطر)()

هذه هي الأحداث ى] صورها الإبراهيمي بنفسه. وهي في مجملها تدل على الاهتتام المتزايد في عهده بالمجال التربوي والتعليمي وتأسيس المدارس.

ويضم إلى هذا جهوده السياسية الكثيرة» ومن أهمها محاولة جمع الأحزاب والشخصيات الوطنية في (هيئة أحباب البيان)» وقد خرج من تلك المحاولات أكثر اقتناعا بفساد أغلب تلك الأحزاب وتناحرها على المناصب والألقاب27.

ومن الأعمال السياسية التي قامت بها جمعية العلماء في عهده أّا كانت وراء تشكيل اتحاد أحزاب الشمال الإفريقي» الذي شارك فيه من الجزائر: حزب البيان الجزائري» وحزبٌ حركة اتتصار الحريات الديمقراطية» ومن المغرب: حزبٌ الاستقلال» وحزب الإصلاح» وحزبٌ )١(‏ آثار الإبراهيمي: (5/ 5865)

..195/ أكتوبر‎ ١١٠57 انظر: آثار الإبراهيمي 7/ 151. وقد كتب هذا الكلام بالبصائر» العدد‎ )١( 0

الشورى والاستقلال» وحزب الوحدة» ومن تونس: الحزبٌ الحرٌ الدستوري الجديد. والحزب الدستوري التونسبي7”".

وأسوأما حصل في هذه الفترة - وهو ما كان مقدمة لانتهاء نشاط الجمعية - هو سفر كل من رئيس الجمعية البشير الإبراهيمي» ونائبه أحمد المدني إلى مصر في عام »١46 ١‏ واستقرارهما بها منذ عام 2١1467‏ وإن كان عذرهما هو حشد التأيبد السياسي والمادي القضية الجزائرية» وخشية الاعتقال عند العودة» ونجاحهها في المشاركة في تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة» وافتتاح إذاعة صوت الجزائر من الإذاعة المصرية» وقد كان أول صوت يصدر من هذه الإذاعة صوت البشير الإبراهيمي مناديًا الثوار: (لا نسمع عنكم أنكم تراجعتم, أو تخاذلتم)0"

المطلب الرابع: دور الشيخ العربي التبسبي في جمعية العلماء

من الشخصيات المهمة التي كان لها الدور الكبير في الجمعية ابتداء من تأسيسهاء وانتهاء بحلها الشيخ العربي التببي» ولهذا لا يمكننا أن نؤرخ للجمعية دون أن نمر عليه» وعلى منجزاته فيها.

وبا أن رسالة دكتوراه أستاذي الفاضل الدكتور أحمد عيساوي مرتبطة بالشيخ العربي التببي. بالإضافة إلى ما جمعه من آثاره. بالإضافة إلى كونه ابن بلده» ويعرف الكثير من العلاقات المرتبطة به» فسيكون مرجعي في هذا المطلب ما كتبه في رسالته حوله؛ لا باعتباره مرجعا فقطء بل باعتباره مصدرا أيضاء فقد تسنى له أن يلتقي بالكثير من معارف الشيخ الذين

وفروا له من الشهادات ما يمكن الاستئناس به والاستفادة منه.

)١(‏ انظر: عبد العزيز الصغير دخان, جمعية العلماء ‏ ابن باديس - البشير الإبراهيمي: المصابيح المشرقة في ليل مظلم طويلء على هذا الموقع: (اصغط. لا ؟-نمحه طئك كاعم تدم /صمء. عصمط ات 0- ل //:مخخغطا» ولم أجد الكتاب مع أهميته مطبوعا.

ومن خلال ما ذكره الدكتور عيساوي عنه. يمكن تقسيم مراحل علاقة الشيخ العربي التبسي بالجمعية إلى أربعة مراحل:

١‏ قبل تأسيس الجمعية:

ذكر الدكتور أحمد أن علاقة الشيخ العربي بالجمعية كانت علاقة مبكرة ابتدأت من عضويته في جماعة الرواد )١19171-١97/(‏ الذين ذكرهم الشيخ محمد خير الدين في مذكراته. فقال: ( .. اجتماع الرواد» في عام 177١م‏ تحقق عزم ابن باديس ووجه دعوته إلى الطلاب العائدين من جامع الزيتونة والمشرق العربي » الذين رأى فيهم مقدرة واستعدادا للعمل في سبيل الدين والوطن .. وقد لبى دعوته : الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك بن محمد المي والشيخ الطيب العقبي والشيخ العربي التبسي والشيخ السعيد الزاهري» وكاتب هذه المذكرات الشيخ محمد بن خير الدين)”"

وقد عرض الشيخ ابن باديس خطته على هذه الجماعة» وهي - كىى) يلخصها الدكتور عيساوي-:

. تكوين لحنة منكم للتسيير والتنفيذ‎ - ١

؟ - الشروع فورا في إنشاء المدارس الحرة لتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية .

" - الالتزام بإلقاء دروس الوعظ لعامة المسلمين في المساجد ال حرة » والجولان في كافة أنحاء الوطن لتبليغ الدعوة الإصلاحية لجميع الناس .

5 - الكتابة في الصحف . والمجلات لتوعية طبقات الشعب .

5 - إنشاء النوادي العربية للاجتماعات . وإلقاء الخطب والمحاضرات .

5 - إنشاء فرق الكشافة الإسلامية للشباب في كافة أنحاء البلاد . (1) محمد خير الدين . المذكرات . ج ١‏ . ص 287 نقلا عن الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي

الإصلاحية» ص .١7١‏ 15

/ - العمل على إذكاء روح النضال في أوساط الشعب لتحرير البلاد من العبودية والحكم الأجنبي , لأن مبدأنا الذي يجب أن نسير عليه هو اتباع هدي رسول الله 5".

بعد ذلك عين ابن باديس جماعة الرواد » وحدد لهم أماكن نشاطهم .. وجعل نشاط الشيخ العربي التسبي لإلقاء الدروس بتبسة وما جاورها.

١‏ - عند تأسيس الجمعية:

حيث أنه كان من الحضور في جلسات الاجتاع التأسيسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد بنادي الترقي بالجزائر العاصمة يوم الثلاثاء /٠5‏ 1971/08م الموافق ١١‏ / ذي الحجة/ ه02

وقد ذكر الدكتور أحمد عيساوي السبب في عدم ترشيح الشيخ العربي التبسي نفسه لعضوية المجلس الإداري لجمعية العلماء في جلستها التأسيسية ناقلا ذلك عن أقرب تلامذته ومساعديه"» وهي:

. رغبته في إفساح الفرصة للعلماء الآخرين‎ - ١

؟ - زهده في طلب المناصب.

* - تفويت الفرصة على الأعداء » والمتربصين بنجاح تأسيس الجمعية .

7 مرحلة العضوية في المجلس الإداري لجمعية العلماء

)١(‏ محمد خيرالدين . المذكرات . ج ١‏ . ص 87 .. 2177 نقلا عن الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص .١7١‏

() محمد البشير الإبراهيمي . الجلسة التمهيدية لجمعية العلماء . مجلة الشهاب.ج 5 . المجلد / . قسنطيئة غرة ضفر :176هء الموافق ل جوان 1911م ض 41"..

() ذكر الدكتور أحمد عيساوي أنه استفاد ذلك من حوار مع الشيخ العيد والشيخ عيسى سلطاني بالقرب من منزله|

بتبسة شهر جوان ١113م,‏ نقلا عن: الدكتور أحمد عيساوي؛ جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص7؟١.‏ 1

وهي تمتد من سنة 19777 إلى سنة 214057 وتبدأ من ترشيح الشيخ العربي نفسه لعضوية المجلس الإداري للجمعية بطلب من العلماء الحاضرين في جلساتها المنعقدة يومي الاثنين والثلاثاء /١9/18‏ محرم ٠176ه1977/094/78/50م,‏ وانتخب الشيخ في عضوية المجلس الإداري للجمعية في عامها الثاني للمرة الأولى التي يترشح فيها . وعين نائبا للكاتب العام محمد الأمين العمودي".

وقد ذكر الدكتور أحمد عيساوي أن الشيخ العربي التبسبي كان يرشح نفسه لعضوية المجلس الإداري لجمعية العلماء كل سنة إلى أن انتخب كاتبا عاما للجمعية في جلساتها الاعتيادية أيام الأحد والاثنين /١7/١١‏ رجب/ 1700ه7/8/717/ 1977/09 م, بعد أن حاز على ١17//‏ صوتا من المصوتين كبقية زملائه الأعلام المترشحين وهم : ابن باديس والإبراهيمي والعقبي والميلي”".

وقد ظل الشيخ العربي - ى) يذكر الدكتور أحمد عيساوي- يشغل منصب الكاتب العام للجمعية إلى أواخر شهر سبتمبر 557١م‏ تاريخ انعقاد الجلسة العادية للجمعية» حيث تم تجديد المجلس الإداري للجمعية وفيه نال منصب نائب الرئيس. وفي فترة جمود نشاط الجمعية أثناء الحرب العالمية الثانية كان الشيخ مبارك الميلي يشغل منصب نائب الرئيس » وقد أقعده المرضه العضال .» فنابه في مهامه 9.

(1) محمد خير الدين . المذكرات . ج ١‏ . ص 21١4..37١١‏ نقلا عن الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص؟77١.‏

(؟) اجتماع الجمعية . جريدة البصائر . السلسلة الأولى . السنة الأولى . عدد 7 . الجمعة /١5‏ رجب/ 1700ه الموافق 6 م. ص ١‏ . 8.5 نقلا عن الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص5 ؟7١.‏

(©) الدكتور أحمد عيساويء جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص177.. 38

وقد تعمق في هذه المرحلة )١1955-١919(‏ - كما يذكر الدكتور أحمد عيساوي- نشاط الشيخ ني مجالات الجهاد السياسي بالإضافة إلى اضطلاعه أيضا بالعمل الدعوي والإصلاحي والتعليمي.

ومن نشاطاته التي غطتها تقارير الإدارة الاستعمارية (8 . لا. ١‏ . 5 ) كراسة المطالب التي تقدمت بها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للحلفاءء حيث يورد التقرير

أنه (اجتمع العلماء بقسنطينة يوم 5/07/٠017‏ 454١م‏ برئاسة الشيخ العربي التببي في غياب الإبراهيمي الذي كان معتقلا في آفلو » رغم قرار الحظر الصادر عن الحاكم العام بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية الاستثنائية » وكان موضوع الاجتاع منصبا حول العراقيل الإدارية التي تعترض رجال الجمعية ومؤسساتها » واقترح تقديم كراسة المطالب إلى الحكومة الفرنسية حول القضايا الرئيسية التالية :

١‏ -المساجد وموظفوها وأوقافها.

- التعليم العربي ومدارسه ومعلموه .

- القضاء الإسلامي وتعليمه ورجاله ..)"

بعد هذا ترقى الشيخ العربي إلى منصب نائب رئيس الجمعية وذلك عند انعقاد اجتماع أعضاء الجمعية في دورتهم العادية أيام بقسنطينة في /71/ /79/7/ سبتمبر/ 1447 م» حيث انتخبوا مجلسا إداريا جديدا للجمعية.

وقد ظل الشيخ العربي في هذا المنصب إلى أن رحل البشير الإبراهيمي إلى المشرق العربي يوم لل ل لا

5 - مرحلة الرئاسة الفعلية لجمعية العلماء:

.١؟ الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص5‎ )١(

.١؟ الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص5‎ )١( 513

وهي تهتد من »)١1075-1957(‏ وقد ذكر الدكتور أحمد عيساوي أن الشيخ العربي ظل يشغل منصب نائب رئيس الجمعية حتى بعد جلستها الإدارية المنعقدة بالجزائر العاصمة أيام/79/7/8/717/ سبتميرة 1465م لاعتبارات إصلاحية لها صلة بتماسك الجمعية أثناء غيابه في موسم الحج إلى غاية حل الجمعية.

وذكر أن الشيخ تحمل في هذه المرحلة بالذات ما تنوء الجبال بحمله » وذلك باعتراف كل رجال الجمعية بها فيهم الشيخ البشير الإبراهيمي نفسه. إلى أن أوصل الجمعية إلى حل نفسها يوم 1907/017/01م كي لا تتورط مع الإدارة الاستعمارية في الدخول في المفاوضات والطروحات الاستسلامية2.

ومن الملاحظات التي أوردها الدكتور أحمد عيساوي حول هذه المرحلة"©:

. وضوح وثبات إطاره المرجعي في كافة مراحله الدعوية والإصلاحية‎ - ١

. وضوح خطه»ء وممارساته » وغاياته » وأهدافه‎ - ١

- تنوع أساليبه » وممارساته » ووسائله .

5 - استمراره بين خطي التربية والتعليم من جهة . والعمل في إطار جمعية العلماء من جهة أخرى.

4 - تطوير آلياته وتقنياته الدعوية والإصلاحية حسب ماتقتضيه كل مرحلة .

1 - عزوفه عن الترشح للمناصب الدنيوية » وتجنبه المنافسة فيا لايرضي الله تعالى .

٠/‏ - صدقه . وإخلاصه . وتقواه » ووفاؤه لرسالة الإسلام , التي تفانى في خدمتها إلى يوم استشهاده.

8 - حزمه » وانضباطه المهني .

.١؟ الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص5‎ )١(

.١؟ الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص9‎ )١( 7

9 - تفانيه في خدمة الإسلام » والجزائر » والشعب الجزائري .

الا

المبحث الثاني نبذة تاريخية عن الطرق الصوفية المعاصرة لجمعية العلماء

تعتبر الطرق الصوفية - بغض النظر عن توجهاتها الفكرية والسلوكية المختلفة- من أهم مكونات المجتمع الجزائري لفترة طويلة من الزمنء فالمؤرخون يتفقون على أنها بدأت في الانتشار في الجزائر» وكسب نفوذ اجتماعي لا فيهاء بل أحيانا تعدى إلى النفوذ السيامي ابتداءا من القرن السادس عشرء ثم أخذت تنمو وتتسع حتى انتشرت على نطاق واسع في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والربع الأول من القرن التاسع عشر".

وهي بذلك تشكل جزءا مهما من تاريخ الجزائر الديني والثقافي والاجتماعي» بل والسياسي» ولهذا نجد المستعمر الفرنسي قد أولاها أهمية كبرى» فأرشيفه يحتوي على تفاصيل كثيرة عن أعدادها وزواياها ومشايخهاء بل حتى توجهاتها الروحية والفكرية.

وبا أن دراستنا هذه مرتبطة خصوصا بالتعامل بين الطرق الصوفية وجمعية العلماء» فإننا سنكتفي بالتعريف بالطرق الكبرى”" التي حصل بينها وبين الجمعية أي نوع من أنواع التعامل الذي سنراه في الفصول القادمة.

والثاني أننا سنقتصر من التأريخ لهذه الطرق با يرتبط بتلك الفترة إلا إذا دعت الحاجة إلى

)١(‏ فيلالي مختار الطاهر» نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني» دار الفن القرافيكي» باتنق ط1ء ص5 ".

(0) ناهز عدد الطرق الصوفية في الجزائر ستة وعشرين طريقة» منها أربعة أنشئت في العهد الاستعماري كالسنوسية والعليوية» والباقي كان موجودا منذ العهد العثماني» وبعضها مؤسس بالجزائر كال رحمانية والتيجانية» والبعض الآخر في المغرب كالطيبية والعيسوية والدرقاوية» ومنها ما هو مؤسس في المشرق كالقادرية» وأهم الطرق الصوفية التي ذاع صيتها في الجزائر : القادرية» الشاذلية» الدرقاوية» ال رحمانية» التيجانية» السنوسية (مقلاتي عبد الله : الطرق الصوفية في الجزائر أمام جدلية فاعلية حضورها الاجتماعي والسياسي, الموقف من الاحتلال الفرنسي نموذجاء الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة)» جامعة أدرار» أيام ١١/٠١ /٠54‏ نوفمبر 30١8‏ ص )01١١‏

7

الرجوع للأحداث السابقة أو التالية.

وقبل أن نبحث في تاريخ هذه الطرق في تلك الفترة نحب أن ننبه هنا إلى أمرين:

الأول: أنه من الصعب ضبط العلاقة بين أي طريقة صوفية وأي دولة من الدول» ذلك أن الطرق الصوفية لا تعترف بالحدود الجغرافية» فلهذاء قد نجد بعض مشايخ الطرق من خارج الجزائر» بين| لهم تواجد فاعل في الجزائر» ويتدخلون بمواقفهم أو آرائهم فيا يحصل فيها من أحداث7".» ولهذا سنستند عند الحديث عن المناقشات الفكرية بين الجمعية والطرق الصوفية إلى مشايخ من خارج الجزائر» باعتبار أن امتدادهم الروحي والفكري يسري إلى الطرق الموجودة 35 الجزائر".

ولعل نفس الأمر يقال بالنسبة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» فقد تبنت هي أيضا جماعة من العلماء من خارج الجزائر» وضمتهم إلى الجمعية"".

)١(‏ وكمثال على ذلك الشيخ عبد الحي الكتاني المغربي» فقد كانت له صلات كبيرة بالطرق الصوفية الجزائرية إلى درجة أن جمعية العلماء شنت حملة شديدة عليه» وكان على رأسها البشير الإبراهيمي في مقال مطول له بعنوان (أفي كل حي... عبد الحي)» وقد كتبه بمناسبة مؤتمر الزواياء الذي قاده الشيخ عبد الحي الكتاني. (انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (”/ 07941

)١(‏ وني هذا يقول الباحث عبد القادر خليفي: (الطرق الصوفية ظاهرة إسلامية لا تعترف بالحدود السياسية بين الدول والشعوب ولا بالقوميات والإثنيات» وهي أوسع مجالا من الوطنية الضيقة» بل هي أفسح ميدان يعبر فيه المريد عن شجونه ويتحرر بها من خصوصياته الضيقة في سبيل خصوصيات جماعية هادفة» إذ من أهدافها الجمع لا الفرقة والألفة لا التشرذم» والطرق الصوفية هي إحدى عوامل التوحد بين الشعوب اللمغاربية التي لن تتأثر بالمسارات السياسية والتغيرات الآنية) انظر: عبد القادر خليفي : الشيخية والقادرية بين الجنوب الغربي الجزائري وشرقي المغربء الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة)» جامعة أدرار» أيام 4 ١١/٠١ /٠‏ نوفمبر 48 )7٠١‏ ص الشركة

() قررالمجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في اجتماعه يوم 5 أكتوبر ١45 ١‏ منح لقب "الرئيس الشرفي"

هذه الجمعية لبعض العلماء الأجانب الذين يشتركون معها في الفكر والمنهج والهدف,. وهم: محمد ببجت البيطار نف

الثاني: أنا لا نتتحدث هنا عن التفاصيل المرتبطة بالتوجه الروحي والفكري للطرق الصوفية» لأنا ستتحدث عنه بتفصيل عند ذكر الاتجاه الفكري للطرق الصوفية» بالإضافة إلى ذكره في الباب المخصص لجحوانب الخلاف بين الجمعية والطرق الصوفية.

ولهذا سيقصر حديثنا في هذا الملبحث عند كل طريقة على أمرين:

١‏ - التعريف المختصر بمؤسس الطريقة وشيوخها الكبار» وخاصة من الذين سيرد لهم ذكر في الرسالة» أو كانت لهم علاقة مع جمعية العلماء.

١‏ - تاريخ الطريقة في الجزائر» ومواطن انتشارهاء وما يتبع ذلك من البحث عن عوامل الانتشار ونحوها.

أما علاقة هذه الطرق بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» والتي هي الحهدف الأسامي من البحث» فسنتعرف عليها بتفصيل في الفصل التالي لهذا الفصل.

بعد هذه المقدمات والتنبيهات» فإننا - باستقراء الطرق التي تتوفر فيها الخصائص التي ذكرناها - نجد أنها أربعة طرق كبرى» وهي بحسب تسلسلها التاريخي (القادرية» وال رحمانية» والتيجانية» والعلاوية)» وقد خصصنا كل واحدة منها بمطلب خاص.

ثم أضفنا مطلبا بذكر طرق أخرى كانت لما بعض العلاقة مع الجمعية» وهي مع ذلك أقل

(سوريا)» محمد تقي الدين الحلاللي (العراق)» محمد عبد اللطيف دراز (مصر). محمد أمين الحسيني (فلسطين)» محمد بن العربي العلوي (المغرب»» عبد القادر المغربي (سوريا)» عبد العزيز جعيط (تونس)» مسعود الندوي (باكستان)», أحمد بن محمد التيجاني (المغرب)» محمد نصيف (الحجاز).

ووكل المجلس إلى رئيسه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي تنفيذ هذا القرار بمراسلة هؤلاء العلماء لإبلاغهم به. وتمثل هذه الخطوة إستراتيجية جديدة لتوسيع نشاطها خارج البلاد وكسب منابر جديدة للتعريف بأعالهاء واستقطاب شخصيات علمية مشهورة لمناصرة دعوتباء وفك الحصار الذي فرضته عليها سلطة الاحتلال الفرنسية. (انظر: أ.د مولود عويمرء الشيخ محمد ببجت البيطار وصلته بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» مقال منشور ب (رابطة أدباء الشام على هذا الموقع الالكتر وني( 7510-0709 م حام. نلاه حك /أع .300 حا003035. للالثالها//مخغخط)

0

شأنا من هذه الطرق الكبرىء وقد اكتفينا فيها بتعريف موجز عنها.

المطلب الأول: الطريقة القادرية

تعد الطريقة القادرية من أقدم الطرق الصوفية التي دخلت إلى الجزائر عن طريق بجاية» ثم انتتشرت في الغرب الجزائري والجنوب الغربي من الصحراء وباقي مناطق الجزائر وغرب تونس.

وفروعها كانت موجودة في مختلف المدن ولا زوايا وأضرحة ومساجد في الجزائر وتلمسان وغيرهاء ولا أوقاف كثيرة» كانت ترسل مع الحجاج إلى الزاوية الأم في بغداد» وبقي الحال كذلك في العهد الفرنسي ولكن في ظل إجراءات مغايرة متضمنة قيودا عديدة.

وتعتبر القادرية أساس ومنطلق كل الطرق الصوفية في الجزائر» فالمدينية (نسبة إلى أبي مدين شعيب بن الحسين) تفرعت عن القادرية» وتفرعت عن المدينية الطريقة الشاذلية» وعن الشاذلية تفرعت طرق كثيرة كالدرقاوية والجزولية واليوسيفية والعيساوية والشيخية والطيبية والحنصالية» وإن كانت الشاذلية قد تفرعت عن القادرية إلا أنها أخذت منحى صوفيا يختلف عن المنحى الصوفي القادري".

ويقدر الفرنسيون عدد أتباع الطريقة القادرية في الجزائر سنة ١8457‏ ب )١5,515(‏ إخوانياء ١78‏ مقدماء ١4‏ زاوية.

وفي سنة /18691 ب01/8 و5 ” إخوانياء 00 مقدماء ”7 زاوية» ومن ضمن الإخوان هناك 606 ,” إمرأة أو خونية.

وفي سنة ١105‏ قدر عددهم ب 50,6٠٠‏ إخوانيا (منهم 7,8٠١‏ من النساء) و”ا7

)00 خير الدين شترة» الصلات الروحية بين الطرق الصوفية في المغرب العربي (الجزائر وتونس أنوذجا» الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة)؛ جامعة أدرار» أيام 04/ ١١/١٠١‏ نوفمبر 27٠١/8‏ ص 4090. هب“

زاوية0".

وقد كان لهذه الطريقة تاريخ مشرف في الجزائر» فهي من أوائل الطرق التي قاومت الاستعار الفرنسي بقيادة شيخها الكبير الأمير عبد القادر» وكان لما في نفس الوقت علاقة طيبة مع جمعية العلماء» وخاصة في منطقة الوادي التي كانت تتزعم في ذلك الحين هذه الطريقة.

بناء على هذا سنتحدث في هذا المطلب عن كبار مشايخ هذه الطريقة في الجزائر» وبعض فروعها فيهاء وبعض الأحداث التاريخية التي كان لها علاقة بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وقبل ذلك نتحدث باختصار عن مؤسس الطريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني.

أولا مؤسس الطريقة القادرية:

مؤسس الطريقة القادرية هو الشيخ عبد القادر أبو محمد محي الدين بن أبي صالح عبد الله وقيل ابن أي موسى جنكي دوست الجيلاني» نسبة إلى مدينة جيلان (وراء طبرستان)» ولد بجيلان عام /ا/1١٠م‏ وجاء إلى بغداد عام 48/4 ه / 94١٠م‏ حيث درس الفقه الحنبلي» ويقال أنه لم يبتم بالصوفية حتى حضر مجلس الشيخ أبو الخير حمد الدباسي.

في عام 07١‏ ه 77١1م‏ أي عندما جاوز الخمسين من العمر أصبح من أشهر علماء بغداد في الفقه الحنبلي» ثم لبس لباس الصوفية وبنى لنفسه مدرسة عام 07/8 ه/ 1١178‏ م» لم ينضم أحد إلى طريقته خلال حياته» وبعد وفاته بدأ الناس يسيرون على مهجه؛ وقد أخذ المريدون بنشر الطريقة فكان لما مواقع كثيرة في العالم الإسلامي ومنه شال إفريقياء توفي الشيخ عبد القادر سنة 01١‏ ه ودفن في مدرسته ببغداد".

ثانيا ‏ شيوخ الطريقة في الجزائر:

.0/ أبو القاسم سعد الله. تاريخ الجزائر الثقافي» ج. 4» ص‎ )١( 2١١١ ممدوح الزوبي : الطرق الصوفية» ظروف النشأة وطبيعة الدور الأهالي للتوزيع» دمشق» ط١» 4 ١٠7م» ص‎ 6 ا‎

كا

من أهم شيوخ وأعلام الطريقة القادرية بالجزائر:

١‏ الشيخ محمد الهاشمي بن إبراهيم:

يعتبر الشيخ محمد الهاشمي الشريف بن إبراهيم بن أحمد الذي ولد سنة 1857م في نفطة بتونس(" من أكثر مشايخ الطريقة القادرية نشاطاء وقد تلقى تعليمه الديني على يد والده الذي كان شيخ الطريقة القادرية على منطقة الجريد التونبي» وبتوجيه منه انتقل إلى ناحية الوادي وأسس بها زاوية قادرية» واستمر في نضاله إلى أن توفي عام “471١م‏ وهو دفين مدينة البياضة بالوادي.

وقد واجه في بداية تأسيسه للطريقة منافسة شديدة مع الزاوية التيجانية المجاورة له في البياضة» وكانت السلطات الفرنسية تزكي هذا التنافس»ء بل تثير النعرات والفتن بين الطريقتين - ىم ذكرنا سابقا- ضمن سياية (فرّق تسد)

" - الشيخ عبد العزيز بن الحاشمي:

وقد خلف والده في مشيخة الطريقة القادرية بعد وفاة أخيه» بعد أن توفر فيه الشرط الذي شرطه والده. فقد حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة» ثم التحق بجامع الزيتونة بتونس» وكان

أول الناجحين ضمن أقرانه وإخوانه إذ تحصل على شهادة التطويع في حياة والده بامتياز

)١(‏ معظم زوايا الشرق الجزائري والجنوب ذات صلة بزاوية نفطة والكاف القادريتين» ومؤسس زاوية نفطة هو أبو بكر بن أحمد الشريفء وهو تلميذ الشيخ المنزلي (نسبة إلى منزل بوزلفة بتونس) وقد تطورت الزواية بفضل جهود الشيخ إبراهيم بن أحمد الشريف النفطي حتى قال بعضهم أن تأثيره سنة 1841م وصل إلى غدامس وغات والجزائر وعين صالح وتوات وتيديكلت وله أتباع في بلاد الطوارق وعلى رأسهم الشيخ عابدين» وكان هذا الأخير هو مقدم الشيخ محمد بن إبراهيم وقد ترك إبراهيم أولادا تقاسموا برّكة والدهم على النحو الآتي: الأكبر منهم وهو محمد تولى الزاوية الأم بنفطة وأسس الحاشمي زاوية في عميش بوادي سوف وأصبح نائبا لأخيه» ونشط ال حاشمي في تجنيد الأتباع ونشر نشأتها وتطورها »)191750-١94:٠0(‏ رسالة ماجستير, 7٠٠١0‏ ص١١٠١.‏ 8

وبذلك أصبح المؤهل الوحيد لمشيخة الزاوية باعتباره المتخرج الأول من جامع الزيتونة.

وقد تم الإجماع على أن يتولى مشيخة الزاوية القادرية في سوف مع ملحقاتها في كل من تقرت وبسكرة وسكيكدة والجزائر العاصمة» ى) يقوم بالإشراف على شؤون العائلة وعلى إخوانه الذين يزاولون تعليمهم بجامع الزيتونة بالإضافة إلى العمل المستمر في تطوير أملاك الزاوية وخاصة في غابات النخيل» واستثار تجارة التمور المزدهرة والمربحة عبر مناطق الجنوب حتى أصبح الشيخ عبد العزيز يعرف ب (ملك التمور)» وهذا ما أثار غيظ المحتكرين الأجانب الذين عزموا على إبعاده من هذا الميدان والسطو وحدهم على تجارة التمور واحتكارها لأنفسهم» وهذا ما تم لهم فعلا في| بعد.

وقد سارت حياة الشيخ بصورة عادية لمدة ١5‏ سنة ولكنه بعد أن قام بأداء فريضة الحج سنة 219775 عاد إلى الجزائر أخذ يقترب من أفكار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي طفحت على سطح الأحداث الجزائرية خاصة بعد انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري العام في شهر جوان 19757 وذهاب الوفد الإسلامي بمطالب الآمة الجزائرية إلى باريس لعرضها على الحكومة الفرنسية» وماتلا ذلك من أحداث2”".

وبناء على هذا راسل الشيخ عبد الحميد بن باديس في شهر أكتوبر ١9117‏ ببرقية يفصح له فيها عن رغبته في الانخراط في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين7"» فبادر الشيخ عبد الحميد بن باديس بالإسراع في الرد عليه بالمثل معينا إياه عضوا فاعلا في مكتب الجمعية مكلفا بمناطق

وادي سوف وما جاورها.

)00 انظر: موسى بن موسى» الحركة الإصلاحية بوادي سوف نشأتها وتطورها ))١91750-١95(‏ رسالة ماجستير» ملخلءيص"١٠.‏ () عمار هلال : أبحاث ودر سات في تاريخ الجز المعاصرة (1817*0 - »)١177‏ ديوان المطبوعات الجامعية, 221996

رن 01 7

نتيجة لهذا التحول وجدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نفسها بوادي سوف تنتشر انتتشارا واسعا نتيجة السعي المكثف من طرف الشيخ عبد العزيز الشريف. والذي تمثل في تحويل جزء من زاوية عميش إلى مدرسة عصرية على طراز مدارس جمعية العلماء المسلمين0".

وقد انتدب للتدريس فيها الشيخين عبد القادر الياجوري والشيخ علي بن سعد خران", كما قام الشيخ عبد العزيز الشريف بفتح مدرسة بالوادي وانتدب لما من الشيوخ ما يحوها إلى معهد إسلامي يتوفر على الشروط الضرورية» وعلى إثر هذه المساعي التعليمية طالبت الإدارة الفرنسية من الشيخ عبد العزيز الشريف رخصة التعليم» فرد عليها الشيخ بأن الزاوية تقوم بدور التعليم من قديم الزمان بدون رخصة”".

وقد تدعمت الصلة بين الشيخ عبد العزيز وجمعية العلماء بعد حضوره المؤتمر السنوي العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي بدأ أعماله يوم 75 سبتمبر ١9737‏ بنادي الترقي بالعاصمة» حيث قدم الشيخ ابن باديس بعض كبار الرجال الذين لهم أكبر الأثر في بعث النهضة الجزائرية من جمعية العلماء» وذكر منهم الشيخ الفضيل الورتلاني والشيخ سعيد صالحيء ثم تقدم هو بنفسه. وألقى خطابه الرسمي مقترحا أن يسمى هذا الاجتماع بعيد النهضة الجزائرية» ثم طلب إلى زميله الطيب العقبي أن يقدم الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الحاشمي إلى الحاضرين» وكان لهذا التقديم مغزاه العميق» فقد كان الشيخ عبد الحميد بن باديس

يدرك الشدة التى كان يحملها العقبى على الطرقيين.

.777 عمار هلال : أبحاث ودراسات» ص‎ )١( انظر: محمد الصالح بكوش: (الشيخ علي بن سعد خيران القماري»» الندوة الفكرية الثالثة للشيخ عبد القادر‎ )0( ص”7.‎ .3٠٠١7 جوان‎ 5-0- ٠ 5 الياجوريء الجمعية الثقافية للمركز الثقاني بقار الواديء أيام‎ السنة الثالثة» الجمعة 4 ؟ جمادي‎ 2١177“ (؟) وقد ذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس هذا في مقاله السابق: البصائر : عدد‎ الثانية /17"01 ه- 77 جوليت 1978 م.‎

7

ثم أحيلت الكلمة إلى الشيخ عبد العزيز الذي أبدى تأسفه لتأخره عن الانضواء تحت لواء الجمعية» ووعد بأنه سيبذل كل مجهوداته في خدمة الإصلاح وتبرع لهم بمبلغ خمسة وعشرين ألف فرنك» وهو مبلغ هام في ذلك الوقت.

بعدها رتب الشيخ عبد العزيز زيارة لوفد من جمعية العلماء بقيادة الشيخ عبد الحميد بن بادسمي إلى الوادي في شهر ديسمبر ١97737‏ م0

وفي أواخر جانفي ١9178‏ م أعد الشيخ عبد العزيز الشريف زيارة للشيخ الفضيل الورتلاني إلى وادي سوف. وهذا ردا على الزيارة التي قام مها الشيخ محمد ال حافظ التيجاني المصري قصد إلقاء دروس بمنطقة سوف بدعوة من شيوخ الطريقة التيجانية كرد فعل على زيارة وفد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للمنطقة» وقد كانت الزيارة التي قام بها الشيخ الورتلاني بعد زيارته لبسكرة» حيث كانت يوم الثلاثاء 7 ذي القعدة 17255 ه/ 5١5‏ جانفي ١117/7‏ م, ليبقى مدة يومين في ضيافة الشيخ عبد العزيز الشريف”".

وقد كان الشيخ الورتلاني يتقد حماسا بمواقفه الصريحة ونقده اللاذع» فكان لهذه الزيارة الصدى الواسع عند الناس لما طرحته من مواضيع ساخنة أغضبت الحاكم العام الفرنسي الذي بدأ يترصد خطوات الشيخ عبد العزيز.

و رغم ملاحظات السلطات المحلية» فإن الشيخ عبد العزيز لم يتوقف عن نشاطه. بل واصل مشروعه التعليمي؛ ولم يعترف بمرسوم ٠١‏ أكتوبر 1847 واعتمد بمرسوم / مارس الذي يراقب التعليم في المدارس القرآنية» لأن الشيخ يعتقد أن التعليم في الزوايا غير مراقب.

وقد كان هذا السلوك بالإضافة إلى مواقف أخرى كثيرة جعلت من الإدارة الفرنسية تشيد

.777 عمار هلال : أبحاث ودراسات» ص‎ )١(

() أحمد صاري : عبد العزيز الهاشمي والإصلاح» ص 0759. وم/

في ضغوطها عليه» وقد كان

وقد اشتد هذا الصراع خلال زيارة مدير الشؤون الأهلية وأقاليم الجنوب (لويس مييو) للوادي» حيث صرح له الشيخ عبد العزيز الشريف بموقفه المعارض لمرسوم ٠/8‏ مارس ١97/7‏ ويفصح عن الحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها أهالي المنطقة".

ومن مواقف أسرة الحاشمي الشريف الكبرى بعد هذه المواقف وقوفهم لصالح الثورة التحريرية وتزويدها با تحتاجه من ثروة وما قام به أحد أبناء القادرية يعد إثباتا على نضاها إذ تبرع بقصر الباي بتونس الذي اشتراه عام ١157‏ للثورة التحريرية ورفع فيه علم الجزائر ونصبت فيه أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية".

واستمر الشيخ في تدعيم الثورة حتى تحصلت الجزائر على استقلاها غير أن الشيخ لم يرجع إلى الجزائر» بل بقي بتونسء ولازم داره ولم يقم بأي عمل سياسي أو ثقافي يذكرء وكانت وفاته في تونس سنة .١956‏

القاضي شعيب بن علي:

هو الشيخ الفقيه أبو بكر شعيب بن علي بن فضل الله بن محمد بن عبد الله الجليل» ولد بتلمسان وحفظ القرآن الكريم وشرع في طلب العلم على يد علماء تلمسان منهم: أحمد المختار بن البشير» محمد بن دحمان العبادي» بن عبد الله بن العيدوني» وهو الذي لازمه طويلا واشتد ساعده به» كما روى عن ابن الحفاف وعبد الكبير الكتاني» وكان من أتباع الطريقة القادرية التي أخذها عن الشيخ بن سليمان.

بالإضافة إلى هذاء فقد درس بالمدرسة الشرعية الفرنسية» وتولى الإمامة ثم القضاءء برع في

.0759 أحمد صاري : عبد العزيز الهاشمي والإصلاح» ص‎ )١( ص‎ .7٠١7 (؟) عميراوي احميده» رسالة الطريقة القادرية في الجزائر» دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع» عين مليلة»‎ 38

11م

الفقه والتصوف ونظم الشعرء تولى القضاء لمدة أربعين سنة من 1874 إلى 2١1404‏ وقد مثّل الجزائر في مؤتمر المستشرقين باستوكهولم عام 1889م.

توفي بتلمسان سنة 1974م ودفن بضريح سيدي أب مدين بالعباد. تاركا خلفه عدة رسائل في التوحيد وقصائد منها: (الرمز الكفيل في عقائد أهل الدليل)» شرحه محمد بن عبد الرحمن الديسي» وقرظه الشيخ محمد عبده؛ و(المعلومات الحسان في مصنوعات تلمسان). و(زهرة الريحان في علم الآلحان)» وغيرها".

المطلب الثاني: الطريقة الرحمانية

تعتبر الطريقة ال رمانية من أوسع الطرق انتشارًا في عموم الجزائر إبان القرن التاسع عشر؛ حيث كانت تستحوذ وحدها على أكثر من /5٠‏ من عدد الزوايا في الجزائر» وحسب إحصائية عام 1847 للمستشرق (رين» بلغ عدد زوايا الطريقة ال رحمانية لا/ا١‏ زاوية» وأتباعها 6< خونيا").

وتنتشر هذه الزوايا خصوصافي الشرق والوسط والجنوب حتى في تونس» ومن هذه الزوايا (زاوية صدوقء برج بن عزوزهء طولقة» أولاد جلال» خنقة سيدي ناجيء قسنطينة)7)

ومن أهم مراكز الطريقة في العهد العثاني الأخير: الحامّة قرب العاصمة» وآيت إسماعيل ببلاد القبائل» وزاوية صدوق بناحية سطيفء وقسنطينة» والبرج قرب طولقة» وأولاد جلال»

)١(‏ انظر: مركز القاسمي للأبحاث والدراسات الصوفية على هذا الرابط: (15606.018]نا 50 ممأءةا//:مغغط) )١(‏ صلاح مؤيد العقبيء الزوايا والطرق الصوفية بالجزائر تاريخها ونشاطهاء بيروت. لبنان» دار البراق» 7١١7م»‏ صله١.‏ (9) صلاح مؤيد العقبي» الطرق الصوفية والزواياء ص2157 وانظر: أبو القاسم سعد الله» تاريخ الجزائر الثقافي» ١/ة١ه.‏

آله

وخنقة سيدي ناجي» ووادي سوفء. وتقع المراكز الأربعة الأخيرة بالواحات"©.

ويذكر للطريقة الرحمانية التي صعدت سلطتها في منطقة الشرق الجزائري وخاصة الريف القسنطيني» يذكر لا أنها قامت بدور محوري في نشر التضامن بين سكان المنطقة ونشر العلم والتآخي7".

وقد كانت هذه الطريقة محل احترام من بعض مشايخ الجمعية» وخصوصا الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كانت له علاقة مع بعض مشايخها ى| سنرى.

ولكن ذلك ليس عاماء فقد شن عليها الشيخ مبارك الميلي في كتابه (رسالة الشرك ومظاهره) حملة شعواء خاصة على فرعها في الزاوية الحملاوية.

انطلاقا من هذاء فسنتحدث في هدا المطلب باختصار عن مؤسس الطريقة» وكبار مشايخها في الجزائر إبان العهد الاستعماري.

أولا مؤسس الطريقة:

مُؤْسّسٌ الطريقة هو محمد بن عبد الرحمان القشتولي الجرجري الأزهري”. المولود حوالي

)١(‏ فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني» ص 5 5» 55» وعبد الباقي مفتاح: أضواء على الطريقة الرحمانية الخلوتية» الوليد للنشرء الوادي» طبعة 5 7١٠‏ ص 25١‏ 057 77, ص »١54‏ تس ضقة

)١(‏ محمد الأمين بلغيث : السلطة في الجزائر وتونس في القرن 17م من خلال تاريخ العدواني» الندوة الفكرية الخامسة

للشيخ محمد العدوانيء الزقم / الوادي / ا دل نوفمير ١٠٠5م‏ صضص01ل.

(؟) استفدنا هذه الترجمة من عدة مصادر أبرزها ما كتبه الحفناوي في كتاب (تعريف الخلف برجال السلف. مطبعة بيير فونتانة الشرقية في الجزائر/ 5 75١ه‏ - 1105م ص(15:0) وما بعدها)» بالإضافة إلى مقاليّن للأستاذ عبد المنعم

القاسمي عن الطريقة الرحمانية ومؤسسها (كلاهما منشور على موقعه المشار إليه آنمًا)ء فضلًا عن مقال ثالث بعنوان و

سنة ١177م‏ في قبيلة آيت إسماعيل التي كانت جزءًا من حلف قشتولة في قبائل جرجرة» الواقعة على بعد ١5‏ كلم» شرق ذراع الميزان.

ويلقب ب (الزواوي) نسبة إلى بلاد زواوة التي نشأ مباء ىا يلقب بالأزهري نسبةً إلى أزهر مصر حيث جاوره مدة طويلةَ من سني حياته.

زاول دراسته الأولى في مسقط رأسه. ثم واصل تعلمه في الجزائر العاصمة» في عام 10/74 م توجه لأداء فريضة الحج» وفي عودته استقر بالجامع الأزهر فترة طويلة مترددًا على العلماء وشيوخ التصوف كمحمد بن سام الحفناوي؛ حيث أصبح محمد بن عبد ال رحمان مريدًا وتلميدًا له حيث أدخله الطريقة الخلوتية.

وبعد غياب طويل دام أكثر من ثلاثين سنة عاد إلى الجزائر بعدما تلقى الأمر من شيخه في مصر محمّد بن سالم الحفناوي الخلوق (ت ١١8١‏ ه) بالعودة إلى بلده ونشر الطريقة الخلوتية»وكان ذلك سنة /ا/1١‏ ١ه‏ - 17/08 م.

التزم التلميذٌ أمرَ شيخه وعاد إلى موطنه الجزائر حيث أسس زاوية بمسقط رأسه (آيت إسماعيل) وشرع في الوعظ والتعليم» وقد التف حوله جموع الناس من سكان جرجرة المستقلين عن السلطة العثمانية".

انتقل إلى الحامة إحدى ضواحي العاصمة» ومن المحتمل أنه فعل ذلك فرارًا من خصومه

المرابطين الذين عادوه لما حققه من نجاح هدد نفوذهم في المنطقة» أو لأنه تأكد من رسوخ

(تعريف الطريقة ال رحمانيّة الخلوتيّة والزاويّة القاسميّة) من إعداد محمّد فؤاد» منشور على مدونة (دار الخليل القاسمي للنشر والتوزيع)ن بالإضافة إلى ترجمة وافية في (عبد الباقي مفتاح» أضواء على الطريقة الرحمانية» ص 0175-57 )١(‏ فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثمان» ص ٠‏ 5» وعبد الباقي مفتاح: أضواء على الطريقة الرحمانية الخلوتية» ومحمد نسيب: زوايا العلم والقرآن بالجزائر» دار الفكرء الجزائر ص 106١‏

1

تعاليمه وانتشارها في المنطقة فرأى أن يستقر بالقرب من العاصمة ليوسع دائرة دعوته» أسس في الحامة زاوية وأخذ في نشر تعاليم الطريقة الخلوتية» ولكن سرعان ما أثار سخط المرابطين

والعلاء للأسباب التالية: ١‏ - ابن عبد ال رحمان من أبناء الريف. لذا لابد أن يلقى معارضة من أهل الحضر المرابطين

١‏ - خوف الأتراك منه لأن قبيلته تندمي إلى حلف قشتولة وبالتالي فهي لا تخضع لحكمهم بل معادية لهم ولهذا الغرض آثار الآتراك العلماء والمرابطين ضده.

- دعوته الدينية تبعث على إحياء الوحدة الروحية والوطنية التي طالما عمل الأتراك من أجل عدم تحققها طوال حكمهم حتى لا تكون خطرًا على سلطانهم”".

رأى ابن عبد الرحمان أن الحكمة تقتضى منه العودة إلى مسقط رأسه فعاد سريعًا إلى زاويته ببلدة آيت إسماعيل» وبعد ستة أشهر من عودته جمع مريديه وأخبرهم بقرب أجله وعين من يخلفه في منصبه وهو علي بن عيسى المغربي7".

لم يحصر ابن عبد ال رحمان نشاطه في نشر دعوته الدينية الصوفية على منطقة القبائل والعاصمة فحسب. وإنا مد نشاطه أيضًا إلى إقليم الشرق الجزائري حيث قام بتعيين خليفة له من أبناء قسنطينة وهو مصطفى بن عبد ال رحمان بن الباش تارزي الكرغلي» فقام هذا الأخير بنشر تعاليم الطريقة في الإقليم الشرقي حيث نصَّب عدة مقاديم أشهرهم الشيخ محمد بن عزوز في واحة البرج قرب بلدة طولقة2.

.. 57 24 ١ فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني» ص‎ )١( . 47 فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني»» ص‎ )0( فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني. ص 57» وعبد الباقي‎ )(

مفتاح: أضواء على الطريقة الرحمانية الخلوتية» ص .١572١189/8‏ هم

بعد وفاته (0٠١١ه/‏ 1797 م) ازدادت الطريقة نجاحًا واتسعت دائرة نفوذها تما زاد في هياج الأتراك وحنقهم, لذا فقد قاموا بمحاولة لوضع حد لتدفق الزوار من كل مكان على الزاوية الأم بآيت إسماعيل فدفعوا بثلاث مجموعات استطاعت إحداها نقل جثانه إلى الحامة حيث دفن في احتفال مهيبء ثم بنوا عليه مسجدًا وقبة» على أن سكان قرية آيت إسماعيل حين| تحققوا أن الجثة لم تفارق قبرها الأصلي - وكانوا قد نبشوا القبر - اعتقدوا أن جثة شيخهم قد الوك وؤدلة ةلله ]لين تي ستد ون عبن الرتعانة د فو وري

وقد استطاع خليفته - علي بن عيسى - الذي بقي مدة 63 عامًا في منصبه 78١١١ه‏ / ١115ه‏ أن يدير الزاوية الأم بكل حكمة ونجاح, ما أكسب الطريقة انتشارًا واتساعًا في النفوذ سواء في وسط البلاد أو في شرقها وجنوبهاء إلا أن موته أفقد إدارة الزاوية الالتحام والوحدة حيث إن خلفاءه لم يستطيعوا بسط هيمنتهم على مقاديم الزوايا البعيدة التي أعلنت استقلالها عن الزاوية الأم» وذلك نتيجة لضعف شخصية هؤلاء الخلفاء من جهة» وسياسة الاحتلال الفرنسي التي عملت على تمزيق وحدتها من جهة أخرى/".

ثانيا ‏ شيوخ الطريقة ال رحمانية وأعلامها:

اشتهرت الطريقة ال حمانية بكثرة مشايخها وعلمائها وسنحاول هنا أن نذكر - باختصار -

الشيخ عبد الرحمن باش تارزي:

ويعتبر من أشهر رجال الطريقة الرحمانية» وناشرها بالناحية الشرقية من الجزائر» وهو

)00 فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني» ص 57» 5 5» وعبد الباقي مفتاح» أضواء على الطريقة الرحمانية الخلوتية» ص 57. إفة فيلالي مختار الطاهر: نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العماني» ص 5 5» وعبد الباقي

مفتاح» أضواء على الطريقة ال رحمانية الخلوتية» ص 4 /. 4م

مؤسس أسرة باش تارزي العلمية الطرقية المجاهدة الشهيرة بالشرق الجزائري» وقد وصف بكونه أحد أركان التصوف علا وعملا وزهدا وتحقيقا ورئاسة وجلالة» كان وحيد دهره علما وحكمة واتقانا وإصلاحا.

تفقه على المذهب الحنفيء وأ بالمذهب المالكي» وسلك التصوف على يدي الشيخ الأزهريء ومن مؤلفاته: (عمدة المريد في بيان الطريقة)» و(غنية المريد في شرح كلمة التوحيد). و(المنظومة الرحمانية).. وغيرها من المؤلفات والرسائل.

وقد تخرج على يديه جمع كبير من التلاميذ منهم: الشيخ محمد بن عزوز البرجي ناشر الطريق في الجنوب الجزائري» والشيخ محمد بن الحبيب القسنطيني» والشيخ محمد السياري القسنطيني.

توفي الشيخ باش تارزي عام 101 م, بقسنطينة ودفن بها ".

الشيخ مصطفى بن عبد الرحمن باش تارزي:

بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن خلفه ابنه العلآمة الشيخ مصطفى بن عبد الرحمن باش تارزي رت 1875م). وهو من كبار رجال الطريقة الرحمانية» وشارح «المنظومة الرحمانية) لوالده الشيخ عبد الرحمن باش تارزي. وما جاء في وصفه: (هو الشيخ الإمام العلامة نخبة الفضلاء وواسطة عقد النبلاء وواحد العلماء الأعلام...) تولى الفتوى الحنفية ثم القضاءء ثم الخطابة بجامع سوق الغزل ثم بجامع القصبة ثم بالكتاني.

ومن آثاره العلمية: (المنح الربانية في بيان المنظومة ال رحمانية)» و(رسالة تحفة الناظرين) في الوقف... وغيرها من المؤلفات. توفي الشيخ مصطفى عام 1175م بقسنطينة ودفن في المقبرة العليا بسوق الغزل» ويسمى الممر باسمه (ممر باش تارزي)

وجاء بعده ابنه الشيخ محمود. ثم خلفه ابن عمه الشيخ محمد بن محمد بن عبد الر حمن, ثم )١(‏ انظر: عبد المنعم القاسمي الحسني» (زاوية الشيخ عبد الرحمن باش تارزي بقسنطينة: معقل العلم والقضاء والطريقة

والجهاد). مقال منشور بجريدة الشروق اليومي : 58 -8 ١٠‏ 3-7 ايت /ام/

جاء بعده الشيخ الحاج السعيد بن أحمد باش تارزي (ت ١141١م).‏ وخلفه على رئاسة الزاوية الحاج أحمد باش تارزي (ت/417١0).‏ ويتولى مشيختها حاليا الأستاذ الفاضل محمد الشريف باش تارزي من سلالة العلامة الشيخ عبد الرحمن باش تارزي7".

ونحب أن نذكر هنا بمناسبة علاقة جمعية العلماء بالطريقة الرحمانية أن الشيخ عبد الحميد ابن باديس قد اشرف على تصحيح الطبعة الثانية ل (المنظومة ال رحمانية في الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية) التي ألفها الشيخ عبد الرحمن باش تارزي.

وقد قال الشيخ عبد الحميد في آخر تصحيحه للطبعة: (ندبني الشيخ المذكور مصطفى باش تارزي إلى إعانته على نشر المنظومة ال رحمانية بالوقوف على تصحيحها فلبيت طلبه راجيا من وراء ذلك أن يتذكر الإخوان ما عليهم في هذا الطريق الشرعي من الأدب العملي والعلمي» ويعلموا أنهم لا يكفيهم في ترقية نفوسهم مجرد الانتساب الإسميء فيدعوهم ذلك إلى العلم والتعلم اللذين لا سعادة في الدارين بدونه| ولا تقدم» فيفقهوا حينئذ حقيقة الدين وينتفعوا بنصائح المرشدين» ويكونوا يوم ذلك إن شاء الله تعالى من المهتدين» والله المسؤول أن هب التوفيق والنفع والثواب لكل ساع في خير المسلمين آمين» وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)7)

و تحت عنوان خاتمة الطبع بقلم المصحح. قال الشيخ عبد الحميد بن باديس: (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والآل والصحابة أجمعين وجميع التابعين بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد : فقد تم طبع المنظومة ال رحمانية ذات الأسرار الربانية الجامعة لأصول الطريقة الخلوتية» وآداب التربية الشرعية الدالة على علم ناظمها وبركته بما نفع الله بها من أتباعه وتلامذته» حتى نفدت طبعتها الأولى مع شرحهاء

. انظر: الشيخ عبد القادر عثماني» الطريقة الخلوتية الرحمانية طريقة قرآن وعلم وجهاد, د.ط..ت. ص؛‎ )١(

0( نقلا عن: الشيخ عبد القادر عثماني» الطريقة الخلوتية الرحمانية طريقة قرآن وعلم وجهاد, د.ط..ت». ص 0. 84

فكثرت الرغبات» وتوالت الطلبات في إعادة طبعها لتعميم نفعهاء فقام بذلك على نفقته العالم البركة الخير الثقة شيخ شيوخ الطريقة الخلوتية بقسنطينة اليوم المتحلى من أخلاق أسلافه بالنفائس الغالية السوم الشيخ سيدي مصطفى ابن الشيخ سيدي محمود ابن الشيخ سيدي الحاج محمد ابن الشيخ سيدي محمود ابن الشيخ الأكبر سيدي الحاج عبد الرحمن باش تارزي زاده الله من بره وتوفيقه وسدده في سلوك طريقه بمنه آمين.

و لنحل هذه الخاتمة بكلمات وجيزة في ترجمته فنقول : لا زال هذا الرجل معروفا من شبابه بجمال العفة» وحسن السمتء ومكارم الأخلاق» والحياء التام» والتواضع الفطري مع جميع الناني

اعتنى بتربيته أبوه الشيخ سيدي محمود. ثم ابن عم جده الشيخ سيدي الحاج السعيدء فحفظ القرآن الكريم» وقرأ العلم وتأدب بآداب الطريق وشبٌّ على الأخلاق الكريمة اللائقة بمثله» في كرم مجده وشريف تربيته» وما هو مترشح له من الجلوس على سجادة الطريق» وتبذيب الإخوان حتى نال بذلك المنزلة الرفيعة من قلوب عارفيه عموماء وأهل الطريقة خصوصا.

و في رجب عام ١779‏ ه ولي خطة الخطابة والإمامة بالجامع الأخضر الحنفي» بعد وفاة الشيخ سيدي السعيد الذي كان إماما خطيبا بالجامع الكتاني الحنفي.

و في شوال 175 ه جلس على سجادة الطريقة الخلوتية بعد وفاة عمه الشيخ البركة سيدي الحاج أحمد عليه الرحمة والرضوان. وله في الإذن بتلقين ذكر الطريقة الخلوتية إجازتان تتصلان بالقطب الأكبر والغوث الأشهر الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن القشطولي الأزهري دفين الجزائرء الذي أتى بالطريقة الخلوتية إلى وطن الجزائر من ديار مصر)”"

ونحب أن نذكر هنا كذلك أن الزاوية الرحمانية التي أسسها الشيخ باش تارزي في قسنطينة

.0 انظر: الشيخ عبد القادر عثماني» الطريقة الخلوتية الرحمانية طريقة قرآن وعلم وجهاد, د.ط..ت. ص‎ )١( /1

كانت مركزا لاجتماع علماء الحنفية والأتراك منهم خصوصاء ومقرا لنشر الطريقة ال رحمانية لدى قسنطينة والضواحيء كما كانت حلقة وصل بين بلاد القبائل والزوايا الجنوبية» ونشرت الطريقة بالشرق الجزائري.

وكان للزاوية فروع ومقدمون» وحسب إحصاء (ديبون وكوبولاني) فإن أتباع الزاوية بلغوا في آخر القرن التاسع عشر: أكثر من عشرة آلاف مريدء وا ثاني زواياء ووكيل واحد وه؟ أستاذاء وشيخ واحد و85 مقدماء و5 ٠١‏ من الشواشء ومعظم هؤلاء الإخوان كانوا في إقليم قسنطينة. وبعضهم كان في إقليم الجزائر.

وقد ساهمت الزواية في ثورة الرحمانيين سنة 175 م2 حيث هاجم أتباعها قوات الجنرال (بريقو) حاكم مقاطعة قسنطينة بالوادي الكبير» واستمرت الثورة إلى غاية 175 . كما شاركت في ثورة التحرير الكبرى عن طريق أبناء الأسرة الذين التحق عدد كبير منهم بالثورة".

الشيخ محمّد بن أبي القاسم:

هو مؤسّس زاوية ال حامل» ولد في 1877م ببادية الحامدية» بولاية الجلفة» رحل في طلب العلم إلى جبال القبائل» فحلٌ بزاوية سيّدي أبي داود بتاسلينت ناحية أقبو» وأخذ من شيخها أحمد بن أبي داود» علوم الفقه. والنحوء وعلم الكلام والفلكء والفرائض. والمنطق.

وفي عام 1655م جلس للتدريس بالهامل» فتوافد عليه الطلاب من المناطق المجاورة» وفي هذه الفترة ذهب لزيارة الآمير عبد القادر» الذي كان غير بعيد عن البيرين» بجبل البيضاءء وفي نيه أن يكون مجاهدا في صفوف جيش الأمير» غير أنه طلب منه أن يبقى مدرّساء ومن هنا توطّدت العلاقة» فكانت بينهما مراسلات من الجزائر ومن الشامء وما تزال بالزاوية قطع من أسلحة أهداها الأمير للشيخ محمّد بن أبي القاسمء وازدادت العلاقة بعائلة الأمير متانة بتعاقب

)١(‏ انظر: عبد المنعم القاسمي الحسنيء (زاوية الشيخ عبد الرحمن باش تارزي بقسنطينة: معقل العلم والقضاء والطريقة

والجهاد). مقال منشور بجريدة الشروق اليومي : 58 -8 ١٠‏ اولاء5”, 14٠‏

شيوخ الزاوية.

وقد تتلمذ في التصوف على يدي الشيخ المختار بن عبد الرّحمن بن خليفة الجلألي» فلازمه من بداية سنة 717١ه‏ إلى أول سنة 17178١ه»‏ حيث أَذْن له في إعطاء ورد الطريقة الرحمانية» وخلفه على رأس زاويته قريبا من سنة.

عاد بعدها إلى ال هامل فبنى زاويته التي كانت من أهم زوايا العلم في الجزائر بالإضافة إلى دورها التربوي والروحي والاجتماعي والذي لا يزال قائما إلى الآن.

وقد كان لمذه الزاوية علاقة طيبة بجمعية العلاء المسلمين الجزائريين» فقد حاضر فيها الشيخ عبد الحميد بن باديس» والشيخ محمّد البشير الإبراهيمي» وأحمد توفيق المدني» والشيخ إبراهيم بيوضء وغيرهم نما يطول عذهم"".

السيدة زينب بن محمد بن أبي القاسم:

ولدت في بلدة الحامل؛ عام (7/41١ه/‏ 14177م). حفظت القرآن الكريم» وتفقهت على يد والدها. تولت إدارة الزاوية بعد وفاة مؤسسهاء فأحسنت تسييرها. كتب عنها بعض المستشرقين الذين رأوا فيها مثالا للمرأة العربية المسلمة التي أثبتت جدارتها في حسن الإدارة والسياسة» ولا سيهم| في تلك الفترة التي كانت المرأة في المجتمعات الإسلامية محجرا عليها. توفيت رحمها الله في الزاوية بتاريخ: (1177ه/ 1905م) ودفنت بجنب والدها".

الشيخ محمد بن الحاج محمد بن أبي القاسم:

ولد في بلدة الحامل» عام 1604م أخذ عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديبي» والشيخ

)١(‏ انظر ترجمته المفصلة في: الشيخ محمد بن محمد القاسمي: الزهر الباسم في ترجمة الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم» المطبعة الرسمية» تونس» 21١‏ 708١ه.‏ (0) انظر ترجمتها المفصلة في: لالا زينب القاسمية ودور الطريقة الرحمانية في المقاومة الشعبية والثورة التحريرية الكبرى» على هذا الموقع: (ممء.ألأكلعانه//:مخخغط)

1١

عاشور الخنقي» والشيخ محمد المكي بن عزوزء وغيرهم من العلماء. درّس بالزاوية» وتولّ مشيختها بعد وفاة ابنة عمّه السيدة زينب عام ١1٠4‏ م» فنهض بها نممضة علميّة استرعت اهتمام العلماء في المشرق والمغرب, فكاتبوه وزاروه» واستجازوه وأجازوه؛ وكوّن علاقات علميّة وأدبيّة واسعة في شتى الأقطار الإسلاميّة» توفي عام 1417م في الزاوية ودفن فيها. من تآليفه (الزهر الباسم) وهو مطبوعء و(المطلب الأسنى) وهو مطبوع, و(تحفة الأفاضل) ورسائل أخرى مخطوطة2"©.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي:

ولد سنة ١717١‏ ه- 1805م بقرية الديسء وتوفي عام 174 ه- 19171 م, تلقي المبادئ العلمية على يد الشيخ ابن أبي القاسم بن إبراهيم, ثم انتقل إلى زاوية الشيخ السعيد بن أبي داود» وأخذ عن رجاها الفقه والنحو والتوحيد والفلك» ثم عاد إلى قريته ولازم حفظ المتون بها فحفظ نحو الخمسين متناء ومنها قصد زاوية الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم بال هامل» فأخذ فيها علوم التفسير والحديث والتصوف وبعض علوم العربية» ولقنه الأستاذ الأكبر الورد وكلفه لما رأى فيه من النبوغ بمجاورة الزاوية لإفادة الطلبة بمعلوماته وللاستفادة من العلماء الوافدين على الزاوية في ذلك العهد.

كان شغوفا بالمجالس العلمية والبحوثء وقد أقر له بالرسوخ في العلم من عاصره من أفاضل العلماء كالشيخ محمد المكي بن عزوزء والشيخ أحمد الأمين» والشيخ عبد الحي الكتاني» وكان الشيخ الحفناوي يلقبه ب (الشمس)

من مؤلفاته: (فوز الغانم» في شرح ورد الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم)» و(الزهرة المقتطفة)» و(عقد الجيد)» ومنظومة في العقائد وشرحها بشرح سمه (الموجز المفيد) ))

.””7” انظر في ترجمته الشيخ أبو القاسم الحفناوي في كتابه (تعريف الخلف برجال السلف). ص‎ )١( 1١

و(المشرب الراوي على منظومة الشبراوي في النحو)» و( سلم الوصول»» و(وهو نظم الورقات في الأصول)» وشرحه بشرح ساه (النصح المبذول)» و(توهين القول المتين» في الرد على الشماخي الإباضي)» وغيرها من المؤلفات7".

الشيخ أبو القاسم الحفناوي:

مفتي المالكية بالجزائر» ولد بقرية الديس سنة ١١59‏ ه- 1807م, تعلم على يد والده بمسقط رأسه ثم توجه إلى زاوية طولقة» ثم زاوية ابن أبي داود وأكمل تعليمه العالي بزاوية الحامل» ثم توجه إلى العاصمة سنة ١0١‏ ه- 187م, وتولى الكتابة بجريدة المبشر إلى أن توقفت سنة 5 1125 ه- 19717 م, كما تولى التدريس بالجامع الكبير بالعاصمة منذ سنة ١7165‏ ه- 1841 م, عين للفتوى سنة /19571.

كان واسع المعارف جماعا للكتب والوثائق» وهو صاحب الكتاب الشهير (تعريف الخلف برجال السلف)» توفي بمسقط رأسه سنة ١75٠‏ ه- 00619517"

محمد بن عزوز البرجي:

يعتبر محمد بن عزوز البرجي (برج طولقة) شيخ الطريقة الرحمانية الذي ورث عن شيخه مصطفى بن محمد باش تارزي الذي لم يكن مقدما للرحمانية في الجنوب فقطء ولكن في الجريد التونبي أيضاء كما أنه ولشهرته وكثرة أتباعه أصبح وكأنه مؤسس لطريقة جديدة تسمى العزوزية - الرحمانية» كما كان احتلال فرنسا لبسكرة وتطور أحداث الجزائر وتونس سببا آخر في تفريعات الطريقة ال رحمانية» فعند احتلال بسكرة (157١-18515م)‏ هاجر مصطفى بن محمد بن عزوز إلى نفطة وأسس بها زاوية رحمانية أصبحت ذات شهرة واسعة سيا قبل احتلال تونس سنة 18/0١‏ م, حيث كان ولاء شيوخ الطريقة في فروع (طولقة» أولاد جلال. الأوراس» .)١(‏ انظر في ترجمته الشيخ أبو القاسم الحفناوي في كتابه (تعريف الخلف برجال السلف). ص 749.

(؟) الزير سيف الإسلام؛ تاريخ الصحافة في الجزائر» ج00 المؤسسة الوطنية للكتاب» 19/25؛ ص؛5 ١4‏ لل

خنقة سيدي ناجيء الهامل» وادي سوف) لمصطفى بن محمد بن عزوز.

وزاوية نفطة التي أنشأها مصطفى بن عزوز والتي انفصلت عن الطريقة الرحمانية بالجزائر» أنشأها لنشر الطريقة بتونس» وقد كان صاحب شخصية جذابة با له من فصاحة وبيان وتمكن في العلم وذوق صوفي وصدق في ممارسة الشعائر.

ومن تلامذة بن عزوز عبد الحفيظ الخنقي مقدم الرحمانية في خنقة سيدي ناجي ونواحيهاء عمل على نشر التعليم والأذكار الصوفية» وبقي على ولائه لفرع الرحمانية بنفطة العزوزية» وكان لمصطفى بن عزوز أولاد منهم من بقي في الجزائر ومنهم من انتقل إلى تونس وأنشاً بها زواياء وهم : الحفناوي الذي خلفه على زاوية نفطة» ومحمد الذي أسس زاوية بالقيروان» والمكي الذي اشتهر بالعلم والورع حيث هاجر إلى المشرق وعمل في نطاق الجامعة الإسلامية» وكان المكي قد تزوج من نواحي بوسعادة.

وكان أبناء عبد الحفيظ الخنقي على صلة بزاوية نفطة الرحمانية» حتى أن الأذكار هنا وهناك واحدة» وكانت فرنسا تشجع على التفرق بين الزوايا والشيوخ لأجل تسهيل التحكم فيها.

وترجع شهرة زاوية نفطة إلى كونها أصبحت مدرسة للتعليم بالإضافة إلى الدور الديني والاجتماعي» وكان رجالما يكملون تعليمهم بجامع الزيتونة» ويتولون الوظائف الدينية كالقضاء والتعليم» ومنهم الجزائريان المكي بن عزوز والخضر بن الحسين» وذهب إلى هذه الزاوية عدد من طلبة الجزائر للدراسة مثل عاشور الخنقي» كما هرب إليها بعض الثوار أمثال ناصر بن شهرة وشريف ورقلة ونزل فيها محي الدين بن الأمير عبد القادر سنة -١410(‏ ١‏ م) حين عاد إلى الجهاد. فأهل بسكرة وتبسة والوادي وتقرت كانوا يقصدون زاوية نفطة للتعلم والتصوف معا.

وبعد ثورة 161/1 م اضطهدت الطريقة الرحمانية» وهدمت زواياها الواقعة في المناطق الثائرة

وتفرعت إلى فروع وفقدت مركزيتها بعد هدم زاوية (صدوق) التي تزعمها الشيخ الحداد

1:

ونفي زعمائها إلى خارج الجزائر.

كما تذكر بعض المصادر أن الجنوب بصفة عامة كان تحت تأثير الزاوية العزوزية خصوصا عن طريق خريجيها أمثال مولود الزريبي المدرس بزاوية ال هامل» وسيدي حامد العبيدي النفطي مدرس التجويد والقراءات» أو عن طريق معاهدها وزواياها المنتشرة في القطرين مثل زوايا طولقة وال حهامل والخنقة ووادي سوف".

الشيخ محمد المكي بن عزوز:

كان قاضياً وفقيهاًء باحثاً بالإضافة إلى توجهه الصوفي الرحماني المختلف فيه» وقد هاجر أبوه من الجزائر لاجئا إلى تونسء ولد في مدينة نفطة بأرض الجحريد في الجنوب التونسي سنة ١71١‏ ه. وتعلم بتونسء وولي الإفتاء بنفطة سنة ١1417‏ ه ثم قضاءهاء وفي سنة 171 ه رحل إلى الآستانة إسطنبول» فتولى بها تدريس ال حديث في دار الفنون ومدرسة الواعظين» واستمر إلى أن توفي بها.

من مؤلفاته (رسالة في أصول الحديث)» و(مغانم السعادة في فضل الإفادة على العبادة)» و(نظم الجغرافية التي لا تنحول بمغالبة الدول)» و(تعديل الحركة في عمران المملكة)» و(عمدة الإثبات في رجال الحديث). و(إرشاد الحيران في خلاف القالون لعثمان في القراءة. الجوهر المرتب في العمل بالربع المجيب»)» و(إسعاف الإخوان في جواب السؤال الوارد من داغستان)» و(أصول الطرق وفروعها وسلاسلها)» و(إقناع العاتب في آفات المكاتب)» و(انتهاز الفرصة في مذاكرة متفنن قفصة)» و(الأجوبة المكية عن الأسئلة الحجازية)» وغيرها.

ولما توفي رثاه الشيخ الطيب العقبي بقصيدة تشمل على خمسين بيتا قدم لها بقوله : (وهذه قصيدة قلتها بالمدينة المنورة أرثي بها العلامة الشيخ محمد المكي بن عزوز دفين دار السعادة لما (1) خير الدين شترة» الصلات الروحية بين الطرق الصوفية في المغرب العربي (الجزائر وتونس أنوذجا)» الملتقى الدولي

الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة)؛ جامعة أدرار» أيام 04/ ١١/١٠١‏ نوفمبر 27٠١/8‏ ص 408. ه15

بلغني خبر وفاته» وكان ما يعز علي كثيرا لما بيني وبينه من المؤانسة وعظيم الوداد. ولم أرث أحدا قبله فهى أول مرثية لي» قال في مطلعها :

عليك سلام الله حيا وميتا ‏ فآخر عهدي أنني بك مغرم وقد وقع الخلاف في انتسابه للطريقة الرحمانية» بل للتصوف أصلاء فبينا يذكر باحثو الطريقة ال رحمانية أنه كان صوفيا رحمانياء وأنه ظل على هذا طول حياته» ومما يدل على هذا كتابه (السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني) يرد فيه على من أنكر كرامات الشيخ الشهير عبدالقادر الجيلاني وما تُسب إليه من خرافات» وقد تبجم فيه على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب» وجوّز الاستغاثة بالأموات2".

وله - بالإضافة إلى هذا- منظومة سما|ها (وسيلة الأمان في مناقب الشيخ علي بن عثمان)» مطلعها :

حمدا لباسط الأنام في الورى ما دامت الأشراف في الدنيا ترى إلى أن يقول :

كشيخنا ‏ طود الأسانيد علي هو ابن عثمان زكي العمل محي | طريق: جده- التهامي ‏ صلى عليه خالق الأنام

)00 انظر: المكي بن عزوزء السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجحيلاني» دط.دت. ص 7"0. 415

كما أنه قام بالرد على الشيخ رشيد رضا لما أنكر كرامات الأولياء وما جاء في رده قوله: (أنتم تعلمون أن الكرامة ثابتة عند أهل السنة قاطبة حتى الإسفرايني والقشيري المروي عنهم| البحث في شأن الكرامة ما أنكراهاء وإنا قالا أنها لا تبلغ مبلغ المعجزة» وبعضهم اشترط أن لا تتوالى ولا تترادف ترادفا يجعلها عادة وفيه نظرء وكلاهما الآن في جواز وقوعها إمكانا وسنة لا في عوارضهاء وإرشاداتكم على طريقة السلف الصا حين في الاعتقاد. وهل نطق بذلك أحد من أهل القرون الثلاثة ؟ فتأملوا المسألة فإن خطرها كبير والماديون والطبيعيون بالمرصاد, فإذا سمعوا علاء الملة يقولون بعدم خرق العادة» فيا بشراهم يبنون على هذا الأساس الموهوم ما شاءوا لأن مذاهبهم انعزال الخالق جل جلاله عن التصرف في العالم استغناء بالطبيعة» أعاذنا الله وإياكم من الضلالة وبالله التوفيق)

في مقابل هذا الرأي نجد من ينكر هذا "» بل يعتبر الشيخ وهابيا سلفياء ويذكر قصة لذلك» وهي أنه لما كتب كتابه (السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني) والذي اعترض فيه على من أنكر كرامات الشيخ عبدالقادر الجيلان حرص على توزيع كتابه هذا في أنحاء البلاد الإسلامية» فوقعت نسخة منه بيد علامة العراق الشيخ السلفي محمود شكري الألومي الذي بادر بعد قراءته للكتاب إلى مناصحة صاحبه بإرسال خطاب وعظي رفيق» دون أن يكتب اسمه عليه مرفقٌ به أحد كتب علماء الدعوة السلفية.

ويذكرون أن هذه الهدية قد أثرت فيه» حيث تغيرت أحواله بعد انتقاله من تونس إلى الأستانة بتركيا.

ويذكرون أن حمال القاسمي كتب رسالة إلى الألومبي - ولم يدر برسالة الألوسي السابقة

لابن عزوز - يقول فيها: (إن حضرة العالم النحرير» سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي

)١(‏ انظر: مجلة الكويتء الجزء ٠١‏ العدد الأول» ورسالة : المكي بن عزوز - حياته وآثاره» للأستاذ على الرضا الحسيني. /9

بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين» ثم بضّره الله تعالى الحق فاعتنقه. وأصبح يدافع عنه)"» ثم ذكر بتفصيل قصة تحوله إلى المذهب السلفي.

فأجاب الألوسي على رسالة القاسمي السابقة يذكر فيها رسالته له: (سرّني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي وبين السلفيين في دمشق. وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين ؛ فإن كتابه (السيف الرباني) لما طبع في حضرة تونس أرسل منه لثقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه. فأعطاني النقيب يومئذ نسخة منه» فطالعتها فرأيت الرجل من الأفاضلء غبر أنه لم يقتف على الحقائق» فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين» وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية» وغير ذلك من تجويز الاستغاثة» والتوسل بغير الله وإثبات التصرف لمن يعتقد فيهم الولاية» والاستدلال ببذيان ابن دحلان ونحوه... كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه. فأرسلت له كتاب "منهاج التأسيس" مع التتمة المسماة "بفتح الرحمن"» وذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثائة وألف. وكان إذ ذاك في تونس لم هاجر بعدء ولم أعلمه بالمرسل» ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصافء ولم أذكر أسمي ولا ختمته بختمي» وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي. وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية» وكان يجتمع كثيراً مع ابن العم علي أفندي ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها.. وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً وأصبح يجادل أعداءه» ويخاصم عنه. ول يزل يتحفني بسلامه» ويتفضل علي بالتفاته)(")

ويذكرون أن ابن عزوز - بعد هدايته للسلفية - كتب رسالة إلى الشيخ الكويتي عبدالعزيز

(١)انظر:‏ الرسائل المتبادلة بين القاسمى والألوسىء للأستاذ محمد العجمى؛ ص .1١١-١١١‏

له المرجع السابق» ص .١١9-1١ 1١7‏ م1

وظفري بصاحب مثلكم, وذلك أن قلبي موجع من غربة العلم والدين وأهله وقلة أنصاره. وإيضاح هذا: أن لست أعني بالدين الدين الذي قنع به أكثر طلبة العصر والمنتسبين إلى العلم في الشرق والغرب من كل مذهب من مذاهب أهل السنة.

سارت مشرّقة وسرت مغرباً شتان بين مُشْرّق ومغرّب

ولكني أعني بالعلم والدين علم السنة» وما الدين إلا اتباعها وإيثارها على عصارات الآراء وهجومة المتفقهة» وما التوحيد إلا توحيد السلف الصالحء وأما غيره فأشبه بالضلالات وزلقات الحفوات.. ومن اللطائف أن في الشهر الأول والثاني من انفتاح البصيرة» ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى (سَيَقُولُ السُمَهَه مِنَ اناس ما وَلَاهُمْ عَنْ ْم الِّي كَانُوا عَلَيَّا قل له الُْمْرقٌ وَامُفْربُ يَيْدِي مَنْ يَشَّاء إل صِرَاطٍ مُسْتَقيم) [البقرة: ]١47‏ والحاصل فم ذكر لكم من تلك المناقب لم ألبس منها ثوباً قط» وإنم| أنا محب لأهلهاء وذاب عنهم؛ وناصر لهم ولعله يشملني حديث (المرء مع من أحب)" فمن وصفني با زاد على ذلك» فقد استسمن ذا ورم؛ ونفخ في غير ضرم)”"

الشيخ عبد الكريم بن التارزي:

هو الشيخ عبد الكريم بن التارزي بن محمد بن عزوز البرجي ( ت بعد ١755‏ ه - 7 م». من الأسرة العزوزية الشهيرة بالجنوب الجزائري والجنوب التونسي» وقد كان عالما فاضلا فقيها محدثا صوفياء ولد بنفطة وأخذ العلم عن والده العالم الفاضل الولي الكامل الشيخ التارزي بن عزوزء وعن الشيخ محمد المكي بن عزوز» وعن شيوخ زاوية نفطة وتولى التدريس بها فترة» قرظ كتاب (السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الحيلاني)» سنة ١159‏ ه.

انتقل مع والده إلى المدينة المنورة» وأخذ عن شيوخها منهم: الشيخ محمد بن سليان حسب

6 صحيح البخاري (// 220

)١(‏ مجلة الكويتء الجزء ٠١‏ العدد الأولء ورسالة : المكى بن عزوز - حياته وآثاره» للأستاذ على الرضا الحسينى. 11

الله (ت ١775‏ ه)» تولى التدريس بال حرم المدني في بداية القرن العشرين» كان على علاقة علمية متينة مع الأسرة القاسمية» أجاز أيضا الشيخ مصطفى القاسمي في جميع تآليف الشيخ يوسف النبهاني» وني إعطاء ورد الطريقة الرحمانية» وذلك في صفر ١157‏ ه- 1970م. توفي بعد 4 ه-1975م.

الشيخ الطاهر العبيدي:

هو الطاهر بن علي بن أبي القاسم بن العبيدي”" (1475/8-1/8/265١م)‏ أحد علماء وادي سوف المشهورينء» بل أحد كبار علماء الجزائر» ومن علماء الطريقة ال رحمانية» وله فيها رسالة منظومة في الدعوة إلى الطريقة العزوزية ال رحمانية المعروفة ب (النصيحة العزوزية في نصرة الأولياء والصوفية)»

يقول في مطلعها”": إن ترد عزة ‏ وفضل)- هزيه2 فتلق الطريقة العزوزية

بالإضافة إلى منظومة أخرى بعنوان (نصيحة الشباب المريحة للسحب والضباب)» و(منظومة جريان المدد في الاعتصام برجال السند) في 857 بيت و(رسالة الستر)» و(رسالة في الرد على الطبيعيين)؛ و(رفع الإبهام عن مسائل الصيام)» وتفسيره للقرآن الكريم الذي كتب

)١(‏ انظر في ترجمته الدكتور سعد الله» تجارب ني الأدب والرحلة» ص »3٠٠١‏ ومقال بعنوان (العلامة الشيخ الطاهر العبيدي الفقيه الصوفي) منشورة بجريدة العقيدة عدد 75 : الأربعاء ١‏ شعبان ١5١7‏ ه / الموافق ل 8 فيفري ١997‏ م بقلم الاستاذ أحمد بن السائح» ومحاضرة مطبوعة بعنوان : " الشيخ العبيدي بمناسبة يوم العلم " ألقيت يوم الجمعة 5 افريل ١4/17“‏ م بالمسجد الكبير بتقرت» من إعداد حفيده ( ابن بنته) الأستاذ سلياني عبد السلام.

)١(‏ انظر: الشيخ عبد القادر عثماني» الطريقة الخلوتية الرحمانية طريقة قرآن وعلم وجهاد, د.ط..ت. ص”. 0

الاصولية لكنها مع الأسف مبعثرة عند تلامذته وحفدته والكثير منها ضاع.

ولد بمدينة الوادي» وتعلم بكتاتيبهاء ثم أخذ عن عبد ال رحمن العمودي ومحمد العربي بن موسىء أجازه الشيخ محمد المكي بن عزوز من الآستانة» انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس ومكث فيه ثلاث سنواتء رجع إلى بلاده واستقر بتقرت أين تولى التدريس بالجامع الكبير بها لسنوات طويلة» وكان يتنقل هنا وهناك في زوايا وادي ريغ وطولقة والهامل وغيرهاء واعظا ومدرساء تخرج عليه المئات من طلبة العلم الشريف.

و من ابرز العلماء الذين أخذ عنهم من الجامع الأعظم الإمام محمد بن الطاهر بن عاشورء والعلامة محمد الخضر حسينء والشيخ أحمد بن مراد والشيخ حسن بن يوسف. وفضيلة الأستاذ محمد النجارء والشيخ أحمد البنزرتي والأستاذ الكبير صالح الهواري» والشيخ خليفة بن عروسء والشيخ بن محمود. والشيخ النخلي وغيرهم مكن الشيوخ.

ويعتبر الشيخ العبيدي عالم منطقة ورقلة وفقيهها المجتهد ومثقفها الأكبر لا يشاركه في ذلك مشاركة طيلة ستين سنة» وفي خلال هذه المدة استطاع أن يفسر القرآن الكريم, وفي العاشر من محرم سنة 1757 ه الموافق ل ١7‏ ابريل ١975‏ ه ختم تفسيره للقرآن الكريم» وعاشت تقرت مهرجانا عظيم| بالمناسبة.

و قد ذكر الدكتور سعد الله أنه كان بين الشيخ العبيدي صحبة مع الشيخ عبد الحميد بن باديس أيام طلبه للعلم بالزيتونة» يقول في ذلك: (و هناك أوجه شبه واختلاف بين ابن باديس والشيخ العبيدي» من ذلك صداقتهم أيام الطلب في تونسء وهو ما يشير اليه ابن باديس في رسالته بعبارة (قديم التذكار) رغم أنها عبارة غير صريحة في هذا المعنى)7"

وقد ذكر الدكتور عبد الله حمادي في كتابه (دراسات في الأدب العربي القديم) رسائل من

() تجارب في الأدب والرحلة» ص .١٠١١‏

الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى الشيخ الطاهر العبيدي”"» وهي رسائل خطيرة في موضوعهاء ورا تكون محل شك في صحتهاء وسنتعرض لما بتفصيل في الفصل التالي لهذا الفصل عند الحديث عن العلاقة بين الجمعية والطرق الصوفية.

وما بهمنا منها هنا هو ذلك الثناء الذي أثنى به ابن باديس على الشيخ الطاهر العبيدي فمم| جاء فيها قوله: (إلى حضرة علم العلم والفضلء ومعلم الكرم والنبل» التقي الطاهرء الأثواب السري البارع للأدب» مستحق الشكر منا با له علينا من سابق الأيدي العلامة الشيخ سيدي أبي الطيب الطاهر العبيدي» أدامه الله بدرا طالعا في هالة درسه. وغيثا هامعا في ربع العلم» من بعد طمسه حتى وحشة قطره بأنسه» ويحقق من بساتين تلاميذه ثمرات غرسه آمين)0"

المطلب الثالث: الطريقة التيجانية

هي طريقة صوفية ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر على يد مؤسسها الشيخ أحمد التيجاني المكنى بابي العباس أحمد محمد التيجاني الشريفء وقد تواجدت مراكزها في الجزائر في العهد العثمانيٍ في : عين ماضي وتبءاسين والأغواط وتوقرت وورقلة ووادي سوف".

أولا مؤسس الطريقة:

تنسب التيجانية إلى صاحبها الشيخ أب العباس احمد بن محمد التيجاني الحسيني» ولد سنة 3 م بدائرة عين ماضي بولاية الاغواط الجزائرية» لقب بالتيجاني نسبة للقبيلة التي تنتمي لها والدته وأخواله (بنو توجين»» نشأ في بيت صلاح وتقوى ووسط عائلٍ محافظ. حفظ القرآن الكريم برواية نافع عن أستاذه أبي عبد الله محمد بن حمو التيجاني المضاوي وعمره لم يتعد سبع سنوات» ثم اشتغل بطلب العلوم الأصولية والفرعية حتى تفرس فيها على يد الأستاذ الخبير

(1) انظر: الشيخ عبد القادر عثماني» الطريقة الخلوتية الرحمانية طريقة قرآن وعلم وجهاد د.ط..ت» ص". )١(‏ انظر: الشيخ عبد القادر عثاني, الطريقة الخلوتية ال رحمانية طريقة قرآن وعلم وجهاد. ص" .

() فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني» ص ١‏ 5. 060

والمرشد البصير الشيخ البركة المبروك ابن أب عافية التيجاني المضاوي”".

وبعد وفاة والده غادر عين ماضي وراح يتنقل بين مناطق عدة منها (بوسمغول-توات- لبيض سيد الشيخ- تلمسان...) وفيها كان يتصل بالعلماء والفقهاء يأخذ عنهم ويستفيد منهم ثم انتقل إلى المغرب الأقصى ونزل بمدينة فاس» التي كانت ولا تزال حاضرة العلم» وهناك التقى بأعلام التتصوف. فاجتمع بهم وتحاور معهم واخذ عنهم تعاليم التصوف ومبادئ التربية الروحية.

وكان من أول أساتذته الشيخ أحمد بن حسان القادري من مدينة فاس ثم تتلمذ على يد الشيخ مولاي الطيب الوزاني شيخ الطريقة الطيبية» وقد دام مكوث الشيخ التيجاني بمدينة فاس حوالي ١8‏ سنة كان خلالها يدرس ويتفقه في شتى العلوم الدينية والشرعية".

وفي سنة “ا/107م بدأ الشيخ التيجاني في رحلته إلى احج مواصلا تتبعه للطرق الصوفية» ولما بلغ قرية آيت إسماعيل ببلاد القبائل نزل عند الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأزهري وأخذ عنه الطريقة الرحمانية الخلوتية» ثم واصل رحلته إلى أن بلغ مقصده في شهر يناير سنة ١ه/‏ 107/5 م, هناك اتصل بشيخ هندي يدعى أحمد بن عبد الله وهو صوفي ورع وتقي زاهد فجالسه مدة شهرين أثنائها توفي الشيخ الهندي» وخلف للتيجاني عمله ومعارفه في الطريقة الصوفية.

وفي رحلة العودة مر التيجاني بالقاهرة وهناك التقى الشيخ محمد الخيضري الذي فوضه لنشر تعاليم الخلواتية في شال إفريقياء فانطلق مباشرة إلى مدينة فاس حيث مكث مدة يتعلم ويعلم علوم الدين وأسس الطريقة الصوفية الخلواتية» ثم انتقل إلى مدينة تلمسان ومنها توجه (1) سالم الحبيب التيجاني» نبذة عن حياة الشيخ سيدي احمد التيجاني» ١9949‏ م. ص ص 7-"7.

6 صلاح مؤيد العقبي» الزوايا والطرق الصوفية بالجزائر تاريخها ونشاطهاء بيروت» لبنان» دار البراق» دام

إلى قصري بوسمغون والشلالة بالصحراء الشرقية وهناك بنى خلوة له وانقطع للعبادة فقضى له الله بالفتح الأكبر. حيث رأى الرسول يَي يقظة لا مناما فلقنه الورد الشريف الذي أصبح أسس الطريقة التيجانية ويشتمل على: (مائة من الاستغفار ومائة من الصلاة على النبي المختار يأ » ثم أمر بتلقينه لكل من طلبه من المسلمين والمسلمات7".

مكث الشيخ التيجاني في زاويته بقصر بوسمغون ما يقارب ثانية عشر سنة داعياً إلى مذهبه» ثم اخذ ينتقل بين المناطق الصحراوية الفاصلة بين توات والسودان الغربي وتونس يدعو إلى الإسلام وينشر تعاليم طريقته الصوفية» فكان كلما نزل بمكان استأنسه أهله أطال المكوث عندهم مربيا ومرشدا ويؤسس هناك زاوية له يعين عليها مقدم يكلفه بتلقين طريقته".

واستمر الشيخ التيجاني ينشر دعوته إلى أن وافته المنية سنة 65١1م‏ بمدينة فاس المغربية» وكان قد استقر بها بعد مطاردة باي وهران (محمد الكبير) له واستلائه على قرية عين ماضي» وترك ذخرا كبيرا من المؤلفات الدينية أهمها: (الإرشادات الربانية بالفتوحات الإلمية من فيض الحضرة الأحمدية التيجانية»)» وهي شرح لقصيدة الهمزية للبوصيري في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام. و(جواهر الحقائق في شرح الصلة المساة ياقوتة الحقائق والتعريف بحقيقة سيد الخلائق)

وقد خلف ولدان باران تقيان زاهدان وهما (محمد الكبير) و(محمد الحبيب) الذي واصل

نشر مذهب والده ومع حوله العديد من المريدين والأتباع9.

)١(‏ عبد الله الحاج مكي التيجاني اليواقيت والجواهر المضيئة» مخطوط بمكتبة الشيخ محمد السالم المغيلي» الحي الغربي؛ ادرار ص١١‏ .

() عمار هلال الموسوعة التاريخية للشباب (الطرق الصوفية ونشر الإسلام والثقافة العربية في غرب إفريقيا السمراء)» ط١ء‏ الجزائر» منشورات وزارة السياحية والثقافة» مديرية الدراسات التاريخية وإحياء التراث» ١9485‏ م؛ ص7١١.‏

فيه صلاح مؤيد العقبي» المرجع السابق» ص78 ١‏ 5

ثانيا 00 يقة التيجانية: تشتهر الطريقة التيجانية بكثرة علمائها ومشايخهاء وكثرة مؤلفاتهم"» ولكن مع ذلك فإنه

لاشك أن أكثرهم تأثيرا في التيجانيين الجزائريين إبان عهد الجمعية شخصيتان مهمتان لازال تأثيرهما في الطريقة سارياء وكلاهما من غير الجزائر» أما أحدهما فمن المغرب. وهو الشيخ أحمد سكيرج العياشي» والثاني هو الشيخ محمد الحافظ وقد كان لكليههما زيارات للجزائر» وكان لكليهها - كذلك - بعض الردود على الجمعية» وهذه ترجمة مختصرة لى):

الشيخ أحمد سكيرج العياشي :

هو العلامة» الفقيه» القاضي سيدي أحمد بن الحاج العياشي سكيرجء ولد بفاس سنة 49 اه وقرا القرآن على الفقيه محمد بن الهاشمي الكتامي, : ثم التحق بدروس العلم بمسجد القرويين بفاسء برع في الفقه والنحو واللغة والسيرة والحديث والتصوف والأدب والحساب والشعرء تقلد مناصب مختلفة أهمها نظارة الأحباس والقضاءء خاصة بمدينة سطات أخذ الإذن بالأوراد عن محمد قنون بمحراب زاوية التيجاني» وقرأ الفتوحات المكية والإنسان الكامل» كانت بمراكش سنة 1777١ه»ه‏ ويعتبر من أكثر أتباع التيجاني كتابة وتأليفا إذ بلغت مؤلفاته أكثر من مائتى ي تأليف غالبها في الطريقة التيجانية» وفي مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام في قصائد تناهز إحداها العشرين ألف بيت.

من أهم مؤلفاته: كشف الحجاب عمن تلاقى مع التيجاني من الأصحابء ورفع النقاب

(في أربع مبجلدات)» وتطييب النفوس بط كتبته من بعض الدروس والطروسء والكوكب

(1) من العلماء الذين يعتبرهم التيجانيوون من أتباع الطريقة: الشيخ محمد بن احمد بن محمد حمدان لونيسي شيخ عبد الحميد بن باديس» والشيخ عبد القادر بن الشيخ عبد الله الملقب بالمجار» والشاعر محمد العيد آل خليفة» وغيرهم كثير (انظر: كتاب (دليلٌ الحَائِر إلى صور ومواقف من جهاد التيجانيين في الجزائر) للباحث في الطرق الصوفية: الأستاذ ديدي السعيد)

الوهاج» والذخيرة للآخرة (ديوان قصائد تقارب السبعين في مدح الرسول 7) (تجاوز ٠٠٠١‏ بيت)» والقصيدة الكافية بتضمين الهمزية في كاملية كافية (1 55 بيتا»» والوصية الشافية (وهي منظومة طويلة في الحكم والعلوم) ( أبياتها 57 70), والذهب الخالص في محاذاة كبرى الخصائص (وهو نظم الخصائص الكبرى للحافظ جلال الدين السيوطي» في نحو ١915٠‏ بيتاء وقف في نظمها عشية يوم الخميس 7١‏ رجب ١77‏ وتوفي بعد ذلك رحمه الله بشهر» وقد أتم نظمها أخوه الفقيه سيدي محمد سكيرج رحمه الله(".

الشيخ محمد الحافظ التيجاني:

هو الشيخ محمد الحافظ بن عبد اللطيف بن سالم التيجاني المصري المالكي الحسيني”. ولد عام 15١١ه‏ في ربيع الثاني» في بلدة (كفر قورص) مركز (أشمون) ب (المنوفية) في مصرء قرأ ا ا عصره؛ وصحب الكثيرين من العلماء» وكان يلازم العام حتى يحصل على كل ما معه من العلم؛ ويدخل مكتبته فلا يخرج منها إلا بعد أن يقرأ جميع ما فيها نما لم يَسبق له قراءته.

وقد كان له دور كبير في توضيح الحقائق الصوفية وتقريبها بالإضافة إلى دفاعه الشديد عن كل ما ينسب للطريقة التيجانية» ولذلك سنستعين بردوده وتوضيحاته في بعض مناقشات اجمعية مع الطرق الصوفية.

ولقد كان للشيخ علاقة طيبة بجاعة الإخوان المسلمين في بادئ الأمر فإنه كان يرى أن

تكون هناك دعوة عامة للإسلام بصرف النظر عن الدعوات الخاصة» وكانت للأستاذ حسن

)١(‏ انظر ترجمته وجميع كتبه في موقعه على الإنترنت: (010ك. زعأ !ك- »ا أعجاء. للالعالها//:مخغط)

() انظر ترجمته في: لمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية» موسوعة أعلام الفكر الإسلاميء دار السلام» ص(47/8 - 0014

البنا صلة قوية بالشيخ من قبل أن يبدأ نشاط الجماعة» ثم قامت الجاعة وأنشئت» وكان الشيخ يرى أن لا تشتغل الجماعة بالسياسة الحزبية» بل تدعو للعمل بالكتاب والسنة بين جماهير الأمة» وتترك كلا على مذهبه السيامي الذي يعتنقه. فإذا اقتنعت جماهير الأمة برأي وانضمت إليه فإنهم في الانتخابات سينتخبون الأقرب للعمل بمبادئهم من نفس حزيهم السيامي. وبالتدريج سيكون في المجلس النيابي أعضاء من جميع الأحزاب. إما من الجماعة» أو من المقتنعين برأيهاء أو من مؤيديهاء وهكذا سيآتي اليوم الذي يصبح فيه أغلبية النواب من سائر الأحزاب من أنصار الجماعة» وسيأقي اليوم الذي يطلب فيه البرلمان العمل بالكتاب والسنة» ويضع التشريعات اللازمة لذلك.

بالإضافة إلى هذاء فقد كان الشيخ أحد القادة في ثورة سنة 4١1١م‏ في مصر ضد الإنجليزء

وحارمهم بشدة» وكان من قواد إحدى المعارك في أسيوط ضدهم. وقد قبض عليه الإنجليز

وأودعوه أحد السجون. من مؤلفاته: ترتيب وتقريب (مسند الإمام أحمد). وترنيب (ذخائر المواريث) للنابلبى»

وترتيب تخريج أحاديث (الإحياء) على حروف المعجم, وأمام كل حديث تعليق السيد مرتضى الزبيدي» وتخريج أحاديث (جواهر المعاني)» وتخريج أحاديث كتاب (اللمع) لأبي نصر الطومي» وتحقيق الأحاديث الضعيفة في (سئن الترمذي)» و(أهل الحق العارفون بالله السادة الصوفية)» و(سلطان الدولة التيجانية بغرب إفريقيا: الحاج عمر بن سعيد الفوتي» وجهاده مع الكفار)» و(علاء التزكية هم أعلم الناس بالكتاب والسنة والصحبة الروحية لرسول الله :5)» وهو عبارة عن ثلاث رسائل في الرد على المنكرين على أهل الحق» و(رؤية النبي يل في اليقظة)» و(الإنصاف في رد الإنكار على الطريق)» و(التعليق على الإفادة الأحمدية)» و(قصد السبيل في الطريقة التيجانية)» و(أصفى مناهل الصفاء في مشرب خاتم الأولياء)» و(فصل المقال فيا يرفع الإذن في الحال)» و(شروط الطريقة التيجانية»» و(مجموع الأوراد في الطريقة التيجانية)»

١ /ا‎

و(الإسراء يقظة بالروح والجسد)» و(التوفيق بين الطوائف الإسلامية المعاصرة في الأصول). ومعنى قوله يَِ: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)"

توفي منتصف ليلة الاثنين 79 جمادى الآخر /1"9١هه‏ الموافق © يونيه سنة 141/4 م.

المطلب الرابع: الطريقة العلاوية

وهي من أشهر الطرق الصوفية الجزائرية المعاصرة» ومن أكثرها علاقة مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» بل يكاد يحصر التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية في هذه الطريقة» ولهذا سنرجع إليها كثيرا عند مناقشة المسائل المختلفة.

وسنتحدث هنا باختصار عن مؤسس الطريقة وكبار مشايخها ممن كانت لهم علاقة باجمعية» أما التفاصيل المرتبطة بتوجهها الفكري والسلوكي ومواقفها المختلفة» فسنتحدث عنها بتفصيل في أكثر المحال في هذه الرسالة.

أولا مؤمس الطريقة:

هو الشيخ أبو العباس أحمد بن مصطفى بن عليوة المعروف بالعلاوي المستغانمي”" مولدا ونشأة» ولد بمستغانم عام 1879» وتوفي بها سنة 21915 تعلم مبادئ الكتابة والقرآن الكريم على يد والده الحاج مصطفى الذي كان معلما للق رآن الكريمء فانتهى به الحفظ إلى سورة الررحمن» ثم اضطر إلى ممارسة التجارة ليعول عائلته خاصة بعد وفاة والده. وهو في سن مبكرة إلا أن ذلك لم يمنعه من الانكباب على ملازمة الدروس ليلا رفقة جماعة من الطلبة في الفقه والتوحيد» والتفسير على يد جماعة من مشايخ المدينة» إلى أن التقى بأستاذه الروحي الشيخ

سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي» فلازمه إلى أن وافته المنية سنة 4 »١45‏ وكان قد قضى في

() سئن الترمذي (0/ 75) )١(‏ انظر ترجمته المفصلة في موقع (جمعية الشيخ العلاوي للتربية والثقافة الصوفية) على هذا الرابط (-36.3550//:م66]

)31تا/٠‎ 8

صحبته نحو خمس عشرة سنة» فبويع بعده بالخلافة على رأس الطريقة الدرقاوية بمستغانم ونواحيهاء حوالي عام 2.١404‏ وخلال بداية العقد الثاني من القرن العشرين» أسس الطريقة العلاوية» معلنا بذلك عن ميلاد طريقة روحية جديدة في أساليبها.

وقد اشترى ابن عليوة مطبعة للزاوية» وأسس صحفا كانت تنشر نشاطه كما كانت ترافع عن الزاوية ضد مخالفيها ومن أشهر صحفه أسبوعية (لسان الدين) و(البلاغ الجزائري)» حيث كان لما آراء صريحة لتأييد الجامعة الإسلامية واليقظة الوطنية» وقد وقفت ضد الاندماج وأنصاره وضد التجنيس ودافعت بشدة عن اللغة العربية.

وقد عمل الشيخ على إبراز الزاوية في شكل يتلاءم ومستجدات العصر الحديث مع الحفاظ على دورها التربوي الروحيء فسارع إلى بناء زاوية جديدة تجمع جملة من المرافق من أجل تبليغ رسالته التربوية والاجتاعية كأقسام الدراسة والمطبعة والمخبزة» واستقطب إليها نخبة من العلاء في التفسير» والحديث,. وأحكام الفقه» واللغة العربية.

من مؤلفاته: الرسالة العلاوية في البعض من المسائل الشرعية» ومبادئ التأييد في بعض ما يحتاج إليه المريد» وقواعد الإسلام بالفرنسية» ونقد وردود ورسائلء ورسالة الناصر معروف في الذب عن مجد التصوفء. والقول المقبول فيا تتوصل إليه العقول. والقول المعتمد في مشروعية الذكر بالإسم المفردء وأعذب المناهل في الأجوبة والرسائل» ورسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوفء ومنهل العرفان في تفسير البسملة وسور من القرآن» ويتضمن كتبا ثلاثة هي: )١‏ النموذج الفريد المشير لخاص التوحيدء 7) لباب العلم في سورة (والنجم)» “*) مفتاح علوم السرء في تفسير سورة (والعصر)؛ والبحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور (جزآن)» والمواد الغيثية الناشئة عن الحكم الغوثية (جزآن»» والمنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية» والنور الضاوي في حكم ومناجاة الشيخ العلاوي» ودوحة الأسرار في معنى الصلاة على النبي المختار» ونور الأثمد في سنة وضع اليد على اليد في الصلاة»

668

ومنهاج التصوف والتعرف إلى حقيقة التصوف. ومعراج السالكين ونهاية الواصلين» ومفتاح الشهود في مظاهر الوجود. والأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية» ومظهر البينات في التمهيد بالمقدمات.

ثانيا ‏ مشايخ الطريقة العلاوية:

مع أن الطريقة العلاوية من الطرق المعاصرة إلا أنها بسبب انتشارها الواسع في كثير من الدول العربية وغيرها حظيت بالكثير من الباحثين والمثقفين بالإضافة إلى مشايخ الطريقة الذين خلفوا الشيخ العلاوي.

وسنذكر هنا باختصار بعض الناذج عن الشخصيات الكبرى في الطريقة العلاوية.

الحاج عدة بن تونس:

هو الشيخ عدة بن تونس ابن (بن عودة) ولد بحي تجديت بمدينة مستغانم (الجزائر) عام 4 تعلم وسلك في شبابه بالزاوية العلاوية الكبرىء على يد الشيخ أحمد بن مصطفى العلاويء الذي أذن له في الرحيل إلى جامع الزيتونة» فمكث هناك نحو العامين ثم عاد إلى مستغانم فلازم شيخه ملازمة مكنته من المعرفة التامة بأحوال الشيخ العلاوي ونشاطه الديني والروحي حتى وفاته عام ١975‏ بعد أن أوصى بالخلافة ورعاية شؤون الزاوية الكبرى للشيخ عدة بن تونسء فقام بمهام الطريقة العلاوية وفق المنهج الذي رسمه أستاذه أحسن قيام» حيث عمل على نشر الطريق والدعوة إلى الله» وأنشأ عددا من الزوايا في الجزائر وخارجهاء من أجل التربية والتعليم. والتوجيه والإرشاد» رغم الظروف القاسية التي شلت كل نشاط ديني واجتماعيء أثناء الحرب العالمية وبعدها.

من أهم ما قام من أعمال إصداره عدة جرائد منها: جريدة لسان الدين الثانية من ١9777‏ إلى 4 (حيث أصدرت جريدة لسان الدين الأولى في عهد الشيخ العلاوي)» ويجلة المرشد الشهرية باللغتين (العربية والفرنسية) من ١157‏ إلى ١107‏ للدفاع عن تعاليم الإسلام» وتبليغ

١٠

مبادئه لغير المسلمين إلى جانب مجلة أحباب الإسلام الناطقة بالفرنسية التي أسسها لنفس الغرض.

إلى جانب ذلك قام الشيخ بإنشاء مؤسسة لإعادة تأهيل الشباب المنحرفين )١44 ٠(‏ تحتوي على أربع ورشات للتكوين: الميكانيكاء النجارة» الطباعة والمخبزة.

من مؤلفات الشيخ: الروضة السنية في المآثر العلاوية» وتنبيه القراء إلى كفاح مجلة المرشد الغراء »و هي مجموع مقالاته الصحفية صدرت تحت هذا العنوان» والدرة البهية في أوراد وسند الطريقة العلاوية» ووقاية الذاكرين من غواية الغافلين» ومجالس التذكير في تهذيب الروح وتربية الضميرء وفك العقال عن تصرف الأفعال.

وقد أسهم في نشر معظم التراث المخطوط الذي خلفه الشيخ العلاوي» وأشرف بنفسه

ومن الجمعيات التي أسسها الشيخ: (جمعية الشبيبة العلاوية)» و(جمعية التنوير)» و(جمعية

توفي سنة ١107‏ وهو في الرابعة والخمسين. وعهد بالخلافة لولده الشيخ بن تونس محمد المهدي2".

الشيخ محمد بن خليفة المدنى:

ولد الشيخ محمد المدني بن خليفة بن حسين بن الحاج عمر خلف الله بقصيبة المديوني ولاية المنستير عام 18/87 ميلادية درس في جامع الزيتونة» ومن مشايخه فيها الشيخ محمد بن يوسف )00 انظر ترجمته المفصلة عنه في كتاب: (الشيخ سيدى عدة بن تونس عبر مؤلفاته ومآثره وشهادات حية لمجموعة من

الكتاب والشخصيات الادارية» وبعض معاصريه من الاتباع والمحبين)» نشر جمعية الشيخ العلاوي للتربية والثقافة الصوفية.

عندما حل الشيخ ابن عليوة بتونس ليطبع له كتاب (المنح القدسية في شيخ المرشد المعين بالطريقة الصوفية) أعجب به الشيخ (محمد بن خليفة المدني» وأصرٌ أن يسافر مع شيخه إلى الجزائرء وهناك تفانى في خدمته وقرّبه وأدناه حتى صار من أعز الخواص وقد اقتضى نظره إلى أن يوجهه إلى نشر الطريقة في ١١‏ ذي الحجة 179١هه‏ وبقي في خدمة شيخه نحو ثلاث سنوات استكتبه فيها لتأليف رسائله؛ ثم أجازه في تلقين الورد العام والاسم الخاص والمفرد. وتلقين أسرار التوحيد وأذنه في نشر الطريقة بالقطر التونسي.

وقد ذكر الشيخ المدني صحبته للشيخ ابن عليوة» فقال: (أما إجتماعنا بالأستاذ رضي الله عنه وأرضاه فقد كان في أول زيارة تشرفت به حاضرة تونس في سنة 1177/4 هجرة من بعث على أكمل وصفاأ وكنت أظن أن الأستاذ كغيره من مشائخ زماننا المدعين» ولكن ما لبثت بعد إستماع تذكيره ولطيف تعبيره وصولة كلامه وسطوة معانيه وأفهامه أن قلت ى] قال ابن عبد السلام مع الشاذلي: (هذا الكلام قريب العهد من رب العالمين)» فعند ذلك تشرفت بالتسليم عليه والمثول بين يديم فلقنني ورد طريقته العام بطريق المصافحةً ثم لقنني الإسم المفرد وأذنني في ذكره بكيفية خاصة بعد أن أدخلني الخلوة ولكن ما لبثت في الذكر زمنا يسيرا حتى فتح الله على عين قلبي فحصلت عل الفتح المبين ببركة الاستاذ رضي الله عنه وال منة لمأ وقد بقيت في خدمته بعد الذكر نحو الثلاث سنين متفرقة منها سنة متصلة استكتبني في تلك المدة لتآليفه ورسائلماً فكنت أستفيد منه في كل وقت وحين من أسرار التوحيد ودقائق تفسيره في القرآن العظيم ورقائق شرحه للحديث الشريفا وما سمعت منه مدة إقامتي عنده كلمة إلا فيه| يعود بالنفع ظاهرا وباطنااثم أجازني في تلقين الورد العام والاسم المفرد الخاص لمن فيه أهلية للمزيد وتلقي أسرار التوحيد ففتح الله على كثير من الفقراء ببركة إذنه المبارك والله يزيدنا من فضله فإن الفضل بيده يؤتيه من يشاء من عباده وهو على كل شيء قدير)

وقد امتثل الشيخ للإذن ونشر الطريق في عدة بقاع» وقضى 44 سنة في التذكير إلى أن توفي

1

بأحد مستشفيات سوسة. وذلك في ١4‏ ماي ١9469‏ م".

)١(‏ انظر ترجمته المفصلة في الموقع الرسمي للطريقة المدنية على هذا الرابط: (010ع.3لا/( 60303 للالفالنا//:مغغط) اليل

خاتمة الفصل

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل:

١‏ أن تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يعتبر من من أدق المنجزات التاريخية في الجزائر» باعتبار الظروف الاستعمارية التي كانت تمر بها الجزائر حينئذ» وباعتبار الواقع الديني الذي كان يشكل فيه المحافظون نسبة أكبر بكثير من نسبة الإصلاحين, وباعتبارات أخرى كثيرة» ومع ذلك فقد كانت هناك عوامل كثيرة ساعدت على تأسيسها من آثار دعوة الإمام محمد عبده التي تأثر مها المصلحون الجزائريون» ومنها الثورة التعليمية التي أحدثها الشيخ عبد الحميد ابن باديس بدروسه. ومنها التطور الفكري الطي مان من مخلفات وآثار الحرب العالمية الأولى» ومنها رجوع طائفة من المثقفين الجزائريين الذين كانوا يعيشون في المشرق العربي ولا سيم في الحجاز والشام والذين من أبرزهم الإبراهيمي والعقبي.

؟ - أن المؤرخين للجمعية اختلفوا حول البداية الحقيقية للتفكير في تأسيسهاء وبناء على ذلك اختلفوا في المؤسس الحقيقي لهاء ولو أن أكثرهم يميل إلى اعتبار الشيخ ابن باديس هو أول من فكر في ذلك» وأسس له.

٠"‏ - من أهم منجزات المرحلة الباديسية» وهي الفترة التي ولي فيها ابن باديس قيادة جمعية العلماء استبعاد المحافظين من الجمعية» والذين يشملون خصوصا على رجال الطرق الصوفية» والذين كانوا يشكلون جزءا مهما من الجمعية عند تأسيسها.

؛ - يعتبر حضور الجمعية في عهد ابن باديس للمؤثمر الإسلامي في شهر جوان ١175‏ من أهم الأنشطة السياسية التي قامت بها الجمعية» والتي لقيت في نفس الوقت جدلا في مدى جدواها وتأثيرها.

بعد وفاة ابن باديس تولى الإبراهيمي رئاسة الجمعية بناء على أن القانون الأساسي

للجمعية يقضي بتولية النائب في حالة وفاة الرئيس» وقد اشتد الصراع في عهده بينه وبين رجال الطرق الصوفية» بالإضافة إلى مساهمته في بناء المدارس.

١‏ - يعتبر الشيخ العربي التسبي من الشخصيات المهمة التي كان لها الدور الكبير في الجمعية ابتداء من تأسيسهاء وانتهاء بحلهاء وقد تولى الرئاسة الفعلية لجمعية العلماء من -١90657(‏ 5 » وقد تحمل في هذه المرحلة ما تنوء الجبال بحمله » وذلك باعتراف كل رجال الجمعية بها فيهم الشيخ البشير الإبراهيمي نفسه. إلى أن أوصل الجمعية إلى حل نفسها يوم 6م56 كي لا تتورط مع الإدارة الاستعمارية في الدخول في المفاوضات والطروحات الاستسلامية2.

- تشكل الطرق الصوفية جزءا مهما من تاريخ الجزائر الديني والثقافي والاجتماعي» بل والسياميء ولهذا نجد المستعمر الفرنسي قد أولاها أهمية كبرىء فأرشيفه يحتوي على تفاصيل كثيرة عن أعدادها وزواياها ومشايخهاء بل حتى توجهاتها الروحية والفكرية.

أن هناك أربعة طرق كبرىء هي (القادرية» والرحمانية» والتيجانية» والعلاوية) كان لها دور فاعل في التاريخ السياسي والثقافي الجزائري» وكان لما جميعا صلات خاصة مع جمعية العلاء المسنلمين ادو الريية:

4 أن الطريقة العلاوية من أشهر الطرق الصوفية الجزائرية المعاصرة» ومن أكثرها علاقة مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» بل يكاد يحصر التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية في هذه الطريقة.

.١؟ الدكتور أحمد عيساوي» جهود الشيخ العربي التبسي الإصلاحية» ص5‎ )١( ل‎

الفصل الثاني العلاقة بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والطرق الصوفية

لقد تبين لنا تما سبق أن من الأهداف الكبرى التي تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لأجلها مواجهة الطرق الصوفية» بل محاربتهاء واستئصااء بل تقديم استئصالها على استئصال الاستعار نفسهاء باعتبارها أخطر تأثيرا منه.

ولكن هذا الهدف مع وضوحه وشهرته لا يمكن أن نستنبط منه العداء المطلق للطرق الصوفية من ناحيتين:

الناحية الرسمية: ذلك أنه حصل بين الجمعية والطرق الصوفية -كم| عرفنا سابقا- نوع من الوفاق بينهما عند أول تأسيس الجمعية» وبسببه تأسست الجمعية» وانتشر صيتهاء ثم حصل بعد ذلك» وبعد سنة واحدة الانقلاب» ولسنا ندري من المنقلب» ومن المنقلب عليه» وهذا يحوجنا إلى التحقيق التاريخي في ذلك بالإضافة إلى التحقيق في النتائج التي ترتبت على ذلك الفصامء والأسباب التي دعت إليه.

الناحية الشخصية: ذلك أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ضمت أعضاء مختلفي المشاربء وقد جعلهم ذلك يختلفون في سلوكهم مع الطرق الصوفية بين معتدل ومتشدد. بل ومتسامح, وقد عبرنا عنه بكونه شخصيا لأنا رأينا أعضاء الجمعية يختلفون كثيرا في سلوكاتهم ومواقفهم من الطرق الصوفية» وهذا ما جعلنا نبحث عن تصنيف المواقف, ثم تصنيف أعضاء ا جمعية على أساسها.

ونحب أن ننبه هنا إلى أن البحث في كلا الأمرين يعتمد على التاريخ أكثر من اعتماده على تحليل الأفكار ودراستها باعتبار أنا سنخص الباب التالي لهذا الباب لدراسة التوجهات الفكرية وأثرها في التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية.

بناء على هذاء فقد قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين:

المبحث الأول: العلاقة الرسمية بين حمعية العلماء والطرق الصوفية

المبحث الثاني: العلاقة الشخصية بين جمعية العلاء والطرق الصوفية

المبحث الأول: العلاقة الرسمية بين جمعية العلاء والطرق الصوفية

على الرغم من أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أعلنت قبل تأسيسها وبعده معاداتها للطرق الصوفية» بل حربها لهاء بل تقديمها لحربها لها على حرب الاستععمار نفسه - | يذكر الإبراهيمي - ويعلله بأن استعمار الطرق أخطر"» ومع ذلك فقد رأينا في الفصل السابق أن الجمعية ضمت في أول تأسيسها كثيرا من رجال الطرق الصوفية» فما سر ذلك؟

وماسر ذلك الشقاق الذي دب إلى الجمعية بعد أول سنة من تأسيسها؟

وهل كانت الطرق الصوفية تريد أن تستلب الجمعية من رجاها لتحوها إلى مؤسسة لتسويق البدع والدعوة لها - ىا يرى رجال الجمعية والموالون لهم-؟

أم أن الأمر على عكس ذلكء وهو أن رجال الجمعية استخدموا رجال الطرق الصوفية واحتالوا عليهم ليصلوا بهم إلى أغراضهم, ثم يطردوهم بعد ذلك شر طردة؛ ‏ كما يرى رجال الطرق الصوفية» والموالون لهم؟

ثم ما كان نتائج ذلك الفصام النكد الذي حصل بين الجمعية والطرق الصوفية؟ وما

(1) وقد علل ذلك بقوله: (ولقد تفرسنا فيهم فصحت الفراسة, وبلوناهم فصدق الابتلاء» وجربناهم فكشفت التجربة على أنهم لا يعرفون الأمة إلا في مواقف الاستعباد وابتزاز الأموال» فإذا مسها الضر وتنكر لما الدهر تنكروا لا وتجاهلوهاء وإن علاقتهم بالأمة علاقة السيد بعبده والمالك لمملوكه لا علاقة المسلم بأخيه المسلم يحب له ما يحب لنفسه. وأغهم مطايا الاستعمار الذلل وأيديه الباطشة؛ بل القنطرة التي هونت عليه العبور» وانهم كانوا ولا زالوا على خلاف ما وصف الله به عباده المؤمنين أعزة على الأمة أذلة على المستعمرين والحكام المستبدين» وأن ليس في صحائفهم السوداء

موقف يعز الإسلام أو يرفع المسلمين) (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 7917)) 010

أسبابه؟ وهل كانت هناك محاولات لرأب الصدع. أم الأمر بقي ىا هو؟

هذه أسئلة كثيرة تفرض نفسهاء ولا يمكننا أن نعرف العلاقة الرسمية بين الجمعية والطرق الصوفية دون الإجابة عليها.

وقد حاولنا ذلك عبر ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: مرحلة التوافق وأسبابها

المطلب الثاني: مرحلة الاختلاف وأسبابها

المطلب الثالث: نتائج الاختلاف

المطلب الأول: مرحلة التوافق وأسبابها:

ربا يكون تعبيرنا عن الفترة القصيرة التي سادت فيها بعض الألفة المحتشمة بين الجمعية والطرق الصوفية بكونها (مرحلة) نوعا من المجاز» أو نوعا من التجني على الحقيقة» فلم يحمل أعضاء الجمعية وخصوصا المتشددون منهم - ى] سنرى- في أي يوم من الأيام أي نية صادقة للتوافق مع الطرق الصوفية» وكيف يفعلون ذلك؛ وهم يعتبرونها شرا محضاء في نفس الوقت الذي يعتبرون فيه أنفسهم خيرا وصلاحا وإصلاحا محضاء ولا يمكن للخير والشر أن يتوافقا أبدا.

ومع ذلك فقد حصل نوع من التوافق المصلحي للجانبين» فقد كانت الجمعية بحاجة إلى الطرق لتعبر من خلاها إلى السلطات من جهة. وإلى كثير من أفراد المجتمع المتشبث بالطرق الصوفية من جهة أخرى.

وفي نفس الوقت كانت الطرق الصوفية بحاجة إلى هذا التوافق لتكف تلك الحرب التي أعلنت عليها منذ دخول ما يسمونهم ب (الوهابية) أو (العبداوية)"" إلى الأرض التي كانت

(1) يقصد بهذا المصطلح أتباع (محمد عبده)» وقد ذكره الإبراهيمي في معرض ذكره للحرب التي ووجهت بها الجمعية

(انظر: آثار الإبراهيمى: )١77 /١‏ 18

خالصة لهم في فترات تاريخية كثيرة.

بناء على هذا نحاول في هذا المطلب أن نتعرف على تلك الفترة القصيرة التي ساد فيها هذا التوافق المحتشم, ثم نتعرف على أسبابه وخلفياته الفكرية والتاريخية.

أولا_بداية التوافق ومدته:

في سنة »١19475‏ وبعد أن أدرك ابن باديس صعوبة تأسيس ما كان يصبو إليه من إصلاح من خلال النخبة القليلة التي كانت تشاركه آراءه وتوجهاته الإصلاحية من العلماء الأحرار الذين تخرجواني المدارس والمعاهد الحرة» ومن الجامعات الإسلامية في وقتها مثل الزيتونة» والأزهرء والقرويين أو درسوا بالحجاز.

ورأى أن جمعا كبير من العلاء لا يتوافق معه في هذا السبيل» أو لا يفكر معه هذا التفكير» وهم إما من الذين تتلمذوا في المدارس الرسمية الحكومية التي تكون وتخرج الموظفين في القضاء والإفتاء والإمامة» والذين كان جلهم يظهرون ولاءً كبيرًا وطاعة عمياء لإدارة الاحتلال.

أو من الذين تتلمذوا في مدرسة الزوايا التي تخرج شيوخاً يعلمون بالزواياء ويتفرغون لخدماتهاء مع جمود على طرائقها وحالتهاء التي هي عليها منذ أمد بعيدا".

بعد أن رأى هذا وأدرك صعوبة تحقيق ذلك الغرض الإصلاحي الذي يصبو إليه مع نفر قليل من المصلحين تخلى عن بعض الحدة التي كان يخاطب بها المخالفين له خصوصا من رجال الطرق الصوفية» ونشر- عبر جريدة الشهاب- نداء إلى العلماء الراغبين في الإصلاح من كل الجهات والتوجهات يقول فيه:: ( أيها السادة الأدباء المؤيدين للإصلاح. المتواجدين في مناطق متفرقة مختلفة في الجزائرء هلمواء اتحدوا وتعاونواء وأسسوا حزبا وثيقا (حزب ديني محض»).

)00 عبد رشيد زروقة» جهاد ابن باديس ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ١95٠ ١917(‏ )» دار الشهابء بيروت»

١775 6مء)ص‎ /ها١5:٠٠١لكط‎

من أجل تنقية الدين من الشوائب والبدع التي لحقت به من السذج والجاهلين» وذلك بالرجوع إلى المصادر القرآنية» وأحاديث الرسولء وتقاليد القرون الثلاثة الأول» نحن نتمنى أن يقبل كل شخص هذا الاقتراح» وأن يلبي نداء العلماء ومؤيدي الإصلاح الذين يؤيدون هذه الصحيفة» وأن يغادروا أفكارهم القديمة» وإذا حصلنا على شهادة استحسان وقبول من عدد كاف. سنشرع في تكوين الحزبء والله الموفق)”"

وهذا النداء من خلال عباراته لا يدل على اختصاص الإصلاحيين به» فالطرقيون - كما سنرى عند الحديث عن توجههم الفكري- ينكرون البدع ويحاربونها على حسب تصورهم لحقيقتهاء ومثلهم الإباضيون. وغيرهم. فالكل يتفق على إنكار البدع» ويحمل في نفس الوقت تصوره الخاص بهاء فلذلك لقي هذا النداء قبولا من الجميع.

وبعد أن نضج ذلك التوافق» قرر ابن باديس ومن معه تمن يحمل فكره وتوجهه إنشاء هذا الحزب الديني الإصلاحيء وقد أعلن ذلك في مارس١97١‏ م حيث خرجت الشهاب ببيان تضمن دعوة عامة إلى تكوين جمعية العلماء» ويصرح الإبراهيمي بأنها كانت دعوة عامة لجميع العلماء الجزائريين بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم» فيقول: (دعونا فقهاء الوطن كلهم» وكانت الدعوة التي وجهناها إليهم صادرة باسم الأمة كلها ليس فيها اسمي ولا اسم بن باديس» لأن أولئك الفقهاء كانوا يخافوننا لما سبق من الحملات الصادقة على جمودهم» ووصفنا إياهم بأنهم بلاء على الأمة» وعلى الدين لسكوتهم على المنكرات الدينية» وبأنهم مطايا الاستعار» يذل الأمة ويستعبدها باسمهم)”"

فالإبراهيمي يصرح هنا بأن عبارات النداء كانت عامة تشمل الجميع» وذكر في نفس الوقت أنه والشيخ ابن باديس كانا يقصدان ذلك بدليل أنهما لم يذكرا اسميه في النداءء مخافة أن لا

)0 عبد الحميد بن باديس: نداء إلى العلماء الإصلاحيين (جريدة الشهابء العدد (07 75 نوفمبر )١9760‏

(؟) مجلة مجمع اللغة العربية» ج١7‏ سنة 1477 ص : 147. 00١‏

يلبي الدعوة الكثير من الجهات.

وإلى هنا فإن القصد - كا هو ظاهر - نبيل» واللغة التي عبر بها عن المقصد كانت واضحة غاية الوضوح, ولذا نجحت في أن تجذب إليها أكبر كم من العلماء بمختلف مذاهبهم ومشاربهم. من (مالكيين وإباضيين» ومصلحين وطرقيين» وموظفين وغير موظفين» ى| حضر الاجتماع طلبة العلم من مختلف جهات الوطن)

ولم يكن ذلك من أثر تلك النداءات الموجهة عبر الشهاب فقط» بل كانت هناك مراسللات خاصة شملت أغلب العلماء ورجال الدين الذين كانوا من خريجي المعاهد العلياء أو أن يكونوا من المشهود لمم بالعلم أو من الذين يتبوؤون مركزا دينيا مهما بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطرقية أو الإصلاحية".

وقد وصف الشيخ الإبراهيمي نجاحه مع رفيقه ابن باديس في هذه المهمة» فقال: (فاستجابوا جميعًا للدعوة واجتمعوا في يومها المقرر. ودام اجتماعنا في نادي الترقي بالجزائر أربعة أيام)”"

بل فوق ذلك يذكر الإبراهيمي» كيف أن أصحاب الطرق مع علمهم بشدته وشدة ابن باديس عليهم لم يجدوا إلا التسليم لهمء بل الموافقة على إدارتهم للجمعية» وقد علل ذلك بتمكنه العلمي وتمكن المصلحين معه مقارنة بمشايخ الطرق وعلمائها الذين وجدوا أنفسهم كالتلاميذ بالنسبة لهم» يقول في ذلك: (ولما تراءت الوجوهء وتعالت أصوات الحق أيقن أولئك الفقهاء أغهم مازالوا في دور التلمذة» وخضعوا خضوع المسلم للحقء. فأسلموا القيادة لنا فاتتخب المجلس الإداري من رجال أكفاءء» جمعتهم وحدة المشرب ووحلة الفكرة... ووحدة المناهضين للاستعمار. وقد وكل المجتمعون ترشيحهم إلينا فانتخبوهم بالإجماع وانتخبوا بن باديس

. ٠١8 أحمد الخطيبء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و أثرها الإصلاحي في الجزائر» ص‎ )١( )58١ /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

رئيسًا.. وأصبحت الآن الجمعية حقيقة واقعة قانونية» وجاء دور العمل)”"

هذه أول العلاقة الرسمية بين الجمعية والطرق الصوفية» وهي علاقة - كا رأينا- لم تؤسس قل سافن صحيحء ولذلك سرعان ما انهارت» فالتوجهات الفكرية كانت مختلفة» بل متناقضة» وطذا لم لم تستمر العلاقة إلا قليلاء يقول سعد الله: (وكان تأسيس الجمعية على هذا النحو يعتبر (شهر عسل) بالنسبة لرجال الدين عامة» وهو الشهر الذي استمر عاما فقط» لأن أهداف الجميع لم تكن واحدة)7"

ثانيا أسباب التوافق:

من خلال العرض السابق للفترة التي ساد فيها بعض التوافق بين الجمعية والطرق الصوفية؛ ولو شكلاء نحاول هنا باختصار أن نتعرف على أسباب ذلك التوافق» وهل هو تنازل من الجمعية» واستسلام من الطرق الصوفية» أم أن الأمر كان فيه مصلحة لكلا الجانيين؟

أم أن كلا الطرفين أو أحدهما كان صادقا في نيته» ولم يكن له من مقصد سوى الاهتمام بخدمة البلد الذي كان في أمس الحاجة إلى اتحاد جميع أبنائه بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم؟

سنحاول هنا - باختصار - أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال طرح المصالح المترتبة على ذلك التوافق لأطراف حميعا.

١‏ مصالح الجمعية المتعلقة بالتوافق:

يكاد يتفق أكثر الباحثين في ذلك التوافق الذي حصل بين الجمعية والطرق الصوفية في تلك السنة القصيرة على اعتباره نوعا من التوافق المؤقت المحدود - كما يعبر الدكتور أبو القاسم سعد الله - بدليل المناصب المحامة التي تولاها المصلحون".

.147 : مجلة مجمع اللغة العربية» ج١7 سنة 1477 ص‎ )١( .85 (؟) سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية» ج"؛ ص‎

(؟) سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية» ج”؛ ص 47.. صل

وبرر ذلك بأن الواقع المحرج الذي كان يعيشه أعضاء الجمعية لا يسمح لهم بتحقيق أهدافهم الإصلاحية إلا باستعمال بعض الطرق والأساليب الخاصة. فقال:(ومن هنا يتضح أن موقف العلماء لم يكن سهلاء فقد كانوا يمشون على البيض كا يقول المثل الأجنبي» فهم من جهة كانوا يريدون تحقيق مبادئهم وأهدافهم بأية وسيلة مشروعة» ومن جهة أخرى كانوا واقعين تحت طائلة إجراءات استثنائية مستعدة لعرقلة سيرهم» بل وضعهم في قفص الاتهام» لذلك كانوا يناورون ما وسعتهم ال حيلة والمناورة ويجاملون ولكنهم لا يتنازلون عن مبادئهم. ومن أجل ذلك اصطدموا مرات بالإدارة)20

وقد ذكر محمد الأخضر السائحي الطريقة التي قامت بها الجمعية لإخراج الطرق الصوفية من الجمعية» أو لعدم تمكينهم من أي موضع فيهاء وذلك أنهم دبروا خطة تتمثل في تغيير أوراق الانتساب إلى الجمعية» وذلك بناء على امتحان يقوم به شيخان من العلاء لإثبات علمية المتتسب أو جهله.

وقام الشيخ أبو اليقظان بطيع الأوراق الجديدة ذات اللون الأزرق عوضا عن الأوراق القديمة ذات اللون الأصفرء وخاف الطرقيون من الامتحان» وبذلك فشلت محاولتهم بصورة قانونية".

وهذا هو الواقع الذي مارسته الجمعية في كثير من مراحلهاء فهي تشتد مع المخالفين إذا أتيحت لا الفرصة لذلك التشدد, وتلين كلما وجدت نفسها في مواقف حرجة لا تستطيع أن تحقق أهدافها الإصلاحية إلا من خلاها.

وكمثال على ذلك موقف رجال الجمعية بوادي سوف - باعتبارها من المناطق التي تنش

.947 /9" الحركة الوطنية:‎ )١( محمد الأخضر السائحيء محمد الأمين العمودي الشخصية المتعددة الجوانب »ط ”»دار هومه للطباعة والنشر.‎ )0(

بوزريعة» الجزائر: 7٠٠١١‏ م.ءص ”7

فيها الطرق الصوفية بكثرة من قادرية وتيجانية و رحمانية (عزوزية)» وشابية وعلوية - وهذا ما جعل الشيوخ يتخذون مواقف مختلفة: إما التسامح مع الجميع دون إبداء التعصب لطريقة دون أخرى مثلم| فعل الشيخ إبراهيم بن عامرء أو الالتزام بطريقة معينة مثل| كان يقوم به شيوخ بلدة قهار مثل الشيخ محمد بن البرية ومحمد الصالح بن الخنوصى من خلال انتمائهم للطريقة

كما كان هناك طائفة أخرى من العلماء الذين حاولوا تجنب الطرق الصوفية في السعي والتحرك على مستوى التعليم والوعظ. والإرشاد. وهم علماء عديدون أهم علماء حاضرة الزقم» حيث كانت الطرق الصوفية أقل عنفواناء بالإضافة إلى عمار بن الأزعر الذي كان صاحب موقف واضح من الطرق الصوفية التي كان يعدها من بين الأسباب الرئيسية في تكريس التخلف بالمنطقة» ى] كانت بينه وبين محمد بن البرية مشاحنات» حيث كان محمد بن البرية مدافعا عن الطرق الصوفية» وهذا من خلال ما كتبه هذا الأخير من مقالات في الجرائد كجريدة (البلاغ الجزائري) وجريدة (النجاح) معاديا الشيخ عمار بن الأزعر".

بل إن الاستاذ حمزة بوكوشه يذكر أنه كان من رجال الجمعية من (ينتسب إلى طريقة من الطرق الصوفية يحتمي بباء وتحتمي به» وينتسب إليها وتنتسب إليه سواء كان ذلك منه عن إيهان وإعتقاد أو عن تقية أو مجاراة للعوام الذين من أصول اعتقادهم أن من لا شيخ له فالشيطان شيخه""

١‏ مصالح الطرق الصوفية المتعلقة بالتوافق:

وقد عبر عن هذه المصالح الشيخ الإبراهيمي» فقال: (لم يكن تأسيس جمعية العلماء المسلمين

)00 محمد الطاهر تليلي : من تاريخ وادي سوف. ص 77» نقلا عن: (الحركة الإصلاحية بوادي سوف نشأتها وتطورها (190-:*197)» إعداد الطالب: موسى بن موسىء )7٠١0‏

() علي غنابزية» العلامة إبراهيم العوامر» ص .١١‏

خفيف الوقع على الجماعات التي ألفت استغلال جهل الأمة وسذاجتها وعاشت على موتهاء ولكن التيار كان جارفًا لا يقوم له شيء, فم| كان من تلك الجماعات إِلَّا أن سايرت الجمعية في الظاهر وأسرت لا الكيد في الباطن» وكان المجلس الإداري الذي تألف بالاختيار في السنة الآولى غير منقح ولا منسجم لمكان العجلة والتسامح» فكان من بين أعضائه أولو بقية يخضعون للزوايا وأصحابها رغبًا ورهبّاء وكان وجودهم في مجلس الإدارة مسليًا لشيوخ الطرق وحخفقًا من تشاؤمهم بالجمعية لسهولة استخدامهم لهم عند الحاجة» فإما أن يتخذوهم أدوات لإفساد الجمعية وإسقاطهاء وإما أن يتذرعوا مهم لتصريفها في مصالحهم وأهوائهم)”"

ومن خلال هذا النص يتبين لنا أن الطرق الصوفية لم تكن راضية عن تلك الشحناء التي كانت منصبة عليهاء ولذلك كانت تلتمس كل السبل لتتقي هجومات الإصلاحيين عليهاء ومن أدلة ذلك ما سنراه من دعوات للإصلاح بين الطرفين.

مصالح الجزائر المتعلقة بالتوافق:

لقد عرفنا في الفصل الأول أن المجتمع الجزائري منذ قرون طويلة كان مرتبطا في نواحيه جميعا الدينية والاجتاعية والثقافية بل حتى السياسية بالطرق الصوفية ارتباطا شديداء ولذلك استطاع رجال الطرق أن يجندوا بسهولة أتباعهم لمحاربة المستعمر» وكان لها السبق في ذلك.

بالإضافة إلى سبقها في الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للجزائريين» وقد أقر الإبراهيمي بهذا ناقد له فقال: (ولكن أَنْى للأمة الجزائرية باجتماع العلماء وتآخيهم في العلم» وإن الطائفة التي يطلق عليها هذا الاسم حقيقة أو ادعاء مهذا القطر هي طائفة متنافرة متنابذة» كأن من كمال العلم عند بعضها أن يبغض العالم العالم» وبجفو العالم العالم» شنشنة مُعْظَّم الشر فيها آت من الزوايا الطرقية التي تعلم فيها أولئك العلماء أو علَّمُوا فيهاء والكثرة الغالبة في

.18/8 7/1١ آثار الإبراهيمى:‎ )١(

علماء الجزائر قبل اليوم تعلمت بالزوايا أو علمت العلم في الزواياء فمن الزوايا المبدأ وإليها المصير. وزوايا الطرق في باب العلم كمدارس الحكومات هذه معامل لتخريج الموظفين» وتلك معامل لتخريج المسبحين بحمد الزوايا والمقدسين)”")

وما ذكره الإبراهيمي كان يدعوه في الأصل ك) يدعو الجمعية جميعا إلى استغلال هذه الطاقات في الطرق الصوفية لتوجيهها لمصلحة البلد الجاثم تحت الاستعمار» ثم تترك مسائل الخلاف بعدها لمحلها الخاص بعد التخلص من العدو المشترك الأكبر.

لكن الجمعية لم تكن ترضى بهذاء فقد كانت تتصور أن الاستعمار الطرقي أخطر من الاستعار الفرنسيء بل إن الشيخ الطيب العقبي - وهو أكثر الأعضاء تشددا في الجمعية - عارض المطالبة بالاستقلال قبل التحرر من الاستععمار الطرقي» فقد ورد في البصائر تلخيص لخطاب ألقاه الشيخ العقبي سنة ١19117‏ م يوضح هذا المعنى» يقول كاتبه: (وبين أنه لا يوافق السيد مصالي الحاج ومن معه من الإخوان على فكرة الاستقلال الذي هو بعيد عن الأمة الجزائرية» وهي بعيدة عنه ما دامت لم تستقل في أفكارها وكل مقومات حياتهاء وما دامت لا تقدر أن تحرر نفسها من ربقة بعض المرابطين واستعبادهم لها باسم الدين فكيف يطير من لا جناح له ولا ريش("

بل إن بعض كتاب الجمعية كتب في جريدة (الشريعة النبوية) يفضل المستشرقين على أصحاب الطرقء ففي مقال تحت عنوان ( الدّين الإسلامي بين المبشرين والمبتدعين )7 لكاتب

يدعى (محمد جير فودة) يقول فيه: ( لست أذيع سرا إذا ما جاهرت عن يقين ثابت وعقيدة

.١185 7/١ آثار الإبراهيمى:‎ )١( .١ ص‎ /1١ ع‎ /١ البصائر:‎ )( أوت‎ 7١ جريدة الشريعة النْبِويّة في عددها السّادس | الصّادر يوم الاثنين 4 ربيع الثاني 1707 للهجرة الموافق ل‎ )5(

10

راسخة بأن المسلمين الآن بين شقي الرحىا تضغطهم أعمال المبشرين التي ذاع أمرها واستفاض خبرهأ وتصرفات اللمبتدعين الذين يدخلون في الدين ما ليس منهأ ولئن حمدت للأمة اهتمامها بأمر المبشرين وانتهاج الوسائل المؤدية إلى الحد من طغيانهم والقضاء على أغراضهم فإنه لا يزال عالقا بنفسي أثر ميء ما يأتيه المبتدعون هادما لبنيان الدينأ وناقضا لتعاليمه من أساسهأ ولو أحسنت الحكومة صنعا لعملت على تحرير الدين ما علق به بفعل جماعة من المسلمين لا يعنيهم من أمر دينهم غير أن تشبع بطونهم وتمتلئ جيوبهم| أولئك على الدين أشد ضررا وأكثر خطرا من المبشرين)”"

ثم بين وجه تفضيله للمبشرين على الطرقيين بقوله: (ذلك لأن جماعة المبشرين إنما يدعون إلى الخروج على الدين إطلاقا ويروجون لاعتناق دين غيره؛ وتلك دعوة ينبني على مجرد الجهر بها النفور عنها اللهم إلا عند نفر قليل تدفعهم ا حاجة إلى الاستسلام وتغريهم الفاقة بالاستكانةا وهؤلاء لا يلبئون أن يصدوا عن الدعوة ويرجعوا إلى ا هدى عندما يرون بأعينهم أن المنشآت التي أعدت لهم بين أهل دينهم ستغنيهم عن التردد على أماكن المبشرين فتكتب لهم النجاة من المهاوي السحيقة التي كانوا على وشك التردي فيهأ ولكن ما ظنك بجباعة ليسوا من المبشرين حتى نجتنبهم ولا يدعون للخروج على الإسلام حتى نتحاشاهم وإنما هم مسلمون أولا يلبسون لباس الإسلام ويتزيون بزيه وجاءوا تحت ستار لباسهم الزائف يجتذبون نفرا من المسلمين ينفثون فيهم سموم خرافات وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان بدعوى أن تلك الخرافات من الدين وأن من لم يتبعها وينسج على منواهم فيها يبوء بغضب من الله ورسوله ويكون من الكافرين.. لا شك أن هؤلاء أشد ضررا على الإسلام من المبشرين الذين قدمنا أن معالجة أمرهم باتت وشيكة النجاح وأن دعوتهم عند الكثيرين لا تصادف ما قدر لها من رواج)

(1) جريدة الشريعة النَبويّة في عددها السّادس أالصّادر يوم الاثنين 59 ربيع الثاني 11257 للهجرة الموافق ل ١؟‏ أوت

138 ص5.

00 هذا هو التصور الذي طرحته الجمعية وبموجبه كانت ترفض أي دعوة للصلح أو تخفيف الحدة مع الطرقيين» بل ترفض حتى الجلوس معهم في طاولة الحوار» أو العمل معهم في المتفق

عليه.

ونحب أن نذكر هنا دعوة ملحة قامت بها الطريقة العلاوية التي لاقت حربا شديدة من الجمعية» فقد تكررت دعواتها للمصلحين بالاجتتماع معها على الأهداف المشتركة» وترك الخلاف لمحله الخاص به» سواء قبل تأسيس الجمعية أو بعدها.

ومن الأمثلة على ذلك البلاغ الذي نشرته صحيفة البلاغ الجزائري» والذي تدعو فيه إلى (رفض الطعن في أي طبقة من طبقات الأمة وفي أي مذهب من مذاهبهاء ما دام لا أحد يمكنه نيل إجماع الأمة» فيكون محل ثقتها ومرجعيتها الوحيدة» والكل في دعواه ومذهبه يدعي الاستناد إلى القرآن والسنة وإجماع الأمة» وعليه فلم يبق إلا أن نحسن الظن ببعضنا بعضا مراعاة لمصالح الأمة فمن صلاح الأمة وإصلاحها أن لا يتساهل في تنقيص سلفها ولا يمس بسوء أي مذهب من مذاهبها ما دام الجميع متحدا على كلمة الإخلاص وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وإن اختلفوا فيهما عدا ذلك من الفروع)”"

وفي محل آخر كتبت نفس الصحيفة تتساءل: (ما الذي يمنع الناس من الاتفاق والتعاهد على تأسيس الأندية والتعاضد على تأسيس الأندية للاجتاع والمدارس الخصوصية لتعليم العربية وآدابها الراقية ونشر الفضيلة وحاربة الرذيلة.. ىا تساءلت عن ما يمنع الناس من صرف أموال الولائم والمآتم والموائد والزوائد في تعليم أبنائهم القراءة والكتابة والحساب وفق

. ١ص المصدر السابق»‎ )١( الموافق ل" ماي 219717 نقلا عن أضاميم‎ » ١17555 الإدارة: البلاغ» البلاغ الجزائري.ع: 4 مستغاتم: ؟ ذي القعدة‎ (0

المد الساري» ج ١‏ ص .1١‏

النظم ال حديثة المعمول بها في العالم) ()

وقد كان هذا - على حسب اطلاعنا - سلوك شيخها عبر رسائله ومقالاته وكل ما نشر له فلم نر منه إلا الدعوة لتوحيد الجهود للإصلاحء ونبذ التعصب والخلاف» ولعل من أهم مواقفه في هذاء إرساله في احتفال للطريقة سنة »١974‏ دعوة خاصة إلى العلماء الإصلاحيين بلغته البسيطة يقول فيها: (إليكم أيها السادة الكرام» والعلماء الأعلام» أوجه خطابي وأنمبي كلامي» بصفتكم داعين إلى الكتاب وسنة رسول الله يه ويا ما أسعدنا وأسعدكم بإقامة هاته الدعوة» والعمل على ما تقتضيه التقوى» وطالما تكررت على مسامعنا وأسماع غيرناء وها هو قد هيا الله لنا أسباب الاجتماع» وطرق الانتفاع» بحلول اجتتاع العلويين المقبل» فهيا نشد العضد ببعضناء للتمييز بين الصحيح والفاسدء فهيا بنا نتتحد على ما يوافق صريح النقول. ثم نتفاهم فيما وراء ذلك ب| هو معقولء فهيا بنا نمد لبعضنا يد المساعدة» فيما نراه صاحا لنفع الأمة. ومفيدا لتشييد صروح الملة. فهلم لتنظروا أحوال إخوانكم العلويين» وما هم عليه في اجتماعاتهم وتذكيراتهم» فإن كانوا على الجادة والصراط المستقيم» تشكروهم وتوازروهم وتتخذوهم عضدا وان كانوا على غير ذلك فذكروهم بألطف عبارة وارق أسلوب..فهلم إلينا نتفاوض فيما يزيل من بيننا تلك الفوارق القاضية على جمعنا ومجموعناء فهلم إلينا ننهي دور القول» ونشرع في دور العمل"

لكن الإصلاحيين للأسف ل يقبلوا هذاء إلا أن الشيخ أبا يعلى الزواوي خالفهم في ذلك» وقد انتقد انتقد انتقادا شديدا من الجمعية بسببه.

وتما ذكره في شهادته على استعداد الطرقيين للإصلاح والحوار قوله: (صاحبي ابن عليوة..أشهد الآن بين يديكم أني ما عرضت وما أمرت ولا هبيت الشيخ العليوي إلا استحسن )١(‏ (الإصلاح الإصلاح)» البلاغ الجزائري» ع: 54» مستغانم: 5 ١‏ ذي القعدة 5-١155‏ ماي 197/8..

6 عدة بن تونس : الروضة السنية» المطبعة العلاوية» مستغانم» ص 15 . 8

وسلم حتى قال: إن حملاتك إن كانت علينا مقبولة وإن كانت لنا فهي أحسن لناء ويخاطبني قائلا: إنك بنظريتك السياسية والاجتاعية ننقاد إليك ونعمل بإشارتكء وما زال وما زلت طامعا في» وطامعا فيه» أي بأن نتفق على كتاب الله وسنة رسوله. وصرح لي أمام جمع أنه إذا ظهر لكم - معشر الإخوان- في الدين والوطن والجنس - أن نتفق على جميع ما يخص المسلمين والوطنيين ... ولم أر ولم اسمع من غيره من الشيوخ الذين عرفتهم إلا الصدود وتعير الخدود ومقتي بأنٍ كافر مهم وببدعهم» وقلت لكم وما زلت أقول أنه - أن الشيخ ابن عليوة يقول لكم: (مروا جميع رؤساء الطرق لنجتمع ونتفق على الموافق للكتاب والسنة وللآمة)("

ويذكر أبو يعلى الزواوي أن الشيخ ابن عليوة كان يرى أن ( لا بوض لأمتنا إلا بتوحيد التربية والتعليم وتعميمههماء فينشاً النشء الجديد على دين واحد» ومذهب متحد في النهضة والإصلاح» لتتقرب المدارك والمقاصدء وتكون التعاليم صحيحة ذات تسامح ديني» وذات اجتماع وحسن العشرة والمعاملة مع الموافق والمخالف في الدين؛ ذلك أن أوروبا وأمريكا خالفون لنا وغالبون متقدمون عليناء ولا مانع لنا من الدين أن نقسط إليهم ونبرهن لم بأن

ديننا دين مدنية» وعشرة» ومساعدة» ولا إكراه فيه...)27)

.لا١ ط ١ج 7 ص‎ 2١944 أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة» دار البعث» قسنطينة:‎ )١(

(0) أحمد حماني: صراع السنة والبدعة» ج 7 ص 9.

المطلب الثاني: مرحلة الخلاف وأسبابها:

يصور رجال الجمعية ومن وافقهم» وهم أكثر الباحثين والكتاب» حادثة الانشقاق التي حصلت بين الجمعية والطرق الصوفية بنادي الترقي يوم 7 ماي 19177 على أنها حادثة مشؤومة كان ال هدف منها هو استيلاء الطرقيين على الجمعية لخدمة مآربهم.

وقد عبر الزاهري - الذي كان حينها عضوا إداريا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وقبل انشقاقه هو الآخر عن الجمعية - عن ذلك بعد سنة من حصوله. فقال: (كان يوم 77 ماي من السنة الماضية من أشد الأيام على هذا الوطن شؤما وسوادأ ففيه جمع المفسدون أمرهم وشركاءهم ثم تقدموا إلى جمعية العلماء المسلمين فأثاروا عليها غارة شعواءاً من الشغب والفوضى وأرادوا بها كيدا فكانوا هم الأخسرين)”"

ثم حكى القصة بتفصيل» ونحن - مع عدم ثقتنا المطلقة بكل ما ذكره فيها من أحداث- نذكرها هنا ى) ذكرها لاعتبارين:

الأول: أن ما ذكره ليس أحداثا سردية فقطء كا يذكر المؤرخون الأحداث عادة» وإنما هو يذكر الأحداث الظاهرة» ويحللهاء ويبني على تحليلاته بعد ذلك ما يشاء» ونحن لا نعتب عليه تحليله للأحداث. ولكن نعتب عليه تحليل الأحداث من خلال التوجه الفكري والمذهبي, لا من خلال ما توحيه الأحداث نفسها.

والثاني: أن أكثر من اطلعنا عليه من الباحثين يأخذون ما ذكره مأخذ الجد والصواب الذي لا يمكن أن يرد أو يرفضء ويبنون على ذلك بأن الطرق الصوفية بوحي من الاستعمار أرادت أن تسيطر على الجمعية لتخدم من خلاها المشاريع الاستعمارية.

بناء على هذين الاعتبارين نسرد الحدث كما سرده الزاهري» حيث ذكر أنه في نحو الساعة

٠ ١ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 1977 » جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» العدد الثاني» قسنطينة يوم الاثنين‎ )١(

امياد

السادسة من صباح يوم 77 ماي ١977‏ مضى بعض الإصلاحيين من علماء الجمعية إلى دار إحدى الجمعيات في الجزائر (العاصمة) أ(فوجد هنالك جموعا غفيرة من الناس قد تجمهروا أمام الدارأ وتجمعوا داخلها حتى ملأوا صحنها وغرفها وحجراتهاء فظن أنه أمام مكتب من المكاتب التي يفتحها المترشحون لأحد الانتخابات لشراء الأصوات!! ودخل الدار فوجد أن شيخ الحلول” قد جلس في صدر المجلس على هيئة بارزة تستلفت إليه الأنظارا وكان مريضا مثقلا لا يستطيع أن يجلس طويلا فأحيط - لذلك - بكثير من المساند والوسائد والمخداتا وكان إلى جانبه ثلاثة أشخاص يوزعون على الناس الأوراق والوصولات. أما الوصولات فكانت زائفة مصطنعة وهي من الفئة ذات العشرة فرنكات التي تعطيها جمعية العلماء أعضاءها العاملين الذين لهم حق الانتخابأ وأما الأوراق فكانت تشتمل على قائمة بأسماء الذين رشحوا أنفسهم لكي يكونوا أعضاء المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين» وهم ليسوا بعلماء ولكن كانوا لأنفسهم يظلمون)”)

ونحب أن ننبه هنا إلى أن أساس الخلاف الإداري الذي حصل بين الجمعية والطرق الصوفية انطلق من تصور كلا الفريقين لنوع التعليم الذي يسمح لصاحبه بأن يكون عاماء فللجمعية تصورها في هذاء وللطرق الصوفية تصورها الخاص.

بل إن هناك من أعضاء الجمعية من اختلف معها في هذا التصورء وهو الشيخ أبو يعلى الزواوي الذي حصلت مناوشات بينه وبين الجمعية بسبب ذكره في بعض مقالاته أن في الطرق الصوفية علماء» وسنرى ذلك عند ذكر المواقف الشخصية لأعضاء الجمعية.

بناء على هذا يذكر الزاهري أن الإصلاحي فوجئ بتلك القائمة وتقدم - كما يذكر - (من

)١(‏ يقصد أعضاء الجمعية في كتاباتهم بشيخ الحلول عادة (الشيخ ابن عليوة)» وقد يقصدون به كذلك غيره من رجال الطرق الصوفية» وخصوصا الحافظي.

)١(‏ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 19177 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”. شد

شيخ الحلول وعاتبه على هاته الأوراق والوصولات الزائفة التي يوزعها مجانا بلا أدنى مقابل على الذين لم تتوفر فيهم الشروط التي تؤهلهم لكي يكونوا بجمعية العلماء أعضاء عاملين)"

ويذكر الزاهري هنا نص الحوار الذي جرى بينهما بطريقته الأدبية الفنية» وهي نفس الطريقة التي كتب بها قصته المشهورة (اعترافات (طرقي) قديم)7”"» والتي لا يمكن التسليم بكل ما ذكر فيها مطلقا أيضا باعتبارها أميل إلى الجانب الأدبي الفني منها إلى الجانب التأريخي.

حيث يذكر أن الإصلاحي خاطب الطرقي ال حلولي بقوله: (إن هذا هو عمل من يسعى لهدم هذه المؤسسة اللمباركة التي لم يخلق مثلها في البلادا وما ينبغي لك - وأنت في شيبتك وشيخوختك - أن تكون في يد (فلان) آلة من آلات الهدم والتخريب والإفسا على أن هذه الجمعية هي جمعية علماء وليست جمعية متصوفة ولا جمعية أشياخ طرق فم| يكون لك - أنت المتصوف - أن تدخل فيها!)

فيرد عليه الطرقي» أو ى) يحلو للزاهري أن يسميه (شيخ الحلول): (إن بيني وبين الشيخ ابن باديس عداوة شديدة ما أنساها له أبد الدهرأ وأما العلماء الآخرون فليس بيني وبينهم شيء إلا أنهم أصحاب الشيخ بن باديس وإخوانه)

فيسأله الإصلاحي: وماذا بينكى]؟

فيجيب الطرقيء وهو يقصد الشيخ ابن عليوة نفسه: كنت نشرت كتابا واستشهدت فيه ببعض الأحاديث النبوية التي قلت عنها أنها واردة في صحيح البخاري وصحيح مسلمء والحقيقة أنها لم ترد لا في البخاري ولا في مسلم وإنما أنا الذي غلطت وأخطأسا فها كان من الشيخ باديس إلا أن نشر في الشهاب انتقادا شديدا فضحني فيه» وحط من قيمتي بين أتباعي وأظهر أغلاطي وأخطائيء أو قل أظهر للناس أكاذيبي. )١(‏ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 19177 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”.

)١(‏ سنحلل القصة ومحتوياتها في الفصل الخاص بأساليب الجمعية في التعامل مع الطرق الصوفية. نض

فيجيبه الإصلاحي: لولم تكن أنت نشرت كتابك محشوا بالأغلاط والأخطاء لكان حقا لك على الشيخ ابن باديس أن يستر عليك جهلكء وأن لا يفضحك أمام الناس» أما وقد طبعت كتابك ونشرته بين الناس فمن واجب الشيخ بن باديس ومن واجب كل عالم يغار على السنة النبوية أن يصحح أغلاطك وأخطاءك للناس حتى لا يضلوا مها؛ وعلى كل حال فهذه مسألة شخصية لا يحسن بك أن تتخذها حجة وذريعة لهدم هذا المشروع العمومي العظيم. وهنا يذكر الزاهري - على طريقته في الأسلوب الذي لا يمكن التمييز فيه بين الحقيقة التاريخية» والتعبير الأدبي الفني - بأن (شيخ الحلول - تحرك- من مكانه وتحلحر] ثم قال في لمجة الواثق بنفسه: (فات الحال! لا بد لنا أن نستولي على جمعية العلماء» ولا بد أن نطرد عنها كل عالم من العلماء وكل طالب من طلبة علمأ ولا بد أن تكون هذه الجمعية خالصة لنا من الناس» ولا يمكن لنا بحال أن نرجع عن محاربة جمعية يرأسها الشيخ بن باديس)7" بعد هذاء وبعد ذكر الزاهري أنه استطاع أن يكتشف بأن رجال الطرق الصوفية قدموا رشاوى للناخبين لأجل أن ينتخبوهم, ذكر أنه - وبحلول الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم - افتتح ابن باديس الجلسة الأولى من جلسات الاجتماع العمومي لجمعية العلماء بخطاب وصفه الزاهري بكونه (آية من آيات البلاغة» وجاء جامعا لكل معاني الموعظة والذكرىا فخشعت له القلوب وفاضت له الأعين من الدمع» ولكن الذين طبع الله علة قلوبهم فلا تنفع فيها الذكرىأ وجعل في آذانهم وقرا فهم لا يسمعون قد كرهوا هذا الخطاب وقالوا: لا تسمعوا له والغوا فيه لعلكم تغلبونا فهاجوا وماجوأ وأكثروا من اللغط والضوضاء وكانوا مأجورين على أن يحدثوا في هذا اليوم الفتنة والشغب والفوضى)”" ويذكر الزاهري كيف بدأ الشيخ ابن عليوة حديثه - متهى| به - بقوله: (وانتصب (الجاهل

)١(‏ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 1977 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”.

)١(‏ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 19177 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”. ١‏

الأمي) كزعيم لهؤلاء المشاغبين وجعل (يروث من فمه) ويسيء الأدب بحق هذا الاجتماع الحافل بالعلماء والأعيانا وكان الأستاذ باديس يخاطبه قائلا: (يا سيدي فلان) بكل هذا اللطف والأدبأ ولكنه هو كان يقول للرئيس: (يا ابن باديس (أي بضم نون ابن) فكان العلماء يضحكون من جهل هذا المخلوقأ] ويعجبون من وقاحته وقلة حيائهأ وكان كل واحد إذا أراد أن يتكلم رفع يده وطلب من الرئيس أن يأذن له بالكلام إلا هذا المخلوق فإنه كان يتكلم بلا استأذن ونصب نفسه للرد على كل أحد وللجواب عن كل كلام وكان يقول الكلمات الجارحة حتى اضطره الرئيس مرارا عديدة إلى أن يسحب كلامه وأن يبادر بالاعتذارأ وذات مرة أراد أن يكون نظاميا متأدبا لا يخرق سياج الأدب والنظام» فرفع يده وقال للرئيس: (أطليب الكلام) (بضم الهمزة وكسر اللام الممدودة) فلج الحاضرون في الضحك وقضوا من العجب)”"

بهذا الأسلوب التهكمي الساخر ذكر الزاهري أخطر حدث حصل في تاريخ الجمعية» وهو يشير إلى ما كان يغلب على أعضاء الجمعية من تقديم أصحاب اللسان والفصاحة والبلاغة باعتبارهم وحدهم العلماء» أما من كان ضعيفا في هذه النواحي» فهو عندهم جاهل أمي يستحق أن يضحك عليه ويسخر منه.

ونرى بوضوح - أيضا- كيف أنه ذكر سوء أدب الطرقيين ومشاغبتهم؛ مع عدم ذكره ما شاغبوا به وما شاغبوا لأجله» وغفل في نفس الوقت عن ذكر سوء أدب الإصلاحيين الذين يتتبعون سقطات الألسن» فيمتلئون منها ضحكاء ويقضون منها عجبا.

والأعجب من هذا كله أن الزاهري المعروف بنقله للحوارات المفصلة لم يذكر ما قاله هذا (الجاهل الأمي) بزعمه. حتى نعرف أساس الخلاف» وإن| اكتفى بكونه لا يعرف كيف يعرب

المنادى» في نفس الوقت الذي كان فيه كلام ابن باديس (آية من آيات البلاغة)» وكأن الجلسة

)١(‏ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 19177 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”. وم

كانت جلسة مباراة في الكلام لا جلسة للبحث عن الحلول التي تصلح بها أحوال الأمة.

بعد هذا التعقيب الذي رأينا أنفسنا مضطرين لذكره”" ذكر الزاهري كيف أن (القوم - أي رجال الطرق الصوفية- تواصوا بالشرأ وتواصوا بالمكرأ واتفقوا فيه| بينهم على أن يشاغبوا ويغلطوا إذا تكلم الأستاذ بن باديس أو غيره من العلاء وأن يتظاهروا بالقبول والرضى إذا تكلم واحد من خمسة من أصحابهم قد عينوهم للكلام في هذا الاجتماعأ وقد لقنهم بعض الناس أن يقولوا (صوابأ صواب) لكل متكلم من هؤلاء الخمسة)7"

ولم يذكر الزاهري مصدره على هذه المعلومة» ولم يذكر معها كذلك ما قاله هؤلاء الطرقيون لنرى هل كان ما قالوه صواباء أم لم يكن كذلك.

والأغرب من كل هذا أن الزاهري أديب الجمعية وشاعرها استطاع أن يلج في صدور أولئك الطرقيين ليتعرف على المقاصد الخسيسة التي يحملونها للجمعية» فهم - كما يرى الزاهري- (يحملون في صدورهم لجمعية العلماء أسوء المقاصدأ وأخبث النوايا». وهم (يريدون أن يستولوا على جمعية العلماء» وإلا فإنهم عزموا على إحداث فتنة عمياء تسيل فيها الدماء وحينئذ يمكنون للحكومة أن تحل الجمعية وأن تغلق نادي الترقيأ ولكنهم خابوا في كلتا الأمنيتين (وَرَدَ الله الَّذِينَ كمَرُوا بِعَِظِهِمْ 1 ينَالُوا حَيْرًا وَكَمَى الله اُؤْمِينَ الْقَِالَ [الأحزاب: )00

هذا ما ذكره الزاهري عن الحادثة بعد مرور سنة عليهاء وقد رأينا أنه - للأسف - لم يذكر ما جرى في ذلك الجمعء وما قاله الطرفان» وأن كل ما ذكره مجرد تحامل خطابي على الطرقيين ورميهم إما بالمقاصد الخسيسة» وإما بالعي والحصر وعدم القدرة على البيان والبلاغة شأن

)١(‏ باعتبار أن أكثر الباحثين للأسف يمرون على الأحداث مرور الكرام؛ بل يسلمون لما قاله باعتباره الحق المطلق. )١(‏ الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 19177 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”.

(©) الأستاذ الزاهريء يوم 77 ماي 19177 جريدة الشريعة النبوية» السنة الأولى» ص”. 0

رجال الجمعية الإصلاحيين.

ونفس الأمر يكاد يذكره - ولو بصياغة أخرى أكثر أدبا- الإبراهيمي» فهو عند استعراضه لذلك المجلس المشؤوم الذي تصدع فيه شمل الجمعية» لم يذكر ما قيل وما حصل بالتفصيل» وإنما اكتفى بذكر قدرات الإصلاحيين مقارنة بقدرات الطرقيين» ونيات المصلحين وأغراضهم مقارنة بنيات الطرقيين وأغراضهم.

فتحت عنوان (جمعية العلماء حقيقة واقعة) كتب يقول: (رأيت الآن أن السر في تأسيس جمعية العلماء بتلك السهولة وبتلك المحاولة الهينة هو استعداد الآمة لظهور هذا المشروع العظيم فيها. فانقادت إليه بشعرة» وانجرت إلى بناء صرحه بنملة» وعلمت مما أجملناه لك من مراحل هذا المشروع أن الشعور به كان من نصيب طبقات مخصوصة وهم المتأثرون بالإصلاح» وفي ناحية محدودة من القطر وهي إقليم قسنطينة» ثم تغلغل في الأقاليم الثلاثة في بضعة أعوام وتحوّل التفكير في مكان التأسيس من قسنطينة التي هي الجناح إلى الجزائر التي هي القلب» ومعنى هذا كله أن الأمة الجزائرية استيقنت سفه الأيدي التي كانت تقودها باسم الدين فصممت على التفلت منها وإلقاء المقادة إلى أيدي العلماء لتبتدئ السير في نمضتها على هدى وبصيرة» فقالت للعلماء اجتمعوا فاجتمعوا)()

بهذا الحكم المبدئي الذي ينطلق من تبيان الأثر الكبير للإصلاحيين» وخصوصا من كان منهم في إقليم قسنطينة» ينطلق الإبراهيمي ليعتبر أن كل من لم يكن من هذين الصنفين» فلا حق له في التفكير في الإصلاح, أو لا طاقة له في التفكير فيه.

وبشدته المعروفة يتحدث كيف أن قوة الإصلاحيين استطاعت أن تدحر أولئك الطرقيين

أصحاب النيات السيئة واللسان الكليل في أول جلسات الجمعية» يقول في تأريخه لذلك: (

)١141//١( آثار الإبراهيمى:‎ )١( يض‎

يكن تأسيس جمعية العلماء المسلمين خفيف الوقع على الجماعات التي ألفت استغلال جهل الأمة وسذاجتها وعاشت على موتهاء ولكن التيار كان جارفًا لا يقوم له ثيء؛ فم| كان من تلك الجماعات إِلّا أن سايرت الجمعية في الظاهر وأسرت لما الكيد في الباطن» وكان المجلس الإداري الذي تألف بالاختيار في السنة الأولى غير منقح ولا منسجم لمكان العجلة والتسامح فكان من بين أعضائه أولو بقية يخضعون للزوايا وأصحابها رغبًا ورهبّاء وكان وجودهم في مجلس الإدارة مسليًا لشيوخ الطرق وحخفمًا من تشاؤمهم بالجمعية لسهولة استخدامهم لهم عند الحاجة» فإما أن يتخذوهم أدوات لإفساد الجمعية وإسقاطهاء وإما أن يتذرعوا مهم لتصريفها ف مصال حهم وأهوائهم)”"

مع العلم أن هؤلاء الذين ذكرهم الإبراهيمي» والذين كانوا أعضاء في الجمعية أول تأسيسها لم يكونوا أقل شأنا في النواحي العلمية والأدبية من الإصلاحيين أنفسهم, فالشيخ مولود الحافظي -كم| سنرى -كان عالما أزهريا يحمل الكثير من المشاريع الإصلاحية التي لا تقل شأنا عن المشاريع التي حملتها الجامعية.

ومع ذلك فإنه - في تصور الإبراهيمي - لم يرق إلى مرتبة الإصلاحيين باعتباره خاضعا للزوايا رغبة أو رهبة بخلاف المصلحين الذين (صرحوا من أول يوم بأنهم سائرون بهذه الجمعية على المبدأ الذي كانوا سائرين عليه من قبلهاء ومنه محاربة البدع والخرافات والأباطيل والضلالات ومقاومة الشر من أي ناحية جاء)”)

ويذكر الإبراهيمي نفس ما ذكره الزاهري من قدرات الإصلاحيين مقارنة بقدرات غيرهم» وكيف أنه (انقضت السنة الأولى.. وبدأت الأعمال تظهر مراتب الرجال» فاضطلع المصلحون

)1848/1١( آثار الإبراهيمي:‎ )١(

(0) آثار الإبراهيمى: )18/8/١(‏ كد

وحدهم بالأعمال التمهيدية- وما هي بالحمل الخفيف- )00

ولعل الإبراهيمي يشير هنا إلى ما ذكره في موضع آخرء فقال: (كلفني إخواني أعضاء المجلس الإداري في أول جلسة أن أضع للجمعية لائحة داخلية نشرح أعمالها ى] هي في أذهاننا لاما تتصوّرها الحكومة وأعوانها المضلّلون مناء فانتبذت ناحية ووصلت طرفي ليلة في سبكها وترتيبهاء فجاءت في مائة وسبع وأربعين مادة» وتلوتها على المجلس لمناقشتها في ثماني جلسات من أربعة أيام, وكان يحضر الجلسات طائفة كبيرة من المحامين والصحافيين العرب المثقفين بالفرنسية» فأعلنوا في نهاية عرض اللائحة إي|نهم بأن العربية أوسع اللغات, وأنها أصلح لغة لصوغ القوانين ومرافعات المحامين» وكأن| دخلوا في الإسلام من ذلك اليوم» وخطب الرئيس عند تمام مناقشة اللائحة وإقرارها بالإجماع خطبة مؤثّرة أطراني فيها بم| أبكاني من الخجلء وكان ما قال: عجبت لشعب أنجب مثل فلان أن يضل في دين أو يخزى في دنياء أو يذلٌ لاستعمار. ثم خاطبني بقوله: وري بك زناد هذه الجمعية)”"

ولسنا ندري ما الحرج في أن يضطلع الإصلاحيون وحدهم بالأعمال التمهيدية ما دامت لهم القدرة على ذلك. بل إن في ترك الطرقيين للإصلاحيين وحدهم الحرية في الاضطلاع بهذا الجانب وعدم مزاحمتهم فيه دليل على حسن النية» لا على سوثها.

لكن الأمر من وجهة نظر الإبراهيمي لم يكن كذلك. ويستدل على ذلك بأن الطرقيين في السنة التالية أرادوا - وعبر الانتخابات التي نص عليها قانون الجمعية - أن يكون لهم مكان في ريادة الجمعية» ولا ينبغي لهم - على حسب الإبراهيمي - أن يحلموا هذا الحلم أو يفكروا هذا التفكير.

يقول الإبراهيمى - بلغته الأدبية - مصورا الحادثة» باعتبارها مؤامرة خبيثة» لا باعتبارها

)1848/1١( آثار الإبراهيمي:‎ )١(

(0) آثار الإبراهيمى: (0/ )7/1١‏ كن

حقا قانونيا لكل منتسب للجمعية: (ولما جاء أجل الانتخاب للدورة الثانية هجم العليويون ومن شايعهم على ضلاهم تلك الحجمة الفاشلة بعد مكائد دبروهاء وغايتهم استخللاص الجمعية من أيدي المصلحين» وجعلها طرقية عليوية واستخدامهم هذا الاسم الجليل في مقاصدهم الخاطئة ى] هي عادتهم في إلباس باطلهم لباس الحق» ووقف المصلحون لتلك المجمة وقفة حازمة أنقذت الجمعية من السقوط ومحصتها من كل مذبذب الرأي مضطرب المبدأء وتألف المجلس الإداري من زعماء الإصلاح وصفوة أنصاره» ورأى الناس عجيب صنع الله في نصر الحق على الباطل)”)

بالإضافة إلى هذين التأريخين للحادثة نجد تأريخات كثيرة سواء من أعضاء الجمعية المباشرين» أو ممن يوالونها ولاء مطلقاء ونراها جميعا تنهج نفس النهج من الشدة والعنف واعتبار الآخر متآمرا وعميلاء ولا طاقة له بالإصلاح» ولا غرض له فيه.

وهؤلاء جميعا يتناسون حدثا مهما وخطيرا حصل في ذلك اليوم, لا ينبغي للمؤرخ النزيه أن يتركه» ثم له بعد ذلك أن يبرره بها شاء من المبررات.

وهذا الحدث الخطير هو أن الشيخ عبد الحميد بن باديس - باعتباره رئيس الجمعية- وبعد أن رأى أن الجو لم يعد مناسبا بسبب ما حدث من فوضى الجانبين قام باستدعاء الشرطة إلى نادي الترقي للمحافظة على الأمن» وقد انتقد في ذلك نقدا لاذعا وليم على استدعاء الشرطة (الفرنسية طبعا) لفض تنازع العلماء» لكن ابن باديس دافع عن الشرطة بحرارة".

وكان من ضمن ما قال في دفاعه: (ارتباط الجزائر بفرنسا اليوم صار من الأمور الضرورية عند جميع الطبقات. فلا يفكر الناس اليوم إلا في الدائرة الفرنسية» ولا يعلقون آمالهم إلا على )١(‏ آثار الإبراهيمي: )1848/1١(‏

)0( انظر: الشهاب, ج 8» م 4» ص 5٠١‏ - 504 غرة ربيع الأول 175١‏ - أوت 17777م, وانظر: آثار ابن باديس:

لي

فرنسا مثل سائر أبنائها ورغبتهم الوحيدة كلهم هي أن يكونوا مثل جميع أبناء الراية المثلثة في الحقوق | هم مثلهم في الواجبات وهم إلى هذا كله يشعرون ب يأتيهم من دولتهم نما يشكرونه وما قد ينتقدونه وقد كنا نؤكد لهم هذا التعلق ونبين لهم فوائده ونبين لهم في المناسبات أن فرنسا العظيمة لا بد أن تعطيهم يوما- ولا يكون بعيداً- جميع مال هم من حقوق وكنا لا نرى منهم لهذا إلا قبولا حسنا وآمالاً طيبة)01

وقد دافع سعد الله عن هذا الموقف الحرج الذي وقع فيه ابن باديس والجمعية» فقال: (ومن هنا يتضح أن موقف العلاء لم يكن سهلاء فقد كانوا يمشون على البيض كا يقول المثل الأجنبي, فهم من جهة كانوا يريدون تحقيق مبادئهم وأهدافهم بأية وسيلة مشروعة» ومن جهة أخرى كانوا واقعين تحت طائلة إجراءات استثنائية مستعدة لعرقلة سيرهم» بل وضعهم في قفص الاتهام» لذلك كانوا يناورون ما وسعتهم ال حيلة والمناورة ويجاملون ولكنهم لا يتنازلون عن مبادئهم» ومن أجل ذلك اصطدموا مرات بالإدارة)0

بناء على هذا نحاول في هذا المطلب أن نتلمس الأسباب الحقيقية في هذا الانشقاق بعيدين عن منطق قراءة ما في الصدورء ملاحظين الواقع من حيثياته المختلفة.

وقد رأينا أنه يمكن إرجاع أسباب ما حصل إلى خمسة أسباب نلخصها فيا بلي:

أولا الأحداث السابقة على تأسيس الجمعية:

وهي أحداث كثيرة كانت ممتلئة بالصراع بين الجمعية والطرق الصوفية» ذكرها الإبراهيمي فقال: (وقد لقيت - أي الجمعية- في تاريخ حياتها خصومات عنيفة وواجهت خصومًا أقوياءء وكانت في جميع ذلك مظلومة واحتملت من الأذى والكيد والعدوان والتهم الباطلة ما تنوء به

)00 الشهاب: ج 8 م 8» ص 5٠ 4- 5٠١‏ غرة ربيع الأول 1701١‏ - أوت 1777م» وانظر: آثار ابن باديس: 4 / 1

() الحركة الوطنية: /٠"‏ 917.

الجحبال)00

بغض النظر عن مدى صدق كون الجمعية لها المظلومية في كل ما ذكر من أحداث أم لا إلا أن ذلك كان مؤثرا تأثيرا كبيرا في علاقتها بالطرق الصوفية بع حصل بعد ذلك من صراعات كانت تظهر كل حين.

وكمثال على تلك الأحداث نذكر هنا أكبر حادثة سبقت التأسيس» وكان لما دورها الفاعل في توسيع الهوة بين الجانبين» وهي اتهام الجمعية للطرق الصوفية بمحاولة اغتيال ابن باديس» وما أثارته من ضجة كبرى. وما أسالته من حبر كثير(".

ونحب أن نذكر ببعض التفصيل" هذه الحادثة لنقرأها قراءة واقعية بعيدة عن التحليل الذي ينطلق من توجيه الاتهام من غير توفر الأدلة الكافية.

والحادثة قد تم تدوينها بكل تفاصيلها في مجلة الشهاب عام ١177‏ م بقلم ابن باديس ومبارك الميلي بالإضافة إلى صحيفة (لاديباش دو كونستونتين) في عددها الصادر يوم ٠١‏ جويلية 1971 م بقلم صحفي فرنسي رمز لاسمه بالحرفين (ن.ل)» وكتب عن الحادثة بتفصيل الأستاذ الأمين العمودي وعاد إلى تدوينها الشيخ محمد الصالح بن عتيق والشيخ أحمد حماني في كتابه (صراع بين السنة والبدعة) الذي خصصه للحديث عنهاء وللحديث عما أفرزته من كتابات وخطابات وأشعار كثيرة.

وقصة الحادثة هي أنه في يوم ١5‏ ديسمبر ١19757‏ م عندما كان ابن باديس عائد إلى بيته بعد

منتصف الليل» كمن له الجاني - وهو فقير علاوي من زاوية الجعافرة وصفته الشهاب بأنه (ابن

)574 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( (؟) سنتعرض هذا بتفصيل عند الحديث عن أسلوب المواجهة العاطفية الذي مارسته الجمعية مع الطرق الصوفية.‎ فيه انظر: محمد الصالح بن عتيق» أحداث ومواقف في مجال الدعوة الإصلاحية والحركة الوطنية بالجزائر» منشورات‎

دحلب. ص 1

ملجم) القرن العشرين- في منحدر (مايو)» وأقدم على تنفيذ محاولة اغتياله» فلم| دنا منه هوى عليه مبراوة وأصابه بضربة على رأسه وصدعه. فشج رأسه وأدماه. لكن ابن باديس استطاعء وهو الضعيف النحيل» أن يمسك به بل ويصعد به في الدرج إلى الطريق العام!"» ويصيح مستغيثا فتبلغ صيحته جماعة كانت بمكان قريب منه» فيه رعون إليه.

أما الجاني فقد أمسكت به جماعة النجدة وساقوه إلى الشرطة فأوقفته وفتشته فوجدت عنده سبحة وتذكرة ذهاب وإياب بتاريخ ذلك اليوم (من مستغانم إلى قسنطينة) زيادة على الخنجر والعصاء واتضح أثناء التحقيق أنه من سكان برج بوعريريج ومن منطقة جعافرة - وهي أحد معاقل العلاويين - وكان اسمه (محمد الشريف مامين)» واعترف أنه كان يريد القضاء على ابن باديس بدعوى أنه يحارب الإسلام ولايعترف بكرامات أولياء الله الصالحين» وأنه مبعوث خاص من الزاوية العلوية بمستغانم لأجل قلته.

وقد قام بالتحقيق في القضية قاضي الاستنطاق (أودوانو) من محكمة قسنطينة الذي أمر بتحويل الجاني إلى محكمة الجرائم التي أصدرت في شأنه الحكم بخمس سنوات سجنا رغم أن ابن باديس عفا عنه في المحكمة قائلا : (إن الرجل غرر به. لا يعرفني ولا أعرفه» فلا عداوة بيني وبينه.. أطلقوا سراحه)؛ ولكن الزبير بن باديس المحامي (شقيق الشيخ بن باديس) قام باسم العائلة يدافع عن شرفهاء ويطالب بحقها في تنفيذ الحكم قائلا : (إن أخي بفعل الصدمة لم يعد يعي ما يقول)

وبعد أن قضى الجاني المدة التي حكم بها عليه عاد إلى مستغانم وعاش فيها ثلاث سنوات ثم عاد إلى حوزته في برج بوعريرجء أين أنشأ مركرًا للطريقة العلوية".

ونحب قبل أن نعلق على الحادثة أن نذكر ما كتبه الإبراهيمي عنها وعن أسباءها وملابساتهاء )١(‏ وقد نقل الكثير من الموالين للجمعية هذا الحدث باعتباره كرامة لابن باديس»

.57 محمد الصالح بن عتيق» أحداث ومواقف في مجال الدعوة الإصلاحية والحركة الوطنية بالجزائر ص‎ )١( ١

فقد قال فيها: (وإذا نسي الناس فإنهم لم ينسوا حادثة الاعتداء على الأستاذ عبد الحميد بن باديس الذي هو رئيس هذه الجمعية منذ تأسست إلى اليوم» فقد تآمر العليويون على اغتياله حيث ثقلت عليهم وطأة الحق الذي كان يقوله ولا زال يقوله فيهم وني أمثالههم» وانتدب أشقاها لقتله في قسنطينة وضربه الضربة القاضية لولا وقاية الله ولطفه. ففي ذلك المشهد الذي تطيش فيه الألباب وتتفشى فيه روح الانتقام قوى الله الأستاذ- وهو أعزل- فأمسك خصمه الفاتك المسلّح ولبّبه بثيابه» ثم تجلّ على قلبه المطمئن بالرحمة فقال- وجرحه يثعب دمًا- للجمهور ا اا ل هذه الكلمة لقطعوا الجاني إربًا إربًا) )00

0000 الجمعية نثرا وشعراء بل كتب غيرهم أيضا داخل الجزائر وخارجها". ولا زالت الأقلام تكتب عن الحادثة إلى الآن» وتوجه التهمة فيها إلى الطرق الصوفية جميعا مصورة لها على أنها دبرت مؤامرة كبرى لا تقل عن المؤامرة التي قام بها الخوارج لقتل الإمام علي رضي الله عنه.

مع أن الحادثة قام بها شخص واحد ينتمي لطريقة واحدة» ولا دليل على أنه كان في ذلك مأمورا من مشايخ الطريقة ولا أهل الرأي فيهاء وإلا كان في إمكانهم أن يوفروا ظروفا أفضل من الظروف التي وقعت فيهاء ليبعدوا عن أنفسهم التهمة» وليحققواغرضهم من جهة أخرى.

بالإضافة إلى هذاء فإنه لم يكن للطرقيين والعلاويين خصوصا أي حاجة في تلويث أياديهم بقتل ابن باديس أو غيره» فقد كان لهم - كما يذكر الإصلاحيون والموالون لهم - علاقة وطيدة مع الاستععارء وكان الاستعمار ظالما طاغيا يستطيع أن يدبر أي مكيدة لمن يشاء وكيف شاءء وكان في إمكانهم استغلاله واستغلال صداقتهم له لتحقيق هذا الغرض.

)574 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

(؟) سنستعرض ناذج مما كتب في الفصل الخاص بأساليب تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية. ١‏

بالإضافة إلى هذاء فقد حصلت أحداث أخطرء وكيل للطرق الصوفية وخصوصا العلاوية تهم أعظمء وكان أفراد الجمعية يتحركون بكل حرية في أماكن تواجد الطرقيين» ومع ذلك لم بحصل أي اختراق لهذا.

بالإضافة إلى هذاء فقد حصل اعتداء على رجال الطرق الصوفية من طرف بعض العوام, ومع ذلك لم يصور الإصلاحيون ولا الموالون لهم الأحداث إلا على اعتبار أنها أحداث تنم عن تفاعل المجتمع مع الجمعية لا على تآمر الجمعية على الطرق الصوفية.

ونحب أن نذكر أمثلة هنا على ذلك على اعتبار أنها من نوع العلم المكتوم الذي لا ينشر حرصا على سمعة الجمعية» فقد تعرض مامي إسماعيل!" رئيس تحرير جريدة النجاح!"» وهو لا يقل في مكانتة العلمية عن أي عضو من أعضاء الجمعية» بل كان في يوم من الأيام من المؤيدين لهاء لكنه بسبب مخالفته للجمعية في منهجها تعرض لضرب شديد من قبل الشيخ أحمد بوشمال7"» وقد سجل الشيخ حماني هذا الحادث مثنيا عليه» فقال: (وبلغ بالسيد مامي - عفا

)١(‏ هو مامي إسماعيل بن علاوة بن عبديء وغالبا ما يلقب "ابن عبدي"» ولد بقسنطينة في 18 أكتوبر 1849م وتعلم في مسجدها على يد شيوخ أجلاء أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس ثم شد الرحال إلى تونس وبالضبط في جامع الزيتونة» إلا أنه غادره بسرعة ولم يتمم دراسته» وأثناء عودته اتصل بالشيخ عبد الحفيظ بن ال هاشمي واشترك معه في العمل بجريدة النجاح فكان رئيس تحريرهاء ثم مدير مطبعتها ومكتبتهاء وكان كثير الترحال تارة مكلفا من قبل مدير الجريدة لترويج الجريدة وجمع الاشتراكات» وتارة مشاركا في ملتقيات لرؤساء الزوايا أو أثناء الاحتفالات الدينية المختلفة كالمولد النبوي الشريفء عاشوراءء؛ أول محرم الخ .. وقد اتسع نطاق الجريدة بفضل رحلاته الكثيرة والتي كانت تدوم لفترات طويلة (انظر: محمد ناصر: المرجع السابق» ص 053

)١(‏ وكان قد تعرض قبلها لمحاولة اغتيال في أم البواقي يوم7٠‏ سبتمير سنة 1970», ولكن بط أنه كان حينها مؤيد للجمعية أدين الاعتداء عليه في مجلة الشهاب, تحت عنوان " اعتداء فظيع وتوحش شنيع " (قسم التحرير : اعتداء فضيع وتوحش شنيعء الشهاب, المجلد 5» يوم أكتوبر 2197”٠‏ ص 01)

(©) أحمد بوشمال (1845 -110/8م)» ولد بمدينة قسنطينة وبها حفظ القرآن الكريم بجامع سيدي ياسمين بالقرب من

رحبة الصوف ثم اشتغل بصناعة الأحذية» وكان يحضر دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس ولازمه ملازمة شديدة. ه4١‏

الله عنه - أن صار يسخر بالشيخ ابن باديس ويخترع على لسانه محاورات» فبلغ السيل الزباء واشتد غيض الشهيد أحمد بوشمال ولم يملك نفسه ذات يوم في ١978‏ م, أن ارتمى عليه في نمج تجاري مزدحم وأعطاه (طريحة): أي ضربة كانت كافية لكفه النهائي عن التعرض لشخصية الشيخ ابن باديس بسوء حتى مات رحمه الله)(")

بهذا المنطق برر الشيخ أحمد حماني هذا الاعتداء من شيخ الجمعية الكبير» لا من فرد من أفرادها البسطاء في نفس الوقت الذي كتب فيه مجلدا ضخا ممتلئا بالسباب والتكفير لركن من أركان المجتمع الجزائري بناء على تصرف فرد واحد.

ولسنا ندري ل لم يعذر ذلك الفقير العلاوي على اعتبار أنه لم يسمع إهانات فقط تتعلق بشيخه. بل سمع تكفيره وتضليله» وليته لولم يعذره. لم يحمل جنايته على الطرق جميعا.

هذا مثال على الاعتداء المرتبط بالأفراد» أما الاعتداء المرتبط بالجماعات» فهو أخطر وأشد» ونسوق مثالا هنا على ما صار إليه المجتمع الجزائري المتسامح الموحد بعد تلك الأفكار التي نشرتها الجمعية» فقد ورد في جريدة النجاح هذا لخبر: (في يوم الجمعة ١‏ ماي 1970 م بين| كانت قبيلة أراس من سكان فج أمزالة عائدة من زيارتها الاعتيادية لمقام القطب الرباني الشيخ الزواوي بالروفاك مارة بميلة إذ بأتباع المرابط الشيخ مبارك الميلي العضو وأمين مال جمعية العشور" ينهالون على الزوار المذكورين بالسب والشتم ولولا تدخل الفرنسيين وفرقوهم وإلا

ولما أزمع الشيخ ابن باديس تأسيس الصحافة الإسلامية العربية الحرة تبرع له أحمد بوشهال بمحله التجاري ليكون مقر المطبعة الإسلامية الجزائرية. وصار هو مدير أعمال» وصاحب الامتياز لصحف الجمعية» وجمعية التربية والتعليم بقسنطينة .. انظر: أحمد حماني» صراع بين السنة والبدعة» ج 7 ص .717١‏

)0 أحمد حماني : المرجع السابق» ص١1‏ .

(؟) يقصد بذلك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» لأنها كانت تطلب من الفلاحين أن يعطوا زكاتهم للجمعية لخدمة التعليم فيهاء بل كتب العربي التبسي فتوى ينص فيها على جواز أخذ الفقهاء من الزكاة (إذا كان أولئك الفقهاء قد حبسوا

جهودهم وعلومهم وحياتهم للجهاد في سبيل الإسلام» ونشره» والدفاع عنه. أما فقهاء السوء طلاب الدنيا فإننا لا تقول حل

حي بلجب عطي 1

ولا تتعجب بعد هذا من اتهام الطرقيين للإصلاحيين بكونهم وهابيين» فأي فارق بين ما كان يوارسه الوهابيون في ذلك الحين من هدم للأضرحة وتعرض للزائرين لاء وبين ما مارسته هذه العصابة التي تنتسب للشيخ مبارك الميلي؟

ثانيا الأهداف الداعية للتأسيس:

عرفنا في الفصل السابق أن الإجماع يكاد ينعقد على اعتبار الشيخين عبد الحميد بن باديس

والإبراهيمي هما المؤسسان الحقيقيان للجمعية» وعرفنا أن المؤسس الحقيقى هو الذي يحق له

أن يضع أهدافهاء ويخطط برناجها. وعلى ضوء ذلك نبحث هنا عن الأهداف الحقيقية التي كانت وراء دعوته) لتأسيس ا جمعية.

وقد ذكر الإبراهيمي بتفصيل مهم جدا هذه الأهداف, وأنواع المشاريع التي كان يمكن أن تقوم الجمعية على أساسها ولتحقيقهاء وكيف اختارت بعد ذلك الجمعية المنهج الذي ظهرت به» والذي به حصل الصراع الشديد بينها وبين الطرق الصوفية بسببه.

ونحب أن نلخص هنا ما ذكره لأهميته القصوى. فهو يرينا المدى الذي تريد الجمعية أن تذهب إليه في صراعها مع الطرق الصوفية.

فقد كتب تحت عنوان (نشوء الحركة الإصلاحية في الجزائر)"» يذكر أن الأوساط

الإصلاحية في ذلك العهد كان يتجاذبها رأيان يلتقيان في المقصد وبختلفان في المظهر العملٍ

بجواز أخذهم من الزكاة) (انظر: جريدة البصائر السلسلة الثانية» السنة الثالثة» عدد »١١9‏ الاثنين /١6‏ ماي/ ٠96١م‏ الموافق 78/ رجب/159ه ص 7) )١(‏ مامي إسا|عيل فتنة ميلة» النجاح» العدد١‏ 21417 يوم 7١‏ ماي 21975 ص7.

)1١8١ /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

للإصلاح وكيف يكون؟

أما أوهماء فيرى (صرف القوّة كلها وتوجيه جهود متضافرة إلى التعليم المثمر» وتكوين طائفة جديدة منسجمة التعليم مطبوعة بالطابع الإصلاحي علًا وعملاء مسلحة بالأدلة مدربة على أساليب الدعوة الإسلامية والخطابة العربية» حتى إذا كثر سواد هذه الطاتفة وكان منها الخطيب ومنها الكاتب ومنها الشاعر ومنها الواعظ ومنها الداعي المتجول؛ استخدمت في الحملة على الباطل والبدع على ثقة بالفوز)”"

ولعله يشير بهذا الرأي إلى المدرسة السلفية التنويرية وإلى كثير من الحركات الإسلامية النتي تبنت منهجهاء وقد ذكر الإبراهيمي أن (هذا رأي له قيمته وخطره. وكان كَاتِبٌ هذه الأسطر من أصحاب هذه الفكرة في ذلك الوقت)

وأما الثاني» فهو رأي استئصالي هجومي ينطلق من (أخذ المبطلين مغافصة والحجوم عليهم وهم غارٌون» واساع العامة المغرورة صوت الحق فصيحًا غير مجمجم)””", وهذا الرأي هو الذي تبناه -كما سنئرى بتفصيل - التوجه السلفي المحافظ الذي أحياه الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

وقد انتصر الإبراهيمي هذا الرأي الثاني باعتبار أن تلك «(البدع والمنكرات التي يريد الإصلاح أن يكون حريًا عليها هي أمور قد طال عليها الأمد» وشاب عليها الوالد» وشبٌّ عليها الولد وهي بعد شديدة الاتصال بمصالح ألفها الرؤساء حتى اعتبروها حقوقًا لهم وأنس بها العامة حتى اعتقدوها فروضًا عليهم» فلا مطمع في زواها إِلّا بصيحة مخيفة» تزلزل أركانهاء ورجة عنيفة تصدع بنيانها واعصار شديد يكشف الستر عن هذا الشيء الملفف. والسر الذي يأبى أن يتكشف. ليتبينه الناس على حقيقته» وأقل ما يكون من التأثير لهذا العمل أن

)187 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )185 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )(

تضعف هيبته في نفوسهم وتضؤل رهبته في صدورهم.» وهنالك يسهل العمل في نقضه. و تخف المثونة في هدمه)()

ثم ذكر ما قام به مع ابن باديس لتحقيق هذا الرأي الثاني» فقال: (وقد رجح الرأي الثان لمقتضيات لله من ورائها حكمة؛ فأنشئت جريدة (المنتقد) بقسنطينة لهذا الغرضء وكان اسمها نذيرًا بالشر لأهل الضلال فإنه مُتَحَدٌَ لما نبوا عنه. وهاتك لحرمة ما شرعوه في كلمتهم التي حذروا بها العامة وهي قوهم: (اعتقد ولا تنتقد)» وانبرت للكتابة في (المنتقد) أقلام كانت ترسل شواظًا من نار على الباطل والمبطلين» ثم عطل المنتقد فخلفه الشهاب (الجريدة) ثم أسست جريدة الإصلاح ببسكرة فكان اسمها أخف وقعًا وإن كانت مقالاتها أسد مرمى وأشد لذعًا.. ثم تطور الشهاب الأسبوعي فأصبح محلة شهرية استلمت قيادة الحركة من أول يوم وورثت الأقلام التي كانت تكتب في الجرائد قبلهاء ولم تبن لمجلة الشهاب في حرب الباطل وأهله عزيمة ولم تفل لها شباة..)0

وقد سبق أن ذكرنا أن هذا الهدف كان في نفس ابن باديس والإبراهيمي منذ فترة طويلة سبقت تأسيس الجمعية» فقد ذكر الإبراهيمي في معرض حديثه عن الأيام الأولى التي بدئ فيها بالتفكير في تأسيس الجمعية» في مسامرته) بالمدينة المنورة سنة ١917‏ م أنهما اهتديا إلى أن (البلاء المنصب على هذا الشعب المسكين آت من جهتين متعاونتين عليه» يمتصان دمه ويفسدان عليه دينه ودنياه : استعمار مادي هو الاستعمار الفرنسي.. واستعمار روحاني يمثله مشايخ الطرق المؤثرون في الشعب. والمتغلغلون في جميع أوساطه. والمتجرون باسم الدين» والمتعاونون مع الاستعار عن رضى وطواعية. وقد طال أمد هذا الاستعار الأخير» وثقلت وطأته على الشعب» حتى أصبح يتألم ولا يبوح بالشكوى.. خوفًا من الله بزعمه. والاستعماران

)187 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١185 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

متعاضدانء يؤيد أحدهما الآخر بكل قوته. وغرضها معًا تجهيل الأمة» لثلا تفيق بالعلم.. وتفقيرهاء لثلا تستعين بالمال على الثورة.. وإذن فلقد كان من سداد الرأي أن تبدأ الجمعية بمحاربة هذا الاستعار الثاني لأنه أهون وهكذا فعلت)20

وبناء على هذا التحليل والتشخيصء بدأت الجمعية بمحاربة ما تسميه الاستعمار الثاني» وارتأى ابن باديس والإبراهيمي ومن وافقههما| من الإصلاحيين بداية العمل الإصلاحي بإعلان الحرب على الطرق الصوفية قبل إعلان الحرب على الاستعمار نفسه.

الثا_التنافر بين الاتجاهات الفكرية:

وهذا في الحقيقة هو السبب الأكبر في كل ما حصل بين الجمعية والطرق الصوفية» وقد خصصنا الحديث عنه بتفصيل في الباب الثاني» ومن خلاله سنعرف نوع التوجه السلفي للجمعية» ونوع التوجه الصوفي للطرق الصوفية» وعلاقة ذلك بالخلاف بينهما.

ولكنا نحب أن ننبه هنا إلى أن هذا السبب كان في الإمكان تجاوزه لو حسنت النيات» فقد كان الاستعمار جاثما على أرض الجزائر - كما عرفنا في الفصل الأول- يستغل خيراتهاء وينتتهك حرماتهاء ولم يكن الوضع مناسبا في ذلك الحين ليكتب أعضاء الجمعية وعلماؤها في الصحف القليلة - التي كانت هي المنهل الوحيد للكثير من الجزائريين ليتحرروا ويتثقفوا - في قضايا هي من فروع فروع الفقه يجادلون فيهاء ويبدعون من خالفها.

وسنرى ناذج كثيرة على هذا في الباب الرابع» ونرى من خلالها أن كل ما طرح من قضايا ل يكن يعدو قضايا طرحت في جميع التاريخ الإسلامي» ول تسل من المداد» ولم تنشر من الأحقاد ما حصل في عهد الجمعية.

رابعا الأسباب النفسية:

)5/85 /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

لقد كان من الحرج الشديد أن نعتبر من أسباب الخلاف بين الجمعية والطرق الصوفية - منذ بداية تأسيسها - هذا النوع من الأسباب لولا أنه بحسب تصورنا هو السبب الأبرز إن ل يكن أصل الأسباب ومنبعها.

وقد دعانا إلى اعتبار هذا السبب ما ذكره أبو حامد الغزالي عند بيانه ل (آفات المناظرة وما يتولد عنها من مهلكات الأخلاق)27» فقد قال: ( اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والماراة واستالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدو الله إبليس» ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة» وىا أن الذي خير بين الشرب والفواحش وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة)"

وللأسف فإن هذا الكلام مع شدته صحيح إلى حد بعيد» فالذي حصل بين الجمعية في ذلك اليوم المشؤوم» وما حصل بعده من نتائج خطيرة زادت المجتمع الجزائري تفكيكا يعود في نصيب كبير منه إلى تلك الآفات الباطنة في نفوس كل من رجال الجمعية ورجال الطرق الصوفية.

وقد كفانا رجال الجمعية البحث عن الأسباب النفسية لرجال الطرق النفسية» حين ذكر الإبراهيمي هذا فقال:( ولقد تفرسنا فيهم - في الطرق الصوفية- فصحّت الفراسة» وبلّؤناهم

)105 /١١( أبو حامد الغزالي» إحياء علوم الدين» دار المعرفة» بيروت»‎ )١(

فصدق الابتلاء» وجرَّبُناهم فكشفت التجربة على أنهم لا يعرفون الأمة إلا في مواقف الاستعباد وابتزاز الأموال» فإذا مَسِّها الضر وتنكّر مها الدهر تنكّروا لها وتَجامَلُوهاء وإن علاقتهم بالأمة علاقة السيد بعبده والمالك لمملوكه لا علاقة المسلم بأخيه المسلم» يحب له ما يحب لنفسه, وأنهم نطايا الانتعوار الذثل وزآباديةالباطكنة بل الفنطرة الت بحرقت عليه العيزوه واتمم كائوا ولا زالوا على خلاف ما وصف الله به عباده المؤمنين أعزة على الأمة أذلة على المستعمرين والحكام المستبدين» وأن ليس في صحائفهم السوداء موقف يعز الإسلام أو يرفع المسلمين. وهذا تاريخهم الماضي الملحود وتاريخهم الحاضر المشهود يسجلان عليهم أنهم أعوان على هذه الأمة للدهر. وحلفاء عليها للفقر وإِلْبٌّ على دينها مع التبشير بالكفرء وانهم هم الذين أَمَانُوا رهبة الإسلام ونخوة الإسلام بخضوعهم واستسّلامهم. كا أَمَانُوا حقائقه بأساطيرهم وأوهامهم. وأنهم مردوا على الملق والمداهنة المزرية بشرف الإسلام في المواقف التي تسمو عن المجاملة وتقتضي خهاية الصدق في المعاملة)()

إلى آخر تلك الأوصاف الكثيرة التي اعتبرها الإبراهيمي السبب في كل تلك السلوكات التي يعارسها رجال الطرق الصوفية» والتي يراها بدعة وضلالة وكفرا.

وما ذكره ربا يكون صحيحا من جهة انطباقه على بعض رجال الطرق أو حتى مشايخها. أما تعميم ذلك» فيحتاج إلى فراسة أعظم من الفراسة التي تفرس بهاء ذلك أن الطرق كما عرفنا في الفصل الأول» وكا يشهد التاريخ كان لهم أثرهم الفاعل في جميع أنواع المقاومات العسكرية والدينية والثقافية» وغير ذلك.

ونحن لا نريد أن نناقش هنا هذاء وإنا نريد أن ننبه إلى أن الجمعية كانت تعرف جيدا أن

للأسباب النفسية تأثيرها الكبير في جميع الانحرافات الحاصة في الطرق الصوفية.

)١(‏ آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 917؟) 6

ولكن الذي لم تنتبه له - للأسف - هو سلوكها النفسي تجاه المخالفين لما من رجال الطرق الصوفية» وكيف كانت تنظر إليهم بنوع من التعالي والاحتقار» لأنهم ليس هم من الفصاحة ما كان لرجال الجمعية» أو لأن شيخهم كان - كم يذكر الزاهري - (تاجرا يبيع الأحذية» ويصنعها فأفلس احتيالا وأكل أموال الناسء ثم ارتاد تجارة كلها ربح» ورأس ماله فيها النصب والاحتيال» يحتال على الفقراء المساكين» فيسلب آموالهم» ويستغل أبدانهم ويختلس يتمانهم» ومن ذلك فهو يحترف طريقة التصوف ويستغلها مادياء ولا يعرف من التصوف إلا أنه باب من أبواب الرزق» وسبب من أسباب المعاش» ووسيلة من وسائل الاكتساب)2" إلى آخر تلك الأوصاف الكثيرة التي حاول الزاهري أن يعرف بها الشيخ ابن عليوة.

وقد حالت هذه الأوصاف بين الجمعية وبين الحوار مع الكثير من رجال الطرق الصوفية» والذين كانت لهم شهرتهم على المستوى العالمي» وقد عرفنا في الفصل السابق بعض النماذج عنهم من الطرق الصوفية المختلفة» لكن الجمعية لم تكن تعترف بهم؛ ولا بعلومهم.

وسنرى الناذج الكثيرة عن أسلوب الحوار جمعية مع المخالفين» بحيث تنتقل من الحوار في القضية الخلافية بغية الوصول إلى الحق فيها إلى الحوار في شخص المحاورء ومحاولة إسقاطه. وكأنه إذا أسقط أسقطت القضية معه.

خامسا_المؤامرة الاستعمارية:

فقد كانت مصالح المستعمر منوطة بتفرق الجزائريين وصراعهم فيا بينهم» ولهذا انتهجت فرنسا - كما عرفنا سابقا- سياستها المعروفة (فرق تسد)» وقد مارست هذه السياسة مع

الجميع» فهي لا بهمها طرقي أو مصلح. المهم عندها ى) عند كل مستعمر أن تتنافر النفوس»

594 الزاهري؛ شيخ علاء الجزائر» أم شيخ الحلول؟ الشهاب. مج9. ج١١. أكتوبر 1977. ص‎ )١( ١6م‎

وأن يجهز بعضهم على بعضء حتى يتمكن من تحقيق أهدافه(".

ويذكر الكثير من الباحثين بناء على هذا أن الإدارة الفرنسية كانت تستعمل الطرق الصوفية لتحقيق أهدافها وخدمة مصا حها عبر استعمال العملاء وتوجيههم في خدمة مصالحهاء ولعل أحسن مثال على هذا ما كتبه مصالي الحاج في مذكراته» من أن جاسوسا فرنسيا كان يسمى ليون

روش27- 6طاء850 (زهكا ألف كتابا سنة ١885‏ تحت عنوان (ثلاثون سنة داخل

)١(‏ نحب أن ننبه هنا إلى أن الجنرال الفرنسي (هنري جاكين) نشر كتابا بباريس سنة 19177 تحت عنوان (الحرب السرية في الجزائر)»ء كشف فيه عن الكثير من الشخصيات المهمة التي كانت تعمل في خدمة المصالح الفرنسية في الجزائر» ومن بينهم ذكر أحمد توفيق المدني من جمعية العلماء المسلمين الذي كان عميل الحاكم العام» وأحمد بن بلة الذي كان مخبرا سابقا للأمن العسكري الفرنسبي» وفرحات عباس الذي كان لمدة طويلة مراسلا محترما لشرطة الاستعلامات العامة» ومصالي الحاج الذي أصبح منذ ١955‏ تحت الاسم المستعار ''ليون'' (1601)» مخبرا ثمينا للشرطة الفرنسية.

(؟) هو ليون روش من مواليد قرونوبل ولد سنة ١8٠09‏ م تحصل على بعض الشهادات» كان والده من المشاركين في الحملة الفرنسية على الجزائرعام 1/7٠‏ . بعد سنتين من الاحتلال الفرنسي قَدِمَ ليون روش الى الجزائر ليكون في خدمة الاستعمار الفرنسي» بعد وصوله الى الجزائر سنة 1877 م بدأ ليون يتعلم اللغة العربية حتى أتقنهاء هذا الاتقان ساعده على العمل مُترجما في الجيش الفرنسي» يقال أنه أسلم واعتدل اسلامه في نظر المسلمين ورحل بعد اسلامه الى الأمير عبد القادر مُبديا له يد المعونة. وكان ذلك سنة 1/707 حيث أصبح اسمه الجديد عمر .

كلفه الجنرال بيجو الحاكم العسكري للجزائر بمساعدة الزاوية التيجانية والطيبية المغربية في الجزائر بالسفر الى تونس ومصر والحجاز للحصول على فتوى تدعوا أهل الجزائر الى قبول الحكم الفرنسي مقابل أن يحترم هذا الحُكم دينهم وعادتهم وتقالدهم .

ورحل روش ومعه نص الفتوى ويُقال أنه حصل على مُصادقة علماء جامع الزيتونة في تونس وعلماء الأزهر في مصرء وعلماء المسلمين المجتمعين في مدينة الطائف بالحجاز حيث مقر الشريف الأكبر شريف مكة المكرمة» وقد وصل الحجاز أثناء موسم الحج فأراد أن يشهد هذا الموسم. لكن بعض من الجزائريين تعرف عليه في وقفة عرفات ورفعوا أصواتهم استنكارا لوجوده, وكاد أن يفقد حياته لولا الحراس الذين كلفهم الشريف بمراقبته سرا اذ قام هؤلاء باختطافه ومضوا به الى جدة ومنها الى مصر ومنها الى أوروبا (انظر: ليون روشء ثلاثون سنة في رحاب الاسلام» مذكرات ليون روش

١

الإسلام)(350ا5ا"! 5 8 305 116046). يقص فيه أن هدفه الوحيد من اعتناقه الظاهري للإسلام كان يتمثل في الحصول على فتوى من القادة الدينيين لوقف القتال ضد الاستعمار» وقد تحصل على تلك الفتوى مقابل دفعه نقودا من الذهب إلى قادة الزوايا أو الطرقية.

وبناء على هذا يعتبرون الطريقة العلاوية خصوصا أداة من أدوات الاستعمار مستدلين على ذلك برضا المستعمر عنهاء والسماح لها بأداء نشاطها بحرية كبيرة.

ونحن - كما نعتقد حصول هذا الاختراق بين صفوف الطرق الصوفية - فإنا نعتقد كذلك أن الجمعية لم تكن بمنآى من هذا الاختراقء وأنها في بعض نواحي سلوكها كانت تنفذ مؤامرة فرنسية شعرت بها أو لم تشعر.

ولذلك - ى] يصرح ابن باديس نفسه - فتحت لا الحكومة الفرنسية كل الأبواب لتؤدي أدوارها بحرية أكبر» وقد ذكر ابن باديس هذا مثنيا عليه» فقال: (للحكومة - الفرنسية طبعا- الفضل العظيم بفتحها السبل لهذه الجمعية حتى تتوصل إلى نشرهما باتصال رجاها من أهل العلم بالأمة في مساجدهم ومجامعهم وحيث! كانواء فللحكومة في هذا من الفضل بقدر ما فيه للآمة من النفع» ولقد كان رجال الحكومة الذين لقيناهم في جميع البلدان يلاقوننا بمزبد الإكرام» ويزودوننا بعبارات التأييد والتنشيط» ويقول لنا الكثير منهم: (إننا مستعدون لمساعدتكم في كل ما تريدونه بدائرتنا»» ولا شك أنهم يتكلمون بلسان الحكومة ويعربون عن نياتها ومقاصدهاء وأي مقصد أشرف وأي نية أنفع من تعاون الحكومة من العلماء لتهذيب الأمة وتعليمها)("

ويعقب على ذلك بقوله: (هذا أعظم ما قامت به فرنسا في أول القرن الثاني نحو أبنائها

)9”577 /5( آثار ابن باديس‎ )١(

المسلمين الجزائريين الذين كانوا معها في جميع المواقف مواقف ال حياة ومواقف الموت)7"

ولا نريد أن نعلق على هذه العبارة التي لم نجد من الباحثين من ينقلها مع صراحة نسبتها لابن باديس» لكنه لو قالها بعض رجال الطرق لنشرت» واستعملت أسوأ استعمال.

بل إن ابن باديس يذكر كيف كان للإعلام الفرنسي دوره في الاهتمام بالجمعية والتعريف بهاء فيقول تحت عنوان (فضل الصحافة العربية والفرنسية): (كانت الصحف الفرنسوية تتبع رحلتنا وتنشر الفصول عنها وتذكر الجمعية بكل تعظيم وتبجيل مثل ما كانت تفعله مع أكبر جمعية فرنسوية ورئيسها فبرهنت على أن الفكر العام الفرنبي يقدر للمسلمين مشاريعهم ويساعدهم عليها ويرد لهم الرقي والتقدم» وقد كانت الصحافة العربية النجاح والنور والمرصاد قامت بواجبها نحو قومها وملتها فلجميع الرصيفات الفرنسية والعربية شكر الأمة والوطن وشكر الجمعية والعلم)(

قد يقال بأن فرنسا كانت تصادر صحف الجمعية» وتضيق عليهاء والجواب على هذا بسيط جدا من جهتين:

الجهة الأولى: أنها لم تكن تضيق عليها إلا فيا يرتبط بمصال حهاء أما ما كانت تنشره الجمعية تما يصدع الوحدة الاجتاعية والثقافية والدينية» فقد كانت راضية عنه أتم الرضىء بل إنها كانت تشجعه أعظم تشجيع.

الجهة الثانية: هي أن الكثير من المضايقات للجمعية كانت مضايقات شكلية: لا حقيقية» فعند منع الصحيفة في الصباح تصدر صحيفة أخرى بنفس المنهج ونفس الشدة في المساءء وليس من خلاف بينهما إلا في الاسم.

بالإضافة إلى هذاء فقد كتب الإبراهيمي في العدد 1١‏ من جريدة (البصائر)» بتاريخ 717

07577 /5( آثار ابن باديس‎ )١(

)9”577 /5( آثار ابن باديس‎ )١( ١5

ديسمبر سنة ١55/‏ مقالا طويلا تحت عنوان (إلى الزاهري) حمل فيه حملة شديدة على الرجل الذي كان في يوم من الأيام بالنسبة لهم مصلحا أو معولا خطيرا من أهم معاول هدم الطرق الصوفية» لكنه بعد أن كشفت حقيقته تبين لهم أنه كان كاذبا وخائناء بل فوق ذلك عميلا من عملاء الاستعمار"» وما جاء في ذلك المقال قوله له يذكره ببعض مواقفه في الجمعية: (أتذكّر يوم ضاقت بك الحيل فعرضت همّتك وذمّتك وقلمك في المزاد العلني فكنا أزهد المشترين فيك؟ كن شريقًا ولو لحظة من عمرك واعترف بهذه الحقيقة. ألم ننصحك نصيحة لو أحيا الله أبويك لما نصحاك بمثلها؟ ولكنها ضاعت كا تضيع المنة عند غير شاكر. ألم تفترص الفرصة حين خاطبناك في صندوق الحروف الذي تملكه لنطبع به (البصائر)» بالبيع أو بالكراء» فأخذت منا عشرة آلاف فرنك لتفك بها رهن الصندوق من الطابع الإسباني» وكنت عاجرًا عن فكّه بستة آلاف فرنك؟ فلما حصلت عليه اشتططت وشرطت قرض مائتي ألف فرنك في مقابلة كراء ا حروفء فلم| يست منا عرضت نفسك على دكتورين لما ماضٍ عريق في خيانة الوطن لتخدم ركابها وتزكيهم| في الخيانة» في مقابل قناطير من الورق منَياك بهاء فلما لمناك على ذلك قلت لنا بالحرف: (ما نكذبش عليكم, أنا نتبع مصلحتي المادية حيث) كانت) والجملة الأولى هي لازمتك المعروفة عند جميع الناس» وهي لازمة كل كذّابء إذ لا يكثر من نفي الشيء إلا الصف به ثم كنت متشوّفًا إلى خدمة من تُسمّيهم اليوم باللائكيين ولو أعاروك التفاتة» أو أشاروا إليك بغمزة» لكنت اليوم من عبيدهم المطيعين» ولكانت اللائكية» في نظرك ملائكية»

(1) وقد أيده في هدا حسين آيت أحمد, في كتابه ('ذكريات مكافح)» فقد ذكر فيه أن مصالي الحاج نصب الشيخ الزاهري مديرا لأسبوعية (المغرب العربي) لسان حزب الشعبء وأنه كان جاسوسا للمخابرات الفرنسية» وعندما تم اكتشاف حقيقته من طرف جبهة التحرير التاريخية» قاموا بإعدامه قي بداية حرب التحرير كما جاء ذلك في كتاب محمد حربي (جبهة التحرير الوطني: سراب وحقيقة) نقلا عن 2-7١١00(‏ مطم. ل معط ناه طاك /طرا/ره ]م . 15اع ز0. نلاللالنا//:مخغخط)

١ لاه‎

ثم عرّجت على الشيوعيين» وهم معك ماض معروفء فوجدتهم أيقاظاء ذاكرين لذلك العهد. مثنين عليك بمثل ريح الجوربء ولو آنستٌ في ذلك العهد من جانب الطرّقيّة نارّا لقلت في غير تردّد: إن أجد على هذه النار هدى. ثم وقع بك الحظ على هؤلاء القوم أو وقع بهم عليك؛ وهم لم ينسوا ماضيك معهم, وإنا يتناسونه لأمر ستنجلي عنه الغيابة» يوم ينكفئ القدر ب فيه من صبابة. فهل فكّرت بعد هذه الأطوار أن تستقلٌ بجريدة لا تناصر بها حركة ولا سكوئاء ولا تعتمد فيها على شخص ولا على حزب؟ وهيهات)!"

المطلب الثالث: نتائج الخلاف بين الجمعية والطرق الصوفية

لقد عبر ابن باديس عن تبعات ذلك التفرق الذي حصل بين الجمعية والطرق الصوفية بعد سنة من التأسيسء فقال: (ها هو القانون الأسامبي للجمعية ى| وضع أول مرة منذ حمس سنوات» وقد كان الذين وضعوه شطرهم مع الطرقيين» ولكنهم ما أكملوا السنة الأولى حتى فروا من الجمعية وناصبوها العداء واستعانوا عليها بالظلمة ورموها بالعظائم وجلبوا عليها من كل ناحية بكل ما كان عندهم من كيد» ذلك لأهم وجدوا كثيراً من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية هم مصدرها وهي مصدر عيشهمء ووجدوا قساً منها تما تغضب محاربته سادتهم ومواليهم وقد شاهدوا مظاهر الغضب بالفعل منهم فا رفضتهم الجمعية ولا أبعدتهم ولكنهم هم أبعدوا أنفسهم)0"

ونحنء وإن كنا لا نسلم باللغة الشديدة التي تحدث بها ابن باديس من تحميله تبعات ما حصل على الطرقيين وحدهم إلا أننا مع ذلك نستطيع أن نستنبط من كلامه الكثير من النتائج السلبية التي أعقبت ذلك الحادثء والتي نحاول سرد بعضها هنا باختصار:

أولا ‏ زيادة شدة الخلاف: )١(‏ آثار الإبراهيمي: 7/ 5707.

.0 59/7 آثارابن باديس:‎ )١(

لقد كان الخلاف - كما ذكرنا سابقا- موجودا مشهورا بين الجمعية والطرق الصوفية قبل تأسيسهاء ولكنه كان خلافا لا يعدو أفرادا من الإصلاحيينء ولم يتعد إلى مستوى التجمعات» ليصل إلى أكبر تجمعين عرفتههما الجزائر في ذلك الحين: تجمع الجمعية» وتجمع الطرق الصوفية.

وعند تصفح صحف الجمعية في ذلك الحين نجد أنه لم يكن لما دور إلا النفخ في نار الفرقة» فصحيفة الشريعة والصراط وغيرها مع قلة أعدادهاء ومع كونها كانت فرصة لتعليم الجزائريين وتوجيههم وتوحيد صفوفهم إلا أنا للأسف نجدها صارت مملوءة بصفحات كثيرة جلها سباب وأحقاد.

وكمثال على ذلك التهييج والإثارة بيان نشرته جريدة الشريعة تحت عنوان (براءة القبائليين من شيخ الحلول وتلميذه الحافظي ومن تبعهم|)» وهو بيان خطير وقع عليه ١75‏ من تلك البلاد التي كان للطريقة العلاوية فيها وجود واسع» وقد ضم هذا البيان أمثال هذه الأفكار التفكيكية والاستئصالية» والتي عبروا عنها بقوهم: (.. بناء على هذا فنحن الواضعين خطوط أيدينا هنا من عرش ذراع اقبيلة الذي يعد بالنسبة إلى بلاد القبائل أقل تقدما من غيرمً قد أدركنا ما عليه الأمة الجزائرية اليوم من تشويش المشوشين ومشاغبة المشاغبين الذين كتب الله عليهم الشقاوة في الدنيا والآخرة فأشفقنا على أنفسنا وعلى إخواننا المسلمين من سائر أولئك المجرمينا فعملنا لرفع النزاع بكل وسيلة نافعة دون أن تضرأف| زيد في نار القوم إلا اضطراما حتى أيسنا ولم نرج منهم سلاما ثم إن مثير الفتنة واحد لا ثاني معه إلا من كان له أجيرا وما في معناه)”"

بل إن هؤلاء الذين حملوا كل هذه الأحقاد على الطرق الصوفية» وعلى الشيخ الحافظي» عندما يتحدثون عن فرنسا في نفس البيان يقولون عنها: (بقي الآن علينا أن نؤدي شهادتنا لحكومة افرانسه الفخيمة العادلة المنصفة وأن هذه الطائفة المخذولة التي تكذب على جمعية

(1) الشريعة النبوية المحمدية» السنة الأولى / العدد 8» قسنطينة يوم الاثنين 9؟ ربيع الثاني 157 ص8. ١‏

العلماء المسلمين الجزائريين مرة بعد أخرى بإلصاق السياسة لما وبالتدخل في غير أمور الدين والواقع يفند مفترياتها والحكمة نفسها ترى بعين الرأس من المشاغب ومن المهيج» ومن الذي يكتب في جرائده السياسة وينشرها في الناس بعكس ما يتظاهر به للحكومة)0)

وحتى نكتشف خطورة هذا البيان وتأثيره في تفكيك وحدة المجتمع الدينية والثقافية» بل والسياسية نحب أن نذكر أنه كان للزوايا والطرق الصوفية في تلك المنطقة خصوصا تأثير كبير في مواجهة التبشير والحفاظ على اهوية إلى درجة أنه صدر من الجمعية قرار سري - ذكره الشيخ خير الدين - يقضي بمنع مقاومة الزوايا والمرابطين في بلاد القبائل التي كانت للكنيسة نشاط تخريبي هدام منظم, ما يتحتم توظيف تلك الزوايا في بث الوعي الديني الإسلامي ورد شبه المنصرين عمليا".

ومثله كتبت الصراط بيانا أمضاه (أربعائة من جميع طبقات الأمّة من أهل العلم وأهل الفلاحة وأهل الصّناعة وأهل التّجارة وغيرهم) يقول أصحابه: (إِنْ سكان بلدة باتنة وأحوازها الواضعين إمضاءاتهم أسفله يشكرون العمل الصّالح الذي قامت به جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين لرفع حالة إخوانهم المسلمين من الجهة الأدبيّة والأخلاقيّة والذي هو روح الفكرة الفرنسويّة ويُوجهون لرئيس الجمعيّة المذكورة الوجيه الأستاذ عبد الحميد بن باديس احترامهم ويشكرون سعيه ويضمنون له الاتحاد معه في هذا العمل)7"

مع العلم أن باتنة في ذلك الحين كانت معقلا للطرق الصوفية» وخصوصا الطريقة الرحمانية» وكان دورها لا يقل عن دور الطريقة العلاوية أو الرحمانية في بلاد القبائل» سواء من

التائخية العلمية أو التائخية :السياسية والغسكريةة )ا سترى ذلك بتفصيل عند الخلايك عن

)1١(‏ الشريعة النبوية المحمدية» السنة الأولى / العدد 5» قسنطينة يوم الاثنين 9؟ ربيع الثاني 157 ص8.

(؟) خير الدين» المذكرات: 7/7 .١1١8‏

(*) جريدة الصراط العدد الخامس» قسنطينة يوم الاثنين 77 جمادى الثانية 1705» الموافق ل ١5‏ أكتوبر 2١1978‏ ص". ل

المشروع الإصلاحي للطرق الصوفية.

وقد كان لهذا الشحن الطائفي آثاره الخطيرة على وحدة المجتمع الجزائري» وعلى تسامحه مع المخالف, وتعدى الأمر الكلام ليصل إلى العنف بمختلف أشكاله» كا سنرى في الباب الثالث.

ثانيا تضييع المكاسب والطاقات:

فقد كان في إمكان الجمعية في حال التوافق أن تكتسب الكثير من المواقع المهمة والطاقات التي تستطيع من خلاها أن تؤدي رسالتهاء وأن تصل إلى أكبر عدد من الجزائريين» لكنها للأسف فرطت فيها بناء على نظرتها الاستئصالية الإقصائية.

ونحب أن نذكر هنا نماذج عما خسرته الجمعية» وخسره معها الشعب الجزائري من مكاسب وطاقات كان يمكن توظيفها في التثقيف والتهذيب والإصلاحء لكنه بسبب التسرع في المواقف تحولت إلى أدوات للصراع.

تضبيع المكاسب:

لا يمكن تعداد المكاسب التي كان يمكن للجمعية أن تستفيد منها في خدمة هدفها الإصلاحيء والتي حال بينها وبين تحقيقها ما حصل من شقاقء ولكنا مع ذلك سنكتفي - من باب المثال- على الناحية الإعلامية التي كان لا تأثير كبير في توجيه الرأي العام في الصالح العام.

ولعل أحسن مثال على هذه الناحية ذلك الشقاق الذي حصل بين الجمعية و(جريدة النجاح) باعتبار أن صاحبها كان من أبناء الطرق الصوفية» ولذلك تخلت عن دعمها للجمعية بعد أن ناصرتها في بداية تأسيسهاء بل تحولت إلى مواجهتها والصراع معها.

)١(‏ يقول الشيخ أحمد حماني : ( أما جريدة النجاح فإنها من أوائل الجرائد العربية بروزا إثر الحرب العالمية الأولى أسست

عام 1914 م بمدينة قسنطينة ومؤسسها هو السيد عبد الحفيظ بن ال هاشمي من آل زاوية ( سيدي علي بن عمر) بطولقة

الرحمانية) (أحمد حماني: صرا © بين السنة والبدعة أو القصة الكافة للسطو بالإمام عبد الحميد بن باديس» ج١»‏ ص )١58‏ 5

مع العلم أنها أتاحت المجال لابن باديس لنشر مقالاته الإصلاحية - مع علمها بتوجهه الفكري- قبل أن يحصل ما حصل2"» فقد كان يكتب فيها تحت عنوان (خطرات الأسبوع) فقرات مختصرة طرح فيها الكثير من القضايا الإصلاحية» واستمرت لأكثر من سنتين7"» وكان يمضي فيها باسم مستعار هو (العبسي)7

تضييع الطاقات:

وهي كثيرة جداء من المثقفين وغيرهم من أبناء الزوايا أو المؤيدين لهاء والذين انلقبوا على الجمعية بمجرد إعلان صراعها مع الطرق الصوفية.

وكمثال على ذلك (مامي إسماعيل) رئيس تحرير جريدة النجاح الذي أشرنا إليه سابقاء والذي استطاع باجتهاده أن يصل بجريدة النجاح إلى نواح كثيرة في الجزائر» وكانت الشهاب تثني عليه» بل كان ابن باديس نفسه يستفيد منه» ىا قال الشيخ أحمد حماني: (كان يحب الشيخ ابن باديس ( يقصد مامي ) ويأتيه بأسرار الإدارة الفرنسية ويطلعه على بعض ما يدبر من مكائدء وهذا ما جعله لا يقطع صلته به)")

وكان هو أيضا من مؤيدي تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إذ كتب مقالا حوها

بعنوان (جمعية العلاء منة كبرى يجود مها القرن العشرون) وقال : (إذا جاء موسى وألقى العصا

(1) يذكر البعض أن ابن باديس كان من المؤسسين لماء وهذا غير صحيح, فقد كان مجرد كاتب فيها.

)١(‏ وكان آخر عدد لها يوم 7 مارس »١1975‏ العدد 27١ ١‏ وقد ورد في جريدة النجاح هذا العنوان:( خطرات الأسبوع» تحت هذا العنوان رغب منا أحد الكتاب أن نفسح له يجالا يكون درسا جامعا للعبر والحوادث والانتقادات واللمح التاريخية وغير ذلك من القواعد المتنوعة خدمة للعلوم والحقائق وسعيا وراء الواجب الذي يقضي بالعمل المتواصل» وعليه فقد لبينا هذا الاقتراح الجليل تحت الإمضاء أسفله (العبسي) (فسم التحرير : خطرات الأسبوع, النجاح»ع ١17‏ يوم ١7‏ سبتمبر 5 197, ص ”)

ف وقد كان إمضاء مستعارا لابن باديس في النجاح وغيرهاء انظر: أحمد حماني : الصراع بين السنة والبدعة» ص .١58‏

(:) أحمد حماتي : صراء السنة والبدعة» ص 17١‏ .

فقد بطل السحر والساحر)" ويعني بذلك أن جمعية العلماء المسلمين هي عصا موسى التي

تلتهم كل الجمعيات أو تقضي عليها. لكنه بعد الذي حصل تراجع» وكان من الطبيعي أن يتراجع» فلا يمكن أن يظل على تأييده لجهة لا تريد إلا استئصاله.

ثالغا تأسيس جمعية علماء السنة :

مع أن تأسيس هذه الجمعية الإصلاحية لا يمكن اعتباره من النتائج السلبية» لكنا جارينا الواقع المعمول به في اعتباره من الآثار السلبية» لنطرح فيه موقف الجمعية منها.

وقبل أن نطرح موقفها منها نقدم لها بتعريف مختصره فقد تأسست جمعية علماء السنة رسميا بتاريخ ١6‏ سبتمبر 1941757 م وكان الساعي إلى تأسيسها الشيخ المولود الحافظي الأزهري الذي كان عضوا في المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عند تأسيسها سنة ١197م‏ وكان يمثل اتجاه الطرقيين في الجمعية في ذلك الحين لكن بعد تلك الأحداث التي حصلت يوم 7٠‏ ماي 1977م اجتمع رؤساء الزوايا والموظفين الدينيين في الإدارة الحكومية وأسسوا هذه الجمعية» ومن مبادثها التي أعلنوها في قانونها الرسمي أنها (جمعية إسلامية تعليمية خيرية.. وأنها تمتنع عن النوض في الأمور السياسية» وعن كل ما يمكن أن يثير الاضطراب بين الفئات الدينية» والعصبية.. وأنها #بدف إلى إحياء السنة» والتقاليد» ونشر لفضيلة والتمسك بالأخلاق

وفقا لما جاء في الكتاب والسنة» وتعاليم المذاهب الأربعة» ومبادىء الفقه والتصوف والدين

(1) مامي إسماعيل: جمعية العلماء منة كبرى يجود بها القرن العشرينء النجاح, العدد9 1717 يوم4 ١911-04-٠0‏ يكل

الإسلامي)"

انطلاقا من هذاء وقبل أن نذكر مواقف رجال الجمعية منها نحب أن نبين الموقف الحضاري المفترض من جمعية تأسست على مبادئ واضحة مقبولة» بعد أن رأت نفسها لا تتسجم مع جمعية أخرى, وهو ما يحدث كثيرا في الواقع» بل ما تمليه طبيعة النفس والمجتمع المبنية على التعدد.

كان الموقف الحضاري - كما نتصور - يتطلب من كلتا الجمعيتين أن تتعاونا في الأهداف المشتركة» وأن تترك كل جمعية للأخرى ميداها الذي تريد أن تتخصص فيه.

لكن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تعاملت مع القضية على خلاف ما يمليه هذا السلوك الحضاريء وكان مبدأ ذلك اعتبار انشقاقها وكأنه انشقاق عن جماعة المسلمين التي لا يحل مخالفتها ولا الخروج عليها.

ونحن لا نستطيع في هذا المحل الضيق أن نستعرض جميع ما كتب في الموضوعء ولذلك نكتفي برأس من رؤوسها الكبار» بل منظرها الأكبر الشيخ البشير الإبراهيمي» فقد ذكرها وأرخ لهاء ونحب أن نقتطع هنا من حديثه عنها بعض المقاطع لنرى من خلاهها كيف يتعامل الإبراهيمي» وكيف تتعامل الجمعية مع المخالف لها الذي استعمل حقا شرعيا وقانونياء ومن باب التبسيط» وتيسير التعليق نضع ذلك على شكل عناوين وعناصر:

١‏ اتهامها في أهدافها: وأنها أسست لأجل محاربة جمعية العلماء ومضارتها على الرغم من

() انظر : أحمد الخطيبء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي ني الجزاكئره المؤسسة الوطنية للكتاب. الجزائر» الطبعة الأولى» 19/6 م ص .18٠‏ 3

أن قانون الجمعية لا ينص على ذلكء يقول الإبراهيمي: (لم يقف العليويون وأذناءهم عند حدٌ ذلك الحجوم الذي كان أوله كيدًا وآخره فضيحة. بل أجمعوا أمرهم وشركاءهم وقرروا في اجتماع تولى كبره رئيسهم الأكبر أحمد بن عليوه محاربة جمعية العلماء بكل وسيلة وبكل قوّة. وتقاسموا على ارتكاب ما يحل وما يحرم في هذا السبيل» وانفتقت لمم الحيلة بإرشاد بعض أذناب الإدارة على تأسيس جمعية طرقية في معناها وحقيقتهاء حلولية في باطن باطنهاء علمية في ظاهرها وما يراه الناس منها ليوهموا العامة أنهم يحاربون العلم بالعلمء لا العلم بالجهلء فبثوا في الزوايا وعبيدها دعوة جامعة إلى تكوين هذه الجمعية التي وصفوها بأنها جبهة قوية تقف في وجه الإصلاح وتنازل جمعيته وجهًا لوجه ودارًا لدار بعد أن لم يبق أمل في إسقاطها بالحيلة» أو الاستيلاء عليها بالمكر)("

هذا ما ذكره الإبراهيمي للأسف. ببذه اللغة الممتلئة بالاتهامات الجزاف الخالية من أي منهج علميء ولا أدلة علمية» بل إن الأدلة العلمية من أصحاب هذه الجمعية تناقض ما ذهب إليه» وسنرى ذلك بتفصيل عند الحديث عن محاولات الصلح التي قام بها الحافظي» ورفضت

” - اتهامها في أعضائها: وأنها أسست من (علماء مأجورين» وطلبة مدحورين» من كل من في عنقه للزوايا مِنَهَ الخبز» وما عليه فضل التعليم الأشل» وله فيها رجاء العبد في سيده» من تلك الطائفة التي لا ترعى للعلم حرمة» ولا تشعر له في نفوسها بعزة ولا كرامة)”"» وغير ذلك من الأوصاف الكثيرة لأعضائها مع كون الكثير منهم علماء لا يزالون محترمين» وكتاباتهم تشهد لهم بذلك.

فقد حضر مجلسها التأسيس علماء محترمون من جميع أقطار الجزائر» فبالإضافة إلى رئيسها

)184/1١( آثار الإبراهيمي:‎ )١(

() آثار الإبراهيمي: )1848/1١(‏

الشيخ المولود الحافظي الأزهري الشهير بالفلكي حضر الشيخ العربي التواتي من غليزان» والشيخ ابن الحاشمي بن بكار من معسكرء والشيخ علي بن السنوسي الشطي من معسكرء والشيخ حسين بن قريد من معسكره والشيخ أحمد بن قيطونء والشيخ أحمد الشاذلي بن الشيخ عبد الرحمن الميسومي من قصر البخاريء والشيخ أحمد لكحل شاعر العاصمة وهو ابن السيد يحبى لكحل رئيس اللجنة التنفيذية للجمعية في الجزائر العاصمة؛ والشيخ إبراهيم بن شناف من الأغواط. والشيخ الجيلالي يبن عبد الحكيم من العطاف, والشيخ محمد الفضيل الزواوي من الأربعاء ناث ييرائن» والشيخ ابن إبراهيم أحمد بن الحاج مصطفى من قرية تاحميرت بفرندة» والشيخ محمد الشريف بن السعيد من زاوية سيدي منصور بتيزي وزوء والشيخ محمد العيد مفتي سور الغزلان» والشيخ محمد العثي من زاوية سيدي الحسين بن الحسن بضواحي قسنطينة» والشيخ مصطفى بن المككي بن عزوز من عين البيضاءء والشيخ ابن شعبان الحاج محمد القريشي إمام مسجد الأربعين شريفا وشيخ الزاوية الحنصالية بقسنطينة» والشيخ حسن الطرابلسبي من عنابة» والشيخ مصطفى بن الفخار مفتي المدية آنذاك2©,

والخطر الأكبر في هذا الاتهام أنه لا ينصب فقط على أعضاء الجمعية» بل ينصب على جميع المثقفين الجزائريين من لم تتح لهم الفرصة ليذهبوا للزيتونة والأزهرء مع كون التعليم في الزوايا في ذلك الحين لا يقل عن التعليم في الزيتونة والأزهر.

لكن السر كما ذكرنا سر نفسيء يعود إلى احتقار الجمعية للتعليم الجزائري» واعتبارها أن

لمتعلم هو ذلك الذي وصفه رسول الله يِه فقال: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال

)00 للتعرف المفصل على تراجم هؤلاء العلماء وآثارهم انظر: محمد بن إساعيلٍ» مشايخ خالدون وعلماء عاملون» ط؛» ١-1١‏ 5.

الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها(70)

من كل صوب كضوال الإبل» وحشروا في غمرة من الذهول أوهمتهم أنهم سيصبحون بفضل سادتهم مشائخ الطرق» وبجاه موالاتهم للحكومة موظفين (مُتَيْشَين)

بعد هذه الاتبامات يسخر الإبراهيمي من هذه الجمعية لكون رئيسها خرج (إلى الأمة يسأها المال والتأييد» فقابلته به! يستحق من طرد ومقتء ولم يمض إلا قليل حتى حل الله ما عقدواء تر ما شيدواء ورأى الناس عبرة العبر في انهيار الباطل وانخذال أهله. وعدوها من عجائب صنع الله لجمعية العلماء المسلمين» وقرأوا قوله تعالى: ( فَأَمًا النَّسَ قَيَمْكتْ في الْأَرْض ) [الرعد: 0]11©

ومن العجيب أن ينكر الإبراهيمي عليهم هذا السلوك مع كونه - مع أعضاء جمعيته جميعا - يوارسونه» بل إن الشيخ العربي التببي ذهب إلى أعظم من ذلك حين أباح لفقهاء الجمعية أن يستفيدوا من الزكاة حتى لو كانوا أغنياء ما داموا (قد حبسوا جهودهم وعلومهم وحياتهم للجهاد في سبيل الإسلام» ونشره» والدفاع عنه. أما فقهاء السوء طلاب الدنيا فإننا لا نقول

الرّبَدُ ِذهَبُ جُمَاءوَأمَامَا ين

() التخلل في الكلام : التشدق وتفخيم اللسان فيه. تخلل الباقرة : البقرة أي التشدق في القول ولفه كلف البقرة للكلاً. )١(‏ أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني» مسند الإمام أحمد بن حنبل» تحقيق: شعيب الأرنؤوط» مؤسسة قرطبة - القاهرة» ؟/ره" ١‏ .

(©) من (النيشان) وهو الوسام, أي مُوَسّمِين.. حامل الأؤسمة

(:) آثار الإبراهيمي: (189/1).

(5) آثار الإبراهيمي: (189/1).

بجواز أخذهم من الزكاة)""

ثم هل هناك جمعية في الدنيا لا تبحث عن المعونات حتى تحقق أهدافهاء ولو طالعنا جرائد الجمعية من هذه الناحية» واهتمامها بجلب المعونات المادية لآلفنا في ذلك أسفارا كثيرة» ويطيب لنا هنا أن نستعمل أسلوب الإبراهيمي في ضرب الأمثال» فنقول: (رمتني بدائها وانسلت)0)

بعد هذا نحب أن نبين أثرا خطيرا لهذا الذي طرحه الإبراهيمي» وهو مرتبط بواقعنا لنعرف من خلاله أننا لا زلنا أسارى لتقديس الأشخاص لا لتقديس المبادئ.

وهو موقف مؤسف من رجل أكاديمي يتزعم الآن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وهو الدكتور عبد الرزاق سوم الذي أدلى بتصريح لجريدة واسعة الانتشار بين العوام والمثقفين يقول فيه: (إن الخلاف بين الجمعية (يقصد جمعية العلماء المسلمين) والزوايا يعود إلى زمن تأسيس جمعية العلماء التي ضمت جل علاء الأمة» با في ذلك بعض شيوخ الزوايا الذين تصدوا لمحاربة الاستعمار الفرنسي» فعمد هذا الأخير إلى شق الصف بإنشاء جمعية (السنة)» كان المعنيون يتهمون جمعية العلماء المسلمين بكونها جمعية سلفية» بعيدة عن نبج السنة العطرة.. وفرنسا عملت على بعث جمعية مناهضة لجمعية العلماء من خلال استعمال مصطلح يحقق إجماع المسلمين» هي السنة)”"

ولسنا ندري ما مصدره على هذه المعلومة الخطيرة» وهي كون فرنسا هي التي أوحت

)١(‏ انظر: جريدة البصائرء السلسلة الثانية» السنة الثالثة» عدد .1١4‏ الاثنين /١6‏ ماي/ ٠15١م‏ الموافق رجب/79اها ا ص 7.

(؟) هو مثل يضرب من يعير صاحبه بعيب هو فيه» فيلقي عيبه على الناس ويتهمهم به» وتُخرج نفسه من الموضوعء انظر المثل في أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشريء المستقصى في أمثال العرب, دارالكتب العلمية - بيروت» الطبعة الثانية» لاك 10

(5) راجع مقال زهية منصر في الشروق اليومي حول الطرق الصوفية والسياسة في الجزائر» بتاريخ : .501١١-117-55‏ ل

للحافظي وللشيخ ابن عليوة ولمشايخ ال حامل وغيرهم من مشايخ الزوايا بأن يسموا جمعيتهم (جمعية السنة)؟ ثم متى كانت السنة حكرا على جمعية العلماء أو غيرها؟ ثم متى حوسب الناس على الأسماء التي يختارونها لأشخاصهم أو لأي شيء يشاءونه؟» ثم هل العبرة بالأسماء أم بمحتوياتها؟

نترك هذه الأسئلة جميعا للباحثين لينصفوا هذه الجمعية المظلومة التي ظلمتها جمعية العلماء السابقة واللاحقة» والعجيب رميها بكونها صناعة استعمارية» ولو كانت صناعة استعارية لما أجهضت بعد شهور من تأسيسهاء ثم يستشهد رئيسها من طرف الاستعمار لامن طرف جبهة التحرير الجزائرية!".

ونرى من خلال بعض البحث في هذه الجمعية أن الاستعار كان هو السبب في توقفهاء فلم

يكن يرضى بحال من الأحوال أن تعود للطرق التي حاربته أي سلطة في المجتمع خاصة إذا

)١(‏ لاينكر على الحافظي وطنيته الصادقة» فهو الذي عكف على دعوة الناس إلى الوحدة ونبذ الفرقة» ورفض الواقع الذي فرضه الاحتلال الفرنسي وأن يصروا على التغيير بقدر استطاعتهم وأن ينهضوا فوق الأحداث ويهتموا بتربية أبنائهم حتى يكونوا عدة للمستقبل» داعيا في سلسلة مقالاته التي نشرها تحت عنوان (العلم والأدب وحالة الجزائر) عن الإصلاح والمصلحين إلى معرفة أدواء الأمة والإخلاص في معالجتهاء ى) عني بالتجنس الذي قال فيه: (بنصرة الدين وتقوى الله وطاعة الله ورسوله فيها جاءت به الشريعة السمحة» هي شروط العزة والسيادة والقوة والسلطان والذين ضيعوا عزة الله وضاعت منهم العزة وهي في متناول أيديهم وني إمكانهم الحصول عليها أصبحوا يتطلبونها بطريق التجنيس علهم أن يكونوا أعزاء مثل الذين يلحقون مهم وينتسبون إليهم في عزتهم» ولكن الله سبحانه وتعالى مكر بهم ورد كيدهم في نحورهم بجعلهم أذلاء وأذنابا للذين حاولوا المساواة بهم في عزتهم فإن القانون الآن اعتبر التجدس في درجة متوسطةبين الأهلي غير المتجنس وبين الفرنسي الأهلي, فالفرنسي الأصلي أكبر مقاما من المتجنس المتفرنس وهذا أق منه بكثير» بل الأدهى والأمر أن المسلم التجنس المتفرنس أق شأنا ن اليهودي والاسبنيولي والطلياني والمالطي المتجنس المتفرنس ...) (انظر: الأستاذ محمد الصالح الصديقء أعلام من المغرب العربيء الجزء الأول» موفم للنشر

والتوزيع- الجزائر .75٠٠١‏ ص7/5)

دعمت تلك السلطة بالوسائل والأساليب الحديثة.

المبحث الثاني العلاقة الشخصية بين الجمعية والطرق الصوفية

بعد تعرفنا على المواقف الرسمية للجمعية من الطرق الصوفية» وما ساد فيها من أجواء مشحونة با حرب والصراعء فإن المنهج العلمي يقتضي منا أن لا نحكم على كل أعضاء الجمعية بتلك الخلال التي سبق ذكرها إلا بعد دراسة المواقف الشخصية لكل فرد من الجمعية» وذلك لسببين:

الأول: أن أعضاء الجمعية - كما ذكرنا سابقا- لم تقتصر تلمذتهم على مدرسة واحدةء وبالتالي اختلفت مواقفهم شدة ولينا بحسب ما أشربوا من أفكارء ذلك أن الكثير منهم إن| انتسب للجمعية بناء على اقتناعه بمشروعها الإصلاحي أكثر من اقتناعه بتوجهها الفكري. وقد ذكرنا في الفصل السابق مثالا على ذلك بالشيخ العيد القادري» والذي حول من زاويته إلى مدرسة للإصلاح» وليس لنا أي مصدر يدل على أن الشيخ ترك تيجانيته أو توجهه الصوفي.

والثاني: أن المواقف الشخصية ترتبط بسلوك الشخص وأدبه مع المخالفء أكثر من ارتباطها بالنواحي العلمية أو التوجهات الفكرية» والتي سنئرى أن أعضاء الجمعية يكادون يتفقون عليها.

وقد وجدما لنا من خلال استقراء المواقف المختلفة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أصحاب الطرق الصوفية موقفين متباينين أحدهما متشدد. والثاني معتدل. ولكليهما درجات

لو رما

والمعيار الذي وضعناه لهذا التقسيم لا علاقة له بالآفكار والتوجهات الإصلاحية» ذلك أنا

قد ذكرنا اتفاق الجميع على اعتبار وقوع الانحراف في الطرق الصوفية» وبعدها بالتالي عن

ولكن الفرق بين هذه التوجهات الشخصية يتمثل في كيفية التعامل مع الآخرء سواء على المستوى الفكريء أو المستوى الشخصي.

فعلى المستوى الفكري. نجد المتشددين المغالين يصمون آذائهم عن ساع ما يطرحه الآخر من أفكار وأدلة» لأنه يعتبر أن كل ما يأتيٍ به المخالف كفرا وضلالا وبدعة» ويرى لأجل هذا أن منهج التعامل معه هو الاستئصال والتشهير لا الإصلاح والتوجيه؛ بينا نجد المعتدلين أخف حلدة. وأكثر إقبالا على تقبل الآخر ومناقشته.

وعلى المستوى الشخصي نرى المتشددين يميلون إلى استعمال العنف اللفظي والأحكام المشددة على خلاف المعتدلين الذين هم أكثر لينا وسماحة.

ونحب - قبل أن نذكر ناذج عن هذين الموقفين ودوافعها - أن ننبه إلى صعوبة التصنيف العلمي الدقيق لرجال الجمعية بهذا الاعتبار» وذلك لسبيين:

السبب الأول: أن البعض من نعتبرهم معتدلين يقفون في بعض المواقف مواقف المتشددين من حيث عدم سماع الآخرء أو عدم احترامه» والعكس صحيح. وكمثال على ذلك موقف ابن باديس والزاهري من الطريقة التيجانية.

فعلى الرغم من اعتبار الشيخ ابن باديس عند أكثر الباحثين من المعتدلين في مواقفهم إلا أنه في موقفه من التيجانية خصوصا كان متشددا غاية التشدد» فقد أفتى بكفرهم في رسالته التي خصصها عنهم, والتي يقول فيها بعد أن بسط الأدلة كما تصورها وكم| سئل عنهاء من غير أن يرجع إلى ما يقول علماء التيجانية في الإجابة عنها: هذه وغيره نقول أن الطريقة التيجانية

ليست كسائر الطرق في بدعهاء والمشاهد اليوم من أضرارهاء ودعنا من حديث ماضيها با فيه

١/١

بل هي طريقة موضوعة لهدم الإسلام تحت اسم الإسلام, فإن كتبها وأقوال أصحاب صاحبها مطبقة على هذه الأفكار وأكثر منها فلا تجد في كتبهم ما هو خالص منها حتى يمكن أن يكون هو الأصل وأن غيره مدسوس وإنك لتجد هذه الكتب محل الرضى والقبول والتقديس عند جنيع أتباع الطريقة عالمهم وجاهلهم. ولو كان عالمهم بالكلمة المنسوبة إلى صاحب الطريقة» والله أعلم بصحة نسبتها: (زنوا كلامي بميزان الكتاب والسنة) - لأعدموا تلك الكتب أو حرموا على جماعتهم قراءتها أو حذفوا منها هذه الكفريات والأضاليل وأعلنوا البراءة منها للناس لكن شيئا من ذلك لم يقع. وإنما يطنطنون بتلك الكلمة قوليا ويقرون تلك الكتب وما فيها علميا. وماذا يفيد القول مع التقرير والعمل. ولهذا رغم من كان في هذه الطريقة من أناس مشهورين بالعلم كالشيخ الرياحي فإن الحالة هي الحالة وتلك الكفريات والأضاليل فاشية منتشرة في اتباع الطريقة إلى اليوم)””

وفي المقابل نجد الزاهري الذي يعتبر من المتشددين» وفي الفترة التي كان فيها في قمة عنفوان تشدده يكتب مؤيدا التيجانية» ويثني على شيخهاء بل يعتيره من المتأثرين بالمدرسة الوهابية".

السبب الثاني: أن الكثير من أعضاء الجمعية تغيرت مواقفهم لأسباب مختلفة» وبالتالي يمكن اعتبارهم في مرحلة من المراحل ضمن المتشددين» وفي مرحلة أخرى ضمن المعتدلين» والعكس صحيح. ونحب أن نذكر لهذا مثالين» أحدهما عن انقلاب المعتدلين إلى متشددين» والثاني عن انقلاب المتشددين إلى معتدلين:

المثال الأول: نشرت جريدة الشهاب في العدد 87 الصادر يوم الخميس 7*١‏ رجب ١740‏

)١ 5/8 /7( آثار ابن باديس:‎ )١( كمثال على ذلك انظر: الزاهري؛ هل كان الشيخ التيجاني وهابيا؟ حقائق من التاريخ لا يعلمهن كثير من الناس.‎ )١(

الصراط.ع/. س1 1988-70 - .٠١‏ ص 5. فل

(طلب الحقيقة)» وما جاء فيه: (.. منذ اجتماع العلويين في جامع سيدي رمضان ونحن في حيرة والتماس حقيقة نما صدر من أحد أعيان العاصمة وهو الشيخ محمد الشريف الزهار الإمام بجامع جده (رضي الله عنه) من وقوفه بذلك المحفل وإلقائه لتلك الخطبة التي كادت أن تنشق لها السموات ومدحه لذلك الشيخ" مدحا مفرطا أدهش الحاضرين» ودونك أبها القارئ ملخص قوله: (أيها السادة إني قد كنت قبل الاجتماع بهذا الرجل العظيم أنكر عليه أقواله وأفعاله واقدح فيه وأسبه وأقول لأتباعه: إن شيخكم لدعي زنديق بل كافر» وما أشبه ذلك والآن لما اجتمعت به. والحمد لله فقد ظهر لي ما كان خافيا عني من الأسرار والأنوار» وها أنا تائب ما قلته واشهد انه ولي كامل زاهد... الخ)» فبالله متولي السرائر هل كانت حقيقة اعتقادك أمها الإمام في ذلك القطب ما فهمت به الجمهورء أم كان نطق لسانك مغايرا لجنانك فأصدقنا أرشدك الله حتى ترتفع عنا الحيرة وننجو من الوقوع في المحذور اقتداء بك حيث كنت إمام مسجد شريفا بل نقيب الأشراف» وابن عائلة موصوفة بالصدق والكمال» فكيف محضت في هذا المجال فعجل بالجواب على كل حال)

وقد جاء الرد سريعا من الشيخ محمد الشريف الزهار» فلم يكد يصدر العدد التالي", أي بعد أسبوع من صدور الاستفسار حتى كتب ردا بعنوان (الجواب بالبراءة)» يقول فيه: (الشهم الغيور مدير جريدة الشهاب الأغر... سلاما واحتراما.. اطلعت في جريدتكم السمحا عدد 5 على سؤال عنوانه (طلب الحقيقة) بإمضاء (مستبين) مضمنه اجتاع العلويين بمسجد سيدي رمضانء» وخطبتي في ذلك الاجتماع ومدحي لذلك الشيخ مدحا مفرطا وطلب مني الكاتب حقيقة اعتقادي.. فأقول ولا أخشى لومة لاثم لتظهر الحقيقة وضاحة الجبين» وأشهد الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أنني برئ من بدع المبتدعين وخزعبلات )١(‏ يقصد الشيخ ابن عليوة.

() الشهاب, العدد 87 : الخميس ‏ شعبان 754١ه/ ٠١‏ فيفري /1911م. 00

المتصوفين وشعوذة المشعوذين ونصرة السفاكين...أحب العلماء العاملين والأولياء المتقين طريقتي الكتاب والسنة.. بلغني عن الطائفة العليوية وشيخهم (المربي) من الأسرار والأنوار ما شوقني إلى مشاهدة رؤيتهم فاجتمعت بالشيخ وأصحابه في مسجد جدي محمد الشريف الزهار (رضي الله عنه»» فكان كلامه في الصلاح والإرشاد والوقوف على حدود الشريعة ونفع العباد.. فأعجبني ذلك وحمدت الله على وجود رجل مثل هذا في هذا الزمان» خطبت خطبتي التي لا أنكرهاء ولكن لما أطلعت على حقيقة أمرهم وحللتها تحليل الحكيم الكيماوي» تمثلت بالمثل السائر (ما أنت أول سار غره قمر) فتبين لي الرشد من الغي» وظهر الأمر على خلاف ما كنت أظن من أمور مصادمة للشريعة لا ينبغي السكوت عنهاء ولا يسع إنكارهاء وبّختهم عليها مشافهة وحذرتهم من سوء عاقبتها عملا بقوله تعالى: (وَدَكَرْ مَِنَ الذَكْرَى تَنمَعُ الُؤْمِيينَ [الذاريات: 150 فأبو وأصروا على فعلهاء فتكلمت مع الشيخ نفسه ليزجرهم عن ذلك فتبسم وسكتء فل|ا علمت أن القوم اتفقوا على الضلالة نبذتهم نبذ النواة» وهجرتهم وقطعتهم» وقلت لهم: هذا فراق بيني وبينكم لأن الحب في الله والبغض في الله فقد تحققت صدق ما هو شائع عنكم من هتك الدين باسم الدين» وحمدت الله حيث آخرجني من الظلمات إلى النور وشاهدت الأمر عيانا فليس من رأى كمن سمع.. فتأسفت على ما صدر مني واستغفرت الله عسى أن يغفر لي ورجعت إلى الحق أفضل من الباطل» هذا هو اعتقادي أيها السائل» وهذا هو ديني الذي أدين الله به» فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)”"

المثال الثاني: وهو عن انقلاب المتشددين إلى معتدلين» وهو يمثل كثيرا من أفراد الجمعية» والذين يمكن تصنيفهم في المراحل الأولى من حياتهم ضمن طائفة المتشددين المغالين في تشددهم» ولعل أوضح مثال على هؤلاء الشيخ محمد سعيد الزاهريء فقد كان من المتحاملين

(1) جريدة الشهاب رقم العدد 87 : الخميس ‏ شعبان 5 7١ه/ ٠١‏ فيفري 19717م. 7

المتشددين في تحاملهم على التصوف والطرق الصوفية» فقد كان - مثلا- يرمي الشيخ ابن عليوة بالكفر والشرك والإلحاد» فيقول عنه: (يكفر عن تقليد ويشرك عن تقليد» ويلحد عن تقليد. فليس له مذهبء ولا رأي فيما يكفرء ولا فيها أشرك» ولا في ألحد» ولا فيها آمنء إن كان يزعم أنه يكون في بعض الأحيان من المؤمنين)" بالإضافة إلى النعوت الكثيرة التي كان ينعته بهاء والتي سبق الإشارة إلى بعضهاء لكنه بعد ذلك تراجع تماما عن هذه الرؤية» بعد أن انشق على جمعية العلماء عام 1911 » ثم أسس عام ١9728‏ جريدة الوفاق» وشارك في مؤتر الزوايا.

ومثله أحمد توفيق المدني الذي كتب في (كتاب الجزائر) يشيد بابن عليوة وزاويته» ويعتبره معينا على نشر الفضيلة وحفظ الرابطة القومية الإسلامية» وينقل عنه إنكاره على حزب الإصلاح عنفه وشدته في مهاجمة الطرقية» وخصوصا العلاوية» أما في مذكراته - وباستثناء الوثائق المتعلقة بنازلة آذان غرداية- فقد غير موقفه إلى النقيض تماما؛ وقد عبر عن ذلك التحول عمليا عندما أصبح وزيرا للأوقاف في الجزائر المستقلة7"؟

بناء على هذا التنبيه نحاول في هذا المبحث أن نصنف أعضاء الجمعية الكبار على هذا الأساس مع محاولة التعرف على أسباب وخلفيات ذلك التوجه.

وقد قسمنا المبحث على هذا الأساس إلى قسمين:

المطلب الأول: الموقف المعتدل:

وقد أشرنا إلى أن الضابط في هذا الموقف هو قبول الآخرء أو التعامل بلين معه» ولو في بعض المواقف. ومن خلال استقراء ما كتبه وما قام به كبار رجال الجمعية وجدنا أن هذا الوصف

(1) تأبط شرا: قوارص!... أيتها الفلتاء المتشردون. البرق. علاء س11/01/ 21971/1١‏ ص". (؟) غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية 5 2١1404-١9:‏ رسالة مقدمة لنيل شهادة

الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر» جامعة منتوري قسنطينة» قسم التاريخ والآثار» د.ط» د.ت» ص4 .

ينطبق أحسن انطباق على شخصيتين من كبار أعضاء الجمعية المؤسسينء وهما الشيخ عبد الحميد بن باديس» والشيخ أبو يعلى الزواوي.

بالإضافة إلى هذا هناك شخصيات كثيرة كالشيخ العيد القادري» ومبروك التبسي وغيرهماء وهذه الشخصيات - كا ذكرنا - يمكن تصنيفها في إطار آخر» وهو التصوف الإصلاحيء فهم لا يتفقون مع الجمعية إلا في مشروعها الإصلاحيء, ويختلفون معها اختلافا جذريا في توجهها الفكري.

بناء على هذا سنذكر هنا - باختصار - بعض الأدلة على التوجه المعتدل لكلا الشخصيتين السابق ذكرهماء مع محاولة بيان سر الاعتدال فيهما.

الشيخ عبد الحميد بن باديس:

عند مقارنة المواقف التي وقفها الشيخ عبد الحميد بن باديس مع مواقف أكثر أعضاء من اطلعنا على تراثهم من رجال الجمعية يمكن اعتباره أكثرهم اعتدالاء وأحسنهم أدبا مع المخالف.

بل إني أشعر - من غير أن أستطيع إثبات ذلك بدقة - أن الشيخ عبد الحميد بن باديس كان معرضا لضغوط من طرف المتشددين من رجال الجمعية الكبار» والذين كان يحرص على إرضائهم» ولذلك كان يظهر أحيانا بصورة المتشدد. فلذلك كانت لغته في الخطاب مع المخالف أكثر لينا بكثير من مثيلاتها من سائر رجال الجمعية.

والذي قد يشير إلى هذاء إن لم يصح اعتباره دليلا ما ذكره الشيخ أحمد حماني عند حديثه عن الشيخ الطيب العقبي الذي كان في ذلك الحين - بسبب قدراته الخطابية - لا يقل شهرة عن ابن باديس» فقد قال: (كان أحد أقطاب الحركة الإصلاحية» وكتابها النامبين» وكان يميل في أسلوبه إلى الشدة والعنف والصراحة المريرة» بينم كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يجنح نوعا ما إلى الأخذ بالرفق واللين والدعوة بالتي هي أحسنء ويعز عليه ما وصلت إليه الحال بين

١ا/ك‎

كتاب الطرفين» وبعد ١18‏ عددا من المتتقد ومثلها من الشهاب نشر الأستاذ ابن باديس في عدد الشهاب ١9‏ مقالا تحت عنوان: (في سبيل الوفاق والتفاهم) قال عنه ابن باديس في عدد ٠5‏ (أردنا به جمع الكتاب على نقطة خاصة من الإصلاح وإيقاف ذلك التيار القوي من الكتابة الإصلاحية) ولكن هذه الدعوة لم ترق بعض الكتابء. وعلى رأسهم ‏ في| يقول الشهاب - العلامة المصلح الشيخ العقبي لأنه عده تحجيرا تاما ومنعا صريحا لكل كتابة في الإصلاح الديني, أو ما حام حوله. وبقي الأستاذ العقبي مصرا على المقاطعة والامتناع التام عن الكتابة» ولم يقتنع بها ذكره الشهاب من مبررات» فاضطر الشهاب إلى زيادة بيان في مقال آخر نشره تحت عنوان (في سبيل الدعوة والرشاد)» ودعا الكتاب المصلحين إلى العودة (للكتابة في نقد الدحل والدجالين» وأنه لم ولن يحجر على الكتاب الخنوض في نقد أعمال الطرقيين» وإن| أوقفنا ذلك التيار القوي حيث رأينا أنه بلغ حده» ووصل إلى منتهاه )*"

فعند ملاحظة هذا التراجع السريع من ابن باديس من موقفه الداعي إلى الاعتدال دليل أو أمارة على أنه كان حريصا على بقاء الشيخ الطيب العقبي معه لأهميته في جلب الكثير من الأعضاء للجمعية» ولكن مع ذلك لم يرض بيان التراجع الشيخ العقبي الذي بلغ به الغضب أشده بعد الحادثة التي ذكرناها من الاعتداء على ابن باديس» وحينها أعلن الشهاب بهذا الإعلان الذي توجه به للشيخ العقبي» والذي يقول: (ونحن نؤكد لحضرته ولكل من كان على شاكلته أننا أضربنا على ذلك المقال الذي زال بزوال ما اقتضاه من الأحوال ورجعنا إلى خطتنا القدنية)

وقد كان لهذه الكلمة المبيحة للعودة إلى العنف في القول أثر كبير على الشيخ العقبي» فنشر

مقالا عنوانه: (أما الآن فنعم. وقد وجب الرجوع»» وبين فيه مقدار ما وصل إليه سوء التفاهم

.7 أحمد حماني» صراع بين السنة والبدعة: ح 7 ص7‎ )١( يفل‎

مع إدارة الشهاب, وما جرى بينه وبينها من كلام'".

هذا ما ذكره شاهد عيان بنوع من الرضا عن موقف الطيب العقبي» ونوع من المعاتبة لابن باديس» وهذا ما يدل على البيئة التي كان يتعامل معها ابن باديسء التي اضطرته فيم| نرى أحيانا على بعض التشدد.

ومن ذلك أنه لما توطدت العلاقة بين العقبي وابن باديس فراسله ابن باديس سنة 2١9575‏ مباركا أعماله ومجهوداته في الإصلاحء أقلق هذا الموقف أصحاب الطرق الصوفية» لآن ابن باديس في نظرهم كان أكثر ليونة» ولم يرغبوا في أن يصير ابن باديس كالعقبي”.

ويذكر المؤرخون للجمعية في هذا أن ابن باديس سعى الى إخماد نار الفتنة بين العقبي والطرق, وزاره في بسكرة لكنه فشل في مساعيه لصلابة موقف العقبي”.

بالإضافة إلى هذاء فقد عرفنا في المبحث الأول أن الذي قام بالطرق المختلفة لصرف رجال الطرق الصوفية من الجمعية لم يكن ابن باديس» وإنما كان بعض الأعضاء ممن تبرأت الجمعية منهم بعد ذلك.

بالإضافة إلى هذا عند مقارنة ألفاظ السخرية والبذاءة التي كان يعبر بها الإبراهيمي أو الزاهري عن الطرق الصوفية نجد بونا شاسعا جداء وسنرى هذا ببعض التفصيل عند الحديث عن أسلوب التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية.

ولعل هذه المواقف المعتدلة من الطرق الصوفية تعود إلى نشأة ابن باديس الأولى التي كان لها علاقة بالطريقة الرحمانية» وقد ذكرنا في الفصل السابق العلاقة الحميمية التي كانت تربط

ابن باديس بتلك الطريقة» فقد أشرف على تصحيح الطبعة الثانية ل (المنظومة الرحمانية في

.7 أحمد حماني» صراع بين السنة والبدعة: ح 7 ص7‎ )١( ..١5/8ص (؟) بعلى مراد الحركة الإصلاحية الإسلامية في الجزائره‎

() أحمد مريوش: العقبى» ص 87.. 0

الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية) التي ألفها الشيخ عبد الرحمن باش تارزي.

وقال في آخر تصحيحه للطبعة: (ندبني الشيخ المذكور مصطفى باش تارزي إلى إعانته على نشر المنظومة الرحمانية بالوقوف على تصحيحها فلبيت طلبه راجيا من وراء ذلك أن يتذكر الإخوان ما عليهم في هذا الطريق الشرعي من الآدب العملي والعلمي» ويعلموا أنهم لا يكفيهم في ترقية نفوسهم مجرد الانتساب الإسميء فيدعوهم ذلك إلى العلم والتعلم اللذين لا سعادة في الدارين بدونه| ولا تقدم, فيفقهوا حينئذ حقيقة الدين ويتتفعوا بنصائح المرشدين» ويكونوا يوم ذلك إن شاء الله تعالى من المهتدين)

بل إنه في خاتمة الطبع بقلمه كتب يقول: (تم طبع المنظومة ال رحمانية ذات الأسرار الربانية الجامعة لأصول الطريقة الخلوتية» وآداب التربية الشرعية الدالة على علم ناظمها وبركته با نفع الله مها من أتباعه وتلامذته)

إلى أن قال مثنيا على شيخ الطريقة ال رحمانية في ذلك الحين: (فقام بذلك على نفقته العالم البركة الخير الثقة شيخ شيوخ الطريقة الخلوتية بقسنطينة اليوم المتحلى من أخلاق أسلافه بالنفائس الغالية السوم الشيخ سيدي مصطفى ابن الشيخ سيدي محمود ابن الشيخ سيدي الحاج محمد ابن الشيخ سيدي محمود ابن الشيخ الأكبر سيدي الحاج عبد الرحمن باش تارزي زاده الله من بره وتوفيقه وسدده في سلوك طريقه بمنه آمين )

بل أثنى عليه ثناء عطراء فقال: (لا زال هذا الرجل معروفا من شبابه بججمال العفة» وحسن السمتء ومكارم الأخلاق» والحياء التام» والتواضع الفطري مع جميع الناس) 27

ولم يكن ثناء الشيخ ابن باديس قاصرا على رجال الطريقة ال رحمانية» بل إنه أثنى على الكثير

.0 انظر: الشيخ عبد القادر عثماني» الطريقة الخلوتية الر<مانية طريقة قرآن وعلم وجهاد. ص‎ )١( ١06

من رجال الطرق الصوفية”" ما لا نجد مثله عند أي عضو آخر من أعضاء الجمعية.

ومن الدلائل على هذا السمو الأخلاقي الذي كان يتمتع به على الرغم من توجهه الإصلاحي ما ذكره عند وصفه لرحلته إلى بعض المناطق في الغرب الجزائري» فعندما ذكر مستغانم» وعد من لقي فيها من العلماء والمشايخ ذكر الشيخ ابن عليوة» بل قدم له بهذا الوصف: (من غده دعا للعشاء معنا أعيان البلد منهم فضيلة الشيخ المفتي سيدي عبد القادر بن قارة مصطفى وسماحة الشيخ سيدي أحمد بن عليوة شيخ الطريقة المشهورة وكان هذا أول تعرفنا بحضرتب| فكان اجتماعا حافلا بعدد كثير من الناس)7)

وقد ذكر ما حصل في ذلك المجلس وبعده؛ ونحب أن ننقله هنا كما وصفه ابن باديس لأنه يبين كيف كان يمكن للعلاقة بين الجمعية والطرق الصوفية أن تستمر لولا وجود أولئك المتشددين من المتشربين للأفكار الوهابية.

)١(‏ من المشايخ الآخرين الذين أثنى عليهم ابن باديس الشيخ العلامة محمد بن عبد القادر بن عدة البوعبدلي شيخ الزاوية الشاذلية الدرقاوية بغليزان» وقد قال ابن باديس في حقه : (أول من اجتمعنا به من فضلائها الأخ الشيخ مولاي محمد أحد أهل العلم وشيخ الزاوية مها وهذا من شيوخ الزوايا الذين لمهم رغبة في نشر العلم وهداية الناس وسعة صدر في سماع الحق وأدلته)

ومنهم (الشيخ العالم سبيدي مصطفى بن طكوك شيخ الزاوية الشاذلية السنوسية ببوقيراط ( مستغانم )» وقد صفه ابن باديس فقال: ( فأكرم نزولنا وبتنا ليلة وودعناهم في صبيحتهاء وحدثناه عن الجمعية فأظهر ابتهاجه بها وقدم مائتي فرنك لإعانتها)

ومنهم العلامة الفقيه العارف بالله سيدي بوعبد الله بن عبد القادر البوعبدلي شيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية البوعبدلية ببطيوة _ ارزيو» وهرانء وقد أكثر ابن باديس من الثناء عليه وعلى سعة تبحره في العلوم فيتقول :(نزلنا ضيوفاعل العالم الأديب الشيخ أبو عبد الله آل أبي عبد الله عالم فصيح اللسان. صحيح الإدراك مستقيم الفكرء مهيب الطلعة» معترف له بالعلم والفضلا) (انظر هذه الروايات جميعها في مجلة الشهاب: غرةشعبان ١١0٠‏ ه/ ديسمير ١191م)‏

09١١ /5( آثار ابن باديس‎ )١(

ونحن لا ننقلها من باب إثبات مدى اعتدال ابن باديس فقطء وإنا ننقلها لبيان مدى اعتدال مشايخ الطرق الصوفية وخصوصا الشيخ ابن عليوة.

يقول ابن باديس واصفا ذلك المجلسء وكيف أتيح له الكلام فيه في حضور المفتي وشيخ الطريقة» وهو موقف يدل على مدى احترامهما له:( ولما انتهينا من العشاء ألقيت موعظة في المحبة والآخوة ولزوم التعاون والتفاهم على أساسه وأن لا نجعل القليل تما نختلف فيه سببا في قطع الكثير مما نتفق عليه وأن الإختلاف بين العقلاء لا بد أن يكون ولكن الضار والممنوع المنع البات هو أن يؤدينا ذلك الاختلاف إلى الافتراق وذكرنا الدواء الذي يقلل من الاختلاف ويعصم من الافتراق وهم تحكيم الصريح من كتاب الله والصحيح من سنة رسوله - صل الله عليه وآله وسلم-. فاستحسن الشيوخ الحاضرون ذلك وحل من الجميع محل القبول» والحق يقال أن أغلب الناس ممن رأينا صاروا يشعرون بألم الافتراق وينفرون منه ويصغون إلى دعوة الوفاق والتحاب)0")

ثم يذكر ابن باديس دعوة الشيخ ابن عليوة له» فقال: ( وما افترق المجلس حتى دعانا الشيخ سيدي أحمد بن عليوة إلى العشاء عنده والشيخ الحاج الأعرج بن الأحول شيخ الطريقة القادرية إلى الغداء فلبينا دعوتب| شاكرين» فكانت حفلة الغداء في دار الشيخ سيدي الحاج الأعرج ثم كانت حفلة العشاء عند الشيخ سيدي أحمد بن عليوة حضرها من أعيان البلد ومن تلامذة الشيخ ما يناهز المائة وبالغ الشيخ في الحفاوة والإكرام وقام على خدمة ضيوفه بنفسه فملاً القلوب والعيون وأطلق الآلسنة بالشكر)”"

ثم إن من دلائل اعتداله أنه قعد معهم في مجلس من مجالس الذكرء وبالهيئة التي يذكرون بهاء فقال: (وبعد العشاء قرأ القارىء آيات, ثم أخذ تلامذة الشيخ في إنشاد قصائد من كلام

1١١ /5( آثار ابن باديس‎ )١(

71١7 /5( آثار ابن باديس‎ )١( ل‎

الشيخ ابن الفارض بأصوات حسنة ترنحت لا الأجساد. ودارت في أثناء ذلك مذاكرات أدبية في معاني بعض الأبيات زادت المجلس رونقا)0)

وقد أثنى كثيرا على أدب الشيخ ابن عليوة» وما قاله في ذلك: (وما شاهدته من أدب الشيخ مضيفنا وأعجبت به أنه لم يتعرض أصلا لمسألة من محل الخلاف يوجب التعرض لا على أن أبدي رأيي وأدافع عنه فكانت محادثاتنا كلها في الكثير تما هو محل اتفاق دون القليل الذي هو محل خلاف. لكن السيد أحمد بن اسماعيل صاحب مخازن الاتاي- وكان جالسا على شالي في المجلس - شاء أن يخرق هذا السياج ويدخل في موضوع ليس حضرته- وله الاحترام- من أهل الكلام فيه فقال: هؤلاء المفسدون الذين يسمون أنفسهم مصلحين ينكرون الولاية» فرأيت في وجه الشيخ أحمد بن عليوة الإنكار لهذا الكلام الخارج عن الدائرة ووجدت نفسي مضطرا للبيان فقلت له: إسمع يا سيد أحمد الولاية الشرعية قد جاءت فيها آية صريحة قرآنية" وتلوت له قوله تعالى: (ألا إِنَّ أَوْلِيَاء لله) [يونس: 77]» وتكلمت على شيء من معناهاء فمن أنكر هذه الولاية. فلفظة مفسد قليل في حقه وحقه أن يقال فيه ملحد. وأما لفظة مصلح فهي أعلى من هذا وأشرف من هذا كله)”)

ثم ذكر ابن باديس كلاما طويلا حكاه لهم في بيان موقفه من الولاية ختمه بقوله: (فلو أن إخواننا المنتتمين للتصوف قبلوا أن يوزن كلام الشيوخ بميزان الكتاب والسنة مثل غيرهم من علماء الإسلام ورضوا بالرجوع الحقيقي لقوله تعالى: (فَإنَ تتارَْتُمْ في شَيْءِ قَرْذُوه إل الله وَالرَّسُولٍ إِنْ كُنتُمْ ُؤْمِنُونَ بالل وَاليَْم الآخر ذَلِكَ حَْد وَأَحْسَنٌ تأوِيلًا) [النساء: 59] لبطل

الخلاف أو قل))

71١7 /5( آثار ابن باديس‎ )١( 7١17 /5( آثار ابن باديس‎ )١(

(©) آثار ابن باديس (5/ 0911 حل

ثم أخبر عن تأثير هذا الكلام في الحاضرين» با فيهم الشيخ ابن عليوة نفسه. فقال: فرضي أهل المجلس هذا الكلام» وسكت السيد أحمد بن اسماعيل» وقال الشيخ سيدي أحمد: (هذا مما لا يخالف فيه أحد. فقلت له: مثلكم من يقول هذاء وتكلم الشيخ المفتي بط فيه تأييد لما قلناه)”)

ثم ذكر كيف عاد المجلس إلى الإنشاد والمذاكرات الأدبية (حتى انتهت السهرة» وانصرف المدعون ونحن من جملتهم شاكرين فضل حضرة الشيخ وأدبه ولطفه وعنايته ىا شكرنا أدب تلامذته وعنايتهم بضيوف أستاذهم وخصوصا الشيخ عبده ابن تونس تلميذ الشيخ الخاص)”")

هذا شاهد من شواهد اعتدال ابن باديس» ونحب أن نبين أن هذه الرحلة قام مها ابن باديس في سنة 1971» وفيه رد بليغ على من يزعم بآن الطريقة العلاوية هي التي أرادت أن تغتال ابن باديس.

بعد هذا نتأسف أن تكتم مثل هذه الشهادات من الباحثين ثم يقتصر فقط على تلك الأوصاف الشنيعة التي وصف بها الشيخ الزاهري الشيخ ابن عليوة» ولسنا ندري أيه| أحكم وأعقلء وأيهما أقرب تمثيلا للجمعية: هل هو ابن باديس أم الزاهري؟ ولكن الكثير من الباحثين للأسف ينتهجون منهج الانتقاء» فيرفعون من يشاءون رفعه» ويخفضون من شاءوا خفضه.

بالإضافة إلى هذاء فقد كانت لابن باديس علاقة طيبة بالكثير من الزواياء كالزاوية

الدردورية لآن أحد أبناء هذه العائلة وهو الشيخ عمر دردور'" الذي كان من تلاميذ ابن باديس

)9 117 /5( آثار ابن باديس‎ )١( 09117 /5( آثار ابن باديس‎ )١( في قرية حيدوس بوادي عبدي وفيها حفظ القرآن» درس بالزاوية العثانية بطولقة»‎ ١917 (؟) عمر دردور: من مواليد‎

ثم اتجه الى قسندلينة ليلتحق بطلبة الجامع الأخضرء والأخذ عن الإمام ابن باديس الذي لازمه مدة «سذوات» مؤسس 01

ثم من وجوه الإصلاح في الأوراس بعد ظهور الجمعية» والإمام ابن باديس قد زار العائلة الدردورية في حيدوسء ونزل ضيفا عند دار الشيخ عمر دردور 1977 في إطار جولة قام بها الى المنطقة.

بالإضافة إلى هذا كله فإنا نرى أن الكثير من مواقف ابن باديس تختلف اختلافا جذريا عن التوجه السلفي المحافظ, بل تجعله أميل إلى التصوف منه إلى السلفية» وهذه بعض الأمثلة على ذلك:

١‏ -من المتفق عليه عند السلفية عموما إنكار التوسل إلى الله» بل اعتباره شركاء لكن ابن باديس يخالف ذلكء بل يروي الحديث الذي يجمع السلفية على كتمانه» وكان في إمكانه أن يختار غيره من الأحاديث ليشرحه. وقد كان ما ذكره فيه من إيراده له وشرحه مثار سخط من السلفية الحديثة التي تعتبر القول بشرعية التوسل كالقول بشرعية الشرك.

والحديث المشار إليه هو ما حدث به عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي 2 فقال: ادع الله أن يعافيني قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرتء فهو خير لك. قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضا فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في)”

وقد بدا ابن باديس في شرحه للحديث كالصوفية المحدثين الذين ينتتصرون لأمثال هذه النصوصء. فقد حاول جهده أن يبين صحته» وكأنه يرد بذلك على من يريد تضعيفه» فهو يقول

- تحت عنوان (رتبة الحديث العلمية والعملية): (قال فيه الترمذي: حسن صحيح غريب)

دردورء» ص79)

تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون, (5/ 059) ١‏

ثم شرح هذه المصطلحات». وحاول من خلاها أن يركز على غرابته ى) يفعل الاتجاه السلفي, ولكنه عكس ذلك تماماء بل قال:( وما يقول فيه أبو عيسى الترمذي: حسن صحيح أقوى ما يقول فيه حسن فقط» لأن وصفه بالصحة مع وصفه بالحسن يفيد أن خفة الضبط في بعض رجاله تكاد لا تؤثر عليه حتى كأنها لم تحطه عن رتبة الصحبح التام.. وأما الغريب فهو ما انفرد بروايته راو فقط وإذا كان ذلك المنفرد ثقة فذلك الانفراد لا يضر فالغرابة لا تنافي الصحة والحسن.. وصححه أيضا ابن ماجة وال حاكم والبيهقي والطبراني)”"

ثم خلص من دراسة السند إلى نتيجة عبر عنها بقوله: (فبعدما عرفنا من حال سنده وتصحيح هؤلاء الأئمة له حصل لنا العلم الكافي- وهو الظن الغالب- بثبوته» وحيث كان بهذه المنزلة من الثبوت فإنه صالح لاستنباط الأحكام الشرعية العملية منه)”"

بعد دراسة الشيخ ابن باديس للسند وتصحيحه له» كان في إمكانه أن يؤول الباء في المتن | يفعل السلفيون» ولكنه لم يفعل» بل نص على أن الباء تفيد الاستعانة» بل تفيد التوسل» فقال: (و (الباء) في بنبيك وفي اني توجهت بك هي باء الاستعانة» والمستعان به هو السبب الحصل للمستعان عليه ولذلك جعل بعضهم باء الاستعانة من باء السببية» فالنبي- صل الله عليه وآله وسلم- مستعان به على السؤال أي على نجح السؤال بحصول الشيء المسؤول من الله تعالى» ومستعان به على التوجه بمعنى القصد أي على نجح ذلك القصد بحصول المطلوب منه تعالى فهو متوصل به إلى نجح السؤال ونجح القصدء وكل ما يتوصل به إلى الشيء يقال فيه وسيلة إليه» فالسؤال به توسل به» فيمكن أن تسمي هذه الباء باء التوسل» وهي الداخلة على ما هو

وسيلة في حصول شيء)”"

.18/4 7 آثار ابن باديس:‎ )١( .18/4 7 (؟) آثار ابن باديس:‎

(5) آثار ابن باديس: 7/ 18/4.

وكان في إمكانه بعد هذا أن يقصر التوسل على النبي يَ في حياته فقط» ويعتبر التوسل به بعد وفاته شركا كم| يرى ابن تيمية والسلفيونء ولكنه لم يفعل بعد ذكر القولين جميعاء واعتبرهما وجهاني الحديث. فقال: (ثم انه توسل بذاته بحسب مقامه عند ربه وهذا على الوجه الأول من الوجهين المتقدمين في فصل التراكيب أو توسل بدعائه» وهذا على الوجه الثاني منهما. فمن أخذ بالوجه الأول قال يجوز التوسل بذاته» ومن أخذ بالوجه الثاني قال إن| يتوسل بدعائه» ثم ان من أخذ بالوجه الأول فهذا الدعاء حكمه باق بعد وفاته ىا كان في حياته» ومن أخذ بالوجه الثاني لا يكون بعد وفاته. لأن دعاءه إنم) كان في حياته لمن دعا له. فالوجهان المتقدمان- ىا ترى- هما مثار الخلاف في جواز التوسل بذاته وعدم جوازه» فمن أخذ بالوجه الأول جوز ومن أخذ بالثاني منع)”"

بل إن الشيخ ابن باديس لم يكتف بمناصرة التوسل» بل مارسه. واعتقد تأثيره» فقد حدث عن نفسه قال: (نصحني سيدي الطالب إذا يسر الله لي زيارة القبر الشريف أن أسأله عليه وآله الصلاة والسلام الشفاعة» وقد يسر الله ي ذلك وله الحمد والمنة منذ عشرين سنة» وقد دعوت الله وحده وتوسلت له بنبيه وتوجهت إليه به أن يميتني على ملته. ويجعلني من أنصار سنته وأهل شفاعته؛ إلى أشياء أخرى قد استجاب الله تعالى بعضه. وأنا أرجو الاستجابة في الباقي)”"

وهكذا عند حديثه عن أدب العارفين مع رسول الله يه فقد قال: (اعلم أن السادة العارفين هم أرسخ الناس قدما في محبة النبي - صل الله عليه وآله وسلم- وتعظيم حرمته» ومراعاة شريف جانبه» وتعزيزه وتوقيره وبره. تجد ذلك في صلواتهم عليه وفي أدعيتهم لله تعالى عند ذكره. والتوسل به وفي مناجاتهم له عند الشوق إليه» وفي تأليفهم عند الكلام في حقه. وهذه أشياء مروية عنهم» معروفة منهم, لا تحتاج إلى شاهد ولا تخفى على طالب بل هم أكثر الناس

١911١ /7( آثارابن باديس‎ )١(

(؟) آثار ابن باديس (”/ /71) 0

أدبا مع شيوخهم ومربيهم ومريديهم؛ بل هم آدب الناس من جميع الناس)'"

وبناء على هذا ذكرنا أنه لو كان الأمر لابن باديس صرفا في رئاسة الجمعية لما أصبحت عدوا لدودا للطرق الصوفية» ولما انشغلت با انشغلت به من جزئيات» ولقبلت الصلح مع المخالف. أو على الأقل قبلت المناظرة معه.

؟ - مخالفته للاتجاه السلفي الذي يعتبر القول بأن والدي رسول الله يي في النار من مقتضيات العقيدة السلفية» وقد خالفهم ابن باديس في هذاء وشنوا عليه حملة شديدة بسبب هذاء وقد استدل على ذلمك بقوله تعالى: (وَمَا كُنَا مُعَذَيينَ حَنَّى تَبْعَتّ رَسُولَا) [الإسراء: ]١١‏ ٠‏ و أن تَقُولُوا مَا جَاءَنا مِنْبَشِيرِ وَلَا نَذِيرِ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَتَذِيدٌ 1 [المائدة: »]١9‏ وغيرهماء ثم قال: (وكلها آيات قواطع في نجاة أهل الفترة» ولا يستثنى من ذلك إلا من جاء فيهم نص ثابت خاص كعمر بن لحي أول من سيب السوائب وبدل في شريعة إبراهيم وغير وحلل للعرب وحرم فأبوا النبي يَي ناجيان بعموم هذه الآدلة)”"

ثم إنه رد الحديث الوارد في ذلك مع علمه بأنه ورد في صحيح مسلمء وهذا ما أثار عليه سخط الاتجاه السلفيء فقال: ( ولا يعارض تلك القواطع حديث مسلم عن أنس: أن رجلا قال للنبي يَي: يا رسول الله» أين أبي؟ قال: في النار. فل| قفا الرجل دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار)0)

ثم علل ذلك بكونه (خبر آحاد فلا يعارض القواطع وهو قابل للتأويل» يحمل الأب على العم مجازا يحسنه المشاكلة اللفظية ومناسبته لجبر خاطر الرجل وذلك من رحمته يَ وكريم

)1١79 /”( آثار ابن باديس‎ )١( )77 /”( (؟) آثار ابن باديس‎ : مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري» صحيح مسلم. دار إحياء التراث العربي - بيروت» تحقيق‎ )( .١91١/١ محمد فؤاد عبد الباقى»‎ ١1 ْ

أخلاقه)”", وذلك نفس ما يقوله الصوفية ومن هو على شاكلتهم تماما.

*- لاحظت عليه أدبا عظيم|ا عند ذكر رسول الله يي فهو لا يكتفي بالصلاة العادية عليه وإنما يشفعها دائم| بالصلاة على آله بل أفرد فصلا خاصا بالصلاة عليه وعلى آله» وهو يشبه في هذا الصوفية تماما في تعظيمهم لآل بيت النبوة".

5 - أن ما كتبه من فتاوى في الرد على الصوفية - وإن ذكرنا شدته فيه» وبعده عن مقتضيات المنهج العلمي من التحقيق والتوثيق" - إلا أنه كان فيه من حيث القصد صحيح, فقد دافع فيه عن رسول الله يله ضد من تصور أنه أساء إليه» ىا سنرى ذلك بتفصيل في محله.

أنه لم يتتحدث بتلك اللهجة الشديدة التي تحدث بها الشيخ مبارك اميل أو العقبي أو غيرهما حول ما يفعله الصوفية من زيارة الأضرحة؛ ونحوهاء بل نجد بعض النقول من مصادر موثوقة» بأنه كان يرى شرعية زيارة الأضرحة. كشأن الصوفية» وكشأن الكثير من العلماء المرتبطين مهم» وأعتذر للقارئ قبل تلك إيراد تلك الروايات على أن أعتمد فيها فقط على ما ذكره الشيخ عبد القادر عثماني شيخ الزاوية الرحمانية بطولقة» والتي كان لابن باديس علاقة مهاء وثقتي فيه لا تقل عن ثقتي في أبناء الجمعية الذين حاولوا أن يصوروا ابن باديس وهابيا جلفا غليظاء وتما ذكره الشيخ عبد القادر عثماني» بل ردده كثيرا في محاضراته أن من مراسللات الشيخ ابن باديس للشيخ الطاهر العبيدي الصوفي الذي سبق أن تحدثنا عنه - وكان أحد كبار

علماء الجزائر وسيد من سادات الطريقة الرحمانية» وقد سبق ذكره وترجمته - رسالة مهمة أسدل

0177 آثار ابن باديس (؟/‎ )١(

(؟) آثار ابن باديس: .7٠0 /١‏

(0) سنتحدث عن فتاواه بتفصيل في الفصل الخاص بأساليب التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية.

(4) عبد القادر عثاني: الزوايا والتعليم الديني» مجلة الامام مالك بن أنس ع. دار الهدى للطباعة والنشرء عين مليلة

0 04

عليها ثوب النسيان.

ونحب أن نذكر الرسالة هنا كاملة لنكتشف من خلالها الجانب الخفي من شخصية ابن باديس» والذي لم يتح له أن يظهر بسبب الوضع الذي كان فيه» قال في الرسالة: (بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلمء إلى حضرة علم العلم والفضلء ومعلم الكرم والنبل» التقي الطاهرء الأثواب السري البارع للأدب» مستحق الشكر منا با له علينا من سابق الأيدي العلامة الشيخ سيدي أبي الطيب الطاهر العبيديء أدامه الله بدرا طالعا في هالة درسه. وغيثا هامعا في ربع العلم» من بعد طمسه حتى وحشة قطره بأنسه» ويحقق من بساتين تلاميذه ثمرات غرسه آمين.

وبعد : سلام كى| تفتحت الأزهار في نسمات الأسحارء وتحية تحبي قديم التذكار وإن شطت الديارء فإني كتبته إليكم من حضرة قسنطينة» يوم قدومي من رحلة كنت أعملتها من ناحية الجزائر وتلمسان. لزيارة الأحياء والأموات من العلماء والصلحاء وأعيان الزمان» فتشرفت بسادات كثيرين منهم العلماء والصالحين» ومن أعظم الجميع قدرا وأشهرهم ذكراء سيدي أب مدين الغوث» وسيدي محمد السنوسي بتلمسان» وسيدي محمد بن عبد الرحمن» وسيدي عبد الرحمن الثعالبي بالجزائرء ودعونا للمومنين عامة وإخواننا أمثالكم خاصة: با نرجو من الله تعالى فيه القبول وبلوغ المأمول» وذكرت لكم هذا لما أعلمه فيكم من محبة الصالحين» وإن أمكنت لي الفرصة إن شاء الله تعالى كاتبتكم عن هذه الرحلة بمزيد تفصيل» ووافى كتابكم في غيابي في هذه الرحلة .» فللا قدمت وقبلته كرمته على غيره وقبلته» وكان ما داخلني من السرورء لكون خطابه مخففا لما غشيني من الخجل لمر عتابه» ولك العتبى يا سيدي فيها ذكرته ومنك الفضل فيا به ابتدأت وتفضلت فقد باغتتني القصيدة الغراء التي راقت ورقت واستوجبت الحمد» واستحسنته» فنظرت إلى أوصافك الكريمة» فحليتني بها ونسبتني إليهاء ببركة محبتك الخالصة ما ظننت» ويجازيك بالخير الجزيل على ما فعلتء هذا وإني ما

١1

أخرت الجواب متهاونا - أستغفر الله - ولا متكاسلاء ولكن حسبت أني أجبتكم فيمن أجبت» حتى جاء كتابكم فعلمت أنني غالط فيها ظننت» فبادرت بها متحاملا على حلمك,؛ معتمدا على فضلكء والعفو يا سيدي من شيم أمثالكم لا أعدمني الله من أفضالكم, وأقول :

إن كنت قد قصرت في الكتابة والله ‏ ما ملت عن ودادي وإنا كان ذلك مني ١‏ عن غفلة ليس عن مرادي

فسامحوا طاهري بفضل وحسبكم مسكنا فؤادي

ويعود من العبد وجماعته السلام عليكم وعلى جماعتكم, وأحبائكم كلهم لديكم, وكثير الدعاء لكم بالخير» طالبا منكم مثله» أخوكم وشاكر فضلكم ومملوك إحسانكم)”"

وقد ذكر الدكتور عبد الله حمادي - على حسب ما يذكر الشيخ عبد القادر لأني لم أطلع على المصدر مباشرة- أن ابن باديس وجه هذه الرسالة للشيخ الطاهر العبيدي عام ١915‏ م أو 7 م تقريباء و(أن عبد الحميد بن باديس كان في شبابه كثير التردد على أضرحة الأولياء والصالحين» وذلك للتبرك بهم)”)

وذكر الشيخ عبد القادر عثماني أن الشيخ عبد الحميد بن باديس زار طولقة وبرجهاء للتبرك بضريح الشيخين ابن عزوز وعلي بن عمر» وربهما كان ذلك في حدود ١975‏ م أو 1977 م ومما قاله في زيارته:

عوجوا نحيى منازل الأيجحاد ونؤدي حق زيارة الأسياد

03٠٠١ جويلية‎ ١0 1/7١ العياشي دعدوعة: الطريقة الرحمانية علمية جهادية إصلاحية» جريدة الأحرار» عدد‎ )١(

ص١١‏ )١(‏ عبد القادر عثاني: الزوايا والتعليم الديني» مجلة الامام مالك بن أنس ع. دار الهدى للطباعة والنشر» عين مليلة

0

و نحط أرجلنا بدار كرامة مبذولة الروضات للرواد

فهى الملاذ لكل جان خائف وهى الشفا من وصمة الأنكاد ما بين طولقة فبرج ‏ حيث تبصر نور أهل الله في إصعاد

بالإضافة إلى هذا كله» فقد عبر ابن باديس - وكأنه يرد على المتشددين من علماء الجمعية- عن المنهج الصحيح في التعامل مع الكافر أو المبتدع» فقال: (فلا يقال للكافر عند دعوته: (إنك من أهل النار)» ولكن تذكر له الأدلة على بطلان الكفر وسوء عاقبته» ولا يقال للمبتدع: (يا شال )وان قواله البلاعة وقجسية

هذه بعض الأدلة الدالة على مدى اعتدال ابن باديس» وهي لا تعني أنه لم ينكر ما يتصوره بدعاء ولم يقف أحيانا مواقف شديدة بسبب ذلك كموقفه الصارم من دعوة الصلح بين جمعية العلماء وبين الطرق الصوفية» وبين في رده أن الصلح من الأمور المحمودة التي دعا إليها الإسلام؛ ولكن الصلح لا يكون صلحا إلا إذا ل يحرم حلالا ول يحل حراماء ولم يمت سنة ول يحي بدعة ولم يقر منكرا ول ينكر معروفاا'".

إلا أنانرى أن ما فعله من مثل هذه المواقف كان مدفوعا فيه من طرف بطانة من المتشددين كانت تحيط به ولهذا نجد اختلافا كبيرا في مواقفه قبل توليه رئاسة الجمعية» وبعدهاء مع كونه في كلتا الحالتين يميل إلى الاتجاه السلفي بنوعيه» ولكنه في المرحلة الأولى كان يضم إليه بيعض التصوف المعتدل.

١‏ - أنه أثنى على الطريقة السنوسية خصوصا مع كونها تمارس نفس ما تمارسه الطرق الصوفية اللأخرى» وتعتقد عقائدهاء ولكنها أكثر انضباطاء فقال في مقال تحت عنوان (الصوفي

.7857/1١ آثار ابن باديس:‎ )١( .٠ ١ص السنة الأولى 9 ؟ ماي 1977ء‎ .٠ (؟) الصراط». عدده‎ 4١

السني بين الحكومة السنية والحكومة الطرقية)» ومما جاء فيه قوله: (أما الصوفي السني فهو الإمام المجاهد السيد أحمد الشريف السنومي الذي توفاه الله منذ أشهر بالمدينة المنورة فقد كان على جانب عظيم من التمسك بالكتاب والسنة والتخلق بأخلاق السلف الصالح وكانت دعوته إلى الله وإرشاده للعباد بهدايتهما وكانت تربيته لأتباعه مبنية على التفقه في الدين والتزام العمل به والزهد والصبر وحفظ الكرامة)00

ثم ذكر أن الحكومة الطرقية (هي حكومة مصر التي تشارك المشاركة الرسمية في بدع المواليد وتؤيد تأييدا رسميا الاجتماعات الصوفية با فيها من مناكر وقبح مظاهر وسوء مناظر مما تضج منه صحافتها كل يوم فضلا عن العلماء المصلحين من أمتها. ويواطؤها على هذا علماؤها الرسميون بسكوتهم وإقرارهم وأحيانا بدفاعهم وتأويلاتهم)”"

وهذان النصان يدلان على المنهج الباديسي في التعامل مع الطرق. فهو ينكر منكراتهاء لا أصلهاء ونحسب أنه لولا البطانة المتشددة التي كانت محيطة به لد يده للشيخ ابن عليوة والشيخ الحافظي وأسسا كيانا يستحيل اختراقه كيانا لا يخدم الجزائر وقت الاستعمار فقط» ثم يسلم الراية» بل يظل مستا لها.

الشيخ أبو يعلى الزواوي:

لا يقل الشيخ أبو يعلى سعيد بن محمد الزواوي”" عن ابن باديس اعتدالاء فهو مع كونه

.4/ 7/7 آثار ابن باديس:‎ )١( .4 9/7 (؟) آثار ابن باديس:‎ ولد سنة 1877 في ناحية عزازقة ولاية تيني وزو حالياء كان أبوه إماما في تلك القرية فتتلمذ على يده أخذ عنه الفقه‎ )*( والقراءات والنحو ثم انتقل إلى زاوية عبد الرحمن الإيلولي المشهورة في فترة كان التصوف هو السائد في تلك المناطق»‎ بعدها انتقل إلى دمشق وأخذ عن كثير من علمائها وعمل فيها ثم انتقل إلى مصر في أوائل الحرب العالمية الأولى وكان من‎ شيوخه فيها الشيخ محمد بن سعيد بن زكري الذي تأثر به أبو يعلى كيرا والشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي والعلامة‎

طاهر الجزائري ومن أقرانه رشيد رضا والشيخ محمد الخضر ومحمد كرد وشكيب أرسلان ومحمد عبده. ثم عاد إلى الجزائر ندل

يصرح كثيرا بكونه سلفيا إلا أن السلفية التي يقصدها - على حسب ما أرى - هي سلفية الإصلاح» والوقوف في وجه البدع والانحرافات لا المنهج الاستئصالي الذي كان ينادي المتشددون من أعضاء الجمعية.

ولعل السر في هذا الاعتدال هو نفس السر في اعتدال ابن باديس» وهو كونه مولودا في بيئة صوفية» فقد صرح في أحد مقالاته بقوله: (نعم كنت قبل أربعين سنة خلوتيا) أي حوالي سنة 7 وبالتالي عاين ممارسات الطرق الصوفية عن كثب لاعن وصف بعيد» فقد درس في زاوية الشيخ عبد الرحمن الإيلولي المشهورة في فترة كان التصوف هو السائد فيهاء وني تلك المناطق عموما”".

بالإضافة إلى كون الشخصيات التي لقيها أو استفاد منها أو تأثر بها هي الشيخ محمد بن سعيد بن زكري الذي تأثر به أبو يعلى كثيراء والشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلٍ والعلامة طاهر الجزائري» والشيخ رشيد رضاء والشيخ محمد الخضر ومحمد كرد وشكيب أرسلان ومحمد عبده» وغيرهم من التنويريين» ولهذا فإن توجهه تنويري أكثر منه سلفي.

وما يدل على هذا التوجه التنويري أنه يدافع عن حق المرأة في الميراث منتقدا أوضاع الزواوة في ذلك كا دعا إلى تعليمها وتربيتها» ودعا إلى إصلاح التعليم في الزوايا جملة وتفصيلا من حيث المواد التي تدرس فيها ومنهج إلقائها والنظام الذي يجب أن تكون عليه» كما كانت له

سنة ١478‏ فأسندت إليه وظيفة الإمامة في مسجد سيدي رمضانء وأخذ الشيخ يناضل فيه عن فكرته الإصلاحية.انظر في ترجمته: الأفكار الإصلاحية في كتابات الشيخ أبي يعلي الزواويء محمد أرزقي فراد دار الأمل» ط. 27٠594‏ وتاريخ الجزائر الثقافي» من كتبه (الخطب) و(الإسلام الصحيح) و(تاريخ زواوة) و(جماعة المسلمين) وله مؤلفات أخرى» عاش الشيخ قرابة ستة وثانين سنة وتوفي. بمرض البروستاتة أول جوان سنة ١107‏ الموافق ل ٠8‏ رمضان 1٠1/١‏ ه. انظر في ترجمته: أبو القاسم سعدالله» ج 4 ص .1750-١7١‏ دار البصائر الجزائر. ط. 270١1‏ وأبحاث وآراء في تاريخ الجزائر الحديث. أبو القاسم سعد الله ج ١‏ ص 55 .١‏ عالم المعرفة الجزائن ط. .7٠4‏

(1) أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة» ج ”» ص ١ل.‏ كل

إسهامات في السياسة حتى قيل: إنه أول سيامي طالب باستقلال الجزائر حيث راسل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى )١918-١191١5(‏ الرئيس الأمريكي ولسون.

بالإضافة إلى هذا كان مهت بالعلم الذي يقتضي المطالعة والدراسة والبحث على عكس المتشددين من أعضاء الجمعية والذين كانوا أميل إلى الأدب والخطابة!'" والشعر منهم إلى العلم» ولهذا كان من رجال الفتوى في الجمعية إذ وكلته إدارة جريدة (البصائر) في مهدها على رئاسة لجنة الفتوى فيها.

ومن مواقفه الدالة على اعتداله:

١‏ - قوله عن الشيخ ابن عليوة الذي تشدد معه الكثير من أعضاء الجمعية : (صاحبي ابن عليوة...أشهد الآن بين يديكم أني ما عرضت وما أمرت ولا نهيت الشيخ العليوي إلا استحسن وسلم حتى قال: إن حملاتك إن كانت علينا مقبولة وإن كانت لنا فهي أحسن لناء ويخاطبني قائلا: إنك بنظريتك السياسية والاجتاعية ننقاد إليك ونعمل بإشارتكء. وما زال وما زلت طامعا في» وطامعا فيه أي بأن نتفق على كتاب الله وسنة رسوله» وصرح لي أمام جمع أنه إذا ظهر لكم - معشر الإخوان- ني الدين والوطن والجنس - أن نتفق على جميع ما يخص المسلمين والوطنيين ... ولم أر ولم اسمع من غيره من الشيوخ الذين عرفتهم إلا الصدود وتعير الخدود ومقتي بأني كافر مهم وببدعهم» وقلت لكم وما زلت أقول أنه - أن الشيخ ابن عليوة يقول لكم: (مروا جميع رؤساء الطرق لنجتمع ونتفق على الموافق للكتاب والسنة وللآمة)!"

؟ - قوله بأن في الطرق الصوفية علماء» وهو ما أثار عليه سخط الكثيرين» ثما اضطر بعض رجال الجمعية للدفاع عنه» وممن دافع عنه الشيخ الطيب العقبي في مقال نشر في الشهاب ردا على من انتقص الشيخ جاء فيه: (ألا ما أشفقت) عليه أو رحمتم| شيخوخته وسلفيته الصادقة» )١(‏ وهذا لايعني أنه لم يكن خطيباء فقد عرف الشيخ بخطبه المرتجلة الحماسية مع القدرة العجيبة في الإقناع.

() أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة» ج 7» المصدر نفسه. ص ١ل.‏ 0

وتركتاه لنا عضدا قويا وشيخا سلفيا ...وهو من قد عرفت)|ه فضلا ومعرفة وسبقا إلى مذهب السلفية» ى| عرفت] مقدار مقدرته في الكتاب وبحثه وتنقيبه)

وقال الشيخ مبارك الميلي: (الشيخ الجليل العالم السلفي الأستاذ أبي يعلى الزواوي الذي لقبه الأخ الشيخ الطيب العقبي شيخ الشباب وشاب الشيوخ وكل من عرف هذا الشيخ وأنصفه اعترف له بهذا اللقب وسلم له هذا الوصف)

وقال أحمد توفيق المدني: (وإذا ذكرت الرجال بالأعمال فإني أذكر العلامة الكبير الشيخ سيدي أبا يعلى السعيد الزواويء أذكره بتأليفه القيم الإسلام الصحيح الذي نسف به الخرافات والأوهام في الأفكار العامة)()

المطلب الثاني: الموقف المتشدد:

وهو الذي يرى التصوف شيئا واحداء وأنه كله زندقة وضلال وكفرهء وأنه بدعة حادثة لا تحتاج إلا إلى الاستتصال من الجذورء وهذا الموقف - في الحقيقة - يكاد يصير الموقف العام للسلفية الحديثة بغض النظر عن توجهاتها المختلفة» ولللأسف كان من أعضاء جمعية العلماء من يميل إلى هذا الرأي» وينتصر له.

وهو ليس موقفا حديثاء بل كان هناك في كل جيل من يحمل مثل هذا التصورء ولهذا نجد في سير أعلام الصوفية وطبقاتها الكثير من الأذى والاضطهاد الذي لم يصب فقط المغالين فيهم» وإنما أصاب المعتدلين أيضا الذين تكاد تتفق الأمة على صلاحهم.

وقد اشار الإبراهيمي الى وجود هذا النوع من المتشددين ومطالبة الطرق الصوفية بعزلهم؛ فقال: (وهم يقولون عدا لو أسقطوا من حسابهم فلانًا وفلانًا ل... ولا يأتون في جواب (لو)

هذه بثبىء سديد ونحن يحقٌ لنا أن (نتكاشف) ولومرة في العمر فدعوني آخذ نوبتي في المكاشفة

)١(‏ نقلت هذه النصوص من موقع الموسوعة الحرة في ترجمة أبي يعلى الزواوي» (013.018 ما أ/نا.3//:مغا) ١1‏

عن جواب (لو) هذه وهاكم تركيب الجملة (لو أسقطوا من حسابهم فلانًا وفلانًا (لاثنين) لقلنا لهم أسقطوا فلانًا وفلانًا لاثنين آخرين حتى لا يبقى ... وفاتهم أننا تسعة ى) يقولون وهذا الإسقاط الذي يطلبونه يتناول اثنين اثنين» فلا بد من بقاء واحد. والسر في ذلك الواحد ... وما قولكم في ذلك الواحد إذا صاح صيحة الحق فاجتمع عليه تسعمائة وابتدأ الأمر بأشدّ مما انتهى به. ألا يكون ذلك أنكى عليكم؟ أم تظنون أن تنويمكم ضرب على المشاعر الحسّاسة كلّهاء وإن ذكركم ملأ الآذان حتى لم تعد تسمع صيحة الحق» ومتى أنار الدنيا هلال مقنع؟ يا قوم اظهروا ما تجمعون به وتعالوا نتساقط على الكيف لا على الكم كما تريدون ونحن تسعة كما تقولون وأنتم تسعة آلاف ... فيوشك إن فعلتم أن لا يسقط منا اثنان حتى تسقطوا جميعًا لأن نسبتكم من العمل الذي تدعونه نسبة الزؤان من القمح وعند الغربال الخبر اليقين. إنها لخدعة الصبي على اللبن كما يقول علي» كرّم الله وجهه)"

ثم بين الشيخ الإبراهيمي أن المسألة ليست مسألة أشخاصء وإنما مسألة مبادئ» فقال: (على أن المسألة ليست مسألة أشخاصء فنحن نرى أن الإصلاح مبدأ وفكرة وأنتم ترونه زيدًا وعمرًا.. ونحن نرى أن هذه الفكرة أو هذا المبدأ إن لم يقم بفلان قام بغيره وأنتم ترون أنه إن لم يكن فلان لم يكن مبدأ. ونحن نرى أن فرقًا بين جمعية تتكوّن حول مبد! اقتضاه تدبير الاجتماع الإنسانيٍ فهي مترابطة بجاذبية مبد! وهي ذائبة في مبد! وهي دائبة في العمل للمبد! وبين جمعية تتكون حول نفسها لتنصر نفسها بنفسها فتنصر مدبرًا بمدبر وتدافع ما لا يدفع ب لا يدفع ويكون من أول أكاذيبها على الناس أن تكذب في اسمها)”

بناء على هذا نحاول أن نذكر هنا بعض الناذج عن المتشددين من رجال الجمعية» مع العلم أننا ستتحدث عن مواقفهم المختلفة بتفصيل في محالمها المناسبة من هذه الرسالة.

)١7557 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١77 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

الشيخ الطيب العقبي:

نرى من خلال مواقف وكتابات الشيخ الطيب العقبي أنه أكثر علماء الجمعية تشدداء بحيث لايجاريه في تشدده أحد. بل نرى أنه عدى بتشدده الكثير من أعضاء الجمعية» لما كان يحظى به من قدرات مكنته لا من التسلط على قلوب العوام فقط» بل على قلوب النواص أيضاء وقد أشرنا إلى ذلك سابقا.

ولهذا اعتبره الشيخ الإبراهيمي (من أكبر الممثلين لهديها ‏ أي الجمعية ‏ وسيرتها والقائمين بدعوتهاء بل هو أبعد رجالا صيتا في عالم الإصلاح الديني وأعلاهم صوتا في الدعوة إليه... وإنما خلق قوالا للحق أمارا بالمعروفء نهاء عن المنكر وقافا عند حدود دينه» وإن شدته في الحق لا تعدو بيان الحق وعدم المداراة فيه وعدم المبالاة بمن يقف في سبيله)0"

والسر في تشدده بسيط» فقد عاش في الحجاز في فترة كان للوهابيين فيها سلطة وسطوة سواء على المستوى السياسي أو الدعوي”"» وكان له نشاط صحفي إصلاحي قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى» وعند عودته إلى الجزائر سنة ١47١‏ قرر إصدار جريدة عربية إصلاحية بعنوان (الإصلاح) تنشر فيها أفكاره الإصلاحية وترد على الطرق الصوفية متأسيا في ذلك با رآه في الحجاز من تشدد ومبالغة» فأقام حربا شعواء على الطرق.

وقد ذكر الإبراهيمي الأثر الكبير الذي أحدثته جريدته» فقال: (فكان اسمها أخف وقعاء وإن كانت مقالاتها أسد مرمى وأشد لذعا)”)

وكتب عنها الشيخ ابن باديس» وبشر بقرب صدورها فقال: (ستصدر تحت الاسم أعلاه

)755737 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

)١(‏ على الرغم من كونه كان مع الشريف حسين لا مع الوهابيين» ولكنه مع ذلك تأثر بالكثير من أفكارهم التي كانت تنتشر في العالم الإسلامي أجمع في ذلك الحين.

() آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 185)

جريدة لخطيب السلفيين وشاعرهم الزعيم الكبير الشيخ الطيب العقبي» بحسبي التنويه با ستجمل به الإصلاح الصحافة الجزائرية من آيات البيان» وغرر البلاغة» وفنون الكلام» وبديع الأساليب» وما تخدم به حزب الإصلاح الديني من آيات الحكمة وقواطع الحجة في أبواب الدعوة ومطارح الجدل» بحسبي ذلك أن أقول إنها للأستاذ العقبي» فقد عرفه الناس في مجالسه وما نشرته الصحف من كلامه؛ الخطيب المفوه. والكاتب الضليع))

وقال فيه - ملمحا إلى تشدده - : (الأستاذ العقبي أشهر من أن نعرف به» ونتتحدث عن ثباته» وإخلاصه وصراحته وجراءته» ولقد كان منذ أيام الحجاز وحل ببلدة سيدي عقبة معلنا بكلمة الحق داعيا إلى الكتاب والسنة» منكرا لشرك القبوريين» وبدع الطرقيين» وكان له من جراء ذلك أعداء؛ وكان له خصوم., وكانت له معهم مواقف وكانت له عليهم ردود)”"

وقد سببت له تلك الشدة الكثير من المعاناة مع سكان بسكرة» حتى أنه عانى لاستصدار جريدته» ويدل لذلك أن العدد الأول من صحيفته صدر في ١7‏ ربيع الأول ١55‏ ه ولم يصدر العدد الثاني إلا في أول سنته الثالثة ” ربيع الثاني /5 1 ه.

وقد ذكرنا من قبل وصف وصفه الشيخ أحمد حماني له بقوله: (كان أحد أقطاب الحركة الإصلاحية» وكتابها النامبين» وكان يميل في أسلوبه إلى الشدة والعنف والصراحة المريرة)7)

الشيخ مبارك الميلي:

هناك أدلة كثيرة يمكن من خلالها اعتبار الشيخ مبارك الميلي» من المتشددين من أعضاء

." ص‎ ١951/ جويلية‎ /٠١ 5 الشهاب العدد‎ )١(

(0) الشهاب العدد ١١6‏ ص ١7‏

(7) صراع بين السنة والبدعة: ح7» ص”7.

(5) انظر في ترجمته: رواد النهضة والتجديد في الجزائر ))١9155 - ١886(‏ د. عبد الكريم بن صفصاف. ص /9-

٠‏ ددر الحدىء عين مليلة» ط.177٠‏ 7 وأحداث ومواقف في مجال الدعوة الإصلاحية للحركة الوطنية بالجرائر» محمد ١5‏

الجمعية» بل هو من خلال ما كتبه في (رسالة الشرك ومظاهره) كان صوت الوهابية في الجزائر» بل كان له فوق ذلك أتباع يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكره مثلما كان للشيخ محمد بن عبك الوهات تماماء

وسنذكر هنا باختصار بعض أدلة تشدده:

١‏ عند حديثه عن التصوف يحاول أن يجرده من مصدره الإسلامي ليربطه بأي مصدر آخرء وقد أثار هذا الاختيار بعض الباحثين في التصوف من المعاصرين» فكتب يقول عنه: (يسعى الشيخ مبارك بن محمد الميلي» وهو يعرف الطريقة أو الصوفية إلى تجريدها من أي وجود مكن فاعل» ففي البدأ يعدم هذا الوجود لغويا أو لسانياء نافيا أن تكون لكلمة تصوف وجود لساني أصيل في اللغة العربية مادامت الكلمة هي في الأصل منتمية وجوديا أو لسانيا إلى المجموعة اللغوية اليونانية» ثم ينتقل ليعلم التصوف فيقطع أي جذر اجتتماعي قد يربطه بالفضاء العربي الإسلامي.. هكذا يبدو تعريف مبارك بن محمد الميلي للتصوف تعريفا إقصائيا متحاملا على وجه العموم على الطريقة أو الصوفية غايته إخراج وطرد لهذه الظاهرة من الفضاء العربي الإسلامي أو قل من الكيان الإسلامي)”"

؟ ‏ تحامله على الزوايا والطرق الصوفية» حتى الرحمانية التي كانت - كما ذكرنا - محل

احترام من الشيخ ابن باديس".

الصالح بن عتيق» ص 54 -4 5» منشورات دحلب الجزائر» نبذة مختصرة عن العلامة الشيخ مبارك الميلي» محمود أبو عبد الرحمن, مجالس الحدى للإنتاج والتوزيع الجزائر» .7٠١7 ١1‏

)١(‏ مقاربة حول التصوف والطريقة بين التنظير والمارسة. الطريقة البلقائدية مثالا مريدي الطريقة بالعين الصفراء تمثيلاء د.ط» د.ت» ص١0.‏

ه1١577( انظر كمثال على ذلك: مبارك الميلي» رسالة الشرك ومظاهره. دار الراية للنشر والتوزيع» الطبعة: الأولى‎ )١(

.1١١ضص)م5601-‎

- تأثره الشديد بمدرسة محمد بن عبد الوهاب» وحكمه لأجل ذلك على العوام بالوقوع في الشرك نتيجية زيارتهم للأضرحة ى]| سنرى ذلك في محله.

الشيخ محمد السعيد الزاهري:

وهو - في المرحلة الأولى - من حياته من أكثر أعضاء الجمعية تشدداء بل استعمل في تشدده كل ما أوتيه من قدرات أدبية شعرا ونثرا مالم يؤت مثله الكثير من أعضاء الجمعية".

ومن خلال اطلاعي على ما كتبه أعضاء الجمعية وجدت أن المائلين منهم للأدب, أكثر تشددا من غيرهم من المائلين إلى التحقيق العلمي» وهكذا كان الزاهري, ولهذا استعمل كل قدراته الأدبية في مواجهة الطرق الصوفية.

ولأجل هذا حرص عليه أعضاء الجمعية مع إنكارهم الكثير من تصرفاته. ى] عرفنا ذلك من موقف الشيخ الإبراهيمي منه؛ وقد عبر عن هذا ا حرص رئيس جريدة البرق محمد ال حمونٍ عندما قال: (فرجال الإصلاح يحسبونه هو القوة الفاعلة في هذه الحركة الناهضة إلى التجديد والإصلاح. لأن الله رزقه الجرأة والاقتدار مالم يتم لأحد سواه من شباب الجزائر الناهض)7"

لكنه لم يستمر على هذه الحال طويلاء بل انقلب إلى العكس حيث أصبح من ألد أعداء الجمعية» وحتى بعض التيارات السياسية الوطنية كانتقاده لحزب الشعب الجزائري7".

وبعد اختلافه مع الجمعية انسحب منها وساند الطرق الصوفية التي كان يحاربها أشد

المحاربة» ثم تقرب من حركة انتصار الحريات الديمقراطية بزعامة مصالي الحاج» وأعاد إصدار

)١(‏ سنرى الأمثلة الكثيرة عن ذلك عند ذكر أساليب تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية في الباب الثالث من هذه الرسالة.

.7 »ص‎ ١9571/ جويلية‎ ١8 يوم‎ ١5 محمد رحموني: محمد السعيد الزاهري. جريدة البرق» العدد.‎ )١(

(©) زهير إحدادن: أعلام الصحافة الجزائرية الأمير خالد والزاهري وأبو اليقظان» مؤسسة أحددن للنشر والتوزيع»

الجزائر 5 ١٠٠7”.ءص‏ 50.

جريدة (المغرب العربي) التي كانت تتكلم باسم هذه الحركة".

وكانت هذه المواقف سببا في إصدار حكم بإعدامه من طرف جبهة التحرير الوطني يوم ١‏ اماي 1105م في ساحة الشهداء بالجرائر العاصمة.

يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني: (الزاهري الذي كان شاعرا فحلاء وكاتبا مقتدراء وكان في سلوكه وفي سياسته قوس قزح يتحلى كل حين بلون جديد. إلى أن جاءت الثورة الجزائرية الكبرى؛ وكان يُصدر بالعاصمة الجزائرية صحيفة» من الحكومة ماهًا وفكرٌهاء فحكمت عليه الثورة المطهرة بالإعدام» وأردته قتيلا قرب ساحة الحكومة)”"

وقد تحدث عنه بتفصيل الشيخ أحمد حماني منكرا عليه» بل راميا له بها كان يرمي به الطرق الصوفية مما نتنزه عن ذكره هنا”»» ونحب أن نذكر بعض تفاصيل حياته. وخاصة بعد تحوله عن الجمعية لنؤكد في ذلك أمرا طالما نبه الصوفية عليه» وهو عدم الاكتفاء بالعلم واللغة والفصاحة. بل لابد من إضافة إكسير الإيان والتربية والروحية وإلا صارت اللغة والعلم وبالا على صاحبه.

يقول الشيخ أحمد حماني: (ولما تأسست جمعية العلماء المسلمين عام ١197١‏ م, انتخب في مجلس إدارتها سنة 1977 م» وفي إجتماعها العام سنة 975١م‏ أنشد قصيدة رنانة مطلعها: حي العروبة في جمعية العلما وحي - ويحك - فيها الدين والشي]

وتولى مع الشيخ العقبي رئاسة تحرير صحفها السنة والشريعة والصراط وآخرها البصائر

)١(‏ زهير أحدادن : المرجع السابق» ص70

١910 /٠7 أحمد توفيق المدني : المذكرات»‎ )١(

(©) انظر: أحمد حماني» صراع السنة والبدعة» ص /1.

(؛) نقلنا هذا النص بطوله لأهميته في التعرف على شخصية الزاهري» والذي كان من أهم أعضاء الجمعية الذين تعرضوا

للطرق الصوفية» والنص موجود في كتاب الشيخ أحمد حماني» صراع بين السنة والبدعة» ص 21177 وما بعدها. ١‏

في سلسلتها الأولى"؛ ولكن لم يجدد انتخابه لعضوية مجلس إدارتها أثناء اجتماعها العام سنة 5 م فكان ذلك بداية منعرج خطير في حياته» إذ ابم بعض أعضائها بالعمل ضد". وأخذ يقول عنهم السوء وينشره.. ثم تجاوز القول إلى العمل فأسس الجرائد الخاصة به» وكتب ضدهم ثم ضد الجمعية» من ذلك أنه أسس جريدة الوفاق فلم ترج» وردها الباعة ورفضها القراء ولم يستسيغوا أن يتنكر لمبادته ولإخوانه؛ فآل به الأمر الى ما آل إليه أمر ( النجاح) و( البلاغ الجزائري)» وأخذ يصانع أعداءه القدامى وخصوم مبدئه الإصلاحي بالأمسء ويثني على بعض شيوخ الزوايا والطرق» وقد كان من أشد كتاب المصلحين ضدهم., ثم بلغ به الأمر أن انضم سنة 1974م إلى الحلفاء - وفيهم فرنسا - أثناء حربهم ضد ألمانيا وحلفائهاء وكانت تغلب عليه نزعة ضد النازية» وهذا خلاف ما صنعته جمعية العلماء ورئيسها ابن باديس الذين قرروا الحياد والسكوت قائلين - كما سمعت بأذني فحواه من ابن باديس - ( إن قلنا ما يحب الله ورسوله ويرضى الشعب أغضبنا فرنساء وإن قلنا ما يرضي فرنسا غضب الله علينا ولم يرض الشعب عنا فلنسكت) وحاولت فرنسا أن تنطقهم فلم تستطعء أما الزاهري فنطق با أحبوا أن يقول في هتلر وحزبه. ولم يكن نطق الزاهري مفهوما أو معللا بعلة معقولة.. ولا يتهم الزاهري في وطنيته لأنه كان متطرفاء لكنه سوء تدبير منه لترخص له الرقابة في إصدار جريدته»ومن عجيب أنني قرأت له في أحد أعداده زعمه أن الشعب الجزائري كله بجانب الحلفاء في الحرب مع أن عواطف الشعب لم تكن كذلك لما يقاسيه منهاء بل كانت مائلة إلى

جانب خصوم فرنسا بغضا لها لا حبا فيهم ولا إقرارا لمبادئهم.

)١(‏ كيف لا تتهم الجمعية بالتشدد» وقد رأس تحرير جرائدها هذان المتشددان اللذان لم يستمرا معها طويلاء ولكنهم أثرا فيها كثيراء بل انحرفا بمسارها انحرافا خطيرا. )١(‏ نحتاج هنا أن نتذكر ذلك الموقف الذي وقف فيه ضد الطرق الصوفية في الاجتاع الذي حصل فيه انشقاق الطرق»

وإثر الحرب العالمية الثانية استمر في خطته وأسس جريدة ( المغرب العربي) مهاجما فيها العلماء» مادحا الطرقية والطرقيين» هاجيا بشدة الشيخ البشير الإبراهيمي» الذي سكت عنه كثيرا محتسباء ثم كتب عنه مقالا نشره في البصائر"'» وأخيرا اضطرت الحركة الوطنية إلى جريدة وحروف عربية فاستعارت ذلك منه لمدة» قبل ان يخرجوا جريدتهم العربية الخاصة هم» ووجد نفسه في خدمة الحركة الوطنية الصريحة» ولما وقع الانشقاق داخل الحركة لم يحسن الاختيار وانحاز إلى الآية الممحوة» فكانت عاقبة أمره خسراء فإنه لما نشبت الثورة سكت مدة ثم أخرج جريدته من جديد» وشرع يلمز الجبهة وينتقد بعض تصرفاتهاء أذكر من ذلك أنه شنع بقتل خائن أعدم بالمسجد الكبير بعدما عاث فسادا في جهة تابلاط واحتمى بالمسجدء وقد أهدر رسول الله يي دماء قوم أذن في قتلهم بالمسجد الحرام» ومن ذلك انه انتقد انتقادا مرا سفر وفد فيه السيد فرحات عباس للالتحاق بالثورة وبأمر من القيادة» وكتب عن ذلك كلمة في جريدته عنوانها: (وفد مريب في مهمة مريبة) وغابت عنه السياسة الحكيمة التي انتهجتها جبهة التحرير في قبول جميع المواطنين - اذا نصحوا - في صفوفهاء ثم تجرا أخيرا ونشر صورة كبرى غطت كامل الصفحة الاولى من جريدته للسيد.... ( لعله مصالي) الذي كان رمز الخلاف» وزعم أنه زعيم الشعب الأكبر» وصادف أن كانت الفتنة في أشدها بين فدائي الجبهة وبين أتباع الحركة الوطنية» فكان هذا الانحياز المعلن عنه بمثابة الحكم على نفسه بالإعدام» وذات يوم من أيام سنة 19155م, خر الشيخ الزاهري صريع خمس رصاصات من يد فدائيين في مدخل نبج زبانة لا لير آنذاك) قرب جامع كتشاوة» فذهب ضحية تبوره» وسوء تصرفه وإصراره على الخطأًء وعسى أن يلقى عند ربه خيرا ما لقي من الناس)”" )١(‏ عنوان المقال: إلى الزاهري» نشره الإبراهيمي في العدد 7١‏ من جريدة «البصائر»» 71 ديسمبر سنة 2114/4 انظر:

آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (”/ /00) (؟) صراع السنة والبدعة ص ١75‏

ومع هذا التقلب في مواقفه إلا أنا اعتبرنا الغالب فيهاء أو ما وصل إلينا منهاء أو ما انتشرء لآن كتاباته المؤيدة غير منتشرة» ولا مشتهرة بالإضافة إلى محدوديتهاء بالإضافة إلى أن الحقيقة لا يمكن الاطلاع عليها إلا من الاطلاع على جريدة (المغرب العربي»» أو ما أصدره بعد خروجه من الجمعية» ولم يتسن لي للأسف الاطلاع على ذلك".

الشيخ محمد البشير الإبراهيمي:

وهو - مع ما يذكر من عقله وحكمته وفقهه- إلا أنه في هذا الباب خصوصا كان شديدا متحاملا غاية التحامل» لا يكاد يقر بمكرمة لا للتصوف ولا للطرق الصوفية» بل فوق ذلك لا يقبل أي هدنة أو صلحء بل ولا مناظرة مع الآخرء بل لا يرضى إلا الاستئصالء لأنه يعتبر التصوف دخيلا منذ بدأ التصوف. ول يقل مثل ما قال غيره بطروء الانحراف عليه بعد أن كان سليها صا حا.

وقد عبر عن ذلك بصراحة عندما أرخ لبدء تفرق المسلمين» فقد اعتبر التصوف سرا من أسرار البلاء الذي نزل بالأمة» فقال - وهو يؤرخ للفترة الأولى من التصوف-: (أما المذاهب الصوفية فهي أبعد أثْرّا في تشويه حقائق الدين وأشد منافاة لروحه. وأقوى تأثيرًا في تفريق كلمة المسلمين» لأنها ترجع في أصلها إلى نزعة غامضة مبهمة» تسترت في أول أمرها بالانقطاع للعبادة والتجرد من الأسباب والعزوف عن اللذات الجسدية والتظاهر بال لخصوصية» وكانت تأخذ منتحليها بشيء من مظاهر المسيحية» وهو التسليم المطلق» وشيء من مظاهر البرهمية وهو تعذيب الجسد وإرهاقه توصلا إلى كال الروح زعموا. وأين هذا كله من روح الإسلام وهدي الإسلام؟ ولم يتبين الناس خيرها من شرهالما كان يسودها من التكتم والاحتراس» حتى جرت على ألسنة بعض منتحليها كلمات كانت ترجمة لبعض ما تحمل من أوزار)”" )١(‏ ذكرلي الدكتور أحمد عيساوي أن الجريدة لا تزال موجودة في أرشيف قسنطينة.

)١74 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

فهذا النص صريح في اتهامه للصوفية الأوائل الذين لم يستطع حتى ابن تيمية مع تشدده أن يتهمهم في نياتهم لكن الإبراهيمي يعتبر أنهم كانوا يستعملون (التكتم والاحتراس) لنشر مذهبهم.

ولم يكتف برمي الصوفية الأوائل» بل راح يرمي من بعدهم من كانوا يشتملون على كبار الك لكر يس ا ا ل 0

س الشريعة فوقفوا لما بالمرصاد. فلاذ منتحلوها بفروق مبتدعة يريدون أن يثبتوا مها

ل ا ل 0 في فحواها عن جعل الدين الواحد دينين.. وما كاد السيف الذي سل على الحلّاج وصرعى مخرقته يغمد ويوقن القوم أغهم أصبحوا بمنجاة من فتكاته» حتى أجمعوا أمرهم وأبدوا للناس بعض مكنونات أسرارهم ملفوفة في أغشية جميلة من الألفاظ» ومحفوفة بظواهر مقبولة من الأعمال. وحاولوا أن يصلوا نحلتهم تلك بعجرها وبجرها بصاحب الشريعة أو بأحد أصحابه فلم يفلحواء وافتضحت حيلتهم وانقطع الحبل من أيديهم» فرجعوا إلى ادعاء الكشف وخرق الحجب والاطلاع على ما وراء الحس إلى آخر تلك (القائمة) التي لا زلت تسمعها حتى من أفواه العامة وتجدها في معتقداتهم)0)

وهذه الكلمات الشديدة موجهة إلى كل العلاء الذين اقتنعوا بمنهج الغزالي» فراحوا يجمعون بين العلم الشرعي والسلوك الصوفيء والإبراهيمي ببذه الكلمات الشديدة القاسية يرمي كل أولئك العلماء» وكل التراث الذي خلفوه بالانحراف المقصود المضاد للدين.

ثم راح يتحدث عن مرحلة ثالثة» وهي المرحلة التي نشأً فيها التصوف العرفاني» فقال: (ثم أَمرَ أمر هذه الصوفية وتقوّت على الزمن» والتقت مع الباطنية وغيرها من الجمعيات التي تبني

)١74 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

أمرها على التستر على طبيعة دساسة وعرق نهل ومزاج متحد. واختلطت تعاليم هذه بتعاليم تلك. وتشاببت الاصطلاحات وابتلي المسلمون من هذه النحل بالداء العضال)0")

والعجيب أن الإبراهيمي لا يناقش هذه المسائل الخطيرة مناقشة علمية» فيحدد المرادين» ويستثني غيرهم, ويفرق بين الوقوع في الخطأء وتعمد الخطأء بل والتآمر على الخطأً.

فهو في هذا الحديث من أوله إلى آخره يتتحدث عن عصابة تتآمر على الدين» وهي تعرف أنها تتآمر عليه» ولكنها تصر على ذلك رغبة في حربه.

ولم يكتف بذلك. بل راح يعتبر الصوفية محلا لكل انحراف. فقال: (وقد اتسع صدرها بعد أن تعددت مذاهبهاء واختلفت مشاربها في القرون الوسطى والأخيرة من تاريخ الإسلامء فانضوى تحت لوائها كل ذي دخلة سيئة وعقيدة رديئة حتى أصبح التصوف حيلة كل محتال» وحلية كل دجال)”"

ثم تطرق إلى الطرق الصوفية» فجمعها جميعا في سلة واحدة. ول يستثن أحدا منهاء ول يعترف لها بأي منقبة» يقول: (وإن هذه الطرق المنتشرة بين المسلمين» والتي تربو على المذاهب الفقهية عدا كلهاء على ما بينها من تباين الأوضاعء واختلاف الطباع» وتنافر الأتباع» تتتسب إلى هذا التصوف. ولكنه انتساب صوري اسميء وشتان ما بين الفرع وأصله. فمبنى التصوف في أغلب مظاهره- كما أسلفنا- على الانقطاع والزهد في الدنياء والتجرد والتقشف ورياضة النفس على المشاق وفطمها عن الشهوات. ومبنى هذه الطرق في ظاهر أمرها وباطنه على حيوانية شرهة لا تقف عند حدّ في التمتع بالشهوات. والانهماك في اللذائذ واحتجان الأموال

من طريق الحرام والحلال» واصطياد الجاه وحب الظهور والاختلاط بأهل الجاه وإيثارهم

)١74 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١74 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

والتزلف إليهم)”"

وما ذكرناه من تحامله الشديد على المتقدمين والمتأخرين من غير استثناء لقي على ما يبدو إنكار تمن يسميهم الإبراهيمي (بعض الناس)» فقد ذكروا أنهم يقولون: (إن ما ذكرتموه من آثار الطرق السيئة كله صحيح وهو قليل من كثير» ولكن هذه الطرق لم يعترها الفساد والافساد إلا في القرون الأخيرة» وأنتم- معشر المصلحين- تذهبون في إنكاركم إلى ما قبل هذه القرون. وتتناولون فيا تكتبون وما تخطبون وما تدرسون المحدثين والقدماء والأصول البعيدة والفروع القريبة. حتى بسطتم ألسنتكم بالسوء إلى مقامات وأسماء كانت قبل اليوم كحام الحرم. ولعل خصومكم يكونون أدنى للرجوع إلى الحق لو سكتم لهم عن هذه الأسماء)”"

وقد رد الإبراهيمي على هذا التعقيب با يرد به عادة المتشددين من دعاة الوهابية خصوصاء وهو أن (حجة الإسلام قائمة» وميزانه منصوبء وآدابه متمثلة في سيرة الصحابة والتابعين» واننا لا نعرف في الإسلام بعد قرونه الثلاثة الفاضلة ميزة لقديم على تحدث, ولالميت على حي وإنما هو ال هدى أو الضلالء والاتباع أو الابتداع» وليست التركة التي ورثناها الإسلام عبارة عن أسماء تطفو بالشهرة وترسب بالخمول ويقتتل الناس حوها كالأعلام» أو يفتنون بها كالأصنام. وإنا ورثنا الحكمة الأبدية والأعمال الناشئة عن الإرادة» والعلم المبني على الدليل) و

ثم يذكر أن تلك الأساء التي أجمع المسلمون على احترامها لا يصح احترامها (لأنهم غلوا في تعظيم بعض الأسماء غلوًا منكراًء فأداهم ذلك الغلو إلى نوع غريب من عبادة الأسماء نعاه

)١74 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١79 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١79 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )"(

القرآن على من قبلنا ليعظنا ويحذرنا ما صنعوا)”"

ثم بين موقفه المتشدد من الطرق الصوفية وخصوصا ما كان منها في الشمال الإفريقي لا يستثني في ذلك أي طريقة» بل يرميها بها يتفق الصديق والعدو على كذبه من كونها كانت بابا للاستعمار مع أنها أول من حاربه. يقول في ذلك: (مع أننا نعلم أن الطرق منتشرة في العالم الإسلامي وأن آثارها فيه متشابهة» وأنها هي السبب الأقوى في كثير تما حل به من الأرزاء والنكبات؛ وكثيرًا ما كانت مفتاحًا لاستععار تمالكه» فإن حربنا موجهة أولّا وبالذات إلى طرقية الشمال الافريقي» وبينها من الوشائج ما يجعلها كالشيء الواحد. فعلى مقدار هؤلاء الذين نعرف جنسهم وفصلهم» وفرعهم وأصلهم نفصل القولء وإلى هذا الهدف نسدد السهام)”)

ثم ذكر الشيخ المراحل التي مر بها في حربه لهم - مع الجمعية- وكيف استطاعوا أن يتتصروا عليهم فقال: (والأمر بيننا وبينهم من يوم شنت الغارة دائر على أحوال وسائر على مراحل يتتقلون بنا من إحداها إلى الأخرى ولا نزال نطاردهم وهم يلتجئون من ضيق إلى أضيق إلى الآن.. وذلك أننا لما أنكرنا عليهم باطلهم الذي يرتكبونه باسم الدين» زعموا أن الطريق هي الدين» ولما نقضنا لهم هذه الدعوى تنزلوا فزعموا أن لما حبلًا واصلا بالدين وسندًا متصلا بالسلف. ولا بينا لهم أن الحبل مقطوع وأن السند منقطع قالوا إن هذه الطرقية مرت عليها قرون ولم ينكرها العلماء؛ فبينا لهم أن عدم إنكار العلماء الباطل لا يصيره حقّاء ومرور الزمن عليه لا يصيره حقَاء وقلنا لهم إذا كان سلفكم في الطرقية يعملون مثل أعمالكم فهم مبطلون مثلكمء وإذا كانوا على المنهاج الشرعي فليسوا بطرقيين» ونحن نعلم من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامة أن بعض أصحاب هذه الأساء الدائرة في عالم التصوف والطرق كانوا على استقامة شرعية وعمل بالسنة ووقوف عند حدود الله. فهم صالحون بالمعنى الشرعي»

)١79 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١74 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

ولكن الصلاح ل يأتهم من التصوف أو الطرق وإنما هو نتيجة التدين» وني مثل هؤلاء الصا حين الشرعيين إنما نختلف في الأساء. فنحن نسميهم صا حي المؤمنين وهم يسمونهم صوفية وأصحاب طرق. فيا ويلهم إن طريقة الإسلام واحدة» فىم| حاجة المسلمين إلى طرق كثيرة)”"

ولسنا ندري أين جرت هذه الحرب التي تحدث عنهاء وكيف خرت الطرق صرعى لحرمهم» والمؤسف ني كل ذلك هو ذلك التعميم الذي لا علاقة له بالمنهج العلمي» ولكن الرجل - للأسف - غلب عليه البيان الأدبي على البيان العلمي» فلهذا نراه يبحث عن الألفاظ أكثر من بحثه عن الحقائق» فهو لم يورد مثالا واحدا ولا دليلا واحداء وإنما خطب خطبة عصاء في هجو الطرق. يمكن مقارنتها بخطب الحجاج وابن زياد في فصاحتها وفي شدتهاء ولكن لا يمكن مقارنتها بأي مقال علمي.

وأمر التشدد يبلغ بالإبراهيمي غايته القصوى حين لا يكتفي بإنكار الطرق» بل ينكر التصوف أيضاء وهو مالم يتجرأ كبار السلفيين على إنكاره؛ فهو يقول: (ثم ما هذا التصوف الذي لا عهد للإسلام الفطري النقيّ به؟ إننا لا نقره مظهرًا من مظاهر الدين أو مرتبة عليا من مراتبه» ولا نعترف من أسماء هذه المراتب إِلَّا بها في القاموس الديني: النبوة والصديقية والصحبة والاتباع ثم التقوى التي يتفاضل بها المؤمنونء ثم الولاية التي هي أثر التقوى. وإن كنا نقره فلسفة روحانية جاءتنا من غير طريق الدين ونرغمها على الخضوع للتحليل الديني)7"

بل إنه يضيق ذرعا حتى بلفظة التصوف. مع أنه لا مشاحة في الاصطلاح» يقول في ذلك: (هل ضاقت بنا الألفاظ الدينية ذات المفهوم الواضح والدقة العجيبة في تحديد المعان حتى

نستعير من جرامقة اليونان أو جرامقة الفرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة التي يتسع معناها

)١175 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١11/5 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

لكل جر ولك فر

بل إنه يقسم لو أن الأمر كان بيده حرم هذه الكلمة» يقول في ذلك: (ويميئّاه لو كان للمسلمين يوم اتسعت الفتوحاتء. وتكونت (المعامل) الفكرية ببغداد ديوان تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجميء لكانت هذه الكلمة من «المواد الأولية) المحرمة الدخول)”"

ثم بين أن التصوف لم يضم في أحضانه إلا المنحرفين» فقد أصبحت هذه الكلمة - ى] يذكر -( أمّا ولودًا تلد البر والفاجر. ثم تمادى بها الزمن فأصبحت قلعة محصنة تؤوي كل فاسق وكل زنديق وكل تمخرق وكل داعر وكل ساحر وكل لص وكل أفاك أثيم.. فكل راقص صوفيء وكل ضارب بالطبل صوفي» وكل عابث بأحكام الله صوفي» وكل ماجن خليع صوفي» وكل مسلوب العقل صوفيء وكل آكل للدنيا بالدين صوفي» وكل ملحد في آيات الله صوفي» وهلم سحيًا)0

بعد هذا الموقف المتشدد من التصوف سلفه وخلفه سنيه وبدعيه تساءل مستنكرا: (أفيجمل بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملة. صادقة شعارهم (لا صوفية في الإسلام) حتى يدكوها دكًا وينسفوها نسمًا ويذروها خاوية على عروشها؟)"

هذا هو الشعار الذي دعا إليه الإبراهيمي (لا صوفية في الإسلام)» ولم أجد مع اهتمامي

بالتصوف من دعا ببذه الدعوة من المتقدمين أو المتأخرين غيره. ما عدا السلفية الحديثة» والتي

)١175 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١175 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١1/5 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎

(5) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي )١17/5 /١(‏ 30١6‏

5-8

أعجبت بموقفه هذا أيي| إعجاب, ولهذا نرى هذا العنوان منتشرا في النوادي والمواقع» وكأنه آية قرآنية أو حديث نبوي.

والإبراهيمي - للأسف - يشبه رجال الصوفية ومشايخهم باليهود والنصاري من أصحاب الصوامع والأديرة» ولكنه لا يحفظ لهم الحرمة التي تحفظ لهؤلاء» ويعلل ذلك بأن (احترام الصوامع والآديرة- لأن فيها قومًا فحصوا أرؤسهم وحبسوا نفوسهم- مشروط ب إذا ل تكن مأوى للمقاتلة» وإلا زال احترامها)!"

ثم يختم هذه الجولة القاسية بإخباره أن محركه في هذا ليس إلا الغيرة للدين والإخلاص له فقال: (إننا لا نحمل طؤلاء المشائخ ولا لأولادهم ولا لأحفادهم حقدًا ولا نضطغن عليهم ينا ولا ننفس عليهم مالا من الأمة ابتزوه» ولا جامًا على حسايها أحرزوه؛ وليس بيننا وبينهم ترات قديمة» ولا ذحول متوارثة» ولا طوائل مغرومة. وإنا هو الغضب لله ولدينه وحرماته انطقنا فقلناء وشنناها غارة شعواء على الآباء والأبناء)7)

ونحن لا ننكر عليه إخلاصه - مع أنه لا يكفي في مثل هذه المسائل - بل ننكر عليه تقصيره في البحث العلميء لأن هذه المسائل الخطيرة» والتي يتعلق بها مصير مئات الملايين من المسلمين في جميع الأعصار لا ينبغي أن نتناولها في قالب إنشائي أدبي» وإنا نتناولما في قالب بحثي علمي يحاول أن يفرق بين المناسب وغير المناسب, والشرعي وغير الشرعي.

والإبراهيمي - لغلوه الشديد في هذا الباب - يحمل حملة الشديدة على ما اتفق كل الباحثين عليه» وهو الدور العظيم الذي قامت به الطرق الصوفية وزواياها من الحفاظ على الحوية واللغة العربية» وما تنشره من العلوم الشرعية واللغوية» والتي لا علاقة لها بالتصوف:

ولكن الإبراهيمي لم يرضه هذاء وهو يريد هدمه؛ كى| يريد هدم التصوف سواء بسواء.

)١ا//‎ /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )١15 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

فيقول: «(وزوايا الطرق في باب العلم كمدارس الحكومات هذه معامل لتخريج الموظفين» وتلك معامل لتخريج ا 7 لمسبحين بحمد الزوايا والمقدسين. أما العلم وحقيقته وصراحته وحريته

فلا رائحة لما في هذه ولا في تلك)00

)١1175 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

خاتمة الفصل

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل:

١‏ -من الأهداف الكبرى التي تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لأجلها مواجهة الطرق الصوفية» بل محاربتهاء واستئصاطاء بل تقديم استئصاها على استئصال الاستعمار نفسهاء باعتبارها أخطر تأثيرا منه.

؟ - أنه حصل بين الجمعية والطرق الصوفية نوع من الوفاق عند أول تأسيس الجمعية» وبسببه تأسست الجمعية» وانتشر صيتهاء ثم حصل بعد ذلك» وبعد سنة واحدة الانقلاب.

" - أن أعضاء الجمعية لم تقتصر تلمذتهم على مدرسة واحدة» وبالتالي اختلفت مواقفهم شدة ولينا بحسب ما أشربوا من أفكار» ذلك أن الكثير منهم إنها انتتسب للجمعية بناء على اقتناعه بمشروعها الإصلاحي أكثر من اقتناعه بتوجهها الفكري. مثل الشيخ العيد القادري. الذي حول من زاويته إلى مدرسة للإصلاح.

5 - على المستوى الفكريء نجد المتشددين المغالين يصمون آذاهم عن ساع ما يطرحه الآخر من أفكار وأدلة» لأنه يعتبر أن كل ما يأتي به المخالف كفرا وضلالا وبدعة» ويرى لأجل هذا أن منهج التعامل معه هو الاستئصال والتشهير لا الإصلاح والتوجيه. بين| نجد المعتدلين أخف حدة. وأكثر إقبالا على تقبل الآخر ومناقشته.

4 على المستوى الشخصي نرى المتشددين يميلون إلى استعمال العنف اللفظي والأحكام المشددة على خلاف المعتدلين الذين هم أكثر لينا وسماحة.

5 أن البعض تمن نعتبرهم معتدلين يقفون في بعض المواقف مواقف المتشددين من حيث عدم سماع الآخرء أو عدم احترامه» والعكس صحيح.

- أن الكثير من أعضاء الجمعية تغيرت مواقفهم لأسباب مختلفة» وبالتالي يمكن اعتبارهم

في مرحلة من المراحل ضمن المتشددين» وفي مرحلة أخرى ضمن المعتدلين» والعكس صحيح.

- أن ضابط الاعتدال هو قبول الآخرء أو التعامل بلين معه. ولو في بعض المواقف. ومن خلال استقراء ما كتبه وما قام به كبار رجال الجمعية وجدنا أن هذا الوصف ينطبق أحسن انطباق على شخصيتين من كبار أعضاء الجمعية المؤسسين» وهما الشيخ عبد الحميد بن باديس» والشيخ أبو يعلى الزواويء بالإضافة إلى هذا هناك شخصيات كثيرة كالشيخ العيد» ومبروك التبسي وغيرهماء وهذه الشخصيات - كما ذكرنا - يمكن تصنيفها في إطار آخرء وهو التصوف الإصلاحيء فهم لا يتفقون مع الجمعية إلا في مشروعها الإصلاحيء ويختلفون معها اختلافا جذريا في توجهها الفكري.

4 عند مقارنة المواقف التي وقفها الشيخ عبد الحميد بن باديس مع مواقف أكثر أعضاء من اطلعنا على تراثهم من رجال الجمعية يمكن اعتباره أكثرهم اعتدالاء وأحسنهم أدبا مع المخالف. بل رأينا أن الشيخ عبد الحميد بن باديس كان معرضا لضغوط من طرف المتشددين من رجال الجمعية الكبار» والذين كان يحرص على إرضائهم» ولذلك كان يظهر أحيانا بصورة المتشدد. فلذلك كانت لغته في الخطاب مع المخالف أكثر لينا بكثير من مثيلاتها من سائر رجال الجمعية.

٠‏ -لايقل الشيخ أبو يعلى سعيد بن محمد الزواوي عن ابن باديس اعتدالاء فهو مع كونه يصرح كثيرا بكونه سلفيا إلا أن السلفية التي يقصدها - على حسب ما أرى - هي سلفية الإصلاح» والوقوف في وجه البدع والانحرافات لا المنهج الاستئصالي الذي كان ينادي المتشددون من أعضاء الجمعية.

١‏ -يظهر من خلال مواقف وكتابات الشيخ الطيب العقبي أنه أكثر علماء الجمعية تشدداء بحيث لا يجاريه في تشدده أحدء بل نرى أنه عدى بتشدده الكثير من أعضاء الجمعية» لما كان

يحظى به من قدرات مكنته لا من التسلط على قلوب العوام فقطء بل على قلوب الخواص أيضاء

51

وقد أشرنا إلى ذلك سابقا.

7 -رأينا أن الشيخ البشير الإبراهيمي- مع ما يذكر من عقله وحكمته وفقهه- كان شديدا متحاملا غاية التحامل» لا يكاد يقر بمكرمة لا للتصوف ولا للطرق الصوفية» بل فوق ذلك لا يقبل أي هدنة أو صلح.ء بل ولا مناظرة مع الآخرء بل لا يرضى إلا الاستئصالء لأنه يعتبر التصوف دخيلا منذ بدأ التصوفء ولم يقل مثل ما قال غيره بطروء الانحراف عليه بعد أن كان سليها صا حا.

١‏ - أن هناك أدلة كثيرة يمكن من خلاها اعتبار الشيخ مبارك الميلٍ من المتشددين من أعضاء الجمعية» بل هو من خلال ما كتبه في رسالة الشرك ومظاهره كان صوت الوهابية في الجزائرء بل كان له فوق ذلك أتباع يقومون بالآمر بالمعروف والنهي عن المنكرء مثلما كان للشيخ محمد بن عبد الوهاب تماما.

4 - أن الشيخ الزاهري كان- في المرحلة الأولى - من حياته من أكثر أعضاء الجمعية تشدداء بل استعمل في تشدده كل ما أوتيه من قدرات أدبية شعرا ونثرا ما لم يؤت مثله الكثير من أعضاء الجمعية.

5 - أنه كان في إمكان الجمعية في حال التوافق مع الطرق الصوفية أن تكتسب الكثير من المواقع المهمة والطاقات التي تستطيع من خلالها أن تؤدي رسالتهاء وأن تصل إلى أكبر عدد من الجزائريين» لكنها للأسف فرطت فيها بناء على نظرتها الاستئصالية الإقصائية.

7 -رأينا أنه يمكن أن يكون للاستعار عبر عملائه دخل فيها حصل بين الجمعية والطرق الصوفية من خلافء» فقد كانت مصالح المستعمر منوطة بتفرق الجزائريين وصراعهم فيا بينهم» ولهذا انتهجت فرنسا - كما عرفنا سابقا- سياستها المعروفة (فرق تسد)» وقد مارست هذه السياسة مع الجميع» فهي لا مهمها طرقي أو مصلح. المهم عندها ى] عند كل مستعمر أن تتنافر النفوسء وأن يجهز بعضهم على بعضء حتى يتمكن من تحقيق أهدافه.

1

الفصل الثالث وسائل التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية

مع التضييق الشديد الذي كان يوارسه الاستععار على الشعب الجزائري بطبقاته جميعا إلا أنا نجده قد وضع كثيرا من الفسحة للجمعية وللطرق الصوفية لنشاطهماء وخاصة ما كان منه داخليا فيا بينهما.

وهذا ما أتاح لكل الطرفين أن يتحرك بحرية أكبر على المستويات المختلفة» والذي تجلي في استعم الما لكل الوسائل في ذلك الحين.

أما ما قد يتوهمه البعض تضييقاء فلا نراه كذلك, لأن الذي يريد أن يضيق يقطع المدد من أصلهء خاصة إن كان جهما غليظا مثل الاستعمار الفرنسيء أما أن يغلق صحيفة في الصباح» ثم تخرج هي نفسها بعنوان مخالف في المساء» فلا نعتبره تضبيقاء بل نراه نوعا من الإشهار المجاني» لأن الشعب الجزائري كان يبغض المستعمرء وكان بالتالي يبغض كل من يتوهم أنه يبغض الاستعمار.

ونحن لا نقول هذا تحكماء وإنا نقوله عن دراية وخبرة» فأكثر تلك الصحف وأكثر تلك التنقلات لم تساهم لا في تثقيف الجزائري. ولا في تربيته» ولا في تعليمه. ولا في توعيته» بل الكثير منها ما علمه إلا لغة الإقصاء للآخرء ولغة الغلو والتشدد التي لم نئل من ثارها بعده الاستقلال سوى الفرقة التي مكنت للعلمانيين واللادينيين ليوجهوا المجتمع.

بناء على هذاء ومحاولة لإثباتهه سندرس في هذا الفصل الوسائل التي استعملها كلا الطرفين في التعامل مع الآخر ومواجهته.

وقد قسمنا الفصل - على حسب عنوانه- إلى مبحثين:

المبحث الأول: وسائل تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية

353315

المبحث الثاني: وسائل تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية

الملبحث الأول: وسائل تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية

اختلف خبراء الاتصال والعلاقات العامة في تقسيم وسائل الاتصال» فمنهم من قسمها إلى مجموعتين رئيسيتين7":

الأولى: ويسمونها (مجموعة الكليمات المكتوبة)» ويمثلون لها بالصحف والمجلات

والنشرات والكتب والملصقات بأنواعها. الثانية: ويطلقون عليها (مجموعة الكلمات المنطوقة)» وتتضمن الراديو والتلفزيونء والمسرح. والمحاضرة وغيرها.

بين| يقسمها فريق آخر إلى الأقسام التالية:

١‏ وسائل مقروءة: كالصحف والمجلات» والكتب.

" - وسائل سمعية: كالإذاعة.

7- وسائل بصرية: كاللوحة الفنية.

4 - وسائل سمعية بصرية: كالمسرح والسين| والتلفزيون.

5 وسائل شخصية: كالمقابلة الحوارية.

ويصنف المفكر الأمريكي (مارشال ماكلوهان) وسائل الاتصال إلى قسمين7":

وسائل باردة: مثل» السينا والتلفزيون» ويعرفها بانها الوسائل التي لا تحافظ على التوازن في استخدام الحواسءبل تركز على حاسة واحدة(السمعءالبصر).كى) أنها تقدم المضمون

() انظر: مقال بعنوان: وسائل الاتصال والإعلام ودورها في ترقية المجتمع على هذا الرابط: 2711ل أوععاء ودع ألية دنع ادع مومع مطام.دع ابا لمم /خاعص. اع بحصوطلء عوط ١‏ //:مخغخط)

)١(‏ انظر: مقال بعنوان: تكنولوجية وسائل الأعلام وتأثيرها على المجتمعات (نظرية مارشال ماكلوهان)» على هذا الرابط: (5:111؟2 0055/١‏ /0 163610 انا مط م0355 /داع 5ن /رطامء.ع متامه هصهمعءا//:مخخط)

1/

الإعلامي جاهزاً الى حد ما ما يقلل من حاجة الإنسان للخيال.

وسائل ساخنة: مثل الصحافة والكتب والإذاعة» ويعرفها بأنها الوسائل التي تحافظ على التوازن بين الحواس.وتحتاج لقدر كبير من الخيال.فالمحاضرة(مثلا) تسمح بمساهمة أقل من الندوة أو الملتقى أو الحوار أو الحديث.

بناء على هذه التقسيمات» وبناء على ما أتيح للجمعية من وسائل في ذلك الحين» فققد آثرنا أن لا نراعي بدقة ما ذكر من هذه التقسيمات» وإنما قسمناها بحسب الوسائلء لا بحسب نوعهاء أو نوع تأثبرهاء ويمكن للقارئ أن يضم ما شاء لما شاءء فلا مشاحة في التصنيفات.

وقد رأينا من خلال استقراء وسائل الجمعية التي استعملتها في التعامل مع الطرق الصوفية

أخها ثلاثة أنواع: النوع الأول: هو حركات وتنقلات وتجمعات الجمعية لأجل توعية المجتمع بمواقفها من الطرق الصوفية.

النوع الثاني: هو ما أصدرته الجمعية من صحف سواء كانت رسمية» أو كانت تابعة للشخصيات المؤسسة للجمعية» أو التي لها علاقة بهاء ولهذاء فلم نكتف عند الحديث عن صحف الجمعية بالصحف الرسمية» أو الصحف التي تلت التأسيسء بل تناولنا الصحف جميعاء باعتبارها كانت تهدف إلى هدف واحد.

النوع الثالث: هو ما ألفته الجمعية من كتب ورسائل ترتبط بتعاملها مع الطرق الصوفية.

وقد خصصنا كل نوع منها بمطلب خاص.

المطلب الأول: التنقلات والتجمعات

من أهم الوسائل التي استعملتها الجمعية في تحقيق أهدافها الإصلاحية» وخاصة هدفها الأكبر مواجهة الطرق الصوفية هو ما كان يقوم به أعضاؤها من تنقلات إلى المناطق المختلفة سواء لأجل إحياء مناسبات معينة» واستثارهاء أو لغير ذلك.

518

ومنها كذلك إقامة أعضاء الجمعية لتجمعات حركية محدودة» يمكن أن تعتبر كنوع من التنطييات التي تخدم الأهداف الإصلاحية.

وقد كان لكلا الوسيلتين تأثيره الكبير في نشر الدعوة الإصلاحية على ربوع كثيرة من الجزائرء خاصة إذا علمنا أن نسبة الأمية» ونسبة الفقرء المتضخمتين لا تتيحان لأكثر الناس الاطلاع على ما تكتبه الجمعية في صحفها أو رسائلها.

بالإضافة إلى ما لهذا النوع من الوسائلء والتي ذكرنا أن المفكر الأمريكي (مارشال ماكلوهان) يطلق عليها (الوسائل الباردة)» ويذكر أن أهميتها تكمن في تقديم المضمون الإعلامي جاهزاً الى حد كبير ما يقلل من حاجة الإنسان للخيالء بالإضافة إلى ما فيها من دور تفاعلي يتيح للجاهير فهم الرسائل الإعلامية التي تريد الجمعية إرسالها بكل سهولة.

بناء على هذا سنحاول في هذا المطلب أن نذكر استخدام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هاتين الوسيلتين في تعاملها مع الطرق الصوفية.

أولا_ التنقلات:

نريد ب (التنقلات) تلك الحركة التي يقوم مها أعضاء الجمعية داخل الجزائر أو خارجها إذا ما اقتضى ال حال لخدمة الأهداف الإصلاحية.

ومن خلال دراسة ما قام به أعضاء الجمعية سواء كانوا فرادى أو على شكل جماعات إلى المناطق الجزائرية المختلفة» فإنه يمكن أن نقسمها إلى قسمين:

١‏ - تنقلات عامة؛ لا علاقة لها بأي مناسبة.

١‏ - تنقلات ترتبط بمناسبات خاصة كا مولد النبوي الشريف. أو غيره.

وسنتحدث عن كل القسمين في العنوانين التاليين:

١‏ تنقلات عامة:

لقد كان التنقل سمة بارزة في أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» سواء كان تنقلهم

5332

خارج الجزائر للتعلم أو للسياحة» أو داخل الجزائر» لأجل أسباب كثيرة أهمها الدوافع الإصلاحية.

وقد ذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس في خطاب له ألقاه في الاجتاع العام الذي عقدته الجمعية في سبتمبر ”7١م‏ النشاط المرتبط بهذا الجانب7"» فقال: (أوفدت الجمعية من رجاها للوعظ والإرشاد وفودا لبلدان القطر ني العالات الثلاث» وقامت تلك الوفود بمهمتها خير قيام» وكانت تتلقى من رجال ا حكومة كما تتلقى من الأمة بكل إكرام)”"

ولكنه ذكر في نفس الوقت بعض العراقيل التي كانت تصادفهاء وهي ذلك التضييق الذي صدر من الإدارة الفرنسية بمنع أعضاء الجمعية من الوعظ والإرشاد بالمساجد. والذي (كان شطر بلاء وعناء على الجمعية ورجال مجلس إدارتها فمن تنمر وجره إلى إلصاق تهمء إلى خلق عراقيل إلى استثار ذمم. ومن وعد وترغيب إلى وعيد وترهيب)7)

ثم ذكر ثبات رجال الجمعية رغم هذه العراقيل الإدارية» والتي - شجعها رجال الطرق الصوفية كى] عرفنا سابقا- فقال: (هذا والجمعية ورجال مجلس إدارتها ثابتون ثبوت الجحبال ثقة من أنفسهم بأنهم دعاة حق وقصاد خير وعمال لصالح هذا الوطن بأمته وحكومته وجميع ساكنيه فانسلخت هذه السنة وأعمال الجمعية هي هذه؛ ما قام به وفودها من وعظ وإرشاد - وما قام به رجالا من تعليم في عدة بلدان - وما نشره كتابها في جريدة الجمعية - جريدة السنة النبوية المحمدية التي لقيت - بحمد الله من المسلمين غاية الإقبال - هذا كله قام به رجال

الجمعية ولا غرابة أن يقوموا به فهم من أهل العلم وما أهل العلم إلا الذين ينشرون العلم

)١(‏ الشهاب: ج 5٠١‏ م94 ص 7837 - 791 غرة جمادى الأولى 01707 - سبتمير 1977م )١(‏ آثار ابن باديس (7/ 077)

(©) آثار ابن باديس (7/ 0377) 3

بدروسهم ومحاضراتهم وخطبهم ومنشوراتهم)"

ومثل ذلك ما ذكره الشيخ العربي التبسبي - باعتباره الكاتب العام لجمعية العلماء المسلمين - في تقريره الذي نشره عن الجلسة العادية للمجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في جريدة البصائر", فقد ذكر أن (المجلس الإداري للجمعية قرر في جلسته الإدارية المنعقدة في /١0‏ رجب/ 1700 ه إيفاد وفود إلى البلدان التي ستذكر فيم| بعد للقيام همة الوعظ والإرشاد. ولدعوة الأمة إلى تعليم أبنائهاء بإنشاء المكاتب والمدارس لمقاومة الأمية» وتبليغ الدين الإسلامي تبليغا علميا.. وقد جعل يوم /١5‏ اكتوبر/ 1917م موعد اجتماع أعضاء الوفد ببلدة ( برج أم نائل) لتكون مبدأ رحلتهم» ومنها يتوجهون إلى (تيزي وزو)» ومنها إلى (ميشلي)» و(ذراع الميزان)» و(الأربعاء) وغيرها من البلدان)

ثم ختم التقرير بقوله: (وبم| أن هؤلاء المشايخ موفدون من جمعية العلماء» وهم من أعضائها وقد ذهبوا لخدمة الدين الإسلامي والمسلمين. فإننا نرجو من إخواننا أهل البلدان المذكورة أن يستمعوا إلى نصائحهم» وأن يعملوا بوصاياهم التي يبلغونها باسم الدين الإسلامي)

بناء على هذاء سنحاول هناء وباختصار أن نذكر بعض الناذج عن تنقلات أعضاء الجمعية» والمواضيع التي كانت تطرح فيهاء وعلاقتها بالطرق الصوفية» وقد نعرف من خلال ذلك سر تأييد الطرق الصوفية لقرار المنع الذي استهجنه ابن باديس والجمعية» واعتبروا الطرق على أساسه موالية للاستعمار.

النموذج الأول:

وهو حول تنقل الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي كان من أكثر أعضاء الجمعية نشاطا

)0377 /7( آثار ابن باديس‎ )١( الموافق 7/ رجب/‎ م197757/٠١‎ /٠4 نشر: جريدة البصائر» السلسلة الأولى» السنة الأولى» عدد 8””, الجمعة‎ )١(

6ه ص ".

في هذه الناحية» ولكنا سنكتفي في هذا النموذج على تنقله في الغرب الجزائري» لنعرف ما كان يدور في تلك اللقاءات الجاهيرية للجمعية مع المجتمع.

وقد نقلت وصف هذه الحركة الدعوية من شاهد عيان عرف نفسه بقوله20: (محمد الصغير الشافعي مول السهولء كان عمري 7١‏ سنة» وبإذن من والدي رافقت الشيخ البشير الإبراهيمي في جولته لعالة وهران سنة ١9754‏ من أجل تأسيس لحان الجمعية ونشر الفكرة الإصلاحية)

ثم تحدث عن زياراتهم إلى سيدي بلعباس» ثم وهرانء ثم المحمدية» ثم غليزان ثم مستغانم» ولم يظفروا في هذه المحال جميعا بأي نتيجة» وهو يدل على استعصاء المناطق الغربية على الجمعية بسبب انتشار الطرق الصوفية.

ثم ذكر تنقلهم إلى غليزان» وهناك استطاعوا أن يلتقوا باثنين من التلمسانيين (محمد الصغير بن شنهو وبوعبد الله» كاتب الضبط بالعدالة)» وقد اقترحا على الشيخ الإبراهيمي أن يلقي محاضرة في ناديهماء لكن المفاجأة أن النادي كان ينتمي للزاوية العلاوية» ومع ذلك لم يمنع هذا النادي - رغم انتمائه للطريقة العلاوية - الشيخ من إلقاء محاضرته» فحدد موعد المحاضرة بعد يومين على الساعة العاشرة صباحاء وكان موضوعه التوسلء ولأجل ذلك لقي إقبالا من رجال الطرق الصوفية.

ويذكر الشاهد أنه عندما اقترب موعد المحاضرة أمر الشيخ أن نذهب إلى أحد التجار بغليزان اسمه (ولى الميزابي) لكي يبعث لنا عشرة من الرجال الأقوياء الأشداء يلتفون حوله أثناء المحاضرة ويكونون سندا له عند الحاجة.

)١(‏ ذكرت هذه الشهادة في كتاب: (مسيرة الحركة الإصلاحية بتلمسان: آثار ومواقف) جمع وإعداد: (خالد مرزوق- المختار بن عامر)» نقلا عن : محمد بدر الدين سيفي» جهود رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في خدمة القرآن الكريم تعليم|- وعملا -ودعوة:» دطء ص/7.

لمح ا ا 1 ليقو 0 ٠‏ البعُوا ل ١‏ ثم بدأ يشرحهاء فقام إليه أحدهم من تلمسانء وأوقفه قال له: ما جئت لأسمع حماقاتك؛ ثم قال: ها هو أحد شيوخنا يطرح عليك سؤالين فأجبه. فقام هذا الأخير وسأله: إن كان

يعترف بدور العلويين؟ وهل يؤمن بالتوسل والوسيلة؟ فأجابه الإبراهيمى - كما يذكر الشاهد- بقوله: (إن الإنسان يتوسل إلى الله بعمله

الصالح)! »» وذكر قصة النفر الثلاثة ثة الذين أغلق عليهم في الغارا '"» وبدأ كل واحد منهم يتوسل

)١(‏ جهود رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في خدمة القرآن الكريم تعليها- وعملا -ودعوة» ص78.

(؟) نص الحديث كما روي في بعض رواياته هو قوله يل : (إن ثلاثة نفر انطلقوا في سفرء فآواهم الليل إلى غار» فوقعت صخرة على باب ذلك الغار» فقال بعضهم لبعض : لستم على الطريق» وقد بليتم بأمر عظيم لا يمكنكم فيه إلا أن تدعوا الذي أبلاكم به أو كلمة نحوهاء فلينظر كل رجل منكم أفضل عمل عمله فليذكره ثم ليدعو الله» فقال أحدهم : اللهم إنك تعلم أنه كانت لي بنت عم لم يكن في الأرض أحد أحب إِلي منهاء فأردتها على نفسها وجعلت لما مئة دينار» فل| جلست منها مجلس الرجل من امرأته» استقبلتها رعدة» وقالت : إني والله ما عملت خطيئة قط وما حملني عليه إلا الجهد» فقمت وقلت : هي لكء اللهم إن كنت تعلم أني إنم| قمت عنها التعاس مرضاتك ومخافة سخطك. فافرج عنا هذا الحجر» فانحط الحجر حتى رأوا الضوءء وقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان» وكانت لي غنم أرعى قريباء وإني تباعدت فجئت ذلك ليلة وقد احتبست» فحلبت إناء من لبن» وأتيت أبوي فوجدته| نائمين» فكرهت أن أوقظه| من نومهماء فبات الإناء على يدي حتى استيقظا متى استيقظا اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك التماس مرضاتك ومخافة سخطك. فافرج عنا هذا الحجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فانقض الحجر حتى رأوا الضوء ورجواء قال الثالث : اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت رجالا بأجر معلوم؛ وكان فيهم رجل يعمل عمل رجلينء فل! أعطيتهم أجورهم قال : أعطني عمل رجلين» فقلت : إنما لك عمل رجلء فأبى وتركه عندي وذهبء فلم أزل أعمل له فيه حتى

اجتمع ستون من بين ثور وبقرة وعبد وأمة» فجاء بعد حين فقال : يا عبد الله» أما آن لك أن تعطيني أجري ؟ قلت : من تدده

بعمله الصالح» وهو في هذا ينقل لهم نفس ما يقوله الاتجاه السلفي المحافظ من قصر التوسل على مثل هذه المعاني.

وقد أثارت إجابته - كى| يذكر الشاهد- سخط الحاضرين» حيث (بدأ الغليان والتشويش والحرج والمرج» وكان من بين الحاضرين شرطي يهودي فقام وقال للناس: (من أراد أن يستمع للشيخ فليجلس ومن أراد التشويش فعشرة أيام حبس)

عندها - | يذكر الشاهد- قام السيد برّاقي (مستشار بلدي من غليزان) وأوقف الحوار وقال للحاضرين: (من لا تهمه المحاضرة فعليه بالخروج). ثم اتجه إلى الشيخ الإبراهيمي ليشجعه وتلا الآية الكريمة: ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى المدِيّة رَجُلٌيَسْعَى ) [يس: .]7١‏ ثم قال له: إن هذا الرجل الذي جاء يسعى لمدينة غليزان هو أنت!.. وتتابعت المحاضرة؛» وبعد نهايتها دعانا السيد قاسم سعادة للعشاء» وسررنا بذلكء ثم ركبنا القطار المتجه نحو تلمسان من العاصمة ليلا)(0

هذه هي الشهادة» ولسنا ندري السبب الذي من أجله ضيع الإبراهيمي تلك الفرصة التي أتيحت له للقاء أهل غليزان وللقاء من يطلق عليهم الطرقيين بعد ذلك الجهد الذي بذله في مناطق كثيرة من الغرب الجزائري» ومنع منها جميعا.

كان في إمكانه - إن استعمل أسلوب الحكمة - أن يجر الطرقيين وغير الطرقيين إلى الخط

أنت ؟ قال : أنا الذي عملت معك عمل رجلين فلم تعطني إلا عمل رجل واحد فتركته» فقلت : هذه ستون من بين ثور وبقرة وعبد وأمة» قال : حبستني ما حبستني وتسخر بي» قلت : هو لك فخذه فأخذه. اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك التماس مرضاتك ومخافة سخطك. فافرج عنا هذا الحجرء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فزال الحجر وانطلقوا يمشون) (انظر: صحيح البخاري (7/ »)١١19‏ صحيح مسلم (8/ 284 أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار» مسند البزار (البحر الزخار )» تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة» الطبعة : الأول (8/ ))37١‏

.7 جهود رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في خدمة القرآن الكريم تعليه|- وعملا -ودعوة» ص9‎ )١( 774

الإصلاحي من غير أن يصطدم معهم» خاصة في قضية خلافية» ابن باديس ينتصر للصوفية فيها.

ولسنا ندري فوق ذلك كيف يذكر حديث النفر الثلاثة الذي يورده الاتجاه السلفي المتشدد عند بيان موقفه من التوسل مع عدم صراحة النص فيه. ويترك الحديث الصريح والصحيح في التؤسسل والذئ ميق ذكره:

إن النتيجة التي نخلص إليها من هذا التصرفء. وما نتج عنه أنه كان في أعضاء الجمعية رجال كانوا - مع علمهم وفقههم - تنقصهم الحكمة والمقاصدية التي طال ما تغنوا بهاء وتصوروا أنهبا حكر عليهم.

النموذج الثاني:

وهو حول تنقل الشيخ العربي التبسي الى خنشلة» ولا نفتقر في هذا النموذج إلى شاهد قد يغفل عن بعض الأحداثء. أو قد يدخل في الأحداث بعض تفسيراته وتحليلاته» بل إنا ننقل الشهادة من صاحب القضية نفسه. وهو الشيخ العربي التبسبي.

بدأ الشيخ العربي التبسي شهادته بقوله: (شاء الله أن أهبط بلدة خنشلة في صيف هذا العام, وشاء أن أتخذها محل إقامة حمسا وعشرين ليلة وقدر لي أن اجتمعت أثناء هذه الليالي بأقوام يمثلون أغلب طبقاتهاء واستطلعت آراء عقلائها ومفكريها في حالتنا الدينية وما أصابها من تدهور)()

هذا ما ذكره الشيخ العربي التبسبى حول هؤلاء العقلاء والمفكرين الذين التقى بهم والذين أشاد بهم كل هده الإشادة» وكان من المتوقع أن يتحدث مع هؤلاء في قضايا تهم الأمة جميعاء وتوحد صفها وتجمع كلمتهاء لكن الأمرلم يكن كذلك. فقد غلبت الحزئية في حديثهم وبحثهم

)0 بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ )1١( حي‎

على المقاصدية» ى) غلبت الطائفية المذهبية على الوحدة الإسلامية.

يقول الشيخ العربي التبسبي: (وكانت نتيجة البحث مع العقلاء الذين حفظهم الله من بدعة الطرقيين استحسان الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه سلف الأمة. وإلى ترك ما أحدثه المحدثون» وهذه الظاهرة الدينية من أفهم الآدلة على أن أمتنا سدد الله خطى علمائها والعاملين لخير مفتها من الأمم التي أشربت حث دينها المحفوظ)”"

ثم ذكر الشيخ بعض ما كان يدور في تلك المجالس من أحاديث» وجله حول التهوين من شأن شيوخ الصوفية» بل اعتبارهم كرجال الدين المسيحيء يقول الشيخ: (وكنت أفضي إلى من أجتمع به با يتطلبه منا دين لا ببوية ولا قساوسة ولا رهبان ولا كهنوتية فيه وأجد من فضلائها وأهل الروية والثقافة العلمية بتلك البلدة الإسلامية رجالا يقدرون الدين حق قدره ويعلمون أنه دين رب العالمين» لا صنع رجال يصرفونه كيف شاءوا وشاءت مآرمهم)”"

وقد ذكرنا عند حديثنا عن الشيخ المربي الجهد الكبير الذي بذلته الجمعية للتهوين من شأن مشايخ الصوفية» بل من شأن مشايخ العلم الذين يخالفوهاء وقد عرفنا نتيجة ذلك في مستقبل الجزائر القريب من خروج الأمر من أيدي أصحاب العمائم إلى أيدي أصحاب الطرابيشء في الوقت الذي كان يستطيع أي شيخ صوفي أن يجيش الجيوش ليقتحم بهم ما يشاء.

وكشأن أصحاب الاتجاه السلفي لا يمكنهم أن يحلوا محلا دون أن يحدث الشقاق فيه» وهذا ما حصلء وقد قدم له الشيخ العربي التسي بقوله: (. وقد منيت دعوة رجال الإصلاح الديني كما في كل مبدأ صحيح قبلها بأقوام يناهضون الحق بسلاح الأوهام ويعادون أهله. لا لأنهم

شاقوا معصوما أو حاربوا صحيحا بل لآنهم سفهوا عوائد وطرحوا مألوفا تبين أنه لم يأت من

)0 بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ )١( )1 بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ )١(

طريق التوفيق)”"

ثم ذكر كيف التقى برجلين من أهل خنشلة من أتباع الطرق الصوفية» فقال: (وفي بلدة خنشلة لسانان من ألسنة فلول الطرائق وخزائن الأخبار المحرفة والأقاويل المضطربة- وقد حدثت عن هذين الأخوين ني النسب والجهل با يأتيان به من تنفير الناس من دعوة المصلحين والتقول عليهم با يذكر بالقصص الإسرائيلي» فحاولت أن أجتمع بها اجتماعا يمكنني من مفاوضته]|)00)

وهكذا تيسر الأمر للشيخ العربي التبسي أن يلتقي مهذين الطرقيين» وهي مناسبة عظيمة لرأب الصدعء وتوحيد الصف. لكن الشيخ العربي - للأسف - كشأن التيار السلفي عموما لايحلو له الحديث إلا في المختلف فيه» فقد ذكر الموضوع الذي تحدث معهم فيه» فقال: (فجمع الله بيننا أمام قهوة عربية» فجاذبتهم| الحديث في شؤون. منها إعطاء العهود الموجودة بيننا من رؤساء الطرائق .وتحديد الأذكار للأمة على هذا الوجه بدعة لا يعرفها السلف. ولا يقبلها الشرع» فزعم| أن هذه العهود وما لف لفها قد نقلت عن الحسن البصري)”)

وصدقا في ذلكء. فهناك روايات تدل على هذا يتناقلها الصوفية» وهي صحيحة عندهه'”"»

)1 بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ )١( )1 بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ )١( )5 (؟) بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ من النصوص التي يستدل بها الصوفية على هذا ما رواه يعلى بن شدّاد قال: حدثني أبي شدّاد بن أوس ؛ وعبادة بن‎ )4( الصامت حاضر يصدّقه قال: كنّا عند رسول الله َي فقال:((مَل فِيِكُمْ غَرِيبٌ؟ يعني من أهل الكتاب. فقلنا: لايا‎ رسولء فأمر بغلق الباب. فقال: إِرْقَعُوا أيْديَكُمْ وَقُولُوا: لا لَه إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة وقلنا: لا إله إلا الله» ثم وضَعّ‎ رسولٌ الله صل الله عليه وسلم يدّه ثم قال: الحَمْدُ لل الّلهُمَ بَعَتنِي يذه الكَلِمَةِ وَأَمَْئنِي باه وَوَعَدْئَِي عَلَيِهَا اجن‎ َإِنّكَ لا تُحْلففُ الميعَاد. ثم قال: أَبْشِرُوا قَإِنَ الله عَرّ وجل قَدْ غَفَرَلَكُمْ) الحديث أخرجه أحمد والطبراني والبزّار. (مسند‎ فم‎

لكن الشيخ - كالتيار السلفي - لا يؤمن إلا بالأحاديث التي تمر على غرباله الخاصء أما ما يورده سائر الأمة من الأحاديثء فهي عنده إما منكرة أو شاذة» لأن راوها لا يتوافق مع هذا التيار الذي لا يريد أن يحتكر الدين فقطء بل يريد أن يحتكر رسول الله :7 أيضا.

وقد ذكر الشيخ إجابته لماء فقال: (فأجبته| بأن من نقل هذا عنه أراه قد كذب عليه)7"

هكذا بكل بساطة» ومن غير بحثء ومن غير تعليل حكم بالكذب, وهذا ما ذكرناه من تسرع رجال الجمعية في إطلاق الأحكام, ثم ذكر أن (مسألة كمسألة العهود وتحديد الأذكار ووضع الطرائق للأمم ليس بسر من الأسرار حتى يمتاز مها الحسن» ومحال أن يفعل شيئا ل يتلقه عمن قبله ولو فعله من قبله- والمسألة لما خطرها- لنقلت شائعة ذائعة )ا هي الآن وهذه الكتب الصحاح التي غيرت رجالها وفحصت أخبارها لا يوجد فيها ما يصلح أن يكون دليلا أو شبه دليل)”"

لكي ندرك قيمة هذه المناقشات لابد أن نستحضر دائم| ما ذكرناه حول الواقع الجزائري

أحمد بن حنبل (4/ »)١75‏ مسند البزار 16 (/1/ »)١67‏ وقد استدل بهذا الصوفية على أنَّ في هذا الحديث دليلا لما يفعله الشيوخ من تلقينهم للذكر لجماعة معا.

ويستدلون للتلقين الإفرادي بها روي عن علِّ كرَّم الله وجهه أنه سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: يا رسول الله دلّني على أقرب الطرق إلى الله وأسهلها على عباده؛ وأفضلها عنده تعالى» فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: عليك بمداومة دك أل تال ننذ ا وجه را فقا سينا عل :كل الناي ذاكروزن "معطي بكو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل ما قلته أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله. ولو أنَ السموات والأرضين في كفّة. ولا إله إلا الله في كفة. لرجحت مهم ولا تقوم القيامة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله» ثم قال سيّدنا علي: فكيف أذكر؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: غَمّضُ عينيكٌ. واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرّاتء ثم قلها ثلاثاً وأنا أسمعء ثم فعل ذلك برفع الصوت. (أخرجه الإمام أحمد» وقال الحيثمي في "مجمع الزوائد" رجاله موثوقون ج١/‏ ص57])

)1 بدعة الطرائق في الإسلام (ص:‎ )١(

الخطير في عهد الاستعمار» وهل كان يسمح لهذه القضايا الفرعية أن تطرح في ذلك الحين» وهل كان من المقاصدية أن تكمم أفواه أولئك الذاكرين الذين لقنوا المستعمر أروع دروس التضحية والفداء» بفضل ما تحدثه تلك الأوراد في قلومهم من قوة إيوانية.

ويواصل الشيخ حديثه ب| تعودنا سماعه م رجال الجمعية من كونهم دائ| هم المنتصرون في مناقشاتهم مع المخالف, فقال: (فلما سدت في وجوهها مناهج التضليل انقلبا إلى السباب والفضاضة والفحش والإذاية» فأعرضت عنههما ومررت بكلامهما مر الكرام» ووعدت الحاضرين بالكتابة في بدعة الطرائق في الإسلام)”"

هذا هو النموذج الثاني» وهو يدل على المواضيع التي كان يحلو لأعضاء الجمعية إيرادهاء ونحب قبل أن نترك هذا النموذج أن نذكر بأن هذا العملاق من عمالقة جمعية العلماء» ونتيجة ما جبل عليه من تسامح ومحبة وسلام لم يفت ب| أفتى به جماهير العلماء - حتى ابن تيمية نفسه - من كفر من سب الله أو سب رسوله؛ بل اعتذر له وبرر له سلوكه. ى] ذكرنا ذلك سابقا.

بل إنه - على حسب ما نعرفه من هذا التيار السلفي- يفضل ذلك الذي سب الله وسب رسوله على ذلك الذي يحمل مسبحة ويأتي بالأوراد» لآن الأول أخطأء والثاني ابتدع» والمخطئ أهون حالا من المبتدع.. ثم نتساءل بعد هذا: أين ذهب رجال الدين بعد استقلال الجزائر» وقد قتلناهم بأيدينا؟

النموذج الثالث:

وهو حول تنقل الشيخ مبارك الميلٍ إلى ميلة ونواحيها سنة 1477» والذي نقلته صحيفة (الشريعة النبوية) بتفاصيله”/» ونحن نتععجب من سر ذكر تلك التفاصيل الكثيرة في صحيفة رسمية قليلة الصفحاتء كان يمكن أن تستغل فيا يفيد القارئ» ولكنا نجد فيها مثل هذا )1١(‏ بدعة الطرائق في الإسلام (ص: 217

() الشريعة النبوية العدد”» ص 0.

الكلام الكثير الذي ينبئ عن نفسية معينة: (حل الأستاذ مبارك المي ببلدة القرارم قادما من الميلية بعد صلة الرحم صباح يوم الأربعاء عاشر ربيع الآخ رأ وبنزوله من السيارة تسابق الناس إلى لقائه فتلقوه بوجوه ضاحكة مستبشرة وقلوب تحمل في سويدائها إيهانا صادقا وعطفا زائدا نحو العلماء العاملين. وقصد الكل محل آل بوزيان المعد لنزول الوافدينأ وما إن انتشر خبر قدومه حتى أسرع أهل البلدة للترحيب به وفي مقدمتهم بعض العلاء الذين كانوا هنا منهم الشيخ بلقاسم السوفي المتطوع بجامع الزيتونة)0"

وحتى تكتمل الصورة جيداء فقد كان الشيخ مبارك الميلٍ حينها لا يتجاوز عمره '١/‏ سنة» لكن المشايخ من كل حدب وصوب يسرعون إليه ى| يحلو للصحيفة أن تصورء حتى أنها وصفت ذلك اليوم بكونه (يوما عزيز الوجود)

بعد هذه الملاحظة التي رأينا ضرورة ذكرها اجتمع الجمع» بعد صلاة العشاء في المسجد الجامع» وبعد الصلاة تحلق الجمع حول هذا الشيخ المصلح الفتي» وكانت فرصة عظيمة له لينشر الفكر الإصلاحيء فانتهز الشيخ الفرصة» وتحدث في وقت كانت الأعين - كما تصف الصحيفة- إليه ناظرة (فأبان للسامعين قسمه تعالى بها ذكر في هذه السورة وما يستنتجه العقل السليم من بلاغة القرآن العظيم وأن الله تعالى يقسم ب| يريد من مخلوقاته لينبهنا إلى ما في المقسم به من علامات ناطقة بجلال قدرتماً هذا بخلاف المخلوق فإنه لا يجوز له شرعا أن يقسم بمخلوق مثله. ومعلوم أن المقسم بالكسر بقسمه قد عظم المقسم بدأ والتعظيم لاينبغي أن يكون إلا ه00

إذن الموضوع واضح. وهو الشرك ومظاهر الشرك..

وني الغد ألقى درسا آخر بعد صلاة الظهر في قوله تعالى: (يا أَيَّا النينُ ذا جَاءَكَ المؤْمِنَاتُ )١(‏ الشريعة النبوية العدد"» ص 6.

() الشريعة النبوية العدد”» ص 0. رق

و > عي د 2 وه ك3 نه > هك - 0 - 2 3 هوه .0

يبايعنك على أن لا يش ر كن بالله شيئا و ا ل 0

0

1١ 14

3 يت اع عن اص لاه 0 اط ا ال

تبه ين نون وَأرجُلِهنَ وَكَا يَعْصِدَكٌ في مَعْرُوفٍ قَبَيعْهُنَ َاسْتَْفرْ طن الله إن الله عَمُورٌ رَحِيِمٌ 1 [الممتحنة: ]١7‏ بمثل الأسلوب الذي سار عليه في الدرس الأول.

قد يستغرب القارئ اختياره لهذه الآية في جو هيئ له خصيصا لينشر الفكر الإصلاحي الذي جاءت به الجمعية» خاصة وأن الإقبال عليه كان عظيما ى| تذكر الصحيفة.

ولكن الاستغراب يزول إذا علم أنه - كما تذكر الصحيفة- (بين للحاضرين معنى المبايعة ومبايعة رسول الله #5 المؤمناتأ وأن مبايعة النساء بعذ رسول الله يك لا تكون لأحدا فتلقى الحضور هاته النصائح بارتياح عظيم مما يدل على أن العقول قابلة لتلقي النور الإلحي)1"

وقد يستغرب القارئ الذي لا يعرف معنى المبايعة والعهد عند الصوفية حديثه هذاء ولكن الاستغراب يزول بشرح الصحيفة لما ذكره الشيخ الميلي» وهو (أن هذه الآية خلاف ما يفهمه الجهال من أهل هذا الزمان الذين يستبيحون مبايعة النساء با يعطو:بن من الأورادأ ويستندون في هذا إلى هذه الآية الكريمة. والحقيقة أنهم لم يعرفوا من سنة رسول الله َي شيئا)”"

وقد مر معنا المراد ببيعة الصوفية وأنها تشمل الأذكار الكثيرة» والالتزام الديني والأخلاقي ونحوها.

ولسنا ندري السر في بذل كل هذه الجهود. وتجنيدها من أجل أن يقول للنساء: لا تعاهدوا المشايخ على الذكر وعلى الالتزام.

ولكن هذا هو منهج السلف كما تفهمه الجمعية» وكما يفهمه التيار السلفي الاستئصالي.

١‏ تنقلات مناسباتية:

كما حاولنا من خلال النماذج السابقة أن نتعرف على أنواع المواضيع التي كان يتطرق لا )١(‏ الشريعة النبوية العدد"» ص 0.

() الشريعة النبوية العدد”» ص 0. ضف

أعضاء الجمعية» وصلتها بالطرق الصوفية» فسنذكر هنا التنقلات المرتبطة بالمناسبات الدينية.

وقد كان اهتام الجمعية بهذه المناسبات وخصوصا مناسبة المولد النبوي الشريف مثار سخط لدى التيار السلفي الحديث, والذي يرى أن إحياء هذه المناسبات بدعة ضلالة.

ولذلك فقد تعامل مع علماء الجمعية بنفس المعاملة التي تعاملوا بها مع الطرق الصوفية» فاتهموهم بالبدعة لأجل هذا.

ولكن السؤال ليس هو عن الإحياء» فقد كان معروفا متعودا عليه من طرف المجتمع الجزائريء وإنما عن كيفية الإحياء وصيغتها الجديدة التي جاءت بها الجمعية» ونحب قبل أن نعرض المنهج الإحيائي الجديد الذي جاءت به الجمعية أن نذكر الطريقة البدعية التي كان يحبي بها أهل عنابة المولد» وقد نشرت الشريعة رسالة تذكر كيف كان أهل عنابة يحيون مناسبة المولد» ونصها: (قد اعتاد الناس في هذا الشهر أن يحتفلوا بذكرى المولد النبوي الشريف تذكارا وموعظة وإحياء لشيء ء من سند سيدنا محمد يي ومعالمه ومآثره وإظهارا لأخلاقه الكريمة لقصد بعث الناس وحملهم على التأسي والاقتداء بسيرته الفاضلة الحميدة الجميلة.. غير أننا نلاحظ على أكثر هاته الاحتفالات بأنها تقتصر على سرد قصائد في مدحه عليه وآله الصلاة والسلام وسرد قصة مولده وذكر أناشيد بنغيات وأصوات شجية كل بلد على قدر ذوقه ومبلغه في صناعة الأحان والنغمات)0)

ولسنا ندري ما العيب في هذاء وهل الناس في الاحتفالات يحتاجون إلى الترويح المفرح لهم بمثل هذه الأناشيد, أم يحتاجون إلى الخطب والمحاضراتء والتي يمكن أن يسمعوها ني أي وقت آخر.

)5 جريدة الشريعة النبوية المحمدية (؟7/‎ )١( درن‎

وتوابعه» وهذا ما لاحظته الجمعية» وكان لها أن تنجح فيه لو أنها عرفت كيف تستعمله.

وحتى ندرك مدى نجاحها فيه نحب أن ننقل خطبتين ألقيتا في تلك المناسبة لنعرف ما الذي استبدلت به تلك القصائد في مدح رسول الله يَدِدِهِ وكلا الخطبتين نشرتا في جريدة الشريعة.

الخطبة الأولى:

وهي الخطبة التي ألقاها - ى| تذكر صحيفة الشريعة النبوية - الكاتب الأديب السيد حامد الأرقش» وسننقلها ىا هي من دون أي تصرف لنعرف محتواها وأسلوبهاء ونترك للقارئ بعد ذلك الحكم في أمهم| أفضل : قصائد مدح رسول الله يي أم هذه الخطبة العصماء.

قال هذا الكاتب الأديب- يخاطب ابن باديس» والجموع الغفيرة التي حضرت الحفل-: (سيدي الأستاذء سادتي» باسم الشباب البوني وجمعيتنا دعوناكم وقبلتم ضيافتنا فأشكركم كثيرا من صميم الفؤاد إذ لبيتم دعوتنا تاركين أشغالكم غير مبالين بالتعب ووعثاء السفر ولا ألسنة الوشاة وفي الحقيقة ما هذه التلبية وهذه الأتعاب إلا تنفيذا لبرنامج عملكم الصالح الذي أخذتم على عاتقكم إسداءه لأبناء جنسكم المتخبطين في دياجي الجهالة وتحت سيطرة كهنوت خئون انتفاعي غايته التضليل والغش.. حياتكم أيها الأستاذ كلها جهاد ولكن بسلاح سلمي علمي تحت سماء الصراحة وضوء الحداية» البدع أحاطت بنا إحاطة السوار بالمعصم فقيدتناء فحطموها ويد الله معكم وعينه ترعاكم| إن بارقة الأمل لاحت رغم المشاغبات ول تبق إلا عشية أو ضحاها حتى تعم الأمة بكل ما تحويه من سعادة حقيقة.

إن جمعيتنا أسست لمحاربة البدع والأضاليل وما أرى إن شاء الله إلا سعيها مكللا بالنجاح وعنوان ذلك وجود أمثالكم بيننا أرجوكم أن تسعفونا بوصاياكم النيرة فإنكم كالشمس ونحن هلال نقتبس نوركم الذي فيه بذور الحياة.

إن الشباب المتعلم باللغة الفرنسوية سرت فيه الروح التي أنتم ساعون في بثهأ فغايتكم وغايتها صارت واحدة وإن الحوادث والحقائق المنطقية وحدت الصفوف بالأمس كان هذا

الفرينا

الشباب كغريب عن وسطكم أما الآن فلا وإننا نشاهد هذه الحركة هنا وقد شاهدناها أخيرا في إن جو اليوم غير جو الأمس وفكر اليوم غير فكر الأمس وإن لاحت بارقة الحياة في آمة فإنها لا ترد كيفها كانت الحوادث.. وفي الختام أقول لكم: وفقتم وأيدتم آمنين)”"

الخطبة الثانية:

وهذه الخطبة ألقاها - ى] تذكر جريدة الشريعة النبوية - المعلم الناصح الشيخ محمد نمرء وهذا نصها - بعد الحمد والصلاة على رسول الله يده - من غير تقطيع: (وبعد فمرحبا بك يا أستاذنا المبرور والذائد عن حمى شريعتنا المنصورا ثم ها أنا أقدم لك عبارات الترحيب والتهنية بلسان مجموع الأمة البونية ونشكرك على إجابة دعوتنا ومساعدتك على مرغوبنا ى| نعرب عن إخلاص مودتنا لكم وتأييدنا ولا منة لنا عليكم في ذلك إن كان حب العلم والعلماء من واجبات ديئنا ويا ليتنا جميعا عرفنا ما للعلاء علينا من واجبات فاتبعناهم وأيدناهم ونصرناهم على ذوي الأغراض السفلة والمشاغبات ولكنا ويا للأسف يجدر بنا أن ينشد في حقنا ما قاله شاعر العراق:

إذا ما رأينا واحدا قام بانيا هناكاأ رأينا خلفه ألف هادم أمها السادة إنني أعرفكم بمبد! جمعيتنا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وما قدمته من الأعمال الخالصة لأمتنا وللدين والوطن سعيا وراء لى شعث المسلمين وابتغاء وجه الله الكريم. تكونت حركة الإصلاح فينا على يد علماثنا العاملين المخلصين فألفوا الجمعية السالفة الذكر وعلى رأسها الأستاذ باديس. ما ذا قام المصلحون بدأوما الشؤون التي يدعوننا إليهأ وما الأعمال

التي خدمت الأمة الجمعية مها؟ قام المصلحون من علماثنا في زمان تفرقت فيه أهواؤنا وتشتت

(1) جريدة الشريعة النبوية المحمدية (5/ 5) رق

آراؤنا وخيم الجهل على ربوعنا وتركنا العمل با شرعه الله لنا في السنة والكتاب وتعددت المعبودات وإن شئتم فقولوا الأرباب. يدعوننا إلى التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا والعمل بشريعة الإسلام النقية الموجودة في ضمنهم| يدعوننا إلى نبذ العوائد والخرافات الملصقة بالدين التي ما أنزل الله بها من سلطان يدعوننا إلى عبادة الله وحده والتمسك بحبله والاعتماد عليه في شؤوننا الدينية والدنيويقا قاموا قومة رجل واحد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوجهون أغراضنا ويلفتوننا نحو تعاليم ديننا الراقية النبيلة يصرخون فينا أن اعتمدوا على الله واستعينوا بالله واسألوا الله وتوكلوا عليه في جلب المصالح ودفع المضار الخ ما يطول شرحه ولا يتسع القام لتأوهنا صاح ذوو الأغراض الشخصية الانتفاعيون من أبناء جنسنا صيحة حمر الوحش وتدرعوا بدروع التمويه وقلب الحقائق وتنوعوا في الاختلاق على العلماء والرمي لهم با سولت لهم نفوسهم وليت شعري ما حملهم على هذه الأعمال المرذولة التي تهدم الأمة وتبعدها عن الإسلام الصحيح ويبقى الجهل سائدا عليها ولكن لا يخفى على البصير إذا ألقى نظرة على أعمالهم ما يجنون من ورائها وكيف تخفى فائدة استعبادهم للأمة وما يأخذونه منها باسم الزردة والوعدة والزيارة!. أما الجمعية فإن مبدأها إحياء السنة وإماتة البدعة والعمل على الرجوع بالأمة إلى ما كان عليه محمد يي وأصحابه والاتحاد والإخاء وعدم التفريق في الدين والتخلق بأخلاق خاتم المرسلين» وهي تحارب كل ما ذكرنا من البدع والخرافات ومالم نذكره تما يشوه سمعة الإسلام والمسلمين وأخيرا نسأل الله الكبير المتعال أن يوفقنا وإياكم في الأقوال والأعمال وينصر العلماء العاملين المخلصين بجاه سيد الأولين والآخرين يَ وعلى آله وأصحابه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)20

هذه ناذج عن المخطب التي كانت تلقى في مناسبة المولد النبوي الشريفء وهي المناسبة التي

)١(‏ جريدة (الشريعة» النبوية المحمدية (0/ /ا) درف

اتفقت الأمة على اعتبارها رمزا للوحدة الإسلامية» ونترك للباحثين النفسانيين والاجتماعيين تحليله| ليعرفوا من خلالها نوع الشخصيات التي بنتها الجمعية» ونوع المجتمع الذي سعت إلى تأسيسه على أنقاض المجتمع الطرقي الذي استطاعت أن تهدمه.

ثانيا ‏ التجمعات:

وهي من الوسائل الشامة التي استطاعت الجمعية من خلاها أن تبلغ رسالتها الإصلاحية إلى عدد كبير من الجزائريين» ذلك أن تأثير التجمعات والتنظيهات يجعل من كل فرد من الجمعية طاقة كبرى تتحرك بانتظام لحدف واحد.

وقد ذكر المؤرخون للجمعية ورجاا مدى اهتمام كل فرد منهم هذه التجمعات» فابن باديس - مثلا- كان يركز على الشباب» فيجتمع بهم ويلقي في أنديتهم ومراكز تجمعاتهم المحاضرات الدينية التاريخية والاجتماعية والوطنية.. | كان يدعوهم إلى تكتيل قواهم ويحثهم على الاستقلال بمؤسساتهم عن التجمعات الفرنسية في الميادين الرياضية والفنون المسرحية والموسيقية والكشافة)*"

وقد استجاب مثلا لدعوة شباب جمعية بجاية للرياضة وألقى في ناديها محاضرة بث فيها روح الوعي» ورغب الحاضرين في استغلال النوادي الرياضية لخدمة الأمة"

كما كان يجتهد في تحصينهم بإنشاء الجمعيات الفنية والرياضية» ومنها (جمعية الشباب الفني) التي تأسست عام )١975(‏ وهدفها إحياء الفنون الإسلامية والاقتباس من الغرب الفن التمثيلٍ لخدمة الإصلاح الإسلامي» وقد اختبر رئيسا شرفيا لها وكان من نشاطها التمثيل

(الدعوة إلى الأخلاق العالية وكبح شهوات النفس وتجنب الأمراض الفتاكة كالخمر والميسر

6 محمد المنصوري الغسيريء مرحع سابقءص7؟١.‏ () البصائر ع ٠ 5 :1١7‏ ربيع الثاني 1781/ ٠1"‏ جوان 1918 . إن

والقمار والتزوج بالأجنبيات)"

وهكذا نجد الشيخ الطيب العقبي يؤسس تجمعات في كل المناطق التي ينزل فيهاء وقد ورد في مكاتبة نشرت لأديب في جرائد تونس ‏ جريدة لسان الشعب ١9717‏ قام برحلة إلى بسكرة فسجل ما يليٍ: (في بسكرة جماعة إصلاحية قوية على رأسها الأستاذ الطيب العقبي ... وأهم ما ترمي إليه هاته الجمعية القضاء على الخرافات القديمة والتنقيص مما يعلمه الناس عن الطرق والزوايا للقضاء عليها بعد ذلك بتاتاء وهو أمر تعهد به العقبي الذي لا يترك فرصة تمر بدون أن يكون فيها خطيبا لا فرق عنده أكان ذلك في طريقء أو مقهى, أو حانوت عطارء وقد اشتهر الأستاذ بفكرته وهو فخور بها يسمع الناس يسبونه ولا ينحرك ويآتيه البريد بالمكاتيب ‏ أي الرسائل ‏ المملوءة بشتمه فيضحك منها ويعطيها لمن بجانبه ويقول: (انظر في أي شيء يضيعون أوقاتهم). وله في طريق داره ضريح صغير في مقبرة قديمة رأى الناس يعبدونه فهدمه ثلاث مرات» ولكنهم في كل مرة يجددون بناءه بعد أن يزودوا الأستاذ بجانب من الدعاء وأخيرا تركوه وصمموا على عدم تجديده إلا إذا انتقم لنفسه من عدوه وهم منتظرون.. ولقد التفت حول هذا الرجل المصلح نخبة مهمة من أبناء البلاد كونوا ممضة لا يستهان بها وهي تعمل بكل مجهودها في إنارة الطريق إلى الأفكار القديمة التي استولت عليها وأفسدتها من حيث لا

تشع )(0

وكتب الزاهري عن إحدى جولات العقبي رفقة إخوانه من العلماء والأدباء في منطقة 6 عنوان: (وفد الشعراء يزور طولقة» فرفار» البرج) ف جريدة البرق يقول: (وبعد الفراغ من مآدبة الغداء شرع الأستاذ الطيب العقبي يدعو الناس إلى النجاة ويهديهم إلى سبيل

-ه١54٠٠ د/ عبد الرزاق قسوم, ابن باديس والشبابء مجلة الرسالة (الجزائر) العدد؟/ “".جمادى الأولى والثانية‎ )١( ..١١!/ص أفريل ماي ١191م نقلا عن مازن صلاح مطبقاني.» عبد الحميد بن باديس»‎

وخر

الرشاد ويجاهد الذين يجعلون لله أندادا ويدعون مع الله آمهة كثيرة بالقرآن جهادا كبيراء ومضى العقبي في هذا الموضوع وتغلغل فيه بشدة كأنه التيار الجارف الذي جرف طرق القوم وخرافاتهم» أو كأنه إعصار فيه نار تأكل ضلالات المشركين أكلا لماء فلم يبق في مجلسه ذلك أحدا إلى وخضع لكتاب الله وسلم لله ورسوله تسليها ولم يخرجوا من هناك حتى عادوا لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى الله ورسوله)"

وقال في مجلس آخر جمعهم بالشيخ السعدوني الذي قال قولا شنيعا: (ولم يتكلم الشيخ السعدوني وجعلنا نتباحث معه في حركة الإصلاح وفي المصلحين وفي أعداء الإصلاح المفسدين فاعترف بأنه قال: (الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله يه ضلال مبين وشقاوة وخسارة سرمدية اليوم وقبل اليوم)» وقال: (إنه لاايزال مصرا على هذا القول وقد بين لنا مراده بتأويل لم نستطع أن نفهمه وقد هجم عليه العقبي هجوم المحق على الباطل فتركه حائرا مبهتاء وكان هذا الموقف الذي وقفه الأستاذ العقبي موقف جد موقف صراحة» موقف من لا يخاف في الله لومة لائم» موقف من يجاهد الخرافيين بالقرآن جهادا كبيراء بتلك الفصاحة العربية التي لم تكن لغير العقبيء فإنه أحاط بالسعدوني من كل جانب يحتج بالقرآن ولم يكن للسعدوني من حجة. وأخيرا عجز عن كل شيء واعترف بأنه لا يستطيع أن ينتصر علينا بلسانه» ولكنه سيكتب في الجرائد» وقد قرعه العقبي على طعنه في ابن تيمية تقريعا حلوا ومرا)”"

المطلب الثاني: الصحافة المكتوبة

بالإضافة إلى ما ذكرناه من الحركات والنشاطات التي كانت تقوم بها الجمعية في أداء رسالتها الدعوية على المنهج الذي ارتضته لنفسهاء كانت هناك وسيلة أخرى تستعملها لتعبر بها عن فكرها الإصلاحيء وهي وسيلة الصحافة المكتوبة» التي كانت في ذلك الحين تعتبر من

() البرق» ماي 219717 ص"..

() البرق» ماي 219717 ص".. رف

أكثر الوسائل تطورا.

ومن خلال دراسة ما وصل إلينا من صحف الجمعية يمكننا بسهولة أن ندرك علاقتها الكبرى بالطرق الصوفية» وكأن الكثير منها لم يوضع إلا لأجل مواجهة ما تسميه ب (بدعة الطرائق)» وسنرى بعض الننماذج عن ذلك.

ولكنا قبل ذلك نحب أن ننبه إلى أن الكثير من الباحثين عندما يصور إغلاق المستعمر الفرسي لبعض الصحف يصورهاء وكأن تلك الصحف تمس بالسيادة الفرنسية» أو تتعرض لحقوق الجزائريين» والأمر لم يكن كذلك بتاتا للأسف. فقد كانت ممارسات تلك الصحف في محاربة السلم الاجتماعي, يجعلها تتعرض للإغلاق في أي نظام يحترم نفسه.

ونحن لا ندافع عن المستعمر هناء فقد عرفنا ظلمه وإجحافة» ولكنا نتأسف لبعض تلك الصحف التي تركت قضايا الأمة الكبرى لتنشر بدلها الضغائن والأحقاد. وتناقش في الحرية الدينية التي هي أبسط أنوع الحريات في جميع المجتمعات الإنسانية» وليتها ناقشتها بعلم» إذن لان الأمرء ولكنها تناقشها بعنف وغالظة وتحريض.

انطلاقا من هذا سنحاول في هذا المطلب أن نذكر الصحف التي أسستها الجمعية أو أسسها أعضاؤهاء قبل التأسيس أو بعده» وقد كنا نود تقسيمها إلى صحف رسمية» وصحف شخصية» لكنا وجدنا عدم جدوى هذا من الناحية التي نريد أن نبحث فيهاء باعتبار أن بعض الصحف يملكها أفراد متعددون» وصحف أخرى لا ندري أصحابها بالضبطء أو اختلف في أصحابها والمؤسسين لماء والتحقيق في ذلك يبعدنا عن الهدف الذي نهدف إليه من خلال طرح الموضوع في هذا المحل.

بالإضافة إلى ذلكء فإنه يمكن اعتبار الصحف الشخصية نوعا من الصحف الرسمية» لأن المواقف في الجميع واحدة» والخلاف لا يعدو في اسم المؤسسة التي صدرت الصحيفة باسمها.

ولهذا رأينا بدل ذلك أن نقسمها تقسي) آخر يعتمد السرد التاريخي حتى نرى مسيرة هذه

كرا

الصحف من أجل خدمة أهداف الجمعية» وحتى نتصور الواقع بجميع ملابساته.

بناء على هذاء فسنذكر هنا الصحف الصادرة في ذلك الحين على حسب التسلسل التاريخي» مركزين على ما لها من علاقة بالطرق الصوفية» ولذلك لن نذكر صحف أب اليقظان", ولا بعض صحف الأمين العمودي أو الزاهريء لأنالم نرلها علاقة بموضوعنا.

:دقتنملا-١‎

أصدرها الشيخ عبد الحميد ابن باديس في ٠7"‏ جويلية ١475‏ م الموافق ل ١١‏ ذي الحجة سنة 1757 ه بمدينة قسنطينة تحت شعار (الحق فوق كل أحدء والوطن قبل كل شيء)

ولعل أحسن من أرخ لهذه الصحيفة» وبين الدوافع لها هو مؤسسها ابن باديس» فقد كتب في (الشهاب) في أفريل 1975 م, أي بعد فترة قصيرة من تأسيسها وتعطيها يقول: (في يوم النحر من ذي الحجة خاتمة شهور عام ثلاثة وأربعين وثلاثائة وألف برزت جريدة (المنتقد)

تحمل فكرة الإصلاح الديني)7)

)١(‏ يعتبر الشاعر والأستاذ الكبير أبو اليقظان أحد أكبر أعمدة الصحافة الإصلاحية في الجزائر. وهذا سرد مختصر لهذه الصحف:

(وادي ميزاب) ١9‏ اعدداء من ١975/1١/٠١‏ إلى 1979/01/18م.

(ميزاب) عدد واحد. 7/58 01/ 1970م.

(المغرب) 8 عدداء من 19/ ١990/05‏ إلى 04/ 07/ 19731م.

(النور) 8لا عدداء من ١971/09/18‏ إلى 07/ 05/ 1977م

(البستان) ٠١‏ أعداد من /71/ 1988/0 إلى اللا

(النبراس) 5 أعداد. من ١988 /٠ا/ /5١‏ إلى 197/77

(الأمة) ١٠٠١‏ عدداء من ١99/04/08‏ إلى 978/05/07 1.

(الفرقان) 5 أعداد, من 7/01//08 ١998‏ إلى 988/08/07 1.

)9” 07 /5( آثار ابن باديس‎ )١( 56

ثم بين مراده منه بقوله: (بتنزيه الإسلام عم أحدثه فيه المبتدعون وحرفه الجاهلون. وبيانه كما جاء في القرآن العظيم والسنة المطهرة وعمل به السلف الصالحون)”)

وهي بهذا تصب في الهدف الذي ذكرناء وهو نصرة المذهب السلفيء والرد على من يسميهم الإصلاحيون مبتدعة» وهم ليسوا سوى أصحاب الطرق الصوفية.

والذين أشار إليهم بقوله في افتتاحيتها: (ونحارب على الخصوص البدع التي أدخلت على الدين الذي هو قوام الإخلاص فأفسدته. وعاد وبال ذلك الفساد علينا وتأخرنا من حيث يكون تقدمنا وسقطنا ب| لا نرتفع إلا به. لما شوهناه بإدخال ما هو ضده عليه) 7"

بعد بيانه الأهداف الإصلاحية المحصورة في مقاومة البدعة؛ بين الأهداف السياسية» فقال: (برزت جريدة (المنتقد) تحمل هذا وتلفت الجزائريين المسلمين إلى حقيقة وضعيتهم بين الأمم بأهم أمة لها قوميتها ولغتها ودينها وتاريخهاء فهي بذلك أمة تامة الأهمية لا ينقصها شيء من مقومات الأمم. وأنهم إلى ذلك مرتبطون بأمة عظيمة ذات تاريخ مجيد ومدنية راقية وحكومة منظمة» وأن عليهم أن يراعوا هذا كله في حياتهم فيحترموا قوميتم ولغتهم ودينهم وتاريخهم والأمة التي هم مرتبطون بها والحكومة التي هم مسيرون بقوانينها)”

وهذا الذي ذكره ابن باديس هو الذي نص عليه في افتتاحيتهاء وهى أول افتتاحية يكتبها

ليور الفرسشوية )0

)9” 07 /5( آثار ابن باديس‎ )١(

(؟) انظر: آثار ابن باديس (77/ /71/1)» والمنتقد العدد الأول ص ١ع 70١‏ 7, 4 5, المخميس ١١‏ ذي الحجة 417 1ه - ؟ جويلية 1775م. وقد أمضى هذا المقال با يلى (النخبة)

(5) آثار ابن باديس (4/ 0807

(:) آثار ابن باديس ("/ /71/1)

ثم بين مستلزمات كون الجزائر مسلمة» فقال: (فلآننا مسلمون نعمل على المحافطة على تقاليد ديننا التي تدعو إلى كل كمال إنساني» ونحرص على الأخوة والسلام بين شعوب البشر وفي المحافطة على هذه التقاليد المحافظة على أهم مقومات قوميتنا وأعطم أسباب سعادتنا وهنائناء لأننا نعلم أنه لا يقدر الناس أن يعيشوا بلا دين» وأن الدين قوة عظيمة لا يستهان بهاء وأن الحكومة التي تتجاهل دين الشعب تسيء في سياسته وتجلب عليه وعليها الأضرار والأتعاب.. لا نعني بهذا أننا نخلط بين الدين والسياسة في جميع شؤونناء ولا أن يتداخل رجال الدين في سياستناء وإنما نعني اعتبار الدين قواما لناء ومهيعا شرعيا لسلوكناء ونظاما محى| نعمل عليه في حياتناء وقوة معنوية نلتجيء إليها في #هذيب أخلاقنا)”

وبين مستلزمات كونها تابعة لفرنساء فقال: (ولأننا مستعمرة من مستعمرات الجمهورية الفرنسيوية نسعى لربط أواصر المودة بيننا وبين الآمة الفرنسوية وتحسين العلائق بين الأمتين المرتبطتين بروابط المصلحة المشتركة والمنافع المتبادلة من الجانبين» تلك الروابط التي ظهرت دلائلها وثمراتها في غير ما موطن من مواطن ا حرب والسلم)”"

ثم ذكرت ما قدمته الجزائر لفرنسا في مقابل ما قدمته فرنسا للجزائر» فقال: (إن الأمة الجزائرية قامت بواجبها نحو فرنسا في أيام عسرها ويسرهاء ومع الأسف ل نر الجزائر نالت على ذلك ما يصلح أن يكون جزاءهاء فنحن ندعو فرنسا إلى ما تقتضيه مبادئها الثلاثة التاريخية "الحرية والمساواة والأخوة" من رفع مستوانا العلمي والأدبي بتعميم التعليم كل تمت الحديث» وتشريكنا تشريكا صحيحا سياسيا واقتصاديا في إدارة شؤون وطننا الجزائري, إن لفرنسا ما يناهز القرن في الجزائر ولا أحد ينكر ما لها من الأيادي في نشر الأمن وعمارة الأرض وجميع وجوه الرقي الاقتصاديء غير أنها ويا للأسف ليست لها تلك الأيادي ولا نصفها في تحسين

)71/1/ /7( آثار ابن باديس‎ )١(

)7177/8 /7( آثار ابن باديس‎ )١(

حال الأهالي العلمي والأدبي» مع أن الذي يناسب سمعة فرنسا ومبادئها ويصدق ما ينادي به خطباؤها ويكون أجمع للقلوب عليها هو أن تعنى بالعباد ى| تعنى بالبلاد)”"

بل إن ابن باديس كتب في هذه المقدمة يذكر أن حاجة الجزائريين إلى فرنسا ضرورة حيوية» فقال: (إن الأمة الجزائرية أمة ضعيفة ومتأخرة فترى من ضرورتها الحيوية أن تكون في كنف أمة قوية عادلة متمدنة لترقيها في سلم المدينة والعمران وترى هذا في فرنسا التي ربطتها بها روابط المصلحة والوداد» فنحن نخدم للتفاهم بين الأمتين ونشرح للحكومة رغائب الشعب الجزائري ونطالبها بصدق وصراحة بحقوقه لديها ولا نرفع مطالبنا أبدا إلا إليهاء ولا نستعين عليها إلا بالمنصفين من أبنائهاء وفي جدنا وإخلاصنا وشرف الشعب الفرنسوي وحريته ما يقرب كل أمل بعيد)”

هذا ما كتبه ابن باديس في أول افتتاحية كتبهاء وإن| ذكرنا نص كلامه بطوله» لأنا وجدنا للأسف الكثير من الباحثين يقتطع من كلام ابن باديس أو غيره ما يتناسب مع ما يريد أن يفرضه على القارئ من أفكار» ولكنه إن جاء لأصحاب الطرق الصوفية وما يكتبونه ضخم المزيل» وعظم الحقير.

والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا استعمل ابن باديس - ومثله الجمعية - تلك اللغة الدبلوماسية الذكية مع المستعمر ليحققوا ما يريدون من أهداف. ولم يستعملوا نفس تلك اللغة مع إخوان لهم لم يطلبوا منهم إلا أن يكفوا سبابهم عنهم» وكان في إمكانهم أن يحققوا بذلك من الأهداف أضعاف ما يريدون تحقيقه من المستعمر؟

بعد هذا التوضيح لأهداف الصحيفة من خلال كلام مؤسسهاء ذكر ابن باديس كيف بدأت الصحيفة تستقطب الإصلاحيين وتجمعهم. وهو ما يبين أثرها وأثر الصحف في تجميع

)71/94 /9( آثار ابن باديس‎ )١(

)71/9 /7( آثار ابن باديس‎ )١(

الإصلاحيين بعد ذلك في مؤسسة الجمعية» فقال: (ثم ما كاد يبرز العدد الثانٍ منها حتى ظهر في الجزائر كتابه لم يجدوا مجالا لأقلامهم قبلها فانضموا إلى تحريرها وأوجدوا ببيئتهم أول حزب المصلحين)”2

ثم ذكر ما حصل للجريدة من تعطيل» فقال: مضت الجريدة على خطتها حتى سقطت في الميدان بقرار التعطيل بعد ما برز منها )١1/(‏ ثانية عشر عددا كانت في بنيان النهضة ثانية عشر بتك|)0

؟-الشهاب

بعد تعطيل المنتقد» وفي نفس السنة (أي في سنة 1976م) أصدر الشيخ عبد الحميد بن باديس جريدة (الشهاب) وكانت في أول الأمر أسبوعية» ثم تحولت في فبراير من سنة ١979‏ م إلى مجلة شهرية» تحتوي افتتاحية» ومقالات وفتاوى وقصصا وأخبارا وطرائف وتراجم وغير ذلكء وكان في السنوات الأولى يكتب معظم مقالاتها بنفسه» ويوزعها أيضا بنفسه» وقد استمرت في الصدور إلى الحرب العالمية الثانية فتوقفت في سبتمبر 974 ١م".‏

أما علاقتها بالطرق الصوفية» وحربها لحاء فلا يحتاج إلى أي دليل» ذلك أن الشيخ ابن باديس نفسه صرح بدورها في هذا المجال» حيث نشر بعد ما يقرب من عشر سنوات من تأسيسها» يقول: (وبعد فإن مجلة (الشهاب) تفخر بأنها أنشئت للحركة الإصلاحية ورافقتها في جميع

مراحلها وأنها هاجمت البدع في معاقلها وواثبت الخرافات في أيام عزها واشتدادهاء وساورت

)71/9 /9( آثار ابن باديس‎ )١( محرم 01754 - أفريل 19770 م.‎ ” - ١ ص‎ »1١ الشهاب: ج 21م‎ )١( والعدد الأخير الذي هو عدد سبتمبر لا يوجد منه إلا ملزمة واحدة كتب فيها عبد الحميد‎ »)59 /١( (؟) آثارابن باديس‎ مقالا عنوانه (أولو الأمر) تعليقا على مقال كتبه الشيخ الخضر الحسين شيخ الأزهر وصاحب مجلة الحداية الإسلامية.‎ أوت 19774م.‎ ١5 - غرة جمادى الأولى *1707ه‎ 77/١ ص‎ .٠١ الشهاب: ج 4 م‎ )4(

4

الأباطيل على احتفالمها واستعدادها لم مهن لها عزيمة في موقف من المواقف التي تخور فيها العزائم وترجف الأفئدة» ولم يكتب لما قلم في ميدان من الميادين التي تنعقد فيها الألسنة وتجبل القرائح)”"

وقد ذكر ابن باديس بعض الناذج عن البدع التي كانت تحاريها الشهاب في هذا المجال» ونجاحها فيهاء فقال: (نشرنا في جزء ربيع الثاني من العام الماضي الفتوى التي أصدرها عشرون عالما من علماء طرابلس الغرب في وجوب إلغاء ما يستعمله أصحاب الطرق من المثي على الفحم المصهور وابتلاع العقارب والأفاعي والحشرات السامة وطعن أجسادهم وثقبها بالآلات الحادة. وقدموا في ذلك مطلبا لحكومة البلاد وعملت عل تنفيذه» ثم اطلعنا على عريضة مؤرخة بربيع الأول من العام الماضي قدمها نحو الثلاثين عالما من علماء المغرب الأقصى من مدرسين بجامع القرويين وغيرهم إلى جلالة مولانا السلطان (سيدي محمد) أيده الله يشتكون إليه ما كان من مخالفة ما تقدم من أمره بمنع بدع كل الطوائف اللمبتدعة كطائفة العيسيوية وغيرهم» ويرغبون من جلالته إصدار أوامره بزجر المجرمين المخالفين فصوت العلماء بالإصلاح الإسلامي والحمد لله قد ارتفع من مصر وطرابلس والجزائر والغرب الأقصى وما بقي ساكنا إلا جامع الزيتونة» فلا تسمع له همسا)"

وهو نجاح يستحق الاحترام من زاويتين:

الأول: هو كون ما ذكر من البدع والمنكرات من المتفق عليه بين الأمة جميعاء ولا يخالف فيه أحد. لا صوفي ولا سلفي.

)9”01١ /5( آثار ابن باديس‎ )١( مارس‎ 7١ ذي الحجة 1704ه الموافق ل:‎ 7١ انظر: البصائر: السنة الأولى العدد الأول الجزائر في يوم الجمعة‎ )١( ص 5 -1 بتاريخ غرة محرم 1100.ه‎ »١7 م‎ ».١ 15م صضاءع١ و" و" ونشر هذا المقال بنفسه في الشهاب. ص‎

- أفريل 19175١م.‏ ع"

والثاني: هو أن اللغة التي استعملت في المحاربة لغة علمية» وهي فتاوى العلماء.

وهذا ما يريده الصوفية أنفسهم من الجمعية: أن يتحاوروا حوارا علمياء لا حوار سخرية وسباب» وأن يكون الإنكار في حال تحققه في المتفق عليه لا في المختلف فيه.

ولكن الشهاب لم تسر على هذا الخط في جميع القضاياء فقد عرفنا من قبل كيف لم يرض الشيخ العقبي إلا أن يكتب فيها بالطريقة التي يريد» لا بالطريقة التي طلب منه الشيخ ابن باديس.

لكن ابن باديس شعر بأنه وقف بين مفسدتين: مفسدة كف بعض الأقلام المهمة في الكتابة في صحيفته كالشيخ الطيب العقبي» ومفسدة اشتداد الشقاق بينه وبين الطرق الصوفية» فاختار أهون المفسدتين في تصوره» وهو أولئك الكتاب الغلاظ الشداد» وقد سبق ذكر تفاصيل ذلك سابقا.

وقد ذكر الإبراهيمي تأثيرها مقارنا بينها وبين (المنتقد)» فقال: (ورأى المرحوم عبد الحميد بن باديس أنه لا بد من جريدة تظاهر الفكرة وتخدمهاء فأنشأ جريدة (المنتقد) وهي أول جريدة إصلاحية بالشمال الأفريقي» فكانت أرفع صوتا وأفعل وسيلة لنشر الإصلاح الديني» فارتاع لها الاستعمار الفرنسي وعطلها في مدة قريبة بع| يملك من قوانين» فأصدر المرحوم جريدة أخرى باسم (الشهاب) كانت أسدٌ رماية» وأوسع خطى من سابقتهاء وسكت عنها الاستعار فنقلها صاحبها من جريدة إلى مجلة» طال عمرها بضع عشرة سنة ورافقت سنوات الإرهاص بجمعية العلماء» فسجّلت خطوات الحركة» وكانت لما مواقف رائعة في عدة ميادين» فخدمت العلم والدين والسياسة» وتردّد صداها في المغارب الثلاثة» فتركت في كل قطر أثرًا حميدًا في النفوس»

باديس» ومجلته (الشهاب)» استحقٌ لقب (باني النهضة الجزائرية بجميع فروعها)”"

ولعل أهم ما استطاعت الشهاب أن تقدمه هي كونها البوابة التي فتحت لتأسيس الجمعية» فقد نشر ابن باديس على منبرها سنة 1975م يدعو إلى ضرورة تشكيل حزب إسلامي إصلاحي يعمل على تطهير الدين ما أدخله عليه الجاهلون من خرافات وضلالات» والعودة به إلى أصوله الصحيحة المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة» وذلك بعد مرور شهور من احتفال فرنسا بمناسبة مرور قرن كامل على احتلالما الجزائر.

“_الجزائر:

وقد تأسست سنة ١476‏ من طرف الشيخ السعيد الزاهريء وقد ذكرها ابن باديس في (المنتقد)» وذكر بأنها (جريدة سياسية أدبية أخلاقية اجتماعية تصدر بالجزائر لصاحبها الشاعر الشيخ السعيد الزاهري» جلا علينا العدد الأول منها مقالات بليغة في متانة التعبير وسمو الفكرء ونبالة المقصد, وثقة لبلوغ الغاية» وجدير بها إذا كان السعيد واضعها أن يكون السعد طالعها)()

والظاهر أن هذه الصحيفة كانت ذات ميول سياسية أكثر منها دينية» فقد ذكر عنها الدكتور سعد الله» بأنها من أوائل الصحف ذات الاتجاه الوطني الإصلاحيء وقد اتخذت عبارة (الجزائر للجرائريين) شعارا لماا".

ولحذاء فإن الباحثين يذكرون أنها امتداد لجريدة الإقدام التي كان يصدرها الأمير خالد

باللغتين العربية والفرنسية منذ »١9١4‏ فقد جاء في هذه الأخيرة إعلان يبشر بصدور جريدة

)١515 /4( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( ." ص‎ .19785 /٠1//٠ (؟) ابن باديس: الجزائر. المنتقد. ع0 س1‎ دار الغرب الإسلامي. بيروت. لبنان.‎ .١ ج0. ط‎ )١1104 - 187:( أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي‎ )(

ء ص 508.

(الجزائر) جاء فيه: (نستطيع اليوم بكل سرور أن نبشر قرائنا الفطناء» بآن صحيفتهم هذه ستطلع عليهم في العهد القريب باللسانين العربي والفرنسي باسم آخر غير اسم (الإقدام)» فقد اخترنا أن يكون (الجزائر) في حجم بقدر هذا مرتين» ثم تأخذ بعد ذلك في النمو بحسب الظروف إلى أن تصير صحيفة كبرىء ويتكفل بالقلم العربي حضرة صديقنا الشيخ محمد السعيد الزاهري المتطوع بالجامع الأعظم بالزيتونة بتونس» وتكون الجريدة أيضا تحت إشرافه» أما مواضيع الجريدة فستكون مقصورة على ما ينفع الناس)”"

وقد منعت الصحيفة بعد صدور ثلاثة أعداد منها فقط» ولعل ذلك لما كانت تحمله من حملة المستعمر» فمن جملة ما ورد في العدد الأول قصيدة حارة معبرة منها!":

فيا ويح أحرار الجزائر كم وكم بهبيح عليهم من هموم بالبال لقد كسر الناس القيود وحطموا ونحن بقينا في قيود وأغلال وني العدد الثاني نرى الزاهري بكل حماس ببزأ بشعار دولة (المساواة والحرية والعدالة الذي ترفعه فرنسا منذ ثورتها ( 1785 ) في قصة بعنوان: (المساواة» فرانسوا الرشيد)» وهي قصة تروي مسيرة طفلين» أحدهما إسباني متجنس بالجنسية الفرنسية» والثاني عربي غير متجنس قل تدرجا في مراحل التعليم تدرجا ماثلاء وأديا نفس الواجبات وعندما أجبرا على الجندية» هناك بدأ يظهر الجور والحيف» حيث درج فرانسوا في المراتب إلى أن أصبح صاحب الأمر والنهي. أما الرشيد فراح ضحية المساواة المزعومة".

ومن الذرائع التي استعملتها فرنسا لإيقاف الصحيفة» هو أن المترجم» ترجم عنها كلمة:

)00 صالح خرفيء الأبعاد التاريخية في الشعر الجزائري الحديث, الثقافة» العدد ٠ ١‏ الجزائر: مارس 2١91/١‏ ص 57. (0) انظر نص القصيدة كاملة في: الزاهري محمد الحادي: شعراء الجزائر في العصر الحاضرء ط١.ء‏ المطبعة التونسية» 5 جء ص 18 وما بعدها. () محمد ناصر: المقالة الصحفية الجزائرية (نشأتها- تطورها- أعلامها) من ١957‏ إلى ١‏ 197. ص 00 .

5

(نمضة) بكلمة فرنسية معناها: (الثورة) وترجم عنها كلمة (فرنسا الظافرة المتتصرة) با معناه

فرنسا الظالمة الغاصية0". ولا نعلم لهذه الصحيفة أي علاقة بالطرق الصوفية» فلم يتسن لنا الاطلاع عليها. 5:-صدى الصحراء:

وهي من أوائل الصحف التي أسسها الشيخ الطيب العقبي والشيخ أحمد العابد» وهي - كما وصفها الباحثون- جريدة علمية أدبية واجتاعية انتقادية شعارها (العمل لدرء المفسدة قبل جلب المصلحة)

والشعار» والمؤسس يدل على مدى العلاقة التي تربطها بالطرق الصوفية» ولهذا لم تعمر طويلاء فقد أوقفت من طرف إدارة الاستعمار يوم 7" / ديسمبر/ 005".

_الإصلاح:

وقد حاولت أن تخلف (صدى الصحراء) بعد توقفهاء وكانت أسبوعية» ولم يصدر منها سوى بضعة أعداد. ثم توقفت".

5 -البرق

وقد أنشأها عبد المجيد الرحموني في مارس 19471 وهي صحيفة اجتاعية أدبية انتقادية سياسية اقتصادية فكاهية» شعارها (خدمة الوطن والمصلحة العامة واستثار المال)» وقد كتب فوق عنوانها عبارة: (تسامحوا فيم| بينكم, فإنه لا سبيل للاتحاد كالتسامح) بإمضاء الزاهري» وكان التحرير موكل إليه» أما الإدارة والامتياز» فكانت لل رحموني محمد عبد المجيد"».

)0 الزاهري: في الموقف الحاضر. الشهاب. مج9. ج94. ص .5٠90‏ له مفدي زكرياء تاريخ الصحافة العربية في الجزائر (الجزائر: مؤسسة مفدي زكرياء 7٠١7‏ )2 ص 7 06. فيه مفدي زكرياء المصدر نفسه.» ص 617 .1١‏

5( مفدي زكرياء المصدر نفسه.» ص 1١617‏

وقد بشرت بها جريدة النجاح» فذكرت أنها (جريدة في الصحافة الأسبوعية تبحث في مسائل الترقي والعمران والمصلحة العامة وتمتاز باشتغالها بشؤون الواردات والصادرات من أنواع البضائع. والنتائج الجزائرية)()

وكانت في بداية أمرها تطبع في المطبعة الإسلامية في قسنطينة» لكن خلافا وقع بين الزاهري (صاحب الجريدة الحقيقي) وصاحب المطبعة السيد أحمد بوشمال اضطره إلى نقل الجريدة لتطبع في مطبعة النهضة بتونس ابتداء من العدد السابع عشر".

وحسب رواية لمفدي زكريا: أن مديرها حاول طبعها بتونس» وذلك في رسالة مؤرخة بيوم ١‏ ماي ١4737‏ للأستاذ زين العابدين السنوسيء إلا أنه لم يحصل له الاتفاق على طبعهاا".

أما توجه هذه الجريدة فقد لخصه محررها في أربعة نقاط هي:

- الاشتغال بالتجارة» وبالأسعار والبورصة.

- أن تكون الجريدة لسان حال الأمة المعبر عن آلامها وآمالها.

- ملاحقة الأشخاص البارزين بالنقد أن أضروا بالمصلحة العامة للأهالي.

- الاعتناء بالأدب©).

وقد التف حول هذه الصحيفة مجموعة من الكتاب البارعين المعروفين بنزعتهم الإصلاحية المتحمسة» وأسلوبهم الناري المقذع على رأسهم محرر الجريدة نفسه. وكان يمضي مقالاته ب

(تأبط شراء رقيب» الراصدء جساس»» ومحمد الأمين العمودي الذي كان يوقع كتاباته ب

.7 ص‎ 1971/07/5٠ س1‎ ..١8 انظر: النجاح. ع‎ )١(

(؟) عبد المجيد ال رحموني: إلى القراء. البرق. ع 117. س ١‏ .

() مفدي زكرياء: تاريخ الصحافة العربية في الجزائر. (جمع وتحقيق). أحمد حمدي. مؤسسة مفدي زكرياء. الجزائر. ) 5ض 2.186

(؛) الزاهري: الفاتحة. البرق.ع .١‏ ص .١‏

(سمهري»» وكان بجانبههم| مبارك الميلي الذي كان يوقع ب (ببيضاوي). والشيخ الطيب العقبي الذي كان يوقع بإمضائه الصريح وأحيانا ب (سلفي).» وكذلك نجد المولود الحافظي الذي كان يمضي باسمه الصريح كذلك.

وقد كانت مقالات الزاهري ومن معه في البرق حادة الأسلوب يهاجم فيها بعنف وبطريقة فيها قليل من السخرية والتهكم؛ يخص بها أولئك الأفراد الذي كانوا ضد الحركة الإصلاحية» أو من كان يعمل ضد المصلحة العامة» فكان هذا الاتجاه الحاد من الجريدة من أهم أسباب تعطيلهاء إذ رفع الدكتور ابن #بامي والمعمر مورينو النائب بالبرلمان ضدها دعوة قضائية متهمين إياها بثلب الأعراضء وجرح كرامة الأفراد بعد أن تناوم| الزاهري منتقدا سعيهم| السيابي ضد مصلحة الأهالي المسلمين ".

ولما فشل ابن تهامي وقرينه في تعطيل الجريدة قضائيا هذه الوسيلة فقط استطاع ابن تهامي أن يقنع الحكومة الحامة للمتحنسين أن تعطل البرق» ولم يسحب منها أكثر من 71 عددا".

/ا السنة المحمدية:

وهي صحيفة أسبوعية كانت تصدر بقسنطينة» وهي أول جريدة ناطقة بلسان جمعية العلماء المسلمين» يديرها الشيخ ابن باديس» ويرأس تحريرها عضوان من إدارة الجمعية» عرفا بعدائهم| الشديد للطرق الصوفية» وهما الشيخ الطيب العقبي» والشيخ محمد السعيد الزاهري.

وقد تأسست بعد تأسيس الجمعية بسنتين» وبعد حوالي ثاني سنوات من صدور الشهاب". وكان أول عدد منها في الثامن من ذي الحجة سنة ١7601١ه‏ ( ١9177‏ م )» وسرعان ما أوقفتها

الإدارة الاستعمارية بحيث صدر آخر عدد منها في ٠١‏ ربيع الأول سنة 1757 ه الموافق ل ٠7”‏

(0) محمد ناصر: الصحف العربية. مرجع سابق. ص 850, عبد المجيد ال رحموني: جريدة البرق والدكتور ابن التهامي! الشهاب.ع . ص 218١‏

(0) محمد ناصر: المرجع السابق. ص 85.

جويلية 1977 م.

وكا سانها تزه سان (لَقَدْ كان لَكُمْ في رَسُولٍ الله أسوَةٌ حَسَئَة [الأحزاب: ١؟]‏ والحديث الشريف: (من رغب عن سنتي فليس مني)2"0

وهما يدلان على نبجها المواجه للطرق الصوفية» لآن السنة في ذلك الحين لم يكن يقصد بها إلا هذا المعنى» بدليل أنها سميت بذلك ردا على الجمعية التي أسسها الطرق الصوفية باسم السينة.

وهذا على الرغم من أن ابن باديس عبر في مقاها الافتتاحي بأن القصد من هذه الجريدة هو (نشر السنة النبوية المحمدية» وحمايتها من كل ما يمسها بأذية» وخطتنا الأخذ بالثابت عند أهل النقل الموثوق بهم» والاهتداء بفهم الآئمة المعتمد عليهم» ودعوة المسلمين كافة إلى السنة النبوية المحمدية دون تفريق بينهم وغايتها أن المسلمين مهتدين هدي نبيهم في القوال والأفعال والسير والأحوال حتى يكونوا للناس كما كان هو يلي مثالا أعلى في الكمال)7)

وقد كان من أبرز كتابها على صفحاتها الأربع" الزاهري» ويكفي اسمه لمعرفة المواضيع التي يحسن الكتابة فيهاء ما سنرى عند الحديث عن اساليب الجمعية.

وبناء على هذاء فقد أصدر وزير الداخلية قرارا يقضي بتعطيل جريدة السنة بتاريخ ١5‏ فيفري 11917)» بعد صدور ١7‏ عددا منها.

6-_الشريعة المحمدية:

لما عطلت السلطات الاستعارية جريدة السنة أعادت الجمعية إصدارها باسم (الشريعة

)00 صحيح البخاري »)"١ /1١(‏ صحيح مسلم (4/ )2

(0) ابن باديس: بواعثنا. خطتنا. غايتنا. السنة. ع ١‏ س1 1977/05/07 ص 8.

(*) أعادت دار الغرب الإسلامي طبعها وشقيقاتها: الشريعة والصراط في ثمان صفحات بدل الأربع.. (:) محمد ناصر: الصحف العربية» ص .١77‏

المحمدية) في ١١/‏ جويلية سنة “1917 م» أي بعد توقيف (السنة المحمدية) بأربعة عشر يوما

فقطء ولم يتغير فيها شيء عن سابقتها إلا في الشكل فقد جعلت من الآية: (ثُمَّ جَعَلنَاكَ عل شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَعْهَاك [الجائية: ]١14‏ شعارا لها بدلا من الآية: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولٍ الله

10

سس سا كمه

سوه خش [الأخرات 3

وقد احتفظت بالمواد التي احتوت عليها والخطة التي كانت تتبعهاء والكتاب الذين كانوا تعطيلها في مقاا الافتتاحي ىا عبر عن ذلك الدكتور محمد ناصر”".

وفعلا كان تعطيل هذه الجريدة بعد أمد قصيرء إذ لم يصدر منها سوى ١7‏ عدداء وقد أوقفتها الإدارة الاستعمارية في 78 أوت سنة ١977‏ م أي أنها لم تستمر في الحياة سوى أربعين ونا

4-_الصراط السوي:

بعد توقيف صحيفة (الشريعة النبوية) أصدرت الجمعية في ١١‏ سبتمير ١1977‏ م جريدتها الثالثة تحت اسم (الصراط السوي) محتفظة بشعار سابقتها الشريعة» إلا أنها تم توقيفها هي الأخرى من طرف الإدارة بعد ثلاثة أشهر فقط من صدورها وذلك في شهر يناير سنة ١975‏ 0

وقد نقلت الشريعة في مقالها الافتتاحي لعددها الأول تصريحا للوالي العام الذي تملص من المتعسف تجاه جمعية دينية تبذيبية!".

. 1١067 محمد ناصر: الصحف العربية» ص‎ )١(

.18١ محمد ناصر: الصحف العربية» ص‎ )١(

وقد علق ابن باديس على هذا التصريح مؤكدا على تصميم الجمعية على الصمود أمام العواصف الإدارية والمضي على خطتهاء وغايتها والثبات على المبادئ مهما يكن الثمن» ولكن ما إن صدر العدد ١١/‏ حتى عطلء وكان قد سبقه قرار بهذا الشأن من وزارة الداخلية علقت عليه الصراط بأنه: ( سيتخذ ضد كل الصحف الحاملة لهذه النزعة (الإصلاحية) أين! وجدت من التراب الجزائري» ومهم| يكن صاحب امتيازهاء ومههم| تكن المطبعة التي تسحب فيها)("

ميحجلا-٠‎

وهذه الصحيفة تعبر عن مدى الانحطاط الذي وصلت إليه العلاقة بين الجمعية والطرق الصوفية» وقد صدرت في حدود فترة زمنية قصيرة جداء أي ما بين مارس وماي سنة 21977 وكانت بداية تأسيسها متزامنة مع صحيفة (السنة)”"

وكانت تصدر سريا في المطبعة الجزائرية بقسنطينة» وتوزع في الجزائر العاصمة كأنها تصدر هناك”". أسندت إدارتها إلى الفرنسي الذي أسلم (محمد شريف جوكلاري)» وكان يحررها

رفقة الزاهريء ومحمد الأمين العموديء» وحمزة بوكوشة» ومحمد الصالح خبشاشء» وعبد

. ١07 محمد ناصر: الصحف العربية» ص‎ )١(

(؟) رجعنا فيم| يتعلق بهذه الصحيفة إلى مقال جيد للكاتب أحمد حمدي بعنوان: (الجحيم: صحيفة هزلية من نوع خاص) موقع فضاء أحمد حمدي, على هذا الرابط (0 ١٠١‏ -م7 /أ01.0 م3 ط لع مطحاة. ننالرانوا//:مخخط

() وقد ذكر السائحي تفاصيل مكان وظروف طباعة» فقال: ( إن جريدة الجحيم كانت تطبع في مطبعة بن باديس ليلا بقسنطينة دون علمه. وأن العمال يقومون بذلك خارج أوقات عملهم, وفي سرية تامة لأن الشرط الأسامي بينهم وبين أصحاب الجريدة هو أن لا يعلم الإمام بذلك)

)5( جوكلاري محمد الشريف: شخصية لها دور بارز في تاريخ الصحافة الوطنية» فهو فرنسي الأصل اعتنق الإسلام في مدينة بسكرة» وصار يسمى بمحمد الشريف. ونظرا لكونه يحمل الجنسية الفرنسية يحق له أن يمنح من قبل السلطات الفرنسية حق امتياز إنشاء الصحف وفقا لمقتضيات القانون الفرنسي» ومبذه الخاصية نجد اسمه في واجهة العديد من

الصحف الإسلامية.

الرحمن غريب".

وقد عبرت عن نفسها بأنها: (جريدة مستقلة تدافع عن الشرف والفضيلة)» وكان شعارها (العصا لمن عصى)”"

ويذكر الباحثون كانت موجهة كرد فعل على هجومات جريدة (المعيار)”" التي كانت تباجم الإصلاحيين» وقد كانت هذه الجريدة أقرب إلى اللحجاء منها إلى الأخبار والإفادة العامة).

وكان كتاءها يكتبون تحت إمضاءات مستعارة منها: رئيس الزبانية» وهو كاتب الافتتاحيات ومنها : هامان» مسرورء مراقب» شبيبء الراوي» شاعر الزبانية» الفحلء الكواي؛ فرعون. بودفرة.

ويذكر السائحي عن الشيخ حمزة بوكوشة: أن محمد السعيد الزاهري ومحمد الأمين العمودي ومحمد الصالح خبشاش وحمزة بوكوشة نفسه هم المؤسسون لصحيفة (الجحيم) وخاصة منهم محمد الأمين العمودي ومحمد السعيد الزاهريء وأن هذا الأخير . حسب

السائحى دائئ) ‏ هو رئيس الزبانية» وأن الفحل وبودفرة هما شخص واحد ألا وهو الشهيد

الصحفي المترجم محمد الأمين العمودي. وقد نشرث صحيفة (الجحيم) للشيخ محمد البشير الإبراهيمي» والشاعر محمد العيد آل خليفة حسب شهادة بوكوشة.

(1) من الذين واكبوا الحركة الإصلاحية من بداياتها له مقالات في الشهاب والمنتقد وغيرهما من الجرائد الإصلاحية كان ا ا 00

(؟) سليمان الصيد: محمد السعيد الزاهري. الحلقة الثانية. النصر. ع 5371 81/ 1441/08 ص 7.

(؟) المعيار جريدة معبرة عن الاتجاه الطرقي. وهي جريدة نصف شهرية كان يحررها مولود الحافظي بعد انسحابه من الجمعية مع بقية من الطرقيين صدرت في 1977/17/1 واختفت في “5/77 0/ "21971 وهي جريدة مناوئة لجمعية العلماء.

(:) سليمان الصيد: محمد السعيد الزاهري. ال حلقة الثانية. النصر. ص .

هه"

وقد ذكرت في أول أعدادها الدافع الديني لهاء فقد كتب (رئيس الزبانية) يقول: (كان سيدنا عبد الله بن عباس ض جالسا في مجلس ينشر العلم» فشتمه أحد الطغمة الرعاع» فسكت عنه ابن عباسء ولم يجبه. ولكن أحد الحاضرين قام إلى هذا الشاتم المعتدي بصفعه وجلد به الأرض» فاستحسن سيدنا عبد الله بن عباس هذا الدفاع وقال : ( ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه)

ولسنا ندري مدى صحة هذا النص الذي اسنتجوا منه الحكم الشرعي بالتعامل البذيء المخالف. ثم ذكروا المصداق الذي ينطبق عليه الحديث الذي رموا به ابن عباس» وقد عبر عنه هذا الرئيس بقوله: (وقد ظهر في هذه الأيام رهط ينتسبون إلى الجنس البشري وهو يتبرأ منهم. هؤلاء الخنازير اتخذوا الشتم وثلب الأعراض حرفة وقذف أهل العلم والفضل بضاعة روجوها رغم الأزمة التي كسدت بسببها البضائع الأخرى.. وقد أسسوا ورقة عفنة سموها (المعهر)'" وهي حقيقة معهر من أقذر وأنجس المعاهر وكتبوا في تلك الورقة ما أطربوا به بتعض السفهاء أمثالهم» وما خوفوا به بعض الجبناء» وأيقنوا أن الجو خلا لهم وأن بلاد الجزائر لم يبق فيها إلا من يناصرهم أو بهابهم» وليس فيها من يحارمهم أو يلعنهم أو ينتقدهم وهكذا شأن اللئيم يزيده سكوت خصمه جراءة ولا يقبل إلا اليد التي تصفعه.. وقد أسسنا هذه الجريدة المباركة الطاهرة النقية العفيفة النزيهة لا لغرض سوى الانتقام للفضيلة والدفاع عن الأعراض البريئة وتطهير قطرنا العزيز من الجراثيم الخبيثة التي انبتها فيها الطمع وحب الرئاسة والتكالب على جمع الأموال الطائلة وتحصيل الآلقاب المهائلة. وسنذيق أهل الزيغ والكفر والعناد أضعاف ما اعتدوا به على السادة الأبرياء من عباد الله)7)

١‏ البصائر:

)١(‏ يريد بذلك صحيفة (المعيار)

(؟) صحيفة (الجحيم) كلمة أولى.. أما بعد. العدد الأولء بتاريخ ٠١‏ مارس ”19177. امل

وهي رابع صحف جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأسبوعيّة» وقد أنشئت بعد تعطيل الإدارة الاستعمارية لثلاث جرائد للجمعية في سنة واحدة - السنة المحمدية )١977-1١91(‏ الشريعة المطهرة )١977-1١970(‏ الصراط السوي (*1915-191)

وبعد توقف آخر صحيفة رسمية للجمعية» منعت من إصدار أية صحيفة باسمهاء وقد دام هذا المنع قرابة السنتين (من يناير سنة ١975‏ م إلى سبتمير سنة ١970‏ م) إلا أنه بعد جهود كبيرة بذلتها الجمعية لأجل الحصول على رخصة من الحكومة الفرنسية بإصدار صحيفة باسم الجمعية» صدرت في ١١/‏ سبتمبر 1١918‏ م.

وهي من الصحف التي لم تتعرض لا الإدارة الاستعمارية حيث ظلّت تصدر بانتظام إلى سنة 1974 مء وقد أشرف عليها الشيخ الطَيّب العقبي من أول عدد لها (71 سبتمبر 1918 م) إلى العدد 87 الصادر في ٠(‏ ' سبتمبر 1917737 م)» حين تحولت إدارة تحريرها من العاصمة إلى قسنطينة» وعين المجلس الإداري لجمعيّة العلماء الشيخ مبارك الميلي مديرا ومحررا لها خلفا للشيخ العقبي إلى أن توقفت بسبب الحرب عند العدد ١8١‏ الصادر في 0" أوت 1974 م حيث قررت الجمعية تعطيلها مع إعلان الحرب العالمية الثانية» لئلا تتعرض لضغوط ومساومات الإدارة الاستعمارية التي طلبت منها أن تعلن باسمها وتكتب في صفحاتهاء تصريحات ومقالالات ضد دول المحور.

وعادت إلى الصدور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من عام ١951‏ م إلى غاية ١19807‏ م, بإشراف وإدارة رئيس الجمعيّة الثاني الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي» وقد بدأ صدورها يوم 5 جويلية 191517 م» ولكنها لم تلبث أن توقفت عن الصدور مجددا من طرف المشرفين عليها سنة 1165 م.

وكانت تصدر يوم الجمعة قبل أن تتحول إلى يوم الاثنين» وتحتوي على ثماني صفحات ويكون العنوان دائم) أسودا وفي بعض الأحيان أخضرا أو أحمراء ويكتب فوقه الآية القرآنية:

/اه 7

(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبَكُمْ فَمَنْ أَنِصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَليَْاوَمَا نا عَلَيَكُمْ بحَفِيظٍ ) [الأنعام: | وتحت العنوان نجد هذه العبارة (لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)» ويزخر كل عدد بمجموعة من الصور. وهي تعد من أهم الجرائد التي أصدرتها الجمعية باعتبار طول المدة التي أتيحت للاء وباعتبار المواضيع التي كانت تناقشهاء فقد كانت تناقش جميع القضايا التي تهم الجزائر والعالمين العربي والإسلاميء بالإضافة إلى صراعها مع الطرق الصوفية. ولا حاجة بنا إلى نقل الشواهد على ذلكء لأن أكثر ما نقلناه من الاقتباسات من الشيخ ابن باديس والإبراهيمي والعربي التبسبي وغيرهم منها. المطلب الثالث: الكتب والرسائل تبتم الجمعية بالتأليف كما اهتمت بالصحافة» وذلك لانشغال أعضائها الشديد بالعمل الإصلاحيء بالإضافة إلى اعتبارها أن منتوج الصحافة أكثر» وأقرب من منتوج الكتبء ولهذا فإن إنتاجها في هذا الجانب محدود جدا لا يكاد يذكر» وسنذكر هنا باختصار بعض ما ألفه أعضاء الجمعية نما سبق الإشارة إلى أكثره: جواب سؤال عن سوء مقال: وهي رسالة ألفها الشيخ عبد الحميد بن باديس ردا على أبيات شعرية للشيخ أحمد بن عليوة المستغانمي صاحب الطريقة العلاوية وهي قوله: من ه20 بلملك 2 موحد عبس بالقول تساعد

ما عذر ينجيك للمولى ندعيك

وقد رُفعتٍ هذه الأبيات إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس بعد نشرها في ديوان ابن عليوة المطبوع في تونس عام ١197١م,‏ فكتب الشيخ ابن باديس للردٌ عليها هذه الرسالة في مقدّمة وأربعة فصول وخاتقة. حَشَدَ فيها الأدلة من الكتاب والسئة وآثار السلف. وقد فرغ من تحريرها صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين من ذي الحجة الحرام عام ٠175ه‏ الموافق لعام 5 م وأرسل بها إلى كبار مشايخه بتونس وإلى أفاضل العلماء والمفتين بالجزائر والمغرب» فاطّلعوا عليها وقرّظوها".

ونص السؤال الذي رفع لابن باديس هو (ما قول ساداتنا العلماء ‏ رضي الله تعالى عنهم. وأدام النفع بهم في رجلٍ يزعم أنه قطب الزمان الفرد وأنَ الكلّ دونه آنه العارف المُسَلّك.. إلى غير ذلك من أعلى صفات العارفين» وأسمى درجات الكاملين. ثم يقول مخاطبًا للنبيّ 86 نانضّه (الأبيات السابقة )ل وكا فيللا هذه الآبيات»قال: القن لمحن أعبعمية ! قهل بعد خطابه هذا سُوء أدب؟ وهل تجوز مخاطبة النبيّ يي بمثله؟ وهل صدور مثله من شأن العارفين الكامليق 1 وها يق هله هنا اعكدو طن خنطتة النهن امن ؟ نيدوت ماجؤرية)

وقد قال محمد الصالح رمضان في مقدمته على الرسالة المحققة» وهو من تلاميذ ابن باديس: (أبعد الطرق عن الإسلام في بلادنا (الطريقة العليوية) التي تدعو إلى الحلول صراحة وتقول بوحدة الوجود التي لا نعرفها. فقد كان (أحمد بن عليوة) قد آلت إليه مشيخة زاوية (درقاوة) بمستغانم بوصيّة من شيخه محمد بن الحبيب البوزيدي المتوفى عام 154١م‏ ولكن الشيخ ابن غليوة كان طموحًا جدًا فجدّد الطريقة وأدخل على نظامها وطقوسها ودعايتها تغييءًا شاملا ما جعلها تنتسب إليه بدلاً من نسبتها إلى (الدرقاوي) أو (الشاذلي)؛ وخرج بها من مستغانم لتنتشر

(1) من الذين قرظوا الرسالة العلامة المفكر محمد النخلي القيرواني» والشيخ محمد الطاهر بن عاشورء وأبو محمد بلحسن إبن الشيخ المفتي محمد النجار الذي تولى الإفتاء سنة 1147 ه ومحمد الصادق النيفر وسعد العياض السطايفي المصلح

المجدد. ومحمد بن القاضي» والبشير صفر المؤرخ المجدد. وغيرهم كثير.. ادك ١‏

في الآفاق» ونشطت على يده نشاطًا هائلاً» وامتدّت دعوتها باسمها الجديد: (الطريقة العليوية) في الوطن وخارج الوطن)

وقد قدم لها بقوله: (أما بعد- فقد وقفت على سؤالكم وتأملت من جميع فصوله» وأحطت خبرا إن شاء الله- تعالى- بلفظه ومدلوله» وهممت أن لا أجيبكم عنه بحرف واحدء لما أعلم من تصميم أكثر العامة على العناد فيه| اعتقدوه من الباطل» وسكوت أكثر الخاصة عن التصريح بالإنكار عليهم» والإرشاد لهم» وتهافت بعض الطلبة القاصرين» على تسويد صحفهم وصحائفهم بشبهات يسمونها بأفواههم دلائل وأجوبة عن متبوعيهم من الجاهلين» يخشونها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والتأويلات الباطلة الممنوعة» والروايات المدخولة عمن ليبس قوله حجة على الناس في الدين وإنما غايته إذا ثبت عنه ذلك وحسن به الظن أن يؤول على وجه صحيح يقبله الشرع. ثم يردون بمثل هذا على الآيات البينة والأحاديث الثابتة وعمل السلف الصالح المشهود لمم بالخيرة على لسان المعصوم. أفمع هؤلاء ينفع الكلام أو يحسن الجواب. لكنني تذكرت ما جاء في وعيد الكاتبين» وفي وعد من بذل الجهد في نصح إخوانه المسلمين» ورجوت أن لا أعدم أنصارا على الحق» وإخوانا متكاتفين في نصرة الدين» من عدول حملة العلم الذين ينفون عنه تحريف الغالين» وانتحال المبطلين» وتأويل الجاهلين» فاستخرت الله- تعال - وحررت لكم هذا الجواب في مقدمة وأربعة فصول وخاتة» غير قاصد- علم الله- شخص أحد بالتقص, ولا خارج بعون الله- تعالى- عن جادة الفهم من دلالة الظاهر والنصء والله أسأل أن ينفع به المسترشدين ويهدي به في المعاندين ويفت به أعضاء المفسدين آمين)”"

رسالة بدعة الطرائق في الإسلام:

وهى في أصلها ثلاث مقالات نشرت في مجلة الشهاب الجزائرية التى أنشأها رئيس جمعية

)١65 /7( آثار ابن باديس‎ )١( ان‎

العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله (مج ؛ عدد 2157 4 و159١‏ سنة /117"417 ه 1181 م)» ثم جمعها بعد وفاته محمد شايب شريف بالجزائر.

وهي عبارة عن ثلاث مقالات في إبطال بعض ما يتصوره الشيخ العربي التبسبي بدعاء وهي ثلاثة أمور:

١‏ - بدعة تحديد الأذكار.

- بدعة إعطاء العهود للأتباع.

- وبدعة التصدي للدعوات.

وقد سار في هذه الرسالة على منهج الشاطبي والسلفية المحافظة في استعمال الترك كدليل في الحكم على التعبدات بالبدعة.

وسنناقش ما ذكر في الرسالة من أدلة بتفصيل في محلها من الجزء الثالث من السلسلة.

ونحب أن نتنبه هنا إلى أنه أضيف إلى المقالات الثلاث مقالة أخرى بعنوان (إن كنت حاملا فلدي غلاما) نشرتها مجلة الشهاب في عددين (مج ؛ عدد لا/ا ١‏ و8" ١‏ سنة 1751 ه/ 047 م) رد فيها على المدعو (ناصر معروف) أحد أنصار الطرقيين الذي كتب مجموعة من المقالات في جريدة البلاغ رد فيها على مقالات الشيخ التسي (بدعة الطرائق في الإسلام)

وسنعرض لما أيضا في محلها من الباب الرابع بتفصيل.

رسالة الشرك ومظاهره:

وقد ألفها الشيخ مبارك الميلي» وسار فيها - ى| ذكرنا سابقا - على منهج الوهابية في الحكم بالشرك الجلي على بعض القضايا المختلف فيها أساساء أو ما يدخل في ضمن المعاصي والمحرمات». ولا ضمن ما يحكم بكفر فاعله.

ولم يسر في هذه الرسالة - للأسف- على ضوء المنهج العلمي من ذكر أدلة المخالف والرد العلمي عليهاء وإنما سار على طريقة الشيخ ابن عبد الوهاب من ذكر بعض النصوص التي

533

نزلت في المشركين ليحملها على المؤمنين» ويضيف إليها بعض ال حكايات والقصص التي يتلقاها من العامة.

وبذلك فإن الرسالة رسالة وهابية بامتياز على الرغم من أن الوهابية المعاصرين ينكرون بعض ما فيهاء باعتبار الشيخ مبارك الميلي تتلمذ على مشايخ من الأشاعرة» فكان لهم تأثيره فيه» وهو تأثير لا يصل إلى حد إخراجه من المنهج الوهابي في الحكم على مثل تلك القضايا الخطيرة التي حكم بها.

وأخطر ما في الرسالة في تصوري هو إقرار الجمعية لهاء لأنها بهذا الإقرار أخرجت الرسالة من كونها آراء شخصية إلى مواقف للجمعية» وهو ما يجعل تصنيفها ضمن الوهابية بسيطا للمخالف. فأفكار الرسالة هي نفس الأفكار التي جاء بها ابن عبد الوهاب» وخالفه فيها غيره من السلقين:

وقد جاء هذا الإقرار من الجمعية في تقديم الشيخ العربي التبسي لا بتكليف من المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سنة 1165١ه‏ - 1917م" بها يدل على أنها رسالة رسمية تمثل مواقف الجمعية جميعا على الرغم ما فيها من الشدة والتآثر بالوهابية» فم| جاء في تقديمها قول الشيخ: (أما بعد فإن الدعوة الإصلاحية التي يقوم بها دعاة الإصلاح الإسلامي في العالم الإسلامي عامة وتقوم بها (جمعية العلماء) في القطر الجزائري خاصةء تتلخص في دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتاب ربهم» وسنة نبيهم» والسير على منهاج سلفهم الصالح في أخلاقهم وعباداتهم القولية والاعتقادية والعملية» وتطبيق ماهم عليه اليوم من عقائد وأعمال وآداب على ما كان في عهد السلف الصالح. فم| وافقه عددناه من دين الله فعملنا به واعتبرنا القائم به قائ) بدين الله. ومالم يكن معروفا في عهد الصحابة عددناه ليس من )١(‏ نشر هذا المقال في جريدة الشهاب: جريدة الشهابء السنة الثالثة» عدد 2١17١‏ الخميس 1977/١7 /٠١‏ الموافق

7 جمادى الآخرة/57 اه ص ١٠و١١1و5١139.‏ حل

دين الله. ولا علينا فيمن أحدثه أو عمل به. فالدين حجة على كل أحد. وليس عمل أحد حجة على الدين)2

وقد ذكر أن الرسالة عرضت على مجلس الجمعية» فوافق على كل ما فيهاء فقال: (+بض إلى القيام بهذا الفرض الكفائي الأستاذ المحقق» مؤرخ الجزائر الشيخ مبارك الميلٍ أمين مال جمعية العلماء» وجمع رسالة تحت عنوان (رسالة الشرك ومظاهره) خدم بها الإسلام» ونصر بها السنة» وقاوم بها العوائد الضالة والخرافات المفسدة للعقول. وعرض هذه الرسالة على مجلس إدارة الجمعية» فتصفحها واستقصى مسائلهاء فإذا هي رسالة تعد في أوليات الرسائلء أو الكتب المؤلفة في نصر السننء وإماتة البدع تقر بها عين السنة والسنيين» وينشرح لما صدور المؤمنين» وتكون نكبة على أولئك الغاشين للإسلام والمسلمين من جهلة المسلمين» ومن أحمرة المستعمرين الذين يجدون من هذه البدع أكبر عون لهم على استعباد الأمم» فيتخذون هذه البدع التي ينسبها البدعيون إلى الدين الإسلامي مخدرا يخدرون به عقول الجاهير. وإذا تخدرت العقول وأصبحت تروج الأوهام وجدت الأجواء التي يرجوها غلاة المستعمرين للأمم المصابة برؤساء دينيين أو دنيويين يغشون أمهم ويتاجرون فيها.. وإن المجلس الإداري لجمعية العلماء يقرر بإجماع أعضائه أحقية ما اشتملت عليه هذه الرسالة العلمية المفيدة» ويوافق مؤلفها على ما فيهاء ويدعو المسلمين إلى دراستهاء والعمل با فيها فإنه العمل بالدين)”"

وقد سقنا فيا سبق بعض الأمثلة على تأثر هذه الرسالة خصوصا بالوهابية» وسنعرض لرد أصحاب الطرق الصوفية على ما جاء فيها في الباب الرابع.

الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير:

وهي رسالة ألفها الشيخ الزاهري» وهي عبارة عن مجموعة مقالات كان قد نشرها في مجلة

)١(‏ رسالة الشرك ومظاهره (ص:717)

(؟) رسالة الشرك ومظاهره (ص78)

( (الفتح) في أواخر العشرينات من القرن الماضي» تصدر بعضها افتتاحيات هذه المجلة"» ولما قابل الناس هذه المقالات بالاستحسان والرضى» رأى صاحب الفتح (محب الدين الخطيب) نشرها في كتيب صدر عن المطبعة السلفية في القاهرة» وفي مقدمة هذه الطبعة كتب الناشر بأن (هذه الفصول كتبها أخي في الدعوة الأستاذ محمد السعيد الزاهري الجزائري لتنشر في صحيفة الفتح» فرأيتها مثالا صالحا للدعوة للخير وما يجب أن يكون عليه الداعي من بصيرة وحكمة لذلك استخرت الله عز وجل في إفرادها بهذا الكتاب...)7)

وبعد عامين من صدور هذه الطبعة» قامت مطبعة الاعتدال بسوريا بإعادة طبع هذه المقالات ثانية”» ثم أعاد الزاهري طبعها في كتيب في الجزائر سنة ١917‏ مع إضافات.

ولما صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى أثنى عليه أمير البيان السيد شكيب أرسلان في رسالة بعث بها إلى صاحبه (مؤلفه) أبدى له فيها إعجابه بفصول هذا الكتاب» وهو ما جعله يستدل به على وجود مبضة أدبية وعلمية في الجزائر» أعمدتها: الزاهري وابن باديس» والعقبي والميلٍ» كا أثنى عليه بعض محرري الفتح كالأستاذ محمود ياسين الدمشقيء والأستاذة تفيدة علام التي أعجبت كثيرا بفصل (الكتاب الممزق)» واعتبرت مجلة (المجمع العلمي العربي) الكتاب دليلا على وجود نهضة في الأدب العربي» وذكرت مجلة الفتح أن: (فكرة التبشير الإسلامي نشأت مع الفتح الإسلامي جنبا إلى جنب... وجاء اليوم كاتب الجزائر محمد السعيد الزاهري فكساها ثوب العصر الحاضر وخلع عليها أسلوب الرواية الرائع)")

وفي الجزائر أثنى عليه الشيخ ابن باديس مبرزا فصوله في شهابه قاتلا: (عرفنا الشيخ السعيد

)١(‏ الزاهري: الإسلام في حاجة إلى دعاية. مصدر سابق. ص © وما بعدها. (0) نفس المصدر. ص .١١‏ (*) خرني صالح: الأبعاد التاريخية في الشعر الجزائري الحديث. ص ؟ ١‏

(:) الزاهري: الإسلام في حاجة إلى دعاية. ص/-١١.‏ 3

الزاهري شاعرا خنذيذا وعرفناه كاتبا رحب البيان» وعرفناه في هذا الكتاب. داعية إسلاميا كبيراء فقد خاض في مسألة الحجاب والمرأة الجزائرية ومسألة الإسلام والتغريب والشبيبة المتعلمة» فأبان من الحقائق» وأقام من الحجج ما لا يلقاه أشد الخصوم - إذا أنصف - إلا بالإكبار والتسليم» وساق ذلك كله في أسلوب من البلاغة الشبيه بالروائي سهل جذابء لا تستطيع إذا تناولت أوله أن تتركه قبل أن تأت على آخره)(" المبحث الثاني: وسائل تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية

كما أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين استعملت كل الوسائل المتاحة في ذلك الحين لمواجهة الطرق الصوفية فإن الطرق الصوفية لم تقل عنها في ذلك» وخصوصا الطريقة العلاوية التي يجمع كل من ذكرها أو أرخ لها على أنها طريقة عصرية استعملت كل الوسائل والأساليب العصرية.

وبناء على ما سبق ذكره من وسائلء فإنه يمكن تصنيف الوسائل التي استعملها رجال الطرق الصوفية في نشر أفكارهم أو الرد على المخالف في ثلاثة وسائل:

أولا ‏ التنقللات والتجمعات.

ثانيا الصحافة المكتوبة

ثالثا- الرسائل والكتب

وقد خصصنا كل وسيلة منها بمطلب خاص.

المطلب الأول: التنقلات والتجمعات

عرفنا فيا سبق اهتمام رجال الطرق الصوفية مشايخ ومريدين بالتنقل في المناطق المختلفة عبر ما يسمونة (سياحة)» والتي لم يكن الغرض منها فقط السير التعبدي والتأملي» وإنما كان

(1) ابن باديس: الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير. الشهاب. مجلا. ج .١7‏ ديسمير 1911. ص 7917.

الغرض منها كذلك نشر الطريقة في المناطق المختلفة.

ويضاف إلى ذلك ما قامت به الطريقة العلاوية من إنشاء بعض الجمعيات التي ساهمت في التعريف بالطريقة ونشرهاء بل إن بعضها لا يزال إلى الآن يؤدي دوره في التعريف بالطريقة العلاوية:

وقد بدأ تاريخ الحركة الجمعوية الموازي للعمل الروحي للطريقة العلاوية» منذ أن أسس الشيخ ابن عليوة طريقته الصوفية خلال العقد الأول من القرن العشرين» وقد حاول الشيخ وخلفاؤه إحداث حركة ثقافية اجتماعية من خلال إنشاء عدة جمعيات» كان المهدف المعلن عنها هو (الحفاظ على قيم الدين الحنيف ومكارم الأخلاق» والنصيحة لجميع خلق الله» وتعليم الناشئة والشباب» وإبراز مظاهر التضامن الاجتماعي من خلال الأعمال الخيرية» وتعليم الشباب الذين لم يسعفهم الحظ بعض الحرفء ولتحقيق ذلك أنشئت عدة أقسام ووراشات بمحاذاة الزاوية الكبرى بمستغانم لمارسة هذه النشاطات التي توسعت إلى بقية فروع الجمعية مثل تلمسان وغليزان وتغنيف والمحمدية وغيرها)”"

وقد تبلورت فكرة تأسيس جمعية السلام في العشرينات وبالضبط سنة ١977‏ غير أن الشيخ العلاوي استبدلها سنة 1917 بجمعية الوعظ والإرشاد التي توسعت لاستقطاب عدد كبير من العلماء ورجال الدين والأئمة للقيام بدورهم الديني والتوجيهي والإصلاحي, وقد توقف نشاطها بعد وفاة الشيخ سنة 19175م".

غير أن خلفاء الشيخ العلاوي استمروا على منهجه الديني التربوي والاجتماعي» ففي سنة 4 أسس الشيخ عدة بن تونس (جمعية التذكير العلاوية) ثم (جمعية الشبان العلاويين) سنة

)١(‏ انظر: موقع جمعية الشيخ العلاوي للتربية والثقافة الصوفية على هذا الرابط: (-3550.الاللالا//:م غ6 8 /نا1ت31)

5 التي توقفت قبيل اندلاع الحرب العالمية سنة 1919.

وبعد نهاية الحرب» ظهرت (جمعية التنوير) سنة 2١45/‏ ثم أنشأ الشيخ عدة بن تونس جمعية (أحباب الإسلام) سنة ٠٠‏ 145» وكانت ها مجلة تحمل عنوان (مجلة أحباب الإسلام) التي كانت تصدر بمدينة وهران باللغة الفرنسية» دعت في أهم محاورها إلى الحوار بين الأديان» وتحسين صورة الإسلام إلى الرأي العام الغربي على وجه الخصوص .و أهم مآثر هذه الجمعية أنها استطاعت في فترة وجيزة أن تجعل عددا كبيرا من الفرنسيين والأوروبيين القاطنين بالجزائر وخارجها يعتنق الإسلام» وقد توقف نشاط الجمعية إثر اندلاع حرب التحرير الجزائرية.

وقام خليفته الشيخ محمد المهدي بن تونسء بعد استقلال الجزائر بإنشاء جمعية الشبيبة العلاوية سنة .1١9457‏

وفي سنة ١981‏ أحيا الشيخ خالد عدلان بن تونس جمعية أحباب الإسلام مرة ثانية بالعاصمة الفرنسية باريس. لتعمل على إحياء الحوار البناء» وبعث مجال التعاون بين الإنسانية.

وتعتبر هذه الجمعية من أهم هذه التجمعات التي أنشأها الشيخ عدة بن تونس وقد ذكر من مقاصدها: (التبشير بالدين الإسلامي وبث تعاليمه بين المسلمين وغيرهم من مختلف الأديان والأجناسء. وإعطاء صورة صحيحة عن الإسلام وتاريخه المجيد بعد أن شوهه كتاب مغرضون. ولم شعث الأوربيين الذين اعتنقوا الإسلام على يد الطائفة العلاوية ومدهم بأنواع الإرشاد والتوجيه الديني)”"

وقد تطورت هذه الجمعية وصارت لما هياكلها ونواديها وإصداراتها لتقوم بعملها الدعوي في الخارج وني الجزائر أيضاء ولا يزال نشاطها إلى الآن.

المطلب الثاني: الصحافة المكتوبة

. 157 انظر: عدة بن تونس: تنبيه القراء إلى كفاح مجلة المرشد الغراء» ج1١ ص‎ )١( /

كما اهتم الإصلاحيون قبل تأسيس الجمعية وبعده بالصحافة نجد رجال الطرق الصوفية كذلك يهتمون بهاء ومن أهم الصحف التي أسست في ذلك الحين» وكان لها بعض التعامل السلبي أو الإيجابي مع جمعية العلماء:

١جريدة‏ النجاح:

وهي من الجرائد المحسوبة على الطرق الصوفية» باعتبار أن مؤسسها هو السيد عبد الحفيظ ابن الهاشمي الذي ينتمي إلى زاوية (سيدي علي بن عمر) الرحمانية المعروفة بالزاوية العثانية» في طولقة» وهي إحدى أهم الزوايا في الشرق الجزائري7".

وقد صدرت بمدينة قسنطينة سنة ١9194‏ م» وتعتبر أول محاولة لظهور صحافة عربية بعد الحرب العالمية الأولى(".

والبعض يعتبر أنها مرت بمرحلتين: مرحلة كانت فيها موالية للإصلاحيين» ومرحلة تغيرت فيها عليهم» ويعتبرونها بذلك» وكأنها غيرت مسارها والأمر ليس كذلكء وإنا يرجع الأمر إلى التشدد الذي بلغه سلوك الجمعية مع المخالفين لهاء فلما وصل التشدد إلى غايته القصوىء وسيطر على الجمعية المتشددون وحدهم. ولم يبق في الجمعية أي أطراف أخرى. مالت الجريدة إلى الجهة الأخرى.

وحتى نتأكد من صحة هذا نرى أن الجريدة فتحت أبواءها أول الأمر للجمعية وأعضائهاء بل ساهمت مساهمات مهمة في الإشهار بها خاصة مع انتشارها الواسع» فتحت عنوان (جمعية العلماء منة كبرى يجود بها قرن العشرين على الجز ائر)كتب مامي إسماعيل يقول: (إذا جاء موسى وألقى العصاء فقد بطل السحر والساحر)"" مشبها فيه جمعية العلماء بعصا موسى عليه السلام

. ١58 أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة أو القصة الكاملة للسطو بالإمام عبد الحميد بن باديس» ج١» ص‎ )١( 4/ م, ص‎ ١90 54-١/51/نم انظر: محمد ناصر: الصحف العربية الجزائرية‎ )١(

(؟) مامي إسماعيل : جمعية العلماء منة كبرىء النجاح, العدد4 ١١7‏ يوم 4 سبتمير. 1971 .ص .١‏ 5

التي ابتلعت عصي السحرة.

وختم مقاله بدعوة العلماء الى الالتفاف حول المشروع الذي جاء فيه:

١‏ - سن برنامج للتعليم العربي يشمل البنين والبنات.

؟- العمل على نشر التعليم الديني والاهتام بالتربية والإرشاد.

طبع وتوزيع الخطب على آئمة المساجد.

5 - نشر فتاوى خاصة بالمواد الغذائية حلالها وحرامها ومفيدها ومضرها.

54- القيام بحملة ضد البدع والخرافات وما علق الإسلام من شوائب.

5- تكوين هيئة عليا تقترح إنشاء كلية إسلامية متوسطة بين الزيتونة والقرويين يكون مقرها العاصبة.

وختم مقاله بقوله: (هذا أملنا في الجمعية التي نؤيدها بكل قواناء ونقول من الآن لكل من أراد أن يناهضنا إن في العرين ليوثاء ومن كذب فليجرب والمستقبل كفيل بصحة ما نقول)0)

وبقيت الجريدة تنشر لعلماء الجمعية سواء مقالاتهم المختلفة والخاصة بهم أو تلك التي تخص جمعية العلماء وتنقلات أعضائها عبر مختلف مناطق البلاد للشرح والتوعية وجلب الأنصار.

ومن ذلك ما كتبته في الصفحة الأولى تحت عنوان (رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في معسكر ) قائلة : (قد أستقبل بحفاوة من طرف أعيان المنطقة إذ أقام فيها عدة أيام مطلعا على أحوال الناس وموجها وواعظا)”"

وقد نشرت الجريدة وبتفصيل اجتماع نادي الترقي الذي تأست فيه جمعية العلماء9.

)١(‏ مامي إسماعيل : نفس المرجع والمكان. 6 قسم التحرير : رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ف معسكر» النجاح» العدد 51 17ءيوم 30> جوان 7 اص .1١‏

(؟) قسم التحرير : القانون الأسامي لجمعية العلماء المطمبن الجزائريين» النجاح.ع ١١45‏ يوم 7١‏ أوت ,١1917١‏ ص١‏ 54

بل إنها كانت تنادي عبر مديرها ورئيس تحريرها منذ العشرينيات بضرورة تأسيس جمعية وطنية تبتم بشؤون الوطن فكتب عبد الحفيظ بن ال حاشمي تحت عنوان (قلة المشاريع الوطنية في بلادنا وعدم تأسيس جمعية وطنية)”" قائلا: (إن حالة الآمة الجزائرية تستدعي مزيدا من الاهتمام بشؤونهاء ولكن أين الرجال الأقوياء؟ حالة الأمة الجزائرية اليوم هي ا حالة المئؤوسف عليهاء والتي تهدد بالخطر المبين المقبل» وهي تنبئ بزوال الخصائص الجزائرية الذاتية التي كانت في سالف العصور)

ثم ويواصل مناديا: (يا قلوب فلتقشع منك ظلمات الجبن والرعبء ويا ألسن فلتنطقي با فيه لهذه الأمة صلاح ونجاح. ويا أفئدة القول الصادق. ويا أيدي جودي بالإسعاف في المسائل الوطنية» ويا أيها النواب مالي أراكم مطأطئ الرؤوس أمام الحوادث والمشاكل السياسية)

بل إنها كانت تنشر لرواد الإصلاح قبل تأسيس جمعية العلماء وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كان يكتب بانتظام في الجريدة لعدة سنوات تارة باسمه وتارة أخرى باسمه المستعار كالعبسي والقسنطيني.

بل إنها فوق ذلك كانت تقدم خدماتها بالمجان للجمعية» حيث كانت تلعب دور المسكن كلما حصلت القطيعة بين الجمعية والإدارة الاستعمارية» وتأسفت عندما منع الطيب العقبي - مع ما كان من شدته وحدته على الطرق الصوفية- من إلقاء محاضرة بالجامع الجديد يوم ”7 مارس ”1917م من قبل عامل العمالة» وأشادت بالجمع الغفير من الجزائريين الذين تجمعوا أمام الجامع احتجاجا على تصرفات عامل العمالة وساروا في موكب قدرته الجريدة بأكثر من سبة آللاف شخص.ء كما دعت إلى ال هدوء والحل الذي يرضي الجميع ( جمعية العلماء والإدارة الاستعمارية) عندما منع وزير الداخلية الفرنسبي جريدة الصراط من الصدور يوم 7١‏ ديسمبر

(1) عبد الحفيظ بن الحاشمي : قلة المشاريع الوطنية» النجاح العدد ١44‏ يوم ١‏ مارس 1976١.ص١.‏ .7

7١م‏ إذ نشرت احتجاج جمعية العلماء الذي وجهته إلى الأمة» | نشرت في الوقت نفسه قرار منع جريدة الصراط من الصدور. ووجهت نداء تدعو فيه نبذ الخلاف بين الطرفين المتنازعين بقوهما : (إن فكرنا في جمعية العلماء خاصء ونتمنى لو أنها توفقت الجمعية لطريق المفاهمة مع الإدارة وإيجاد حل مرض فان استمرار سوء المفاهمة بين الطرفين تجني الأمة من ورائه أضرارا علمية وخيمة في زمن نحن أحوج الناس فيه إلى نشر العلوم العربية والدينية)”»

كان هذا هو سلوكها مع الجمعية كما كان سلوك الطرق الصوفية مع الجمعية» فالطرق بطبيعتها المسالمة لا تبدأ بالحرب. ولا بالصراع؛ ولكن إن تجاوز الأمر حده. فحينذاك يتغير الموقف بالضرورة.

فكيف نتصور بعد تلك الإذية الكبير التي حصلت لرجال الطرقء واستدعيت الشرطة لأجلهم ورموا من طرف الجمعية في عنابة ب| رموا به» ولم يكن من هم لصحف الجمعية إلا الثلب فيهم وني أعراضهم؛ كيف نتصور أن تبقى الجريدة في موقفها؟

ولهذاء فقد كان من الطبيعي أن تغير موقفهاء وقد اعتبرنا ذلك في الباب الأول خسارة للجمعية» لأنها مع قدرتها الدبلوماسية في التعامل مع المستعمر لم تستعمل تلك القدرة في تعاملها مع إخوانها من أصحاب الطرق الصوفية.

والغريب أن محمد ناصر وكثير من الباحثين لا ينحى باللائمة على سلوك الجمعية الاستفزازيء وإنما ينحى باللائمة على الجريدة» فيقول: (جريدة إصلاحية ثم انتفاعية)(")

ولست أدري ما المنطق الداعي إلى هذا الطرح, أي أن محمد ناصر يعتبرها إصلاحية ما دامت مع الجمعية لكنها إن تحولت لعدم اقتناعها بمنهجها الإصلاحي تتحول إلى انتفاعية.

وقد نتج عن هذا الموقف الذي وقفته الجريدة سجال إعلامي زاد طين الفرقة بين الجمعية )١(‏ مامي : دعوة إلى التوفيق» النجام» العدد 584 ١‏ يوم / جويلية 19177 )ص١‏ .

ا"

والطرق الصوفية بلة» ومن ذلك ما كتبه ابن باديس يقول في مقال في (الشهاب) بعنوان (نحن والنجاح) جاء فيه: (لا نحب أن نعرض لحريدة النجاح فيه اختارته لنفسها من خطتهاء فذلك شأنها وإنما نرى من الواجب علينا أن نعرض لما في أشياء نشرتها تتعلق بناء ولا يخمن ضررها بنا بل يتعدى إلى الحقيقة والوطن)

ومن تلك الأشياء التي نشرتها عنه - ى) يذكر - من أنه (حاربه المسلمون ورفعوا من حلقة الدرس الشموع ليصدوه عن التدريس)”"

وقد رد عليهم ابن باديس بقوله: (فنقول: أنا أشهد الله وملائكته ان المسلمين لم يحاربوني» ولم يصدوني عن التدريس من يوم قدمت الى قسنطينة يوما من الايام» بل كانت وما زالت دروسي معمورة بهم طلبة وعامة» وهي بمد الله في ازدياد عاما بعد عام أما الذي حاربني وصدني عن التدريس في الجامع الكبير بقسنطينة أول قدومي فهو شخصن واحد فقط لا غير هو الشيخ المولود بن الموهوب)

وقد كانت لهذا تنشر ما يرتبط بالطرق الصوفية من أخبار» ى) في حديثها عن جمعية علماء السنة» والتي اهتمت بها كثيراء وما كتبته عنها قولها": (قام رجال الغيرة على العلم والدين وعلى رأسهم السيد عمر إسماعيل من أهالي العاصمة فبذلوا مساعيهم الجدية في تأليف جمعية تبذيبية علمية خيرية تحت عنوان علماء السنة» فكللت مساعيهم بالنجاح» وصادف نداؤهم إقبالا عظيما من افراد الأمة فجاءوا إليها أفواجا من عناصر شتى مكونة من هيئات دينية من حضرات العلماء ومن رؤساء الزوايا خصوصا)

وكانت تصف علاء السنة بالفريق العارف المعتدل» في حين تصف جمعية العلماء بالفريق

الجاهل. وردت عليها جريدة صدى الصحراء بمقال بعنوان (حول ميكروب النجاح)؛ جاء

."55 يوم 4 اسبتمير 19785 »ص‎ ١ وج‎ ١ ابن باديس» نحن والنجاحء الشهابء العدد 7» المجلد‎ )١(

(؟) قسم التحرير : تأسيس جمعية علماء السنة بالجرائر» النجاحء العدد ١180‏ يوم 7/8 سبتمير 1417, ص ١‏ شف

فيه: (الوطن على ما ذكرناء والنجاح وكتابه يدعون الناس إلى اعتناق التصوف والدخول في زمرة الطرقيين)"2» ثم يقول: (أما تصوفكم الذي تدعون الناس إليه فإنا نجيبكم بكل بساطة بأنه مذهب لا يوافق العمران» مذهب كسل وخمول» مذهب يعمل لفساد المجتمع الإنساني)

١‏ - صحيفة لسان الدين:

وهي من الصحف التابعة للطريقة العلاوية» وقد عرفت أنها: (جريدة دينية سياسية» إخبارية» أسبوعية» أسست لإعلاء كلمة الدين)» وقد صدرت بمدينة الجزائر في أول جانفي » تحت رعاية جماعة من فضلائها.

وقد ذكر محمد ناصر أن صحيفة لسان الدين كانت تمجد الطريقة العليوية» وتبين مشاريعها الخيرية مؤكدة باتجاهها هذا بأن الذي أنشأها إنا هو أحمد بن عليوة الذي كان يطمح إلى ضم الطرق في الجزائر في طريقة واحدة يتولى هو مشيختها".

ويذكر أحمد المجاجي أن أرباب الصحف لم يكونوا يعرفون أنها من آثار العلاويين" لكن إدارتها العلاوية ودفاعها عن الشيخ ابن عليوة كان مؤشرا قوي على مشريها العلاوي؛ أما غايتها ى) وضحها مقالها الافتتاحي فهي: (أن تمكن هذا الدين الحنيف بصفته الخالصة من الشوائتب فيما بين الأجانب فضلا عن أبناء الملة)*)

وقد عنيت الصحيفة بقضايا الإصلاح الاجتماعي ومقاومة الآفات الاجتاعية التي لا يختلف عليها المسلمون مثل: الدعارة وتعاطي الخمور والقهار» ومحاربة ثالوث الفقر والجهل والمرضء ولذلك لم تصرح بانتمائي الطرقي لتصل إلى كل الشرائح الاجتاعية.

(1) محمد العزوزي : حول ميكروب النجاح؛ صدى الصحراء, العدد١١‏ يوم 8 فيفري 977١.ص”‏ له انظر: محمد ناصرء الصحف العربية» ص .6١‏ فيه الشهائد والفتاوى. ص /0.

(:) لسان الدين»ع: .١‏ الجزائر: ” جانفي 1977. فك

لكنها لم تلبث أن توقفت بعد إصدار اثني عشر عددا منهاء ولعل ذلك يعود إلى صعوبات الطبع لعدم امتلاكها لمطبعة» حيث كانت في كل أعدادها تنشر إعلانا تبحث فيه عن مطبعة لشرائها.

ولعله يعود إلى منع الحكومة لصدورهاء ولعل ذلك المنع يرجع إلى رسالة وجهها الشيخ ابن عليوة إلى الوالي العام لولاية الجزائر يشكو فيها عدم الترخيص لأتباعه بفتح زاوية يجتمعون فيها للذكر والذاكرة رغم مساعي الشيخ وأتباعه الحثيثة لدى الجهات المعنية ولمدة تسعة أشهر حتى اضطر إلى اتخاذ مقر الزاوية غير المرخص لما.

صحيفة البلاغ الجزائري:

وهي جريدة أسبوعية صدر عددها الأول في ١8‏ جمادى الثانية 154 الموافق ل 4 7 ديسمبر 7 بمستغانم» وقد تعدد مديروها وأصحاب امتيازها فحتى العدد 5١‏ ( مارس )١97/8‏ كان حدوني محي الدين هو مديرها وصاحب امتيازهاء وفي نفس السنة انتقلت إدارتها لوكيل الزاوية عدة بن تونسء العدد: 47 (نوفمبر 197/4 ). ومنذ عام 19728 خلصت للخضر عمروش وأصبح مقرها بمدينة الجزائر العاصمة فكانت تصدر - مثل جريدة المغرب- عشرة آلاف نسخة شهريا في عام 1912١‏ حتى وفاة الشيخ ابن عليوة عام ١9725‏ فوق بجريدته في صف حسن الطرابلسي المنشق على الشيخ الجديد. وقد وصفها المدني بأنها (ذات برنامج ديني إسلامي وطني)”"

وقد قدمت الصحيفة نفسها في عددها الأول على أنها: (عاملة في خدمة الدين والوطن...غايتها...بذل الجهود في إيضاح المقاصد الدينية» والفوائد الشرعية زيادة على ما

)١(‏ أحمد بن مصطفى العلاوي: أعذب المناهل» ص 2177 نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتاعية ١1915‏ --14094, ص١70.‏

.717/7 انظر: أحمد توفيق المدني: كتاب الجزائر» ص‎ )١( 4

ستطرقه من إن شاء الله من الأبحاث المحامة» والنصائح العامة» معتمدة على الله في تحقيق

الإنتاج» وتفويم الاعوجاج)”" كما قدمت نفسها على أنها صحيفة وسطية ترفض الطعن في أي طبقة من طبقات الأمة وفي أي مذهب من مذاهبها”.

وترى أنه من صلاح الآمة وإصلاحها في أن لا يتساهل في تنقيص سلفها وأن لايمس بسوء أي مذهب من مذاهبها ما داموا متفقين على أركان الإسلا م. منكرة على معارضيها وصمها (تارة بصحيفة الحلوليين وتارة بصحيفة المبشرينء وتارة بورقة المضلين)"

المطلب الثالث: الكتب والرسائل

اهتم رجال الطرق الصوفية - على عكس الجمعية - بكتابة الكتب والرسائل أكثر من اهتمامهم بالكتابة الصحفية» ولهذا كثرت مؤلفاتهم وتنوعت حتى أن كتب الشيخ ابن عليوة وحده تفوق ما كتب أعضاء الجمعية جميعاء أما كتب الشيخ سكيرج وغيره من شيوخ التيجانية فهي بالمئات» وهكذا الكتب التي ألفت في مواجهة الوهابية عند ظهورهاء ى| سنرى ذلك في الفصل الثاني من هذا الباب.

وسنحاول هنا أن نذكر بعض مؤلفات الطريقة العلاوية باعتبار توجهها الخالص لمناقشة الجمعية» وباعتبار أنبا مصدرنا الأول في المناقشات بين الجمعية والطرق الصوفية» وسنذكر الكثير من المؤلفات الأخرى ني الفصل الثاني عند ذكر المصادر التي رجعت إليها الطرق الصوفية في الرد على الجمعية.

رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف:

(1) أضاميم المد الساريء ج .١‏ المصدر السابق. ص 07. )١(‏ أضاميم المد الساريء ج »١‏ المصدر السابق. ص .5١‏

(؟) إرشاد النبيل إلى مقالات الأستاذ الجليل» المصدر السابق. ص ١75‏ . ا"

وهي رسالة طبعت على نفقة الفقراء العلاويين» وأشرف على الطبع والتصحيح كل من الحسن بن عبد العزيز» والحاج حسن الطرابلسيء بالمطبعة التونسية عام ١97١‏ في نفس السنة التي كتبت فيهاء وكان قد جمعها بمدينة وهران".

وغرض الرسالة - ى] جاء في مقدمتها- هو الرد على كتاب ( المرآة لإظهار الضلالات) للشيخ عثمان بن المكي المدرس بجامع الزيتونة".

وما جاء في مقدمتها قول الشيخ ابن عليوة: ( من كاتبه كثير المساوئ عبد ربّه ( أحمد بن مصطفى العلوي ) منّ الله عليه بالتوفيق والهمّة والمؤمنين إلى أقوم طريق إلى الفقيه المكّي الشيخ سيدي (عثمان ابن المكي) المدرس بمدينة تونس بجامعها الأعظم زاده الله عمرانا على عمران» وطهّره من كل متمرّد شيطان؛ عليكم سلام الله ما كنتم محترمين لأهل نسبة الله (وَمَنْ يُعَظَمْ خُرْمَاتٍ الله فهو حَيْرٌلَهُ عِنْدَرَ يو [الحج: ]١‏ إن كنت قد عثرت على رسالة نمقتموها بقلمكم تسمى ( المرآة إظهار الضلالات )» فتناولتها بيد الاعتبار لنتتصفحها بفؤاد الاستبصارء فعرضني ما فيها ألزمني الفشل وأورثني الكلل فتأسفت بقدر ما استبشرتء لما اشتملت عليه مرآتكم من العضٌ وتمزيق العرضء فهي ترمي بشرر كالقصر نحو الذاكرين» وتحطّم بالجهر لحم المؤمنين» وبمناسبة ما اشتملت عليه مرآتكم من الزور» وارتكبتموه فيها من الفجورء فطعنتم في أعراض أهل نسبة الله بكل لسان وذكرتموهم بكل زور وبهتان» فحركتني الغيرة الإيّة وا حميّة الإسلاميّة على أن نكاتبكم احتراما للمنتسبين حيث شوهتموهم وانتصارا

١779 أحمد بن مصطفى العلاوي : رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف. المطبعة التونسية» تونس:‎ )1١( ./ ص1‎

(0) المصدر نفسه. ص 7. كك

للذاكرين حيث خذلتموهم)"

ثم تناول بتفصيل ما ذكره عثمان بن مكي في (المرآة لإظهار الضلالات) كلمة كلمة وعقب عليها جميعاء والملاحظ في ردوده هو أدبه مع المخالف واحترامه له حتى أنه يدعوه كل حين (سيدي». والملاحظ كذلك هو كثرة النقول والاقتباسات.

وقد رجعنا إلى هذه الرسالة كثيرا باعتبار أن القضايا التي طرحها عثمان بن مكي وانتقدها على الطرق الصوفية هي نفس ما كان يطرحه رجال الجمعية.

رسالة الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف:

وأصلها مقالات نشرت في مجلة البلاغ الجزائري هدفها الدفاع عن التصوف ضد ما نشره جماعة من السلفيين في جريدة (الشهاب) هاجموا فيها التصوف. فقام العلاوي بإيراد الأدلة العقلية والنقلية من الكتاب والسنة ومن علماء يعظمهم السلفية أنفسهم بمشروعية التصوف وسموه ورفعته» وقد كان الإمضاء فيها باسم (الناصر معروف)”» وقد جاءت الرسالة في مائة وست وعشرين صفحة ثم أضاف طا تقاريظ للعديد من العلماء الشام.

وتما جاء في مقدمتها قول الشيخ ابن عليوة: ( هذا أيها الأخ إننا وأيم الله لممن يغبطكم لمكانكم ومكانتكم وهذا لا يمنعني أن نقول لكم أنه يجدر بكم وأنتم أهل الصلاح والدعاة إلى سبيل الإصلاح أن تكونوا على جانب عظيم من التثبت في النقل ومجانبة أضعف المآخذ. لاسي| وأنتم بصدد إثبات الحجة وتوضيح المحجة ى| لا يخفاكم أن الحجة لا تثبت فيهم| تحاولون إثباته

إلا بالمتواتر» والأمر البين الظاهر على أنك لا تنكر أن يوجد بين الناس من يملك حق التمييز

١779 أحمد بن مصطفى العلاوي : رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف. المطبعة التونسية» تونس:‎ )1١( .7 ص‎ ص‎ .١91١ مطبعة التوفيق» دمشق:‎ .١ أحمد بن مصطفى العلوي: الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف, ط‎ )١(

000 يفف

بحيث لا ينخدع بنحو خزف المسكوكات ومموهاتهاء وأنتم تعرفون أن الناقد بصير خصوصاً في مثل هذا الأمر الخطير الذي ركبتم متن الوصول إليه بدون ما تتخذون للطريق زاداً ولا لأنفسكم عماداء وهو الأمر الذي دعانا لتسطير هاته الجمل.. قد كنت أيها الأخ وقفت على ما كتبتموه بمجلة الشهاب عدد (11/5) تلك الكتابة التي أخذت لنا صورة معلوماتكم, والتي ل تكن الغاية منها إلا الحط من شرف القوم الصوفية والتنكيل بكراماتهم لتظهروهم للعموم بالصفة التي ذكرتموها من كون الجنيد وعصابته كانوا أحط مرتبةَ عند بعض الأئمة من مرتبة الخوارج فضلاً عن حمقهم والخلل الموجودفي أقاويلهم وأعالهم هذا ما كنتم تحاولون التعبير عنه وقد أسعفكم الحظ على ذلك فلم يبقّ لكم وا حالة هذه إلا أن تسمعوا منا نظير ما سمعناه منكم» أو يسمعه غيركم حتى لا يكون ما قررتموه ضربة لازب يقضي على مجد التصوف من أصله)”"

رسالة القول المعتمد في مشروعية الذكر بالإسم المفرد :

وهي رسالة جمعها محمد المهاشمي تلميذ الشيخ ابن عليوة» ونشرها بدمشق عدد صفحاتها ثلاث وستين صفحة,. منها حمس وعشرون صفحة عبارة عن مقاللات نشرت في البلاغ الجزائري27» وباقي الصفحات تقريظ العلماء للرسالة.

وقد ذكر الشيخ ابن عليوة دافعه إلى كتابة هذه الرسالة» فقال: (أما بعد أيها الأخ المحترم» فقد كنت تشرفث بزيارتكم صحبة صديق الجميع حضرة الشيخ تووم ناسنا عا فنا من الحديث, في تلك السويعات التي رأيتكم فيها موغر الصدر على إخوانكم العلاويين» حسب| لاح لي في ذلك الحين» لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم مولعون بإجراء الاسم المفرد على ألسنتهم» وهو قوهم: ( الله ). فظهر لكم أن ذلك ما يستحق عليه العتاب» أو نقول العقابء لأنكم قلتم )١(‏ أحمد بن مصطفى العلوي: الناصر معروف في الذب عن جد التصوف» ص "7.

(0) المقالات كانت قد نشرت في صحيفة البلاغ الجزائري, الأعداد: 59. 1"

إبم يلهجون بذكر ذلك الاسم بمناسبة أو غير مناسبة» سواء عليهم في الأزقة» أو غيرها من الأماكن التي لا تليق للذكرء حتى أن أحدهم إذا طرق الباب يقول: ( الله )» وإذا ناداه إنسان يقول: ( الله )» وإذا قام يقول: ( الله )» وإذا جلس يقول: ( الله )» إلى غير ذلك مما جرى به الحديث.. ومن جهة أخرى أنكم كنتم ترون أن هذا الاسم, لا يصلح أن يكون ذكراء ولا هو من أقسام الكلام المفيد» جريا منكم على ما اشترطه النحويونء من لزوم التركيب. في تعريفهم الكلام المفيد» ولما كان لا يسعني حملكم في جميع ذلك إلا على قصد طلب التفاهم» والفحص عن الحق والصواب فيم| جاءوا به» هل هو جائز أو لاء ظهر لي أن نواجهكم ببذا المكتوب» عسى أن يحصل به ما هو شفاء للصدورء ودواء للقلوب)”"

وسنرى الأدلة المذكورة في الرسالة بتفصيل في الفصل الثاني من الباب الرابع.

الشهائد والفتاوى:

وقد جمع هذه الكتاب ردا على رسالة الشيخ عبد الحميد بن باديس (جواب سؤال عن سوء مقال)» وعلى حملة صحيفة (النجاح) على الشيخ ابن عليوة شيخ الطريقة العلاوية.

وهو عبارة عن شهادات بفضل الشيخ ابن عليوة ومكانته» بالإضافة إلى إبرازها لمدى قدرة الشيخ ابن عليوة على تربية أتباعه» وعلى حفظ الأمن وصيانة الأخلاق في مناطق نفوذه ببركة النسبة» مع نفي تهمة البدعة عن الشيخ ابن عليوة وطريقته» وكانت تلك الشهادات لأعيان الطريقة الذين أخبر جلهم أنهم كانوا يبحثون عن شيخ تربية فوجدوا ضالتهم في الشيخ ابن عليوة. فهو بذلك لم يبث فيهم عقيدة جديدة وإنما حقق لهم ما كانوا يتطلعون له من سلوك للوصول إلى المعرفة المنشودة.

وقد تم جمع الشهائد التي صاغ أسئلتها واختار الشخصيات الموجهة لها الأسئلة محمد بن

)١(‏ ابن عليوة» القول المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرد ص. ف

عبد الباري التوذبي- الذي توفي قبيل إصدار الكتاب- وكان تسليم الأسئلة يتم باليد حيث يتلقى حامل الأسئلة الشهادة ليطلع غيره.

وللأسف فإن الكتاب الآن في حكم المفقود فلم يتسن لي أن أجده. حتى أن المواقع الكثيرة للطريقة العلاوية على الإنترنت دعت القراء للبحث عنه ووضعه على الشبكة كسائر كتب الطريقة العلاوية.

أعذب المناهل في الأجوبة والرسائل

وهو للشيخ ( أحمد بن مصطفى العلاوي )» وقد قام بجمعه الشيخ ( علي بن محمد الغفاري ) وقد ذكر في مقدمته بن الدافع إلى ذلك هو لنشر تراث الأستاذ والعناية به» (خوفا من الضياع وإفادة المنتسبين من الأتباع» وغيرهم من المسلمين. إذ تعكس كثيرا من مواقف الشيخ ( العلاوي ) في التربية والتوجيه. ومواجهته للمشاكل المعاصرة» ىا وتكشف من جهة أخرى عن سعة معارف الشيخ الدينيّة» وتفسيراته العجيبة الصحيحة لكثير من النصوص والنقول بأسلوب رصين محكم وعبارات مركرّة» وأفهام مدعمة بالبراهين والحجج للعديد من أقوال معارضيه التي تتسم بالسطحيّة أحيانا وبعدم الموضوعيّة. حيث إِنْ هذه الأسئلة وأجوبتها تمثل ثروة ثقافيّة متنوعة» جديرة بالمطالعة والدرسء. وبخاصّة لأولئك الذين يبحثون عن الحقيقة للوصول إلى طريق الهداية الربانيّة الكفيلة بتحقيق النجاة في الدنيا والآخرة» ولقد أشرف على إصدار هذا الكتاب سيدي ( رشيد محمد الحادي ) مدير المطبعة العلاوية الذي ل يبخل بمجهوداته الماديّة والمعنويّة جزاه الله عن الجميع كل الخير)7"

تنبيه القراء إلى كفاح مجلة المرشد الغراء:

وهو للشيخ عدة بن تونس المستغانمي خليفة الشيخ ابن عليوة على الطريقة العلاوية» يضم )١(‏ نقل الشيخ الطريقة الدرقاوية في الأردن الشيخ أحمد حسن شحاذة الردايدة في كتابه (صفحات مطويّة في التصوّف

الإسلاميّ) جزءا كبيرا من هذا الكتابء ابتداء من صفحة 1١07‏ . 3

الكتاب بجزئيه جميع المقالات والدراسات التي نشرها في أعداد مجلة (المرشد) التي كان يصدرها في أواخر الأربعينات» وأوائل الخمسينات باللغتين العربية والفرنسية» تجاوز عددها 5٠‏ مقالة» عالج فيها مختلف القضايا الدينية والاجتاعية والثقافية.

وهو مرجع يؤرخ لتلك الفترة» وما كان فيها من صراع بين الجمعية والطرق الصوفية» بالإضافة إلى بيان موقف الطريقة العلاوية من القضايا المختلفة» وقد قام بتحقيقه وتنظيم مواده الأستاذ يحي الطاهر برقة» وجمعه وأشرف على طبعه الحاج محمد الحادي مدير المطبعة العلاوية بمستغانم.

وقاية الذاكرين من غواية الغافلين

وهي رسالة صغيرة للشيخ عدة بن تونس مشحونة بالنصوص القرآنية والآثار النبوية على فضل الذكر والذاكرين؛ ومكانة الذكر من سائر العبادات الأخرى؛ وقد كتبه ردا على ما تورده الجمعية من انتقادات حول أوراد الطريقة العلاوية وغيرها من الطرق الصوفية.

الدرة البهية في أوراد وسند الطريقة العلاوية

ويشتمل على أوراد الطريقة العلاوية المأخوذة عن الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي» منها الأوراد العامة لجميع المريدين لكل من داوم عليها صباحا ومساءء ومنها الورد الخاص وهو الاسم الأعظم بشروط مقررة؛ ومحل محصوص. وكيفية من المرشد الخاصء وفي ختامه أرجوزة للشيخ العلاوي تتناول أسماء أهل السلسلة حتى رسول الله يي مذيلة بمناجاة

للأستاذ العلاوي يستغيث بها برجال الطريق.

58

خاتمة الفصل

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل:

١‏ - أنه مع التضييق الشديد الذي كان يوارسه الاستعمار على الشعب الجزائري بطبقاته جميعا إلا أنا نجده قد وضع كثيرا من الفسحة للجمعية وللطرق الصوفية لنشاطهماء وخاصة ما كان منه داخليا فيه| بينهماء وهذا ما أتاح لكل الطرفين أن يتحرك بحرية أكبر على المستويات المختلفة» والذي تجلي في استع الما لكل الوسائل في ذلك الحين.

؟ - رأينا من خلال استقراء وسائل الجمعية التي استعملتها في التعامل مع الطرق الصوفية

أخها ثلاثة أنواع: النوع الأول: هو حركات وتنقلات وتجمعات الجمعية لأجل توعية المجتمع بمواقفها من الطرق الصوفية.

النوع الثاني: هو ما أصدرته الجمعية من صحف سواء كانت رسمية» أو كانت تابعة للشخصيات المؤسسة للجمعية» أو التي لها علاقة بهاء ولهذاء فلم نكتف عند الحديث عن صحف الجمعية بالصحف الرسمية» أو الصحف التي تلت التأسيسء بل تناولنا الصحف جميعاء باعتبارها كانت تبدف إلى هدف واحد.

النوع الثالث: هو ما ألفته الجمعية من كتب ورسائل ترتبط بتعاملها مع الطرق الصوفية.

- أن من أهم الوسائل التي استعملتها الجمعية في تحقيق أهدافها الإصلاحية» وخاصة هدفها الأكبر مواجهة الطرق الصوفية هو ما كان يقوم به أعضاؤها من تنقلات إلى المناطق المختلفة سواء لأجل إحياء مناسبات معينة» واستثارهاء أو لغير ذلك» ومنها كذلك إقامة أعضاء الجمعية لتجمعات حركية محدودة» يمكن أن تعتبر كنوع من التنطيهات التي تخدم الأهداف الإصلاحية» وقد كان لكلا الوسيلتين تأثيره الكبير في نشر الدعوة الإصلاحية على

اميا

ربوع كثيرة من الجزائر» خاصة إذا علمنا أن نسبة الآمية» ونسبة الفقر, المتضخمتين لا تتيحان لأكثر الناس الاطلاع على ما تكتبه الجمعية في صحفها أو رسائلها.

5 - من خلال دراسة ما وصل إلينا من صحف الجمعية يمكننا بسهولة أن ندرك علاقتها الكبرى بالطرق الصوفية» وكأن الكثير منها لم يوضع إلا لأجل مواجهة ما تسميه ب (بدعة الطرائق»» وسنرى بعض النماذج عن ذلك.

لم تهتم الجمعية بالتأليف كما اهتمت بالصحافة» وذلك لانشغال أعضائها الشديد بالعمل الإصلاحيء بالإضافة إلى اعتبارها أن منتوج الصحافة أكثرء وأقرب من منتوج الكتب, ولهذا فإن إنتاجها في هذا الجانب محدود جدا لا يكاد يذكر.

5 - كما أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين استعملت كل الوسائل المتاحة في ذلك الحين لمواجهة الطرق الصوفية فإن الطرق الصوفية لم تقل عنها في ذلك» وخصوصا الطريقة العلاوية التي يجمع كل من ذكرها أو أرخ لها على أنها طريقة عصرية استعملت كل الوسائل والأساليب العصرية.

- اهتم رجال الطرق الصوفية مشايخ ومريدين بالتنقل في المناطق المختلفة عبر ما يسمونة (سياحة)» والتي لم يكن الغرض منها فقط السير التعبدي والتأملي» وإنما كان الغرض منها كذلك نشر الطريقة في المناطق المختلفة» ويضاف إلى ذلك ما قامت به الطريقة العلاوية من إنشاء بعض الجمعيات التي ساهمت في التعريف بالطريقة ونشرهاء بل إن بعضها لا يزال إلى الآن يؤدي دوره في التعريف بالطريقة العلاوية.

6 كما اهتم الإصلاحيون قبل تأسيس الجمعية وبعده بالصحافة نجد رجال الطرق الصوفية كذلك مهتمون بها.

9 اهتم رجال الطرق الصوفية - على عكس الجمعية - بكتابة الكتب والرسائل أكثر من اهتامهم بالكتابة الصحفية» ولهذا كثرت مؤلفاتهم وتنوعت حتى أن كتب الشيخ ابن عليوة

انا

وحده تفوق ما كتب أعضاء الجمعية جميعاء أما كتب الشيخ سكيرج وغيره من شيوخ التيجانية فهى بالمئات» وهكذا الكتب التى ألفت في مواجهة الوهابية عند ظهورها.

50

الفصل الرابع أساليب التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية

لا تكفي وسائل الاتصال وحدها في تحقيق الأهداف مهما تكن قوتها وفاعليتها مالم تصحبها الأساليب التي يمكنها أن تصل إلى عقل المتلقي وقلبه» وتستطيع بعد ذلك أن تؤثر في حياته» وفي الوجهة التي تتوجه إليها حياته.

بناء على هذا اهتم كلا الجانبين: الجمعية» والطرق الصوفية باستعمال الأساليب التي يرون مدى تأثيرها في المجتمع الذي يريد كل طرف منههم أن يجذبه إلى وجهته.

بناء على هذا كان لزاما على من يريد أن يدرس بموضوعية التاريخ الفكري للجمعية أو للطرق الصوفية وعلاقاتها أن لا يكتفي بالأفكار التي طرحتء ولا بالمواضيع التي طرقت» وإنما مهتم مع ذلك وقبله بالأساليبء فالحق إذا عبر عنه بتعبير أهل الباطل» صار باطلا أو كاد.

انطلاقا من هذه الأهمية التي تكتسيها الأساليب في المعاملات المختلفة نحاول في هذا المبحث أن نبحث في كيفية تعامل كلا الطرفين مع الآخر.

ولأجل هذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين:

الملبحث الأول: أساليب تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية

الملبحث الثاني: أساليب تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية

المبحث الأول: أساليب تعامل الجمعية مع الطرق الصوفية

من خلال استقراء الأساليب التي استعملتها الجمعية في مواجهة الطرق الصوفية يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: المواجهة العلمية» ونعني بها الخطاب العلميء الذي يتضمن أدلة وأحكاما مباشرة» وصريحة» وتستعمل فيه اللغة العملية المجردة والدقيقة.

النوع الثاني: المواجهة الأدبية» ونعني بها الخطاب الأدبي» بمختلف أنواعه وأغراضه وأساليبه» وقد فرقنا بينه وبين الخطاب الأول. باعتبار ما يحمله هذا الخطاب من مبالغات قد لا تكون مقصودة. وبالتالي لا يمكن بناء الأحكام عليهاء بالإضافة إلى أن أصحاب الخطاب في هذا القسم لا يشترط أن يكونوا من العلماء» فقد وظفت الجمعية الكثير من الطاقات الفنية والأدبية لخدمة أهدافها.

النوع الثالث: المواجهة العاطفية» ونعني بها استغلال الجمعية لمناسبات أو أحداث معينة» واستثارها في التحذير من الطرق الصوفية.

وقد خصصنا كل نوع من هذه الأنواع بمطلب خاص.

المطلب الأول: المواجهة العلمية

ربا كان حظ المواجهة العلمية - من خلال ما وصل إلينا من تراث الجمعية من صحفها ورسائلها - ى) عرفنا ذلك في الفصل السابق - هو أهون أنواع المواجهات وأقلهاء فمع تلك الحملة الشديدة لم نر إلا بعض رسائل قصيرة محدودة المحتوى» وفي لغة لا نستطيع أن نصنفها ضمن اللغات العلمية المنهجية البحتة.

وربا يكون عذر الجمعية في هذا هو ما ذكرناه من قبل من طغيان المتشددين عليهاء

ورفضهم لأي حوار مع الآخر بل رفضهم. ولو لذكر أدلة الطرف الآخرء ثم مناقشتها.

لمنلا

والعلة في هذا واضحة» وهي نابعة من صميم المنهج السلفي المحافظ الذي يؤكد كل حين ما ورد عن أئمتهم من تحريم رواية ما يذكره أهل الشبهات حتى لا تقع في ذهن القارئ» ثم يضعف استئصاطا منه.

بناء على هذه التتائج المستخلصة» والتي سنرى تفاصيلها والناذج الكثيرة عليها في الباب الرابع» نحب أن نركز في هذا الباب الحديث على أمرين يخصان هذا النوع من المواجهة:

الأول: هو المصادر التي تعتمدها الجمعية أثناء مناقشاتها للطرق الصوفية

الثاني: هو خصائص تلك المناقشات.

ونحب أن نبين أننا في هذه المحاكمات التي نجريها لتراث الجمعية العلمي في هذا الباب, لا نريد أن نخضعها للمنهج العلمي الحديث» والذي قد يرى البعض أن الجمعية لم تكن لا | لفرصة الزمنية للاطلاع عليه وإنما نخضعها لمنهج البحث العلمي التراثي» وخاصة ما ارتبط منه بالجدل مع المخالفء بل نربطها فوق ذلك بمن يعتيره التيار السلفي من الشخصيات العلمية» بل بمن يعتبر منظرا للتيار السلفي بقسميه التنويري والمحافظ. وهو ابن تيمية.

أولا- مصادر الجمعية في الرد على الطرق الصوفية:

يمكن تصنيف المصادر العلمية للجمعية» والتي كانت ترجع إليها في الفتوى والتعليم ونحوها إلى المصادر التالية("):

١‏ - القرآن الكريم: ويعتير أكبر مصدر للجمعية في مناقشاتهاء بل إن الجمعية تعتبر نفسها داعية للقرآن الكريم في مقابل الطرف الآخر الذي تنصور أنه لا يعرف القرآن الكريم» وقد سبق ذكر الشواهد على ذلك.

”- تفاسير القرآن: وهي ترجع إما للتفاسير المرتبطة بالمأثور كتفسير ابن جرير» وتفسير

)١(‏ انظر: البعد المقاصدي للفتوى عند الجمعية: ص90/8. ا

البغوي وتفسير ابن كثير وتفسير الثعالبي» وإما تفاسير فقهية كتفسير القرطبي» تفسير ابن العربي لآيات الأحكام.

بالإضافة إلى تفسير المنار للعلامة الشيخ محمد رشيد رضا: وهو من التفاسير الحديثة التي اهتمت به الجمعية كثيراء يقول الشيخ أحمد حماني: (وإن تفسير المنار الذي اشتركا في إنتاجه محمد عبده ورشيد رضاء وكان الفضل الأكبر للثاني في إخراجه لم يأت تفسير قبله ولا بعده على مثاله» وقد كان له الآثر الكبير في النهضة الإسلامية واليقظة الشرقية والحركة القومية السياسية المنبنية على الدين الصحيح السليم من البدع والخرافات ومن الجحود والجمودا".

*- الحديث النبوي الشريف: ومن أهم الكتب التي اعتمدت عليها الجمعية: الموطأء وصحيحي البخاري ومسلم؛ وكتب السنة المشهورة كسنن أبى داود» وابن ماجه. والترمذي. والنسائي» ومسند أحمد» ومعاجم الطبراني الثلاثة» وسئن الدارقطني» والجامع الصغير للسيوطيء وبلوغ المرام» والمشكاة للتبريزي» والمصابيح للبغوي» ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق» والتلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني.

: - شروح الحديث: ومن أهمها فتح الباري لابن حجرء وشرح النووي على مسلم» وشرح العيني على البخاري» وشرح عياض على مسلم» وشرح الصنعانيٍ على بلوغ المرام (سبل السلام)» ونيل الأوطار للشوكانيء والمنتقى شرح الموطأ للباجي» شرح المخطابي على أبي داود.

- كتب الأصول والمقاصد: ومن أهمها: الموافقات للشاطبي» وقواطع الآدلة للمعاني» وإرشاد الفحول للشوكاني» وبداية المجهد لابن رشدء وإعلام الموقعين لابن القيم» وكتب القرافي الأصولية.

1- كتب الردع على البدع: كالاعتصام للشاطبي. وأصول البدع والسنن محمد العدوي

.07 /١ةعدبلاو أحمد حماني: صراع بين السنة‎ )١( 84

والباعث على إنكار البدع والحوادث أبو شامة المقدسي.

7'- الكتب المختصة بالمذهب المالكي: مثل المدونة» ومختصر خليل» وشروح خليل وحواشيه كالخرثشي والعدوي وعليش وشرح الدردير (أقرب المسالك)» والمقدمات لابن رشدء والجواهر الثمينة لابن شاس» وكتب ابن عرفة» وكتب الأجهريء ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وبعض شروحها وحواشيهاء ومتن ابن عاشر وشروحه.

/- كتب الفتاوى: وهي المعيار للونشريسي» وفتاوى عليشء وفتاوى بخيت المطيعي في جلة الإسلام.

9 -كتب العقائد: ك (منهاج السنة) لابن تيمية.

بالإضافة إلى هذا نحب أن نتعرف على المراجع التي كانت الجمعية تبتم بها خصوصا دراسة وتدريساء ولعل أحسن من ذكر عن هذه المراجع الشيخ عمر بن البسكري العقبي" الذي عرف به ابن باديس» وقدمه لمقال كتبه في هذا الباب بقوله:: (لنا أخ في الله ببلدة الفاتح العظيم سيدي عقبة بن نافع تمن يحفظون كتاب الله ويتدبرونه ويبتدون به ويعملون على نشر هدايته ويشاركون في العلوم الشرعية والأدبية والعقلية ويضربون في اللغة الفرنسية بسهم هو الشيخ عمر بن البسكري صاحب هذا المقال» وقد كان الشيخ معلم) للصبيان خاملاء فهداه العلم ووفقه لمطالعة كتب السلف. فأصبح من أهل العلم العاملين وعباد الله الصالحين» وقد بين لي في كتاب خاص ما طالعه من الكتبء وأنا أذكرها ها هنا متمنيا لكل مهتم للعلم أن يكون طالعها أو عازما على مطالعتها)(”

وهذا ما كتبه الشيخ عمر عن هذه المراجع: (وأما توغلنا في العلم الصحيح السلفي فهو

)١(‏ عمر بن البسكري العقبي :)١985-١189/(‏ ولد بسيدي عقبة سنة1894 وحفظ القرآن بها وتعلم على علمائهاء انظر: ((مجلة الإصلاح الجزائرية)) عدد/ 5 ١‏ بتاريخ: ماي/ جوان9 ١٠٠٠م‏ (؟) جريدة البصائر: العدد/ 5 5.

>»

ضالتنا المنشودة التي ظفرنا بها وسعادتنا العظمى التي أرجو بها الفوز عند الله والزلفى والتي نفئت في روعنا- والحمد لله - توحيدا خالصا من شوائب الشركء وايمانا ناشئا عن نظر صحيح.ء ومن الكتب التي طالعناها مطالعة تحصيل (الاحكام) للآمدي, (بداية المجتهد)؛ و(الاعتصام) للشاطبيء (منهاج السنة)» وغيره من كتب الامام ابن تيمية» و(اعلام الموقعين) و(اغاثة اللهفان)» وغيرهما للامام ابن القيم» و(الدر النضيد)» وغيره من كتب الشوكاني» وغير هذا من كتب العلم الصحيحة بعدما طالعنا (الموطأ)» و(صحيح البخاري)» وبعض التفاسير الصحيحة. ولم يفتنا من مجلتكم الزاهرة بمجالس التذكير عدد واحدء فكم أفادتنا من علوم أدام الله حياة منشئه اللاسلام)

ونلاحظ من خلال هذه المراجع جميعا ما يلي:

١‏ افتقارها للدراسات الفقهية المقارنة» والتي لما دور كبير في التعرف على الخلاف الوارد في الأمة» والذي يتيح لما بعد ذلك أن تتعامل بأفق أوسع» ورحابة صدر أكبر.

؟ - افتقارها لكتب التصوفء مع كونها تتوجه بخطابها للصوفية» ومن المستغرب أن لا يكون (إحياء علوم الدين) من مصادر الجمعية الكبرى مع كونه لا يكاد يخلو منه بيت مسلم.

وهذا واضح.ء ومن الأمثلة القريبة عليه أن ابن باديس عندما ذكر إعجابه بإشارة القشيري» تصورت أنه اطلع على تفسيره» وتعجبت أنه لم ينكر عليه مثلم) أنكر على الطرق الصوفية» لكني وجدت أنه لم يرجع إليه» وإنما وجد إشارته في تفسير ابن العربي المالكي» ورأى أن ابن العربي أقرهاء فقلده في إقرارها(".

افتقارها للتراث الصوفي المقارن» والموجه خصوصا للتيار السلفي» والذي سنذكر نمادج عنه في المبحث التالي» وهذا ما يضخم المشكلة بين الطرفين» فالافتقار إلى المصادرء كافتقار

09 5 /”( انظر: آثار ابن باديس‎ )١( 564٠

المريض إلى دواء من الأدوية» ولا يمكن أن يطمع في الشفاء من لم يحصل الدواء» أو رغب عن الدواء.

5 - اعتمادها في الحديث عن التصوف على كتب أعدائه» وخاصة ابن الجوزي. وخاصة ما ذكره في كتابه (تلبيس إبليس)» وهو كتاب لقي الكثير من مقولاته الرفض حتى من ابن تيمية وغيره.

ولهذا نجد الشيخ ابن عليوة في رده على مقال الشهاب في رسالة (الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف) يخاطب رجل الجمعية بقوله: (..فأقول لكم صريحاً يا حضرة الأخ: إن معتمدكم فيهم| نقلتموه من كتاب ابن الجوزي المسمى ب (تلبيس إبليس) لا تقوم به حجة ولست أدري هل أنتم على علم من قيمة هذا الكتاب ومنزلته بين العلماء أم كنتم على خلاف ذلك؟ ولهذا أراني مضطراً أن أذكر لكم مقداره عند العلماء فأقول أن للعلماء في ذلك الكتاب كثيراً من الأخذ والرد وفي الأخير اتضح عندهم أنه تما لا تنهض به الحجة ولا يصح به الاستدلال .. وها أنا أنقل لكم من أقوالهم حتى تدرك مقدار ما اعتمدتموه في الحط من كرامة رجال كان من واجبك أن تعتبرهم في الصف الأول من رجال الدين وآئمة المسلمين)”"

ثانيا خصائص المواجهة العلمية:

من خلال دراسة التراث القليل الذي كتبه رجال الجمعية حول تفاصيل الخلاف بينهم وبين الطرق الصوفية يمكن ملاحظة الخصائص التالية:

١‏ عدم الاعتراف بالآخر:

فجمعية العلماء لم تكن ترى في الآخر شخصا اعتباريا يمكن أن تتحاور معه. أو تقبل مناقشته» لأنهاء ومنذ أول يوم قررت عدم الحوارء بل لم تر من حل سوى الاستئصال الجذري

)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص7. 55

لااللطرق الصوفية فقط» بل لكل ما يرتبط بها من معان» وهي في هذا ترجع لأشد أنواع السلفية تطرفاء وهي السلفية الوهابية.

ولهذا نرى مشايخ الصوفية في ردودهم على الجمعية» وخاصة الشيخ ابن عليوة يذكرهم بمقالات ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد عبده وغيرهم من أعلام المدرسة السلفية» ى] سنرى ذلك بتفصيل في الباب الرابع.

وقد ذكر الشيخ ابن عليوة في معرض رده على المخالفين له الكيفية التي يتعاملون بها معه فقال: (..وأيٌ معصية أشنع من تطبيقك جميع ما ورد في أهل الزيغ والضلالة على جماعة الصوفيّة ؟ ولم يكفك ذلك حتى جعلتهم فرقة من فرق أهل النار مستدلا بها رواه عن عبد الله بن عمرو » قال : قال رسول الله يي : ( ليآتيّن على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أَمّه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك؛ وإِنَ بني إسرائيل تفرّقت إلى ثنتين وسبعين ملّة وتفترق أمنّي على ثلاث وسبعين ملّة كلّهم في النار إلا ملّة واحدة» قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟» قال : ما أنا عليه وأصحابي )" رواه الترمذي في سننه. وهذا صريح في أنّك تعني أن فرقة أهل التصوّف واحدة من تلك الفرقء وإِنِ أحكمك لله ولرسوله ولصالح المؤمنين فيما بينك وبين الصوفية)7)

ثم أشار الشيخ ابن عليوة إلى العقلية الانتقائية للجمعية وللمنهج السلفي عموماء وهي انتقاؤها من النصوص ما تراه مناسبا لهاء ثم تفسره بحسب ما تراه» فقال: (وهلا نقلت حديثا

نقله الإمام الغزالي في كتابه المسمّى ب (فصل التفريقات)" وهو قوله عليه الصلاة والسلام

)7١ /0( سنن الترمذي‎ )١( .7١ (؟) ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص؟‎ يشير به إلى كتاب أبي حامد الغزالي (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة)» وهو من أهم الكتب في الرد على‎ )9(

التكفيريين» وقد قال في هذا: (وظاهر ظني ‏ والعلم عند الله أن هؤلاء هم المرادون بقوله عليه السلام: (ستفترق أمتي حل

:(ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في الحنّة إلا الزنادقة)"

ثم يذكر العلة في هذه الانتقائية» وهي علة نفسية ى] يتصورها الشيخ ابن عليوة» حيث يقول: ( ولكن هذا لا يقع عليه بصرك وإِنَّا يقع على ما يساعدك في الحكم على سائر أفراد المسلمين بالنار حتى تخلو لك الجئة أنت ومن هو على شاكلتك لا غير» ولا تجد من يرفع عنك معضلتك إلآّصونّ ومحال أن تتنزل له لأنَ الحسد باب الإنصاف ويقطع لسان الاعتراف)”"

ويرد الشيخ ابن عليوة على هذا المنهج الإقصائي الذي تمارسه الجمعية مع الطرق الصوفية بالمنهج الذي تمارسه أو تعتقده الطرق الصوفية» فقال - تعقيبا على الكلام السابق-: (وأنا أقول : إِنَ الله سبحانه وتعالى عند ظنّ كل مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر مهما اجتهد لنفسه با يقرّبه إلى الله» فإن أصاب فله أجران, وإن لم يصب فله أجر فهو مأجور على كل حال أحببت أم كرهتء لأنْ الخلق ما كلّفوا إصابة الصواب إِنَّا كلّفوا الظنّ بأَنّه صوابء وجميع ذلك ما ٠ 8 7 7 1 1 75 0‏ ع راطا لك الس وس دو - 9200 يعتضيه تسامح الشرع الأحمدي المشار إليه بقوله تعالى: [َوَمَا جَعَل عليكُمْ في الدينٍ من حَرَج] بضعاً وسبعين فرقة» كلهم في الجنة» إلا الزنادقة) وهي فرقة» هذا لفظ الحديث في بعض الروايات»؛ وظاهر الحديث يدل على أنه أراد به (الزنادقة) من أمته» إذ قال (ستفرق أمتي) ومن لم يعترف بنبوته فليس من أمته) (انظر: أبو حامد الغزالي» فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة» ط1ء 21١997‏ ص18 ) )١(‏ قال العجلوني في (كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس ))١5١ /١(‏ بعد عرض الروايات الأخرى المشهورة: (وصححه الحاكم بلفظ غريب وهو (ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا واحدة)» وفي رواية عند الديلمي (ال الك منها واحدة)» قال العلماء هي الزنادقة انتهى» وفي هامش الميزان المذكور عن أنس عن النبي صل الله عليه وسلم بلفظ (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا الزنادقة)» قال وفي رواية عنه أيضا (تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقه إني أعلم أهداها الجماعة) انتهى» ثم رأيت ما في هامش الميزان مذكورا في تخريج أحاديث مسند الفردوس للحافظ ابن حجر ولفظه (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا واحدة وهي الزنادقة)» أسنده عن أنس قال وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أنس بلفظ أهداها فرقة الجاعة انتهى» فلينظر مع المشهور ولعل وجه التوفيق أن المراد بأهل الجنة في الرواية الثانية ولو مآلا فتأمل)

(؟) ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص4 .7١‏ 0

[الحج: 28]

وبعد أن ذكر بعض النصوص الدالة على سعة رحمة الله للجميع» علق عليها بقوله: (فلا ‏ تصادف هذه الأخبار التي تفيد الوسع وتقضي على الأمّة بالنجاة ؟» ولكنك تنظر بالعين العوراء» فلهذا أراك إلى الآن لم تترك نضًا يقضي على الذاكرين بالدمار والخروج من سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء إلا وألصقته بجانبهم)"

قد يرى البعض بأن استدلالنا بالشيخ ابن عليوة لإثبات هذه الخاصية مناف للمنهج العلمي» وهذا صحيح.ء ولكنا أردنا أن نذكر فقط بعض شكوى الطرق الصوفية من ذلك التعامل الاستعلائي الذي تمارسه الجمعية معهم, فلا تأذن لهم حتى بالحديث.

وأساس هذا التعامل هو تلك الصورة التي تحملها الجمعية عن نفسهاء وهي أنها تمثل الكتاب والسنة» ولا ينبغي لأحد من الناس أن يواجه الكتاب والسنة» أو يقف أمام الكتاب والسحة:

والثان - وهو أخطر- وهو اعتقادها أنها جماعة المسلمين في الجزائر» أو بتعبير آخرء هي من يمثل الإسلام في الجزائر» وهذا للأسف ما ورثته عنها الحركات الإسلامية بعد الاستقلال تما جعلها تستعلي على المجتمع» ثم تتميز عنه» ثم في الأخير تصطدم معه. ولو أنها تعاملت مع المجتمع على أنها طرف فيه» لا باعتباره الطرف الوحيد لما وقعت في الأزمة التي وقعت فيها.

وقد قدم الشيخ العربي التسي لهذا التقرير الذي يريد من خلاله أن يلغي الآخر بذكره ما ذكر الفقهاء حول الأحكام المرتبطة بعدم الإمام» قال: (قال فقهاء الإسلام في بيان حكم هذه القضية بالنسبة إلى الإمام واستعمال سلطته في نشر العلم : ومعلوم عندنا بالضرورة أن المسلمين عندنا إذا فقدوا الإمام وجب على جماعة المسلمين أن يحلوا محل الإمام في القيام بالدين» يقول

.7١90 ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص‎ )١( 4

أولئك الفقهاء : يجب على الإمام في كل مسافة قصر أن يضع فيها من يعلم الناس أمر دينهم» والدين يقول : يجب على الأمة الجزائرية العديمة الإمام» والحكومة المعترفة بالإسلام وجوبا شرعياء أن تقوم كأمة بفروض الكفاية والمعالم العامة الشعبية والاجتاعية وهذه الأمة الجزائرية عليها أن تتثل آبة : لِوَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أَمَديَدْعُونَ إل البر) [آل عمران: 0000

وكان في إمكانه بعد هذا الطرح أن يقترح اجتماع جميع من يمثل الأمة من فقهائها وأعيانها ونحوهم بمذاهبهم واتجاهاتهم المختلفة ليشكلوا هذه الجماعة لتكون رمزا لوحدة الأمة) وتكون صوتا عاليا يمكنه أن يؤثر في تحصيل الحقوق أو توجيهها.

لكن الشيخ العربي بدل ذلك قال - بكل برودة» وكأنه يقرر قضية بديبية لا خلاف فيها- : (وتلك الطائفة من الأمة المعبر عنها في هذه الآية بلفظ الأمة» هي جماعة المسلمين» وتتمثل في أمتنا جماعة المسلمين في جمعية العلماء)

ثم بين الدوافع التي جعلته يذهب إلى هذاء فقال: (فهذه الجمعية هي الطائفة التي توفرت فيها أوصاف جماعة المسلمين الشرعية» وإذا كنا تمن ينطق لله» ويغضب لله ويرضى لله» ويحكم بها في دين الله ويسند الأمور إلى أهلها ى| أمر الله) 7

وبناء على هذه الأوصاف التي تغلب عليها لغة العاطفة» أكثر ما يغلب عليها لغة العلم» استنتج الشيخ العربي التبسبي هذا الحكم الشرعية الخطير» فقال: (وقد وجب على كل مسلم في

(1) جريدة البصائر : جريدة البصائر» السلسة الثانية» عدد 2570 الجمعة /١١‏ رمضان/ 77١ه‏ الموافق 7؟/ ماي/ 1461م ص .١‏ (؟) جريدة البصائر : جريدة البصائر» السلسة الثانية» عدد 257٠‏ الجمعة /١١‏ رمضان/ 177ه الموافق 7؟/ ماي/

1461م ص .١‏ 536

الجزائر أن يعترف بأن جماعة المسلمين في الجزائر هي جمعية العلماء)7"

بل لم يكتف ببذه الألفاظ الشرعية المؤدبة» فأضاف إليها قوله: (لا ينازع في ذلك إلا من أضله الله على علم أو جهلء أو كان من الذين سبقت عليهم الشقوة» فأنساهم الشيطان وال هوى وحظوظ أنفسهم القيام بالقسط والشهادة ولو على أنفسهم)”"

ولسنا ندري المصدر الذي عرف من خلاله الشيخ العربي أن تلك الجموع الغفيرة التي لم تخضع للجمعية أنها ممن (من الذين سبقت عليهم الشقوة)؛ لآن هذا يستدعي الرجوع إلى مصادر لا توجد ني هذه الحياة الدنياء ولا يمكن لعاقل يحترم قدره أن يدعي أنه تعرف على ما فيها.

ثم بين الأسباب التي جعلت الجمعية لا تعترف بالآخرء والتي عبر عنها بقوله: (اعلموا أنه إذا كانت جماعة المسلمين بالعلم» فأكثر علماء الجزائر في هذه الجمعية» وإذا كانت الدعوة إلى الله فهي الجاعة المخلصة المؤمنة المجاهدة التي عاهدت ربهاء وكتبت ميثاقا على نفسهاء أنها الداعية بجماعتها وأفرادها إلى دين الله» وإلى كتابه» وسنة نبيه)”"

ولسنا ندري كذلك كيف حكم على جميع أعضاء الجمعية بكونهم مخلصين مع أنه في ذلك البين كان من أنشط دعاة الجمعية» وأكثرهم تطرفا الشيخ الزاهريء والذي كتب الشيخ العربي

يقول عنه في البصائر بعد ذلك: (رد على معرض أكاذيب الزاهري وتلامذته الزيتونيين)9)

(1) جريدة البصائر : جريدة البصائر» السلسة الثانية» عدد 277١‏ الجمعة /١١‏ رمضان/ ”١ه‏ الموافق ؟؟/ ماي/ 1967م ص .١‏

(0) المصدر السابق» ص .١‏

(5) المصدر السابق» ص .١‏

(:) المصدر السابق» ص "7» وقد ذكر الدكتور أحمد عيساوي قصة هذا المكتوب» وهي أن الشيخ العربي نشر هذا الرد التوضيحي في جريدة البصائر اثر التآمر الذي أظهره الأستاذ ( محمد السعيد الزاهري ) بواسطة بعض الطلبة الموالين له

الدارسين بالزيتونة» الذين استغلوا كل أشكال التآمر والكيد من أجل الاستحواذ على أمانة جمعية الطلبة المسلمين كلدل

بل إن الشيخ العربي التبسبي» وخشية أن يستدرك عليه بأن هناك في الجزائر الكثير من العلماء المحترمين الذين لم يدخلوا الجمعية» وأنه مسهم بأحكامه القاسية» عقب على ذلك بقوله: (وإذ وجدنا في الآمة الجزائرية شخصيات علمية أو ا في مجتمعنا مكانة طيبة أو سمعة قديمة» ولم تدخل جمعية العلماء أو دخلت فيهاء ثم خرجت منها فإن تلك الشخصية لا تخلو من إحدى الآفتين)

أما الآفة الأولى - التي يراها الشيخ العربي- فهي الانتماء إلى الحكومة الاستعمارية سرا أو علنا. مباشرة أو بواسطة» ولا علينا أكان الانتماء حلالا أم حراما.. فأصحاب هذه الآفة يخشون غضب الحكومة عليهم إن هم وقفوا مع جمعية العلماء» وقالوا ىا تقول جمعية العلاء : إننا على دين آبائنا وأجدادنا الذين دفنوا في هذه الأرض الجزائرية الطاهرة منذ ألف وثلاث مائة سنة عربا. وتركونا بعدهم ذرية عرباء فكيف تحاول فرنسا قطع بنا سلاسل أنسابنا وتحويلنا من بعدهم إلى فرنسيين لاتينيين.

أما الآفة الثانية - التي يراها الشيخ العربي- فهي (الحزبية وحب الرئاسة» فإن الرئاسة والحزبية لا تبنى على الإسلام وأنظمته وتشكيلاته» ولا على جماعة المسلمين.. فلا عجب أن يكون أصحاب الرئاسة من خصوم جمعية العلماء الممثلة لجماعة المسلمين من الجزائر العربية المسلمة)(")

الجزائريين الزيتونيين» وكان ذلك في بدايات سنة 4 1945م 1754 ه بتونس. وكان الشيخ العربي في زيارة لتونس فحرص السيد ( محمد مرازقة ) عدم حضور الشيخ العربي والوفد المرافق له كي لا تتكشف لعبتهم» ثم حرف حقيقة ما جرى يومها في تونس صاحب ( جريدة المغرب العربي /9151١-/145١م)‏ ( محمد السعيد الزاهري )» فرد عليه الأستاذ (العباس بن الشيخ الحسين ) في جريدة البصائر بمقال عنونه ب ( معرض الأكاذيب ) مذيلا به رسالة الشيخ العربي التبسيء انظر: نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي) للدكتور أحمد عيساوي» ص9 75.

)00 المصدر السابق» ص 0

وكلا الآفتين لا تنهضان أمام حقيقة الواقع الذي مارسته الجمعية:

أما الآفة الأولى» فالكل يعلم - كما ذكرنا سابقا- بآن الجميع استعمل الهدنة مع الاستعمار» لأنه لولا استعمال الهدنة لما انتشر لا للجمعية ولا للطرق الصوفية في ذلك الواقع القمعي.

وأما الآفة الثانية» فهي غيب من الغيب» فالإخلاص والتبرؤ من حب الرئاسة لا يعلمه إلا الله» بالإضافة إلى هذاء فإن القوانين والديمقراطية لم نرها تطبق يوما واحدا في الجمعية للأسف. فلم يحدث أن حصلت انتخابات حرة ونزيهة ليغير على أساسها الرؤساءء بل إن الشيخ البشير الإبراهيمي عندما ذهب إلى المشرق ليستقر فيه أخذ الرئاسة معه. ولم يسمح لأحد بأن يخلفه مما هيا لانحلال الجمعية بعد ذلك وصراعها على السلطة.

لكن الشيخ العربي بنى على ما ذكره من الآفتين حكما قاسيا لم يوجهه للعوام» وإنما وجهه للخواص من العلماء الذين ل يدخلوا الجمعية» أو لم يقتنعوا بمنهجهاء قال فيه: (فالمرضى بهاتين الآفتين لا يضر خلافهم جمعية العلماء في تمثيل جماعة المسلمين من الأمة الجزائرية)()

ثم عقب على ذلك بهذا الحكم الخطير» والذي يوارسه عادة أصحاب المنهج السلفي: (وإذا صدقنا فيها وصفنا به جمعية العلماء من الأوصافء وصدقنا فيه| نسبناه إليها من الأعمال الدينية والعلمية والاجتاعية» فهي بحق جماعة المسلمين» ومن خالفها يوليه الله ما تولى إذا ما شذ عنها إلا من لا يعبا الله به من يسير في هدي الحكومة الاستعمارية» أو من اتخذ آلحة حزبية» وما فيها من مبادىء وعصبيات ورجال”"

وهذا نفس ما ذكره الشيخ ابن عليوة عندما قال: (ولكن هذا لا يقع عليه بصرك وإِنَّ)ا يقع على ما يساعدك في الحكم على سائر أفراد المسلمين بالنار حتى تخلو لك الجئة أنت ومن هو على

.١ المصدر السابق» ص‎ )١(

(0) المصدر السابق» ص .١‏

شاكلنك لاغير)ةة

وعقب الشيخ العربي كذلك على من يشرط أن تضم جماعات المسلمين جميع أطياف المجتمع» وهذا ما ذكره الفقهاء» بقوله: ‏ (ولو قال قائل إن جماعة المسلمين لا تتحقق ولا نعترف بها البتة» إلا إذا ضمت جميع الطوائف الجزائرية من سياسيين وموالين للحكومة وطلاب الرياسات بالعصبيات. لكان طلبه هذا محالاء وطلب المحال ممنوع قانوناء ومحرم شرعاء» ولكان طلبه هذا أيضا ذريعة لتعطيل جماعة المسلمين)7)

ثم استدل لهذا بقوله: (وقد قال العلماء في تقرير قاعدة عامة حادثتنا هذه فرع من فروعهاء وجزئية من جزثياتها : ( إن رأي الأمة يكفي في تمثيله أهل ا حل والعقد. قلوا أو كثروا . ولا يشترط في ذلك التمثيل حضور جميع الطوائف. وذكروا لذلك مسألة البيعة للخليفة» فإن من حضر من أفاضل الصحابة في كل من خلافة الخلفاء الأربعة انعقدت بهم الخلافة» ولزمت الأمة على اختلاف ديارهاء ومذاهبهاء وزعمائهاء ومن خرج عن تلك البيعة لم يضرها في نظر الإسلام» والأمة الإسلامية )0"

وهذا الدليل كى] يصح أن تستعمله الجمعية يصح أن يستعمله غيرهاء بل إن الطرق الصوفية في المناطق التي كانت تستحوذ عليها كانت تمارس هذا الأسلوبء فقد كان شيخ الطريق هو الأب الروحي والحاكم السياسي والقاضي لمن يرى أهليته للمشيخة» وعلى هذا الأساس

استطاعت الطرق أن تحقق بعض نجاحاتها التي أشرنا إليها عند الحديث عن مشروعها

.7١ ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص؟‎ )١( ماي/‎ /7١ رمضان/ 177 1ه الموافق‎ /١١ جريدة البصائر : جريدة البصائر» السلسة الثانية» عدد 770 الجمعة‎ )( .١ ام ص‎

() جريدة البصائر : جريدة البصائر» السلسة الثانية» عدد 770, الجمعة /١١‏ رمضان/ 177 1ه الموافق ١؟/‏ ماي/

1461م ص .١‏

الإصلاحي.

ولكني مع البحث الشديد, لم أجد طريقة صوفية تلغي من سواهاء جل ما في الأمر أن كل شيخ يطلب من أتباعه الثقة فيه» وأن يروا فيه أنه أهل للمشيخة» بل إنه أولى من يمثلهاء وهذا شيء طبيعي» فلا يمكن للمريض أن يستفيد من علاج الطبيب أو يستعمله وهو يشك فيه أو يرئ أن غيره أولل منه.

وما ذكره الشيخ العربي التبسي من هذه المقاييس طبقه بكل دقة الشيخ البشير الإبراهيمي حين خاطب بكل عنجهية الذين طلبوا منه المناظرة في مسائل فرعية محددة» وبكل أدب", فأجابهم بقوله: (إن المناظرة في الشيء تستدعي نظيرين» أي مثيلين في المعنى الذي يتناظران فيه» والمناظرة المطلوبة هنا في مسائل علمية دينية لَابَّسَها تاريخ المسلمين الطويل» وداخلتها عوائدهم واجتاعياتهم وأثر فيها هذا وذاك.. وإذا كنا نحن الطرف الأول في هذه القضية» ونحن علماء نقول في الدين بِدَلِيلهِ المعتبر» ونتكلم في التاريخ بعلله وأسبابه» ونقول في العادات

(1) نص البشير الإبراهيمي على مضمون رسالتهم بطريقته التهكمية» فقال: تلقينا صبيحة يوم الاثنين الماضي رسالة مضمونة متنوجة باسم جامعة اتحاد الطرق الصوفية» ومنتعلة باسم كاتبها العام. وبين التاج والنعل سطور جميلة الخط (قريبة الأسلوب في أساليب التوثيق من المحاكم) ولكن تحتها من المعاني ما يضحك الثكل» ففيها بعد البَسْمَّلة بالقلم العريض: تعالوا إلى المناظرة. وفيها بعد اسم رئيس جمعية العلماء والسلام عليه ورحمة الله ما نصه بالحرف: "أما بعده فإنكم تعلمون علم اليقين أن ما فكك الأمة المسلمة الجزائرية ومزق وحدتها حتى صارت متنافرة متخالفة بعد أن كانت متقاربة متألفة هو ما أدخلتموه عليها من التشكيك في أمر دينها اعتقادًا وعملاء وأفتيتموها في كل مسألة خلافية بها يعد خروجًا عن دائرة الحق والإنصاف وولُوجًا في ورطة الشذوذ والاعتساف. ولطالما اتتظرنا رجوعكم إلى الجادة» ولكن ذهب انتظارنا سدى. وبناءً على هذا فإننا ندعوكم باسم الدين إلى "المناظر" في المسائل الآتي ذكرهاء ونرجوكم أن لا تتخلفوا ى) تخلفتم في المرة الأولى عن موعد المناظرة» ولكم الشكر".

هذا نص الديباجة» وبعدها سرد المسائل» وهي إحدى عشرة مسألة) انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 0

بمناشئها وآثارهاء ونرجع كل شيء إلى أصله؛ ونرد كل حادثة إلى سببهاء ونربط بين الدليل ومدلوله والعلة ومعلوهاء فإن الطرقيين بالطبع هم الطرف الثاني» وهل بلغ الطرقيون أن يكونوا نظراءنا بالعلم والدين والتاريخ والاجتماع؟)0"

ثم وضح السر الذي جعله لا يعتبر هؤلاء» فقال: (نحن نعرفهم حق المعرفة» ونعرف أنهم جهلاء ويفخرون بالجهل» وأنصاف أميين ويتباهون بالأمية» إذ ليس العلم ولا القراءة شرطًا في طرقهم ولا في مشيختهم. » ونعرف أنهم لا يملكون من أسلحة هذا الميدان إلا العناد والإصرار على الباطل.. ولو كانوا علاء لما بلغ النزاع بيننا وبينهم إلى هذا الحد. ولرّجَونا- إن لم يرّعهم الدين- أن يرَّءَ عهم العلم)(

بل إنه يجاوز الحد في التعالي عليهم عندما يخاطبهم قائلا: (ولا يبلغ بهم الغرور أن يناظروا علماء من الطراز الذي تحتوي عليه جمعية العلماء» وإنما يعتمدون في هذه المناظرة على موجودات آلية يسموها علماء عوّدوها أن تنطق باسمهم وتسبح بحمدهم وتحامي عنهم بالباطل.. ونحن لا نعترف بالعلم لهذا الصنف المتهافت على أبواب الزوايا المتعيش من فضلاتهاء ويأبى لنا شرف العلم أن يكون هؤلاء المسلوبو الإرادة الفاقدو الاستقلال في العلم نظراءنا في المناظرة» لأننا بلَوْئَاهم في العمل فوجّدناهم جبناء, وبِلَوْنَاهُم في العلم فوجّدناهم يحكمون الموى ولا يحكّمون الدليل» وبلّؤناهم في الكتابة فوجذْنا أَمْتَلّهم يسمي البدع المنكرة عوائد دينية.. أَمَعَ هؤلاء تكون المناظرة؟ لاء وشرف العلم)7

ثم اسقط هذه المناظرة بسبب عدم كفاءة من يناظره» فقال: (فقد تحقق أن هذه المناظرة التي

)701١ /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )701١ /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )( )707 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )(

دعوا إليها ساقطة سقوط شرطها الأسامبي من قبّلهم وهو النظير)”"

بل إن الشيخ الإبراهيمي يتعمق إلى أعماق نياتهم حين يذكر الدافع الحقيقي لهم من وراء المناظرة: (ألا إمهم من إِفْكِهم ليتداهون ويختلون بهذه الدعوة إلى المناظرة» لنجيبّهم فنعترف لهم بالكفاءة» أو نسكت عنهم فيقولوا عنا: أَحْجَموا وخافواء أو تُجِيبّهم بالحقيقة (ك) فعلنا) فيقولوا: إن جمعية العلماء تحتقر العلماء ويتباكون ويشنعون)”"

وما ذكره الشيخ الإبراهيمي يجعلنا نتساءل عن سر هذا الغرور الذي يمنع من تعليم الجاهل» إذا جاء يبث ما لديه من قضايا وشبهات.. ولا بأس أن يسمي نفسه عالما أو مناظراء لأن دور المربي هو رفع الشبهات. لا الترفع عليها.

ولكن هذا لم يحصل للأسف لأن المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها جعلته لا يرى إلا نفسه.

وأحب أن أذكر هنا حادثة شخصية ترتبط بشخص يعتبر نفسه من العلماء الكبار» وقد سمعته في محاضرة يحرض على إحراق كتب الغزالي» فطلبت الكلام فلم يؤذن لي» وبعد انتهاء المحاضرة التقيت به» وقلت له بأدب: أريد أن أناقشك في مسألة ذكرتها في المحاضرة» فنظر إلي شزراء وقال: من أنت حتى تناقشنيء لا بد أن تصير في مستواي حتى تناقشني.

أقول هذا من باب الشهادة لله في الوقت الذي كان الشيخ محمد بلقايد رحمه الله يحضر إليه الكثير من أصحاب الاتجاه السلفي ساخرين منه. فلم يكن يقابلهم إلا بالأدب» ويجيب على أسئلتهم بكل احترام» وهكذا كل من عرفته من مشايخ الصوفية» والسر بسيط» وهو أن التصوف بالمفاهيم العميقة التي يملا بها أصحابه يجعل صدورهم أوسع من أن تضيق بأي خلاف أو أي مخالف.

؟ ‏ الانتقائية في التعامل مع القضايا العلمية:

)7٠7 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )7٠7 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

المنهج العلمي» وخاصة المنهج المقارن يستدعي البحث الشامل والموضوعي في كل ما يذكره المخالف. والرد عليه بناء على ذلك. ونفس الشيء بالنسبة للمصادر التي يرجع إليهاء فإن المنهج العلمي يقتضي عدم الانتقائية أو التقطيع فيها.

وهذا المنهج لم يقرره المحدثون فقطء بل هو منهج مقرر من قديم في العالم الإسلاميء ونحب هنا أن نأخذ نموذجا من العلاء القدامى لنقارنه بمنهج علاء الجمعية» ونرى مدى تحقق الموضوعية العلمية بين الطرفين:

وهذا النموذج هو أبو حامد الغزالي» والطرف الذي توجه إليه خلاف الغزاللي ليس رجل دين» وإنما هم الفلاسفة» الذين ينظر إليهم الاتجاه السلفي نظرته الاستئصالية» لكن الغزالي ‏ يفعل ذلكء بل إنه أمضى سنين محترمة من عمره يدرس الفلسفة قبل أن يقدم على الحديث فيها تأييدا أو معارضة» وقد قال معبرا عن نفسه: (ثم إني ابتدأت, بعد الفراغ من علم الكلام» بعلم الفلسفة وعلمت يقيناً» أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم» من لا يقف على منتهى ذلك العلم» حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم, ثم يزيد عليه ويجاوز درجته» فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم من غور وغائله» وإذا ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حماً)001

هذا هو المنطلق الذي ينطلق منه كل من يريد أن يناقش قضية» فلا يمكن أن يناقشها وهو يجهل جميع أبعادهاء يستوي في هذا التصوف والفلسفة واي شيء آخر وهذا للأسف مالم تفعله اجمعية في مناقشاتهاء فهي تتحدث عن (شيخ الحلول) من غير أن تشرح للمجتمع مرادها بهذا وأدلتها عليها وكلام المخالف عنه.

ثم يذكر الغزالي الجهد الذي بذله في فهم الفلسفة» وهو جهدان تحصيلٍ وتأملٍ» فقال:

)00 الغزالي» المنقذ من الضلال» ص١7‏ 1.

(فأطلعني الله سبحانه وتعالى بمجرد المطالعة في هذه الأوقات المختلسة» على منتهى علومهم في أقل من سنتين. ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريباً من سنة, أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره» حتى اطّلعت على ما فيه من خداع وتلبيس» وتحقيق وتخيبل؛ اطلاعاً لم أشك فيه)”"

ثم ذكر بعد ذلك النتيجة التي وصل إليهاء وهي تصنيف الفلسفة إلى ما يمكن اعتباره وقبوله» وإلى ما ينبغي رفضه وطرحه. ثم لم يناقشهم بعد ذلك إلا فيم| ينبغي طرحه.

هذا هو المنهج الذي رسمه الغزالي» وعلى خطاه بل قبله كان العلماء يناقش بعضهم بعضاء بل إنهم في مناقشاتهم يذكرون ما يقوله المخالف حرفا حرفاء ثم يردون عليه حرفا حرفا.

ولكن الجمعية - للأسف - لم تفعل هذا لآنها انطلقت - مثل| ذكرنا في الخاصية السابقة - من الخوف من تسرب أي شبهة للقارئ إن هي ذكرت أدلة الصوفية» وخاصة ما يذكره الصوفية من العلاء الذين تتبناهم الجمعية» بل تعتبرهم مشايخ لما كابن تيمية وابن القيم والشاطبي ومحمد عبده وغيرهم ى| سنرى.

وسنذكر هنا بعض الأمثلة على هذه الانتقائية التي كانت الجمعية تمارسها لتمرر ما تريد تمريره فقط.

فقد ورد في بعض فتاوى الجمعية جواز اعتبار الأعراف في الإعلان بالبوق على موعد الاجتماع» باعتباره كان عرفا في منطقة الزواوة» وقد أقرته الجمعية وعبرت عن إقراره لذلك بقولها: (فالشارع أحال في الأمور التي تتغير مصلحتها وتتبدل بتغير الأزمان والأماكن والأحوال على العرف. وذلك لكون عرف الناس العام أو الغالب يحقق المصلحة المرجوة من هذه الأحكام)”"

6 المنقذ من الضلال» ص .١‏

.1919 جويلية‎ ٠1 /:10/ البصائرء ع‎ )١(

وهذا الموقف عجيب جدا في جانب موقفها من الأذكار الجماعية التي كان يوارسها الصوفية في بعض المناطق كإعلان عن الوفاة أو نحوهاء فقد اعتبروا هذا من أخطر أنواع البدع وأنكروه كما سنرى في الباب الرابع.

ونحسب على فتاواهم تلك أنه لو كان العرف في الزواوة الإعلان بالذكر بدل البوق لاعتبروه بدعة وأفتوا بتحريمه» بل هذا حقيقة ما كانوا يعتقدونه» وقد ذكر الشيخ ابن عليوة كيف أنكر الإصلاحيون على أعراف جزائرية مرتبطة بالذكر» فقال - مخاطبا من زاره من بعض علماء الجمعية- : (و بمناسبة ما دار بيننا من الحديث. في تلك السويعات التي رأيتكم فيها موغر الصدر على إخوانكم العلاويين» حسبا لاح لي في ذلك الحين» لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم مولعون بإجراء الاسم المفرد على ألسنتهم» وهو قوهم: ( الله ). فظهر لكم أن ذلك ما يستحق عليه العتاب» أو نقول العقاب, لأنكم قلتم إنهم يلهجون بذكر ذلك الاسم بمناسبة أو غير مناسبة» سواء عليهم في الأزقة» أو غيرها من الأماكن التي لا تليق للذكر حتى أن أحدهم إذا طرق الباب يقول: (الله)» وإذا ناداه إنسان يقول: ( الله )» وإذا قام يقول: ( الله )» وإذا جلس يقول: ( الله )» إلى غير ذلك مما جرى به الحديث)00)

ومن النماذج التي تصلح لهذا ما يذكره الفقهاء حول اعتبار النيات في الأفعال» بل ما عبر عنه رسول الله بي حين قال: (إنما الأعمال بالنيات» وإنما لكل امرئ ما نوى» فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبهاء أو إلى امرأة يتكحهاء فهجرته إلى ما هاجر إليه) 7"

فقد وقفت الجمعية موقفا سلبيا ما يقوم به رجال الطرق الصوفية أو العوام ما تسميه (الزردة) مع أن أصحابها يذكرون اسم الله على الذبيحة» ويأتي للطعام الفقراء والمساكين» والمقيمون لها يخبرون عن أنفسهم أنهم يفعلونها من باب التكافل والتعاون والتصالح بين

)١(‏ ابن عليوة» القول المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرد ص5.

00 صحيح البخاري /١(‏ 0(

الناس» لكن الجمعية لم تكن تصدقهم في هذه النيات» وقد عبر عن مقاصدهم الشيخ الميلٍ فقال: (قد يقول الجامدون والمغرضون: إنا نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر» وقد ظهر من حال الذابح أنه ذكر اسم الله فلا نبحث عن نيته الباطنة! فنقول لهم: أولا: إن المفتي لا يقتصر دائما على الظواهر؛ ففي الأييان والطلاق مسائل تنبني على النية والقصد. ويختلف حكمها باختلاف النية مع اتحاد اللفظ» بل تقدم قريبا الاستناد إلى النية في حكم الذبائح عن علي وغيره.. وثانيا: إن من السرائر ما تحف به قرائن تجعل الحكم للنية ولا تقبل معه الظواهر وذبائح الزردة من هذا القبيل؛ فإن كل من خالط العامة يجزم بأن قصدهم بها التقرب من صاحب المزار)()

ولسنا ندري كيف عرف هذه النية» ثم ما الضرر فيهاء إن اعتقدوا صلاحه. فهم يحيون صلاحه لا ذاته» وكأنهم يقولون للمجتمع: انظروا لحرمة الصالح حيا وميتا.

لكن الجمعية للأسف في موقف آخر تقبل النيات - مع كونها مجهولة- وتعتبرهاء بل تلتمس الأعذار لأصحايهاء ومع من؟ مع من سب الدين» بل سب الله ورسوله؛ مع أن العلماء مبجمعون على كفره» في نفس الوقت الذي تشتد فيه على من ذكر الله في جماعة أو التزم أورادا يذكر الله بها صباح مساء فقد اعتذروا للأول» وتشددوا مع الثاني» ثم بعد ذلك نتساءل عن السر الذي جعل الجزائريين من أكثر أمم الأرض سبا لله ورسوله.

وكيف لا يكون الأمر كذلكء وقد ابتليت بمن يبدع الذاكر ويكفره؛ ويعتذر للساب ويدافع عنة.

وحتى لا يكون حديثنا دعوى سننقل الفتوى بحروفهاء ونعقب عليها بالفتوى المرتبطة بالأذكار التي تحرص عليها الطرق الصوفية.

078٠١ رسالة الشرك ومظاهره (ص:‎ )١(

كان السؤال الموجه للشيخ العربي التبسي باعتباره رئيس لحنة الفتوى في الجمعية هو:(ما قول سادتنا العلماء فيمن يسب الدين من رعاع المسلمين وسفهائهم ؟ هل ذلك السب يخرج به الساب من الملة ويعتبر به مرتدا داخلا فيمن تشملهم آية [لَيِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَ عَمَلْكَ) [الزمر: 56] ؟)00

فأجابه الشيخ العربي بأن هذا الشخص الذي سب الدين لا يخلو حاله من أحد احتنالين01:

الاحتمال الأول أن يكون مستعملا للفظه في معناه اللغوي الشرعي عالما بجريمته قاصدا انس اللدية» فاهما أنه سب الإسلام» أو من جاء به» أو من يعد سبه ردة عن الإسلام. وهذا الشخص كافر داخل في قوله تعالى: (لَيِنْ أَفْرَ كْتّ لَبَحْبَطَنَّ عَمَلكَ) [الزمر: 16] مستهزئ بالله تعالى وآياته وكفره فوق كفر من عبد غير الله» لأنه من قال الله فيه: (إِنَّ الّذِينَ يُؤْدُونَ الله وَرَسُولَه َعَنَهُمُ اللهفي الذي وَالْآخِرَة وََعَدَ كُمْ عَذَابَا مهنا [الأحزاب: /اه]

والاحتمال الثاني أن يكون هذا الساب ناقلا كلامه من معناه اللغوي إلى معنى جديد متعارف عند من كان على شاكلته نقلا ينسخ المعنى اللغوي» وذلك بطرو استعمال جديد عرفي على هذا اللفظء ى] يطرأ العرف على اللغة في كثير من الألفاظ طروا عاما عند الناس كلهم, أو

وبعد أن ميع هذه القضية الخطيرة التي لم يقدم لها بأي مقدمة تبين خطورتهاء راح يدافع عن الاحتمال الثاني» فيقول: (.. فإذا تصورنا هذا الاحتمال» أمكن أن نقول: إن هذا الساب للدين قد نقل لفظ الدين من معناه الشرعي اللغوي إلى إهانة من يخاصمه ويتشاجر معه. واستعمل

كلامه البشع القبيح في سب الشخص الذي تنازع معه. وذلك هو مراده وذلك ما يفهمه خصمه

)0 نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي» ص:١77.‏ )١(‏ المصدر السابق» ص:١؟77.‏

أيضاء وقد يجيب خصمه أيضا منتقما منه بذلك اللفظ نفسه. مريدا هو كذلك سب خصمه. وكلاهما لا يفهم ولا يريد بسبه إلا خصمه)”"

ثم استدل لهذا بالعرف, في مسألة قد بت فيها القرآن وبتت فيها السنة» وليس فيها مجال للخلاف, لكنها عند الشيخ العربي مسألة بسيطة وفرعية» بل يمكن أن يقصى فيها القرآن ليستدل لها بالعرف, قال مقررا لوجه الاستدلال بالعرف: (والدليل على هذا العرف. وهذا النقل أن المقام الذي تستعمل فيه هذه الألفاظ هو مقام كفر وردة» وإذا علمنا من مقاصد المتسابين أنه لم يريدا الكفرء والردة لم يجز لنا أن نحكم عليه بالردة والكفرء ذلك أن الأعمال بالنيات. وهذا السب عمل لساني» ليس من مقصد أهله سب الإسلام» أو من يعد سبه ردة)(©

والشيخ العربي المصلح يذكر أن مثل هذا منتشر في الجزائر بكثرة» وبدل أن يبتم هو وأعضاء الجمعية بالرد عليه باعتباره يمثل جماعة المسلمين واجبة الطاعة نراه يعتذر بالكثرة على ضرورة اللين» ولسنا ندري لم لم يعتذر بكثرة الطرق الصوفية في الجزائر أو كثرة أتباعها على ضرورة اللين معهم, يقول الشيخ العربي: (هذا ما فهمنا من هذه الحادثة الكثيرة الوقوعء التي لو أجرينا الحكم فيها على ظاهر اللفظ» غاضين النظر عن مقاصد الناس التي يجوز غض النظر عنها في الأحكام الشرعية» لحكمنا بردة ما لا يقل عن ثلث الأمة في الشمال الإفريقي. ونحن مع قولنا بعدم ردة أهل الاحتمال الثاني نقول أن عملهم هذا معدود من منكر القول ومن وفحشه. ومن الأقوال التي تحتمل الكفر والتفسيق» وما كان كذلك كان حراما بإجماع المسلمين)7)

ثم ختم كلامه بهذه التوجيهات الباردة» التي لا تحمل حرارة الآلم على ذلك الواقع الجزائري الخطير الذي يتجراأ فيه العبد على سب ربه» قال :(فعلى العلماء المدرسين والواعظين والداعين

)١(‏ المصدر السابق» ص:777. )١(‏ المصدر السابق» ص:777.

فيه المصدر السابق» ص:١١17.‏

إلى الله أن يقاوموا هذه الشناعات بكل ما أعطاهم الله من قوة الحجة في باب الترغيب والترهيبء وإن هذا لمن أوكد الواجبات عليهم لأنه حماية للدين وعلماء الدين هم حماته)”"

هذا نموذج التسامح واللين عند الجمعية» والذي بلغ حدوده في مقابله التشدد في أعلى حدوده مع الذاكرين لله بحجة أنهم مبتدعة» والمبتدع أحيانا أخطر من الكافر» يقول الشيخ العربي في موقفه من الأوضاع الطرقية والتي لم تكن تعني سوى الجلوس في الحلقات للاستغفار أو للتهليل أو للصلاة على رسول الله يي أو لقراءة القرآن ونحوهاء فالشيخ -كالجمعية جميعا- اعتبروا هذا من أنكر المنكر» وأن مهمته الإصلاحية لا تتمثل في الرد على من يسب الله» وإنما في الرد على من يذكر الله يقول الشيخ العربي في هذا: (من البين لجميع من عرف الطرائق التي غضت بها الجزائر؛ أنها اشتركت في أمور وامتازت كل واحدة بخواص تجعلها منفصلة عن البقية تستحق بها اسم: طريقة فلان. وقد وضعوا طرائقهم كالشرع الموضوع المتبع» وبنوا هذه الأذكار على أوضاع وهيآت وألحقوا بها أدعية أحدثها من أسس الطريقة.. ومن الشائع الذائع: أن هذه الأذكار يعطيها رؤساء الطرائق أو من يقيمونه ويسمى بأخذ الورد أو رفع السبحة ويعينون أعدادها وصيغها وأوقاتها وما يرتئونه من آدابها. ونحن نعرض عملهم هذا ونقيسه بالهدي النبوي وعمل السلف فذلك الدين» ومالم يعرف في هذه الأيام بعموم أو خصوص فليس من الدين. وما دام ليس من الدين فإنكاره قربة والاعتراف به بدعة)0"

بالإضافة إلى هذاء فالشيخ التبسي يمنع المأمومين من رفع الأيدي للدعاء والإمام يخطب معللا ذلك بأنه انفضاض من حول الإمام وإعراض عن الإنصات الواجب وتضييع للخطبة

)00 المصدر السابق» ص:١١17.‏

(؟) العربي التبسيء بدعة الطرائق في الإسلام» ص١٠‏ .

وتفويت لحكمتها والغرض منها!" مع أنه قد ورد في رفع الأيدي عند الدعاء مطلقا الأحاديث المتواترة» بل اتفقت عليه الأمة جميعاء بل إنه من دلائل انفعال المأمومين للإمام, فتأمينهم ورفعهم الأيدي دليل على مدى تجاومهم معه.

ولكن القصد في هذا واضحء وهو مخالفة الآخرء فقد رأوا حرص الصوفية عند الدعاء على رفع الأيدي - بناء على ما صح عندهم من أحاديث في هذا(" - فراحوا يقاومونه حتى حدثت الفتن في المساجد أثناء الدعاء ففريق يرفع يديه» وفريق لا يرفعهاء وكل طرف يرمي الآخر بالبدعة والضلال.

ثم لسنا ندري ما العلاقة بين الإنصات للخطبة ورفع الأيدي, أم أن الأيدي إذا رفعت سدت الآذان؟

وهذا من الخصائص التى حالت بين الجمعية وبين الكتابة العلمية المفصلة المتضمنة للرأي

)١(‏ نص فتوى الشيخ العربي التبسي في هذا هي قوله: (أما رفع الأيدي ني تلك الساعة للدعاء» فأما للمأموم فممنوع» لأنه نوع من الانفضاض حول الإمام» وإعراض عن الإنصات الواجبء وترك له وحده يخطبء وكل ذلك تضييع للخطبة» وتفويت لحكمتهاء والغرض منها .. وأما رفع الإمام يديه للدعاء في خطبة الجمعة فقد اختلف الفقهاء في جوازه وكراهته» وليس مع المجيزين غير أقيسة لا معنى لها (نشرت هذه الفتوى في جريدة البصائر» السلسلة الأولى» السنة الثالثة» عدد 21728 الجمعة 5 0/ ١١1978/1م‏ الموافق /١١‏ رمضان//751١1ه‏ ص 35» نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي» ص: 7 77)

(؟) من آداب الدعاء العظيمة التي نص عليها الفقهاء رفم اليدين في الدعاء إلى الله عزّ وجلّ؛ لثبوت ذلك عن النبي كل في أحاديث كثيرة عدّها بعضُ العلماء في جملة ما تواتر فيه النقلّ عن النبيّ يَف قال السيوطي في شرحه لتقريب الإمام النووي ممثّلا نيا تواتر معناه عن النبي 2ه: (فقد ورد عنه يَُ نحو مائة حديث فيه رفمٌ يديه في الدعاء» وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مغتلفة» فكلٌ قضية منها ل تتواترء والقدر المشترّك فيه هو الرفمٌ عند الدعاء توائر باعتبار المجموع) (عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيء تدريب الراوي في شرح تقريب النواويء تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف. مكتبة

الرياض الحديثة» الرياضء (7/ )1١8٠١‏ لك

والرأي الآخرء ذلك أن الفتوى في العادة توجه للعوام» ولا تقتضي ذكر الدليل بتفصيلء ولا تقتضي نقل الخلاف. ولا ذكر أدلة المخالف.

ولعل الذي دعا الجمعية إلى هذا هو ما ذكرناه سابقاء وهو ما يعتمده المنهج السلفي عموماء من اعتبار ذكر الخلاف بتفصيل قد يكون نوعا من إشهار المبتدع والدعوة له بالمجان» والجمعية لا تريد هذاء ولحذا تمارس كل أنواع التشدد حتى الحسنات تبرزها بصورة السيئات حتى تتمكن من استئصال الآخر استئصالا جذرياء وقد ذكرنا الكثير من الشواهد على هذا سابقا.

ولأجل هذا نرى الجمعية اهتمت بالفتوى» فأسست لما مجلسا("» ولكنها لم تبتم بالنواحي العلمية» ولذلك لم تؤسس طا المجلس.

وهذا الخطأ المنهجي في تصورنا هو الذي جعل الجمعية ضعيفة في إنتاجها العلمي» حتى مع كونها اهتمت ببناء المدارس» وعلى أسس رفيعة من العمران» ولكنها لم #بتم بوضع المقررات مع أن المقررات أهم بكثير من المدارس» بل كانت تعتمد في مقرراتها على كتب بسيطة تقليدية.

(1) قررت الجمعية في اجتماعها السادس العام المنعقد ابتداء من: 4/1477 0/ 5 ” والذي دام ثلاثة أيام تقسيم المجلس الإداري الى لحان أربع والتي منها لجنة الإفتاء.

وكانت لحة الفتوى تضم الأعضاء التالية أسماؤهم:

-١‏ العربي التبسبي: بصفته رئيس اللجنة. -٠‏ البشير الإبراهيمي: عضو مستشار.

؟- مبارك الميل: عضو مستشار. ؟ - على الخيار: عضو مستشار.

وكان الاقتراح بتشكيل اللجنة للإفتاء في المجلس العام للجمعة المنعقد في ” ٠‏ شوال 155 الموافق ل١ ٠‏ جانفي 1975 وكانت إدارة البصائر قد عهدت بصفة مؤقتة إلى لجنة تأتمنها على الفتوى في دين الله برئاسة الشيخ أب يعلى الزواوي إلى حين تعيين جمعية العلماء من ناحيتها لحنة إفتاء بصفة رسمية باتة.

أما بعد استشهاد الشيخ التبسي فقد انتقلت رئاسة لجحنة الإفتاء إلى رئيس الجمعية الشيخ البشير الإبراهيمي الذي وسع من دائرة تلك اللجنة بزيادة أعضائهاء ويتمثلون في كل من: أحمد سحنون - مصطفى الفخار - عبد اللطيف القنطري - الفضيل اسكندر - نعيم النعيمي)

والأخطر من ذلك - وهو لا يرتبط بموضوعنا - هو أن الجمعية لم تؤسس للدولة الجزائرية الإسلامية» فلا هي كتبت في النظام السياسي أو النظام الاقتصادي أو غيرها من النظم بلغة علمية عصرية» بحيث يتسنى للجزائريين بعد الاستقلال أن يجدوا أمامهم المشروع الإسلامي كاملا لتنفيذه» أو ليكون على الأقل حجة عليهم.

وفوق ذلك كله أنها - لغرامها باللغة العربية - جعلت كل أهداف التكوين أن تخرج جيلا من الذين يحسنون استعمال المحسنات البديعية» وجذب انتباه المستمع للألفاظ» وهذا واضح جدا في تلاميذها الذين وكلت إليهم أزمة التدريس في المساجد وفي القنوات الإعلامية» والذين كان يستفاد من كلامهم أكثر ما يستفاد من علمهم.

وهذا لا يعني أن أعضاء الجمعية» وخاصة الكبار منهم ليسوا علماء» فهم يشهدون لأنفسهم بأهم علماء» بل علماء فحول قل نظيرهم في التاريخ الإسلاميء فالإبراهيمي يقول عن ابن باديس: (وعبد الحميد بن باديس باني النهضة وإمامهاء ومدرب جيوشهاء عالم ديني ولكنه ليس كعلاء الدين الذين عرفهم التاريخ الإسلامي في قرونه الأخيرة» جمع الله فيه ما تفرق في غيره من علماء الدين في هذا العصرء وأربى عليهم بالبيان الناصع» واللسان المطاوع؛ والذكاء الخارق» والفكر الولود. والعقل اللماح» والفهم الغواص على دقائق القرآن» وأسرار التشريع الإسلامي. والاطلاع الواسع على أحوال المسلمين» ومناشئ أمراضهم؛ وطرق علاجهاء والرأي السديد في العلميات والعمليات من فقه الإسلام وأطوار تاريخه. والإلمام الكافي بمعارف العصر مع التمييز بين ضارها ونافعها)”"

والعربي التبسبي يقول عن الإبراهيمي: (المواقف العظيمة الباهرة لرئيسنا الشيخ ( محمد البشير الإبراهيمي ) وبخطبه ودروسه ومحاضراته. وأعماله الجليلة العالية. فليعلم العالم في

)١11/ /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( دض‎

الشرق والغرب أن الإبراهيمي ليس فلتة من فلتات الطبيعة عندنا وليستعد كل واحد منا لأن يقف مواقف الإبراهيمي, وأن يكون لنا عمله ونبوغه وفصاحته. فالعار كل العار أن لا يكون لنا إلا بشير واحد. وليعلم هو وليعلم الناس أن له من يقف حواليه لشد أزره» وله من يقتف وراءه» وله من يستعد لحمل الراية في ميادين الإسلام والعربية والإصلاح)"

والإبراهيمي يقول عن التبسي: (والأستاذ التبسي عالم عريق النسبة في الإصلاح» بعيد الغور في التفكير» سديد النظر في الحكم على الأشياء» عزوف اللحمّة عن المظاهر والسفاسف)0" وهكذاء فكلهم يشهد لنفسه ولأخيه بالاقتدار العلمي» ولكنا عندما نببحث عن دلائل ذلك الاقتدار لا نجد إلا مقالات فيها بلاغة وبيان عريق» ولكن لا نجد أبدا أي تحقيق علميء أو إنتاج علمي يرقى إلى المراتب التي يمكن اعتبارها علميا.

وسر ذلك بسيطء وقد استفدته من أستاذي الدكتور أحمد عيساويء فهو يذكر كل حين حقيقة مهمة» وهي أنه يستحيل على من يتبنى المنهج السلفي» وخاصة الوهابي أن يتعلم أو يصير عالماء وذلك لأنه يسد أذنه عن الآخرء ومن سد أذنه يستحيل أن يتعلم.

بالإضافة إلى هذا فإن المنهج السلفي يقصر دارسته على ما قاله شاعرهه":

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأى فقيه

كلا ولا جخحد الصفات ونفيها حذرا ‏ من التمثيل والتشبيه

)١(‏ جريدة البصائر» السلسلة الثانية» السنة الخامسة» عدد 5 /”١ .5١‏ ١١/191907ه‏ الموافق /٠١‏ صفر/ ”/الاه ص ؟. )١(‏ آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (؟/ 7177) (*) محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله (ابن قيم الجوزية)» الفوائد» دار الكتب العلمية» بيروتء الطبعة الثانية 18و ا ص .1١6‏

م

وهو لذلك لا يدرس الفلسفة» ولا العلوم التجريبية ولا أشياء كثيرة» ولهذاء فإنا لو قارنا إنتاج جمعية العلماء العلمي مع شخص واحد من الطرق الصوفية المتهم بالأمية لوجدنا فارقا كبيرا.

نعم نجد في كتب ابن عليوة ركاكة لغوية أحياناء ولكنا نجد معها منهجا علمياء وللأسف حجبت الجمعية بالركاكة اللغوية عن المعاني العلميتً حتى أن الشيخ العربي التبسبي يقول عن كتابته وكتابة غيره من أصحاب الطريقة العلاوية: (ولا يفوتني أن أذكر إلى كتاب العليويين طالبا منهم أن يعرضوا كتاباتهم على علماء المعاجم اللغوية والصناعة النحوية: فإنه أصاب اللغة العربية منهم ما لو علمه سيبويه في قبره والأصمعي في مضجعه لقاما من تحت التراب ورفعا قضية في إحدى محاكم الجنايات على هؤلاء الكتاب الذين أفسدوا لغة العرب والإسلام)”"

والذي رد عليه الشيخ ابن عليوة بقوله - متحدثا عن منهج الصوفية-: (.. بل لهم ذلك لكونهم لا يقفون عند ظاهر الألفاظء وإِلَّا ينظرون إلى المعاني الدالّة على المراد» ولا يلتفتون للحن ولا للإعراب» بل يأخذون المعاني من حيث وجدوهاء فهم ناظرون لإشارة الأرواح» غافلون عم يتلفظ به اللسان» تراهم مع الله في كل حال وشأن. مع انّه كل يوم هو في شأنء ما اتخذ الله وليّا جاهلا إلآ علّمهء وابتداء التعليم به ثمٌّ بأحكامه. وأمّا بقيّة العلوم فليست شرطا في صحّة الولاية وإِنَّا هي شرط كمال وذلك كالنحو والصرفء والمعاني والبيان» وعلم اللغة» حيث من لم تغنه معرفة الله فذلك هو الشقي)”"

وينقل عن الفقيه ( ميمون ) قوله: ( أقبح كل قبيح أن يتعلّم الإنسان نحو اللسان ويعلّمه

(1) العربي بن بلقاسم التبسبيء لقد سمعنا باطلك فأين حقك؟ جريدة الشهاب. السنة الثالثة» عدد ١١١‏ الخميس 60١‏ الموافق 5 /٠‏ جمادى الآخرة/ 1747١ه‏ ص 1١‏ ءنقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ

.١ ابن عليوة؛ المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص5‎ )١( ا‎

ولا يتعلّم نحو القلب ويعلّمه. مع أنّه محل نظر الربّء فإذا كان نحو اللسان مع نحو الجنان كان صاحبهما في أمان» ولا يخشى عليه الخسارة والخذلان» يوم وقوفه بين يدي الرحمن, لأَنَ الله تبارك وتعالى لا يثيب العباد على إعرابهم؛ وإلّما يثيبهم على قلوبهم)””

؛ عدم المناقشة العلمية الهادفة:

لاشك أن من أول شروط المناقشة العلمية الحادفة ما يسميه العلماء (تحرير النزاع»» أو البحث في مواطن الخلاف» وعدم قصر الاهتمام بالنواحي الشكلية أو التعبيرية التي قد تكون صدرت من الطرف الآخرء وعدم الاهتمام - كذلك - ببعض الأخطاء الجزئية التي لا تمس ضميع الرضوع

وعكسها أنواع كثيرة من المناقشات تضيع جهدها في قضايا شكلية أو فرعية تصرف الذهن عن البحث عن القضايا الأساسية التي طرح البحث فيها.

وبناء على هذاء وعند دراسة التراث العلمي القليل الموجه للطرق الصوفية» الذي نشرته الجمعية نجد أن الكثير منه يضيع في مناقشات لا علاقة لها بالموضوع, أو لا تخدم الموضوع.

وكمثال على ذلك مقال علمي كتبه الشيخ العربي التبسبي تحت عنوان (قد سمعنا باطلك فأين حقك؟)". وهو مقال قوي جدا من جهة اللغة» بل يصلح أن يكون نموذجا لدروس الإنشاء في المرحلة الإعدادية أو الثانوية» ولكنه لا يصلح أن يكون نموذجالمقال علمي هادف.

وقد بدأ الشيخ مقاله باستهلال يذكر فيه ما كتبه المخالف. فقال: (طلع علينا كاتب في

.7١ ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص‎ )١( م19717/١7/0١ الخميس‎ »١5١ نشر هذا المقال في جريدة الشهاب : جريدة الشهابء السنة الثالثقه عدد‎ )(

الموافق 5 /٠‏ جمادى الآخرة/ 557 ١ه‏ ص ١٠و١١و؟١‏ و13١.‏ ولع

جريدة ( البلاغ ) عدد ( 55 6" يضرب أصدريه. وينفخ مذرويه» يقول: ها أنا ذا فاعرفوني» واستمعوا لما جئت به. فأصخنا نستمع له» فإذا به محموم هذي» أو ممسوس يتخبط. ولقد كان في مستودع المعقول والمنقول أن لا نعباً به» ولا نقيم له وزناء لآنه أهون على الله وعلى عباده مادام هرف با لا يعرف» ولكننا أصبحنا في زمان ينعق فيه الناعق بها شاء» فسيجد أنصارا ولا بد. وفي قطر يعد كل لاغط فيه صاحب حكمة تقرع له العصى. فوجب علي حفظا لعقول الجماهير من الترامي في متاهات الغلط أن نصدع إلى الرأي العام» وهو الرشيد في حكمه با يفهم حقيقة هذه المهزلة» التي سودتها يد العارف بالله - كما يسمون أنفسهم - ( قدور بن أحمد المجاجي)”. كفى الله المؤمنين شره)"

وأنا أتحدى من قرأ كل هذه التعبيرات القوية» وهذه البلاغة الجزلة أن يعرف ما الذي حصلء لأنه لا يسمع إلااصراخا لا يدري سببه ولا غايته.

وهذا مخالف للمنهج العلميء فا منهج العلمي في مثل هذه الأحوال لا ينظر إلا حزازات

(1) جريدة البلاغ الصادرة عن الزاوية العليوية بمستغانم : جريدة البلاغ» عدد 5 4 /١9‏ جمادى أولى/ 57 17ه الموافق 1711م

)١(‏ قدور بن أحمد المجاجي : ( 14601-1/45م): ولد في قرية مجاجة بالقرب من مدينة مستغانم» وتلقى تعليهم| طرقيا أولا في زاويا القادرية بمدينة معسكر ثم تحول منها إلى زاوية سيدي أحمد بن عليوة المستغانمي بمستغانم» وصارمن بين أهم شيوخهاء ومن أشهر كتاب جريدة البلاغ العليوي. كتب العديد من المقالات الطرقية التي يرد فيها على شيوخ الجمعية» وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس والعربي التبسبي ومبارك الميلي.. واتسم سلوكه الطرقي الاستغلاللي في خدمة الزاوية وشيخه أحمد بن عليوة المستغانميء والانتفاع من كتاباته الصحفية من جريدة البلاغ الجزائري. انظر : منشورات المكتبة الدينية للطريقة الصوفية العلاوية بمستغانم» ص 0.» بتصرف, نقلا عن نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي»» ص ١5/48‏ .

(0) العربي التسبي» قد سمعنا باطلك فأين حقك؟» جريدة الشهابء السنة الثالثة» عدد »15١‏ الخميس 00١‏ م0 الموافق 5 /٠‏ جمادى الآخرة/ 11757ه ص »٠١‏ نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ

العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي»» ص17 7. 51

النفوسء ولا ما يضيع وقت القارئ بقراءة ما تفرزه الأحقاد» وإن| يقرأ الحقائق مجردة» وبلغة مؤدبة.

كان يكفيه بدل كل تلك الجمل الطويلة أن يقتصر على هذه الجملة: ( كتب قدور بن أحمد المجاجي في جريدة البلاغ عدد ( 4 4) يقول:..)

وإذا إن أراد أن يستعمل اللغة الدبلوماسية التي كانت تستعملها الجمعية مع فرنسا أن يقول: (كتب المحترم قدور بن أحمد المجاجي في جريدة البلاغ عدد ( 4 4) بعض الأمور التي تستدعي المناقشة» وهي: (

لكن الشيخ العربي لم يرض تينك العبارتين العلميتين التي اقترحناهماء بل كتب ما يزيد طينة الخلاف بلة» ولم يكفه ذلك» بل أضاف إليها يقول واصفا هذا المجاجي الذي أثار غضبه": (.. غلت مراجله؛ لأني - كما يعلم القراء - من أمد كتبت في مجلة الشهاب فاتحة مقالات حالت دون نشرها ظروف تحت عنوان ( الخلوة العليوية هل هي من الإسلام ؟ )» وكنت أظن أن في الرهط العليوي بقية من حكمة» وفضلا من تدبير. فإذا رأوا في كلامي جورا عن الحق» أو

اع وجاجا عن ال هدى قوموني بعلم وصدق وأدب,. لأن هذه السنة سنة من يرغب حقاء وهذه

)١(‏ يبدو الشيخ العربي التبسبي من خلال ما كتب سريع الغضبء وقد ذكرنا ما حصل بينه وبين مالك بن نبي بسبب هذاء ونضيف إليه هنا ما ذكره الدكتور أحمد عيساوي من أنه زار شيوخ جمعية العلماء مدينة وادي سوف سنة 1977م بمناسبة تدشين مسجد ومدرسة البلدة» وكان الوفد مكونا من الشيوخ عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي والعربي التبسبيء وابتدأ الحفل بآيات بينات من القرآن الكريم» ثم بالكلمات الترحيبية» ثم بكلمة الشيخ عبد الحميد بن باديسء ثم بكلمة الشيخ البشير الإبراهيمي» ولما حان وقت كلمة الشيخ العربي التسبي قام الجمهور الحاضر وهم بالانصرافء فانزعج الشيخ العربي» ثم خاطبهم بحدة, : ( أنا أعلم يا أهل وادي سوف أنكم تسمعون لكلام تجاركم عني شيئا من الأباطيل» ولكنني أقول لكم : أنا أشرف منكم نسبا ومن عبد الحميد هذا - وأشار إلى الشيخ عبد الحميد بن بادييس في المنصة -» فعلاقة والدي بالاستععار كلها علاقة قتل وقمع وتعذيبء ولكن علاقة والده ى) تعرفون تعاون

واتفاق) (انظر: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي» ص 495) لض

الطريقة أدخل في باب النصيحة والوصول إلى المفاهمة. ولكن الله تعالى أبى أن تكون هذه الطائفة العليوية أهلا لمثل هذا ف| عدوا قدرهم ولا تجاوزوا الفهم)"

وهكذا يمضي المقال لا يذكر أدلة المخالف ليقبلها أو ليرفضها أو ليبين محلها من العلم» وإن| يضيع كل الجهد في الحديث عن شخص المخالف أو عن الطائفة التي ينتمي إليها.

ولا نعلم من خلال المقال الطويل إلا شيئا واحدا هو أن هذا المجاجي كتب مقالا يرد على الشيخ العربي عارضه به. وعنونه (الخلوة في الإسلام)» وقد عبر عن هذه الفائدة وسط كم من الألفاظ كان يمكنه أن يستغني عنهاء فقد قال:( 0 كتبنا حقا وذدنا عن الدين» ودافعنا عن حياض الصوفية رضي الله عنهم. فكتب حضرة العارف بالله ىا يقولون بجهل لم ير الناس مثله» وقال بهتانا آثما صاحبه» ودافع عن شهوات إبليسء كتبنا ى| علمت بالعنوان المار أعلاه مقالاء فجاء العارف المجاجي بعنوان ( الخلوة في الإسلام)» وكآن هذا المخلوق الشاذ لم ير كلام الناس على اختلاف لغاتهم ونحلهم أن الكلام المقيد غير المطلق وإن نفى المقيد الخاص لا يلزمه نفي المطلق لا لغة ولا عرفاء فإذا نفينا العقل والعلم عن المجاجي» ى) هو الواقع» لا يلزم منه نفي العقل والعلم المطلقين» وإلا لنبذت صحيفة البلاغ الجزائري عند العموم. وهذا ما يعرفه الأسود والأحمر قبل ظهور كتاب العليويين..)”

إلى آخر مثل هذا الكلام الذي لا مبرر له» وكان يمكنه أن يتجاوزه جميعا ليدخل في ا موضوع مباشرة» ويفترض أن قصد محدثه طيبء ثم يناقشه في مقالاته بكل هدوء.

ولكن العربي التسي لم يكن يهارس وظيفة الحوار العلمي لترشيد المخالف. وإن) كان يستعمل أسلوب المحارب الذي لا يرضيه إلا أن يجهز على خصمه.

ولهذا نجد مثل هذه التعبيرات في هذا المقال الذي اعتبرناه نموذجا على عدم المناقشة العلمية

)0 نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي) للدكتور أحمد عيساوي» ص8١‏ . (؟) المصدر السابق» ص59١.‏ لض

ال حادفة: (يا حضرة العارف العليوي ؟ إذا كنت كذوبا فكن ذكورا. أما دريت أن هذا البهت يفضحك. وينزع الثقة بك. وبمن تدافع عنه» إن رضي منك هذا الدفاع عنهم» وعلى ما نعيناه عليهم. أليس هذا الصنيع يجعلك ممقوتا عند العليويين أنفسهم ؟ لو فهموا حقيقتك فإنهم إذا قرأوا كتابك علموا أنك غاش لهمء لم تدفع عنهم تهمة» بل سخرت منهم وخادعتهم)”"

ومثلها قوله: (.. إما أن تجيب بالمنع عما كتبنا وأنت صادق غير غاشء وتذكر إلينا أن عارفكم الذي قص علي ما كتبت في ملاء من الناس كاذب في خبره» وليس لك بذلك يدان. لآن أخباركم قد سارت بها الركبان في كل مكانء وإنكارها رجوع عن مبادىء طريقتكم)”"

ومثلها قوله: (آلا ليعلم المجاجي أنه عد نفسه ريحا فقد لاقى إعصارا. أما جوابنا على شتائمك وما تتوعدني به من إظهار الأسباب التي لا تود أن تجرح عواطفي بهاء فبعد أن أذن لك في نشرهاء وإن تأخرت فأنت الكذاب على وجه الأرض)7)

وهكذا لو حللنا المقال الطويل لا نجد منه أكثر من صفحة واحدة يمكن اعتبارها صفحة علمية بعد تهذيبها من السباب الكثير الذي يحيط بها.

والحسرة التي يشعر بها أي منصف بعد قراءة هذا المقال ليس على الشيخ العربي وما كتبه» ولا على المجاجي وما صب عليه» وإنما الأسف على ذلك القارئ الجزائري الذي لم يكفه أن يملا صدره بالحقد على المستعمر ليضيف إليه الحقد على المجاجي .

4 الرجوع في المناقشات إلى العامة بدل العلماء

من خصائص المنهج العلمي الرجوع في التحقيق إلى المعتمدين لدى الجهة التي يراد الحديث عنهاء أو ما يسمى في العرف الحديث (الناطق الرسمي)

.١7١ المصدر السابق» ص‎ )١( .17١ (؟) المصدر السابق» ص‎

فيه المصدر السابق» ص١7 .١‏ 510

وإلا فإننا يمكننا إن أردنا أن نصف أي جماعة أو توجه أو طائفة بأي وصف أن نختار أي عينة نشاء» ثم نطبق من خلال ما تتصف به على الجاعة جميعاء وبذلك لن يمثل الحقيقة أحد.

وهذا للأسف ما تقوم به مراكز الشر في العالم عندما تريد أن تصور الإسلام بصورة الإرهابي» فلذلك تختار أسامة بن لادن والظواهري والمدخلي ونحوها كناذج تعبر عن الإسلام.

وقد أشار الشيخ ابن عليوة إلى أن الجمعية تمارس هذا النوع من الأساليب مع طريقته أو مع الطرق الصوفية عموماء فقال: (.. ولكنّك ظننت أن التصوّف عبارة عن جماعة من الناس يجتمعون للرقص. وإنشاد الأشعار لا غير» ومثلك كمن قصد راعي الغنم بالليل يطلبه أن يتصدّق عليه باشية» فأذن له في ذلك فذهب ليأخذ ماشية» فوقعت يده بالليل على كلب الحراسة الذي هو عادة يكون مختلطا بالمواشي» فلا أصبح الصباح وجد بيده كلبا فأخذ يتهم راعي المواثي» ويلقبّه براعي الكلاب» وهذا ما يقتضيه لسان ما جمعتموه لأنكم أقصرتم التصوّف على الرقص وما في معناه)()

طبعا ليس من المنهج العلمي أن نعتمد ما ذكره الشيخ ابن عليوة» فقد يكون مخطتا أو متوهماء ولهذا سنرجع إلى ما كتبه علماء الجمعية» ونرجع خصوصا إلى ما كتبه الشيخ ابن باديس من فتواه الخطيرة حول التيجانية» والتي اعتبرهم فيها كفارا بسبب مقالاتهم حول صلاة الفاتح'' مع أنه كان في إمكانه أن يعود إلى علماء التيجانية» وقد كانوا كثيرين في ذلك الوقت

ليوضحوا له المراد» ويبينوا له أن ما يحكى من ذلك لا صحة له وبالتالي يتراجع عن قراره

.590 ابن عليوة» القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف. ص‎ )١( صيغة صلاة الفاتح هي: (اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق الحادي إلى‎ )١( صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم)» وهي مشهورة متداولة» (انظر: حرازم ابن العربي براده المغربي»‎

جواهر المعاني وبلوغ امعان في فيض سيدي أب العباس التيجاني» طبعة مصر» سنه 14٠0١‏ ص 44) رض

الخطير بتكفير عشرات بل مئات الملايين من المسلمين» لأن فتواه لا ترتبط بزمن دون زمنء فلا زال أتباع السلفية الوهابية ينشرون رسالته تلك في جميع المحالء ليكفروا بذلك التيجانية» ثم يهدروا بعدها دماءهم.

ولو أنه رجع ني هذا إلى كثير من علماء التيجانية لوجدهم يردون هذه الشبهة» ويصرحون بأنها لا تمت إلى الواقع بصلة» بل لو أنه رجع إلى شيخ الطريقة العلاوية في ذلك الحين» وهو الشيخ محمد الحافظ المصري الذي زار الجزائر في ذلك الوقت لوجده يتبرأ من تلك الشبهة.

وللأسف فإن هذه الشبهة لا تزال تطرح على الرغم من المؤلفات الكثيرة التي ألفها التيجانيون في الرد عليهاء مع أن المسائل المرتبطة بالردة يكفي فيها محرد تصريح الشخص بتراجعه أو براءته أو عدم فهم المخالف له لتنفى عنه التهمة.

ولخطورة المسألة لتعلقها بإسلام مئات الملايين من المسلمين نعرض هنا ما ذكره الشيخ محمد الحافظ شيخ الطريقة التيجانية في ذلك الحين» فقد كتب خطابا نشرته مجلة الفتح الصادرة في القاهرة العدد 41/8 بتاريخ : الخميس ١7‏ رجب 21707 جاء فيه بعد الحمد والصلاة والسلام على رسول الله: ( إني أعلن أننا لا نعتقد أن رسول الله يي كتم شيئاً مما أمِرٌ بتبليغه» ومستحيل أن يُوْمَر بتبليغ ورد أو صلاة الفاتح أو غيرها أو بِيانِ فضلها فيكتم شيئاً من ذلك» ومن أعتقد ذلك فهو كافر بالله ورسوله لا يقبل منه صرف ولا عدلء ولا أدري كيف يعقل أن يكون قد كتم الورد وهو الاستغفار والصلاة عليه يي بي صيغة ولا إله إلا الله . وصلاة الفاتح موجودة قبل الشيخ ( أي أبي العباس التيجاني ) مشهورة فلا يصح بحالٍ كونها ادَخْرَت له؛ ولم يبت ذلك عنه)20

ورد على شبهة بقاء التشريع بعد رسول الله يي التي يرميهم بها خصومهم. فقال: (ولا

)00 محمد الحافظ. براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» د.ط.د.ءت» ص3. 57١‏

نعتقد أن هنالك بعد رسول الله يل د تشريعاً بأي وجه من الوجوه. وما جاء به ييه مستحيل أن ينسخ شيء منه أو يزاد شيء عليه» ومن زعم ذلك فهو كافر خارج على الإسلام)”"

وبين المراد من التلقي المباشر من رسول الله يي فقال: (وإننا وإن قلنا بجواز أن يرى الول رسول الله يي في اليقظة إلا أننا نعتبر حكمها حكم رؤية النوم الصحيحة سواء بسواءء ولا يعوّل فيها إلا على ما وافق شرعه صل الله عليه وسلم» وليست مشاهد الأولياء بحجة وإنا الحجة هي الشريعة المحمدية . أما تلك فمبشرات مقيدة بشرعه الشريف : ما قبله منها قبلناه ومالم يقبله فمذهبنا فيه حسن الظن فنحكم عليها حكم الرؤيا المؤولة» ولا نشك أن معظم الرؤيا يحتاج إلى التأويل . وإنما رجحنا حسن الظن لأن المؤمن الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يي وهو شحيح بدينه حريص على متابعته نستبعد عليه أن يتعمد الكذب على رسول الله يي واليقظة في ذلك كالنوم ‏ وهو يقرأ قوله عليه الصلاة والسلام : (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)'» ولا نخص واحداً من الصا حين بذلك بل هو عندنا عام في كل ما ينقل عنهم» وكم نقَلَ عن الشيوخ من الموهمات والشطحات سواء في ذلك طريقة مولانا الشيخ عبد القادر وغيرها . وقد اعتذر لهم العلماء وردوا الوجة المخالف . ولا تخلو كتب أي طريق سن نوكيات وشظع كلها موول

وبين حقيقة ما تريده التيجانية من تأثير العلاقة بين المريدين والمشايخ» فقال: (ولا نعتقد أن مجرد رؤية أحد من الصا حين كافية في نجاة المرء وإنما ينجيه الإيهان والعمل الصالح ([ِوَأَنْ لَيْسَ للْإنْسَانٍ إِلَّا ما سَعَى) [النجم: 79] ونرى أن الاجتماع بالصالحين مع صدق المحبة يجر إلى الصلاح غالباً ولذلك حث الشرع على صحبتهم وبيّن أنها من أسباب التوبة» وحديث الذي

)١(‏ محمد الحافظء براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص".

(؟) صحيح البخاري /١(‏ 78): صحيح مسلم /١(‏ 8)

() محمد الحافظء براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص؛ . خض

قتل تسعاً وتسعين نفساً ثم طلب التوبة فدله حبرٌ على بعض الصا حين ليصحبهم فأدركه الموت قبل أن يصل إليهم فرحمه الله وقبله» ثابتٌ في الصحيح . وحديث الجليس الصالح كذلك)”"

وبين أن صلاة الفاتح التي قامت عليها كل تلك الضجة. مجرد أوهام عارية من الصحة» فقال معبرا عن عقائد التيجانية في هذا: (ونعتقد أن من أعظم الكفر أن يعتقد أحد أن صلاة الفاتح أو غيرها من الصلوات عليه ييه تعادل في الفضل أية آية من القرءان» فكيف تفضلها ؟! فكيف بسورة ؟! فكيف به كله ؟! ولا نعتقد أنها من القرءان كى| زعم من زعمء ولا من الحديث القدسي ولا من أي قسم من وحي النبوة» فإن ذلك قد انقطع بلحوقه يي بالرفيق الأعلى . والمذكور عندنا أنها من الإلحام الثابت للأولياء» ولا نعتقد أنها تساوي الكلمة الشريفة (لا إله إلا الله)» وحاشا الشيخ أن يقول بنسخ الذكر بالأسماء فذلك باطل» فنحن ولله الحمد نذكر الله عز وجل بأسمائه ونحافظ على التسبيح والتحميد وقيام الليل وسائر النوافل والأذكار الواردة في الشريعة ونحث عليها)”"

وبين التصور التيجاني للورد» وعدم تعارضه مع الالتزام الشرعيء فقال: (ولا نعتقد أن مجرد أخذ الورد يُدَخْلٌ أحداً الجنة بحساب أو بغير حساب فإن شرطه المحافظة على الأوامر الشرعية كلها علياً وعملاً . وما هو الورد : استغفار وصلاة على النبي يي ولا إله إلا الله بعد القيام بالواجبات التي أوجبها الله تبارك وتعالى) ”

ورد على الشبهة التي ترفع الشيخ التيجاني أو أتباعه إلى مقامات عالية فوق جميع الصالحين» فقال: (.. ولا أن الشيخ التيجاني ولا أحداً من غير أصحاب رسول الله يي يبلغ مرتبة أصحابه يي . فكيف بالأنبياء عليهم السلام فكيف بسيد الخلق صل الله عليه وسلم, والولي مهما سمت

. محمد الحافظء براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص؛‎ )١(

() محمد الحافظه براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص 0.

() محمد الحافظء براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص 0. نض

رتبته مستحيل أن يبلغ في العلوم الإلهية مبلغ أي نبي» ومن زعم ذلك فهو ضال مضل . ونعتقد أن من الضلال أن يأمن العبد مكر الله تبارك وتعالى مهما توالت عليه المبشرات» ومن اتكل على عمله أو نسبته إلى أي شخص وترك العمل فذلك ءاية الخسران المبين والعياذ بالله تعالى)”"

ورد على الشبهة المرتبطة باعتقاد تصرف الأولياء» فقال: (ونعتقد أن من أشنع الشرك أن يعتقد أحد أن لأي أحدٍ كان مع الله تصرفاًء أو من دونه سبحانه وتعالى . وإنما نقول أن العبد قد يصل إلى مكانة من المحبوبية لدى ربه عز وجل بحيث يتصرف الحقٌ فيه فيربط على قلبه فلا يسأله إلا ما سبقت به إرادته الأزلية سبحانه» وهذا الذي نفهمه في قوله يَل : ( إن من عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبرّه)" وفي الحديث القدسي ( وإن سألني لأعطينه 6" وهذا غالبا وإلا فقد يسأل ربّه عز وجل ولا يعطيه لأن ما شاء الله كان لا ما شاء غيره))

ورد على تهمة الحلول والاتحاد التي يرمي بها السلفيون ومن بينهم جميعة العلماء الطرق الصوفية» فقال: (وإن من اعتقد في الله عز وجل حلولاً أو اتحاداً أو اعتقد أن مخلوقاً هو ذات الله أو فيه ضفة من ضقاته أو شبهه تخلقه أو شيه خلقة به أو أنكر أمرا معلوما مخ الدين بالضرورة أو أوّله إلى صورة تخالفه كمن يقول بتناسخ الأرواح ويزعم أنه البعثء أو اتبع رأياً من عاراء المبتدعة فهو ضال مضل)

)١(‏ محمد الحافظ» براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص5. 6 صحيح البخاري (7/ 57 7)» وصحيح مسلم (0/ 6 (”) نص الحديث كا في البخاري: (إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي تما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) (صحيح البخاري (8/ )171١‏ (:) محمد الحافظ» براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص5. (5) محمد الحافظ» براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص/.

0

ثم ذكر خلاصة عقيدة التيجانية» والتي تنسجم مع سائر عقائد المسلمين» فقال: (وخلاصة عقيدتنا في الأصول ما عليه السلف الصالح والخلف من أهل السنة والجماعة من الفقهاء والمحدثين والصوفية وما عليه الآئمة الأربعة مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وأصحابهم في الفروع . ونسلم للسادة الصوفية قاطبة مع وزن أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم بالشريعة» ف| وافقها أقررناه وما كان يحتمل الموافقة والمخالفة حسّنا للظن فيهم وحملنا حالهم على الوجه الموافق ووكلنا أمرهم إلى الله العليم بها في القلوب» وقد نُقلت عنهم شطحات لا يتابّعون عليها ولا يقتدى مهم فيها . وما لا يحتمل رددناه فإنه لا نبوة بعد رسول الله يل ولا تشريع)”"

وهكذا يستمر الشيخ الذي هو مرجع التيجانية الأكبر في بيان عقائد التيجانية» وأنها لا تختلف عن سائر عقائد المسلمين» وكان في إمكان الشيخ ابن باديس وغيره من أعضاء الجمعية» ومن بعدهم من المكفرة أن يقرؤوا مثل هذه النصوص الصادرة من الناطقين الرسميين باسم الطريقة» ويتراجعوا عن تلك الأحكام الخطيرة التي أصدروهاء ولكن ذلك للأسف لم يحصل» لسبب بسيط وهو الافتقار إلى المنهج العلمي» وإلى بعض الأمراض النفسية التي تجعل من الشخص لا يحب أن يدخل الجنة إلا وحده أو مع طائفته.

ولو أنهم رجعوا إلى مصادر التيجانية لعلموا أن الشيخ التيجاني يخبر أنه سيكذب عليه كا كذب على غيره؛ وأنه في هذه ال حالة ينبغي العودة إلى المصادر الشرعية» فقد روي أنه سئل: هل يُكذّب عليك؟ قال : نعم إذا سمعتم عني شيئًاً فزنوه بميزان الشرع فم| وافق فاعملوا به وما خالف فاتركوه)

)١(‏ محمد الحافظء براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص". م

الجمعية وبعدها أنه (ما من فرد في هذه الطريقة كبيراً كان أو صغيراً إلا وهو يعلن براءته من تلك الأباطيل . وقد تلقينا عن مشايخ هذه الطريق ‏ وهو المنصوص عليه عن صاحبها نفسه ‏ أن كل ما ينسب إلى الشيخ بفرض صحة نسبته إليه سواء وجد في كتبه أو لم يوجد وكان ظاهره تخالفاً لنص الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة المحمدية فهو مؤول ويحرم الأخذ بظاهره» ويجب حمله على وجه يلتئم مع الشريعة . وقد قام علماء الطريق ببيان تأويله الموافق للشريعة حتى لا يضل أحد بحمله على الوجه المخالف . وما لم تصح نسبته إليه فلا يعول على شيء منه بحال . وقد بلغنا أن بعض خلفاء الطريق أحرق بعض ما ينسب للشيخ من الفضائل المختلفة التي تتنافى مع السنة المحمدية وأمر بإحراقها حيثغ|ا وجدت . وهل من منصف يستطيع أن يبين لنا معنى لتتبع تلك الموهمات ‏ حتى كأنه ليس في الطريق غيرها مع أنه لا خلاف بين أهل الطريق في أنها مؤولة ‏ وترك الصريح البيّن من الدعوة إلى الله عز وجل والعمل بالكتاب والسنة والتمسك الشديد به| وهو الذي عليه العمل وحده عند كل فرد من أهل الطريقة ؟ وحيث أن تلك العقائد المخالفة بحذافيرها لا خلاف بيننا في بطلانها ونحن متفقون على البراءة من كل من يعتقدها كلها أو بعضهاء فلم تبق إلا الخلافات الشخصية وليست خلافاً جوهرياً .. فإن كان هذا النكير غيرةً على الدين حقيقة فلا يوجد أحد ‏ فيم| نعلم ‏ يعتقد تلك العقائد من التيجانيين فهو جهاد في غير عدو . ومن نسب إلى الطريقة التيجانية أي عقيدة من تلك العقائد أو غيرها مما ينافي العقيدة الإسلامية فهو كاذب . وصح عنه يَي : ( ما أكفر رجلٌ رجلا إلا باء أحدهما بها إن كان كافراً وإلا يكفر بتكفيره):02 المطلب الثاني: المواجهة الأدبية

)١(‏ نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان ا ميثمي» موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة» دار الكتب العلمية» (دص: )0 (0) محمد الحافظ» براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة» ص7.

احض

نريد بالمواجهة الآدبية ما كانت تقوم به جمعية العلماء من استعمالها للأشكال والأساليب الأدبية المختلفة في الرد على الطرق الصوفية» وتشويه صورتها في عين الجمهور الذي يثق فيهاء بغية صده عن تلك الثقة.

ويظهر - من خلال دراسة تراث الجمعية المكتوب - أن هذا الأسلوب من المواجهة كان أهم الأساليب وأكثرها استعمالاء ولعل ذلك يرجع إلى ما يلي:

١‏ أن الجمعية عاصرت في ذلك الوقت أدباء كبار كطه حسين والرافعي والزيات وغيرهم. وقد كانت تحصل بينهم أحيانا سجالات في ميادين مختلفة» وكانت أداتهم في مواجهاتهم هي ما عرفه العرب من أساليب في هذا المجال.

” أن هذه الأداة كانت كأنها من الأسلحة التي لا توجد عند خصمهم, فلم يكن في الطرق الصوفية من الأدباء من له قوة لسانهم وحدته؛ بل كان الكثير منهم - على ما يظهر - ضعيفا في النواحي اللغوية» وخاصة النحو.

” - أن معظم علماء الجمعية أتيح لهم الدراسة في تونس أو مصرء وأتيح لبعضهم السياحة في كثير من بلاد العالم الإسلامي» وقد رأوا في تلك المحال ما للكلمة القوية من التأثير» ولذلك راحوا يستعملون في مواجهة من تصوروا أنهم الخصم الأكبر للجزائر» وهم الطرق الصوفية.

هذه في تصورنا الأسباب الكبرى في كون الجمعية غالت في استعمال هذا الأسلوب دون غيره» وقد كنا نحب أن نعتبر من الأسباب ضعف باع الجمعية في بعض العلوم الشرعية» وخاصة ما تعلق منها بأصول الفقه. والمقاصد. والتصوف. والعلوم العقلية» ولكنا لم نؤثر أن نصف الجمعية بهذا الوصف. وإن كانت الأدلة الكثيرة تدل عليه» وهو ليس بدعة في الجمعية» بل لعلها تعتبره منقبة تفخر بباء فهي صافية خالصة لم تتكدر بعلوم التصوف ولا العلوم العقلية» ولا الكثير من الجدل الأصولي والمقاصدي الذي يتجنبه عادة أصحاب التوجه السلفي المحافظ .

يندرا

بناء على هذاء نحب أن نتحدث هنا عن أهم الأشكال الأدبية التي استعملتها الجمعية في مواجهة الطرق الصوفية من الباب الذي يتعلق بمقصودناء فلا نبحث فيا يتطلبه النقد الفني والأدبي والمحضء وإنا نتحدث عن المعاني والأغراضء ولا يهمنا الشكل الذي طرحت به لكون البحث فيه خاص بالمختصين في الأدب» وقد كتبت بعض الدراسات المرتبطة بالنواحي الأدبية عند الجمعية أو عند بعض أعضائهاء ونظنها كافية في الوفاء بتلك الجوانب التي نقصر في ذكرها هنا.

أولا_الخطابة:

تعتبر الخطابة من أهم ما كان يستعمله علماء الجمعية من أساليب في إيصال رسالتهم الإصلاحية.

والعلة في ذلك - كما يذكر الإبراهيمي- هو التأثير القوي للخطابة في التغيير والإصلاح» وقد قارن بينها وبين التمثيل معتبرا دور الخطيب كدور الممثل في إيصال الحقائق بأبسط أسلوب وبأبلغ تأثير» فقال: (التمثيل والخطابة عند الأمم الحية توأمان» وأخوان شقيقان. وأن منزلتها من دواعي التهذيب والتربية الفاضلة لأرفع منزلة» وأن مكانتهما من بين مقوّمات الأخلاق لمنزلة الطعام والشراب من بين المقوّمات الجسدية. وما بنيت مهضة من النهضات الأخلاقية في الأمم الجديدة إلا وللتمثيل والخطابة في بنائها القسط الأوفر والحظ الأولى.. وليس موقف الممثل بينهم دون موقف الخطيب ولا موقع الرواية من نفوسهم دون موقع الخطبة. فإن] الخطيب والممثل شيء واحد- الممثل خطيب إذا أحسن تصوير المغزى وشخص ا حقائق الغائبة للمشاهدين كالحاضر المشاهد, وألبس الخيالات لباس الواقع المحسوس. والخطيب ممثل إذا

افدلا

أعمق الأثر)1)

وقد انتهجت الجمعية في تكوينها للنشء الإصلاحي على هذا الأساسء لذلك حاولت أن تنشئ فيهم القدرة على الكلام والخطابة» وقد صرح الإبراهيمي عند بيانه للإصلاح التعليمي الذي تريد الجمعية تحقيقه في مدارسهاء فذكر من السبل لذلك سبيلان7":

الأول: مؤتر سنوي تعقده الجمعية بقسنطينة يحضره كل القائمين بالتعليم من أعضائها العاملين» فتتبادل الآراء وتتلاقح الأفكار وتستفيض المباحث عن أصول التربية والتعليم وأقوم طرائقهماء وعن الأساليب والكتب التي تجمع بين العلم والعمل» وسيكون من نتائج هذا المؤتمر توحيد التعليم.

والثاني: سماه الإبراهيمي (عكاظ علمي سنوي) تقيمه الجمعية في مدينة الجزائر على أثر اجتماعها العام» وتمتد أيامه إلى ما فوق الأسبوع. ويلقي كل أعضائها العاملين محاضرات ليتمرّنوا على الخطابة في مواضيع الدعوة والإرشاد.

وبالإضافة إلى هذا نرى الجمعية في صحفها تصف الخطب التي يقدمها أعضاؤهاء وتفاعل الجمهور معهاء بأوصاف كثيرة تدل على مبلغ قيمة هذا الجانب عندهم؛ وخاصة أن الجانب الآخر ضعيف فيه إلى الغاية التي تجعل علاء الجمعية يضحكون منهم.

وهذا ما نراه في الاتجاه السلفي الوهابي عموماء فهم يركزون على الخطابة وتخريج المخطباء وذوي المقدرة على الكلام» ولو لم يكن في كلامهم ما يسمن أو يغني من جوع.

ثانيا ‏ الشعر:

من الأشكال الأدبية التي استعملتها الجمعية في مواجهة الطرق الصوفية (الشعر)» وقد برزت فيه إلى درجة كبيرة» بحيث أنه قد تحول ما كتب من قصائد في هذا الجانب إلى زاد لا تزال

.51/ /١ مقتطفة من خطاب مرتجل» نقلا عن الآثار:‎ . ١97١ الشهابء الجزء الثالثء المجلد السادسء أبريل‎ )١(

)١505 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( خلس‎

تستعين به السلفية الحديثة في مواجهة التصوف والطرق الصوفية.

وسنحاول هنا باختصار أن نذكر بعض من كتب الشعر من علاء الجمعية فيه| له علاقة بالطرق الصوفية» سواء اشتهر كشاعرء أو لم يشتهر ولهذا استبعدنا الشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة مع كونه شاعر الجمعية الأكبر» لأنا بعد البحث فيم| كتبه لم نجد منه ما يستحق أن

يضم لأجله إلى من نذكرهم: بالإضافة إلى ذلك» فقد كان للشيخ ميول صوفية» بل إن التيجانية

تعتبره من رجاطا المخلصين:

:يرهازلا_١‎

اشتهر الزاهري كما عرفنا في كل المجالات الأدبية من القصة والشعر ونحوهاء وقد سخرها

جميعا - في الفترة الأولى من حياته - لخدمة الجمعية» وخدمة أهدافهاء وخدمة أهم هدف من

أهدافهاء وهو مواجهة الطرق الصوفية.

ومن قصائده في هذا المجال» قصيدة بعنوان (نحية الإصلاح) كتب يحذر من شيوخ الطرق

الصوفية الذين يرشدون مريديهم إلى الضلالة» فيقول2"2:

ويزيك آخن. للجزائن “أن اتضل تلقي زمام عقولا جهلاا إلى من كل ذي نسب يسلسله إلى

أي كل .ذى: دجل . عونت جه إل

ل من

جد

في

هم

الرشد في طرق

كان متكلا على

له

الدين غير مشائخ

فالجاهلون

)١(‏ الزاهري: تحية الإصلاح. الشهاب. ع .١71‏ س 2197/8 ص7717.

رق

3 الث

مسحسا

متصوف

كع ,ين

وفي

أبواب الأنساب أواب كذاب وذئاب

الأذناب

ملكوا على البسطاء من جهالنا ما كان من مهجح ومن أسلاب وهو ينتقل من الحديث عن مشايخ الصوفية إلى الزوايا التي ساهمت في نشر العلم والتربية ليتهمها بأنها تحولت إلى حانة يتعاطى فيها الشيوخ ومريدوهم الخمر» ولسنا ندري المصدر الذي اعتمد عليه في هذه المعلومة» ورب| يكون ما ذكرناه سابقا من تعبير شعراء الصوفية عن الحالة الوجدانية التى يشعرون بهاء وبأنها كنشوة الخمرة» يقول في ذلك00: يا ربا زاوية بها لم يكن في حانة ‏ من حمرة ‏ وشراب يسقي الشيوخ الصالحوند ضيوفهم بالكأس أو بالطأس والأكواب فتجنوا على الدين الحنيف وأفسدوا ما فيه منت خلق ومن آداب وفي قصيدة أخرى له بعنوان (إلى زعيم المصلحين)» ويعني ابن باديس» وقد عرج فيها إلى اتهام الطرق الصوفية بتهم كثيرة كا خمول وحب الذات» ونحوهاء وما جاء فيها قوله": مارست أخلاق الشيوخ فلم أجد غير الخمول - وغير - حب الذات ووجدت منهم من يعد أخا العبا دة وهو ف هو وفي لذات طلبوا صلاح المسلمين ففرقوا ال سلام في طرق لمحم أشتات ومن قصائده في هذا المجال قوله - وهو يرسم العلاقة التي تربط المريد بشيخها) - كانوا طواتئف شتى كل طائفة تطيع شيخا لحا في كل ما زعما

إن قال إني ولي صدقوه وإن هو ادعى الغيب قالوا أحكم الحى|

)١(‏ الزاهري: تحية الإصلاح. الشهاب. ع .١71‏ س /2197 ص7717. (0) الزاهري: إلى (زيارة سيدي عابد) الصراط. ص 5 .

() الزاهريء التحية الصادقة. الشهاب. مج١23‏ ج4» ؟١‏ أوت *1977. ص 5 40. سن

وإن تعلم بعضص الششىء تهجية قليلة هتفوا يا أعلم العلا أو احقين. التمن -قالوا" لثها: عسل

أو ادعى أن خير الخلق يخدمه

3

ولا غرابة في هذا ولا جرما

فا اعتدى عندهم ولا ظلا

( أو لم يصل رأوه حسبا زعموا يقيمها إذ يزور البيت والحرما

وفي قصدة أخرى يوبخ المجتمع الجزائري الذي وكل نفسه إلى هؤلاء الذين يعتبرهم غواة»

أَمَة تتبع الغوي

إق #عاها ١‏ الدقافة [ق4 طن هي للمفسدين جنات أمة. "لا- قز الذي ١‏ الفضيل ومن يكن صوفيا كلوبا وحبته ١|‏ بغير | حق)) من أنت لو كنت صوفيا

وإن كنت مصلحا فلك

”-الطيب العقبى:

يوما

عدن

وتعصى كل هاد إلى الرشاد حكيم

مرومي ميم . تروط الطايم وعلى المصلحين نار الجحيم لا ولا تعتني بعلم عليم فار. رسنهي الكل تصن صصيم ريم كل الإكبار 2 والتكريم كل ما تفتريه بالتسليم ملوما وأنت غير ملوم

وهو بالإضافة إلى قدراته الخطابية العالية التى تحدثنا عنها كان شاعرا فحلاء وقد وجه شعره

للواجهة الطرق الصوفية» بل إن قصائده في هذا المجال لا تزال تدشر على مستوى واسع»

.1717 الزاهريء ليتني ما قرأت حرفا. الشهاب. مجلاء ج21 1911. ص‎ )١(

تحرس

وخاصة في النوادي السلفية.

وقد شهد له بالقدرة الشعرية الشيخ ابن باديس الذي تحدث عن هذا الجانب فيه بقوله: (يعرف الناس العقبي واعظا مرشدا يلين القلوب القاسية» ويهد البدع والضلالات العاتية بقوة بيانه وشدة عارضته؛ ولكن العقبي الشاعر لا يعرفه كثير من الناس» فلا ترنحت السفينة على الأمواج وهب النسيم العليل هب العقبي الشاعر من رقدته وأخذ يشنف أساعنا بأشعاره ويطربنا بنغمته الحجازية مرة والنجدية أخرىء, ويرتجل البيتين والثلاثة والأربعة في المناسبات» وهاج بالرجل شوقه إلى الحجاز فلو ملك قيادة الباخرة لما سار بها إلا إلى جدة دون أن يعرج على مارساي. وإن رجلا يحمل ذلك الشوق كله للحجاز ثم يكبته ويصب على بلاء الجزائر وويلاتها ومظالمها لرجل ضحى في سبيل الجزائر تضحية أي تضحية) 7"

ولعل أهم ما كتب من شعر في هذا المجال قصيدته الكبرى (إلى الدين الخالص) التي وصفها ووصف صاحبها الشيخ مبارك الميلي بقوله: (ولكن أتى الوادي فطم على القرى, إذ حمل العدد الثامن في نحره المشرق قصيدة (إلى الدين الخالص) للأخ في الله وداعية الإصلاح وخطيب المصلحين الشيخ الطيب العقبي ‏ أمد الله في أنفاسه ‏ فكانت تلك القصيدة أول المعول المؤثر في هيكل المقدسات الطرقية» ولا يعلم مبلغ ما تحمله هذه القصيدة من الجراءة ومبلغ ما حدث عنها من انفعال الطرقية» إلا من عرف العصر الذي نشرت فيه وحالته في الجمود والتقديس لكل خرافة في الوجود)”"

وقد قدّمت (المنتقد) للقصيدة مبذه المقدمة الاستفزازية: (تحت هذا العنوان جاءتنا هذه المنظومة الإصلاحية للعلامة المرشد صاحب التوقيع» فحلّينا بها صدر هذا العدد تبصرة وذكرى لقوم يؤمنون ؛ و(المنتقد) يتحدّى بها كل ذي علم تحدّئه نفسه بمعارضتها إلى معارضتنا )١(‏ آثار ابن باديس ("9/ 5 73)

(؟) رسالة الشرك ومظاهرة» ص ”787. ذل

بصحيح الأدلّة من الكتاب والسئّة وكلام سلف الأمّة ويتكفل بنشرما يَرِدُ عليه من جميع المعارضين» ومن لم يفعل منهم وبقي يلغو في المجالس والحوانيت» فإنَّه يكون من الجبناء الكاذيِين المفسدين)01 ونحب أن ننبه هنا - قبل أن نذكر الجوانب التي تحدثت عنها القصيدة - إلى أن الطرق الصوفية واجهت التحديء. وعارضت القصيدة» ولكنها للأسف لم تنشرء بل لعله لم يبق لها وجود". تبدأ القصيدة بأسف العقبي على حال الجزائر» ويركز بوجه خاص على ما يركز عليه الاتجاه السلفي الذي يختصر الدين في بعض المظاهر والسلوكات. بل إنه من خلال ذلك يحكم على الشعب الجزائري بخروجه من الملة» وهو المعتقد التكفيري الذي اعتيرناه من الثمرات الخبيثة التي جنتها الجمعية من تأثرها بالوهابية يقول في ذلك بعد الاستهلال السابق» وبلهجة تقريرية": ماتت السنة في هذي البلاد قبر العلم وساد الجهل ساد

)١(‏ المنتقد العدد: 8 يوم الخميس ”١‏ محرّم 55 1ه الموافق ل ٠١‏ أوت 1976م ص".

)١(‏ والقصيدة كتبها رجل (من أهل وادي سوف) وعنوانها (إرشاد الضالّين إلى سبيل أهل الحقٌّ المبين) ضمنها (55 بيئًا) ومن أبياتها قوله:

يا رجال الدين يا أهل الرشاد ١‏ -ياذوي التحقيق أهل الاعتقاد

ياذوي التمكين يا أهل النهى 2 -ياذوي التصريف في كل البلاد

بلغتنا في حماكم سَبَّةَ -حالها زعزع ركن كلّ ناد

وقد بذلت جهدي في البحث عنها لكني لم أجدهاء بل لم أجد الإشارة إليها إلا في موقع (راية الإصلاح) أو من نقل عنه» وهو على هذا الرابط: 210-١٠١‏ ملام.عاء أ ه/رصامء. طعاذذا 2/2 ؟. للاللالنا//:مخغخط).

فيه الطيب العقبى» إلى الدين الخالص» دت,. دطء» ص 3. 57

عبد الكل هواء شيخه حكموا عاداتهم ف دينهم

حذده

شرع اللّه إذ عم

دون

بل طبترا متهم )وفك علييف كرا ع الوعانة اده عل سشعتوميع بكوتيه من اهل النار لا يستثنون في ذلك مشيئة الله ولا إرادته» بل يجزمون بأحكامهم جزماء يقول في ذلك!":

لست منهم لاه ولامنيى همو

يوم يأتي الخلق في الحشر وقد

بوم لا المعيم 0 يصهر- الساكن في أطباقها وكل الله بمن ‏ حل با أكلهم ‏ فيها ‏ ضريعه ‏ شربهم كلما فكرت - في | أمرهم

ويلهم يا ويلهم يوم المعاد نشروا ‏ نشر 2 فراش وجراد ولطى2 مأواهم بئس-2 الهاد كلما أحرق منه الجلد عاد جمع ‏ أملاك 2 غلاظ ‏ وشداد من | حميم لبسهم فيها ‏ سواد طال حزني 2 وتغشاني المساد

ثم يتحدث - كشأن التيار الوهابي - عن نفسه - جازما قاطعا- بأنه ملتزم التزاما حقيقيا بالدين الصحيح الذي لا دين صحيح غيره. وبالتالي فهو - في مقابل ذلك الشعب الجزائري المسكين الذي حكم عليه بجهنم - من الفرقة الناجية المحفوظة المعصومة» يقول في ذلك على

عادة شعراء الفخر):

أن السائل ١‏ عن-2 معتقدي

إنني لحت

. الطيب العقبيء إلى الدين الخالص» ص5‎ )١( .0 الطيب العقبي» إلى الدين الخالص. ص‎ )0(

الفؤاد العناد

يحوي طول

بح امنيع ا

خارجى دأبه

ماروا

يحدث البدعة ف أقوامه فتعم ‏ الأرض- نجدا- ووهاد

سق .عن ركفن . في كلد هد «يقولة النافن ".ويل أن زياد

بل أنا ‏ متبع ‏ نمجح الألى صدعوا بالحق في طرق الرشاد

وكذا ‏ ما سنه_ خير الورىىب عدققٍ وهو سلاحي والعتاد وبذا ‏ أدعو ‏ إلى الله ولي أجر مشكور على ذاك الجهاد منكم لاا أسأل الأجر ولا أبتغي ‏ شكركم ‏ بله الوداد مذهبي شرع النبي المصطفى واعتقادي ‏ سلفي ‏ ذو سناد خطتي 200 علم وفكر ١‏ ونظر في شؤون الكوند بحث واجتهاد وطريق ‏ الحق ‏ عندي ‏ واحد مشربي مشربا قرب لا ابتعاد ثم يخرج من الجملة إلى التفصيل ليتحدث عن المعتقدات الصوفية وآدابهم على حسب ما تتصورها الوهابية» فيقول": لا أرى الأشياخ في قبضتهم كل شيء بل همو مثل العباد وعلى ‏ من يدعي غير الذي قلته ‏ إثباتب دعوى الإتحاد قال قوم: ‏ سلم الأمر لمم تكن السابق تنل- المقصود. 2 تحظى بلمنى وترىي خيلك في الخيل الحياد"

0 ع 8 ع 0

)١(‏ الطيب العقبيء إلى الدين الخالص» ص". ام

قلت:" إني مسلم ياويحكم ليس لي إلا إلى الشرع 'نقياد قولكم هذا هراء أصله ما روت هند وما قالت سعاد أنا لا أسلم ‏ نفسبى ‏ لهم لاه ولاا ألقي إليهم بالقياد لست أدعوهم كما قلتم وقد عجزوا عن طرد بق أو قراد وهو كالتيار الوهابي يعتبر الأضرحة والقباب ونحوها أصناما لا تختلف عن اللات والعزىء وبالتالي» فإن الزائر لها له حكم من زار اللات والعزى وعبدهاء فيقول": لست من قوم على أصنامهم قد عكقف وما يدعونها في كل ناد كلا أنشد شاد فيهم قول شرك ذهبوا في كل واد كم | بنوا 2 قبراء ‏ وشادوا ‏ هيكلا ‏ وصروح الغي بالجهل تشاد غرهم ‏ من دهنوا 2 في | دينهم وارتضوا ‏ في سيرهم ‏ ذر الرماد ثم يذكر شدة عداوته لهم, بل إنه يلعنهم هكذا إجمالا من دون استثناء» فيقول2): إنني ألعنهم ثما بدا حاضر ‏ في إفكه ‏ منهم وباد وأنا خصم لهم أنكرهم كيفما كانوا ‏ جميعا أو فراد علمونا طرق العجز ‏ وما منهم ‏ من لسوى الشر آفاد

7

طالما جد الورى في سيرهم وهم كم صدهم طول الرقاد

ثم يعود إلى تفصيل ما يحفظه الوهابيون عموما من معنى التوحيد والشرك وقصره على

)١(‏ الطيب العقبي. إلى الدين الخالص» ص".

(؟) الطيب العقبيء إلى الدين الخالص» ص7. ا

القباب والقبور ونحوهاء فيقول":

لست أدعو ) غير ربي 2 أحدا وله الحمد فقد صيرنا فاعبدوا ما شئتم من دونه بست منقادا إل طاغوتكم لم أطفا قط بقبر لاا ءولا لست أكسو بحرير جدثا لا أشد ‏ الرحل ‏ أبغى ‏ حجه حالفا كل يمين أنه لا أسوق المدي قربانا له

وهو سؤلي وملاذي والعاد نافد عفيقة. اذ كرك ما عناني منكم ذاك العناد فلن “اليمج .ا والشض ١‏ الفعاد

أرتجي ما كان من نوع الجاد

قربة تنفعنٍ يوم التناد سوفا2 يقضيى ‏ حاجتى ذاك الجحواد زردة يدعونما أهل البلاد

ويضم إلى هذه المظاهر التي يعتبرها شركا جليا مكفرا ما يقرره الصوفية من التوسل

والاستغاثة ونحوهاء فيعتبرها شركا ى| يعتبرها أساتذته الوهابية» فيقول":

لا أنادي صاحب القبر أغث قائا ‏ أو قاعدا ‏ أدعو 2 به لا أناديه ولا أدعو ‏ سوى من له أسماؤه الحسنى وهل مخلصا دين له ممتثلا

)١(‏ الطيب العقبيء إلى الدين الخالص» ص/. (؟) الطيب العقبيء إلى الدين الخالص» ص7.

أنت قطب» أنت غوث وسناد إن ذا عندي شرك وارتداد خالق الخلق ‏ رؤوف بلعباد أحد يدفع ما الله أراد؟ أمره لا أمر من زواع وحاد

اليلدنا

*- الإبراهيمي

وهو بالإضافة إلى قدراته البيانية المختلفة لديه قدرة كبيرة في صياغة الشعر الفصيح المتين", وقد وجه جزءا محترما منهالمواجهة الطرق الصوفية» ومن ذلك ما كتبه في قصدية يقول فيها": فإن شتتموا أن تسمعوني محاضرا أحاضركم عن حضرة الغوث والقطب

هنالك يدري الجاهلون حقيقتي ويهتز ناديكم ويعرف ما خطبي

وان سكوق مسحة مستعارة من المدفع الصخاب والصارم الشطب أنا المرء لا أعطي إلى القطب مقودي ولو دفعتنى الحادئات إلى القطب

ومن ذلك أرجوزته التي وجهها إلى بعض الوهابية من نجد"» وهي وإن لم يكن فيها مواجهة مباشرة للطرق الصوفية إلا في بعض المسائل المتعلقة بم| يتصوره الوهابية شر كاء إلا أنا

نرى أن في أصل القصيدة مضادة ومواجهة حادة للطرق الصوفية ذلك أنهم في ذلك الحين

)١(‏ للإبراهيمي ملحمة رجزية في ستة وثلاثين ألف بيت - مفقودة - أشار إليها المترجم له نفسه. وهي عرض تاريخي تحليلٍ للتاريخ الإسلامي وتقلبات الأمة الإسلامية - نظمها إِيّان إبعاده في صحراء وهران الجزائرية» ورواية الثلاثة - مسرحية شعرية في /ا/9 بينًا من الرجز - نظمها إِبَانَ تحديد إقامته في «آفلو» التزم شعره الوزن والقافية» ويتنوع بين التعبير عن المناسبات الاجتماعية» والإخوانيات» ووصف بعض منجزات العصر: كالطائرة» ورصد الأحداث السياسية التي مرت بها الجزائر» والتعبير عن تجربة نفيه وسجنه. وبخاصة في المدة ١9174(‏ - 421947 والتعبير عن القضية الجزائرية. مسرحيته الشعرية تقع في /11 بِيئًا عبر ثلاث جلسات. تناول فيها أوضاع التعليم من خلال مدرسة وشخصيات محورية يدور بينها صراع. )١(‏ جريدة البصائر السنة الأولى» العدد "5» الجمعة 1١4‏ شعبان 1705١ه‏ / 1 نوفمبر 1975مء وانظر آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 78/8) (0) آثار الإبراهيمى: 5 / ١70-١75‏ وأبياتها 7٠‏ بيتاً

ْ كلض

خصوصا كانوا يعتبرون ما ورد من الأحاديث”" عن اعتبار نجد هى رأس الفتن ومنطلقها متعلقا بالمنطقة التي ولد فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانطلقت منها دعوته.

لكن الإبراهيمي - على عكس ما ورد في تلك الأحاديث - كتب قصيدته يثنى على علماء نجد, بل يعتبرهم من القلائل الذين حافظوا على توحيدهم في الوقت الذي انتشر فيه الشرك في جميع البلاد الإسلامية. ومن الذين أثنى عليهم الشيخ صديقه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وعمر بن حسن آل الشيخ - رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آنذاك-» وما جاء فيها قوله": 1-8 توق ٠‏ يها

ِنَا إذا

فأنمنا

عراس

وغربت هذا الجواري 2 نخنسا قمنا ‏ نؤْدّي الواجب المقدسا

خلائقٌ زهرٌ تنير الغلسا وذممٌ << طهر20 تجافي ‏ النجسا

ثم يخاطب نجدء ويعتبرها بلاد التوحيد ويقصره عليها في الوقت الذي يعتبر فيه جميع بلاد

)١(‏ من ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر قال : ذكر النبي يدي فقال : اللهم بارك لنا في شامناء اللهم بارك لنا في يمنناء قالوا : وفي نجدناء قال : اللهم بارك لنا في شامناء اللهم بارك لنا في يمنناء قالوا : يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال الثالثة : هناك الزلازل والفتن» وبها يطلع قرن الشيطان) صحيح البخاري» (9/ /517)

)١71/ /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

56

الإسلامى بلادا للشرك» وهذا للأسف ما يتفوه به التيار الوهابي كل حين":

ركه :نا ايف ما" بالديقة دزينا:؟. رامت آثاره أن تدرفنا

حَ

والشرك٠‏ .ع “كل:. “البلاق- - عرسا : عدلان يتلو كتبَّه لزنا مصناولا موائاً يتك مستي إذا . عاد اء احلينا كلما 00 0 الكسنا” "منيفا'. كيل ١‏ له باعي" نهنا

و نكست راياته فانتكسا وقام ف أتباعه مبتكسا َحَافتاً من صوته محترسا وقال إن شيخكم قد يتسا من بلد فيها الحدى قد رأسا ومعلّم الخياك- »عيا. ١‏ .فك . “طويسا ومعهدٌ العلم بها قد أسسا ومنهل التوحيد فيها انبجسا ثالثا القصة:

وإنتاج الجمعية فيها محدود جداء ولعلها مقصورة على بعض القصص التي كتبها الشيخ الزاهري» ومنها قصته المعروفة التي أخرجها بعض الوهابية المعاصرين على شكل رسالة صغيرة» وساها (اعترافات طرقي قديم)

وفي القصة حملة شديدة على الطرق الصوفية هكذا مجملة عامة لينصرف ذهن القارئ إلى جميع الطرق» ويركز فيها بشكل خاص على دورها في التفرقة الاجتاعية» وكأنه يواجه بذلك ما كانت تنشره الطرق من أن الجمعية تريد أن تخترق صف الأمة ووحدتها.

فالولاء الطرقي - كما يذكر الزاهري - مرتبط بالطريقة أكثر من ارتباطه بالإسلام» حتى أن

)١71 /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

هذا الطرقي التائب الذي يتحدث عنه (حين) كان طرقيا كان لا يفرح بانتشار الإسلام كا يفرح بانتشار الطرقية التي ينتسب إليهاء فإذا سمع برجل دخل دين الله» سأل عنه هل اعتنق طريقته أم لا؟ فإذا لم يعتنقها تعامى وتصاممء وإذا سمع أن مسل! اعتنق الطريقة التي يعتنقها هو اهتز طرباًء وكاد يطير من شدة الفرح والسرورء وإذا نزل بالإسلام أي مكروه تصامم صاحبنا كأن الأمر لا يعنيه ولا يعني دينه» أما إذا أصابتطريقته مصيبة ما اغتم لها واهتم)("

وفي اعتراف آخر يقول: (لا أكتمكم, أنه قد يكون بيني وبين الرجل صلة القربى» وقد تجمعني به الروابط والصلات»ء وقد يكون مهذباً ولكني لم أكن أثق به ولا أطمئن إليه لا لشيء سوى أنه لا يرافقني في الطريق!!وقد يكون الرجل لا قرابة بيني وبينه» وليس بيننا أية صلة أخرى, ولكني أثق به وأطمئن إليه» وأشعر نحوه بحب شديد لا لشيء سوى أنه أخي من الشيخ» هذا هو ما كان يوصينا به أسيادنا ورؤساء طريقتنا جميعاً)”"

وينقل الحديث عن تائب آخر تحول - في تصوره- من الطرقية إلى الإصلاح» ومن الشرك إلى التوحيد» ومن الجاهلية إلى الإسلام قوله: (وكان من كراهيتنا لأتباع الطرق الأخرىء أننا لا ننزل ضيوفاً إلا على من تبع ديننا(طريقتنا»» ولا نكرم ضيوفاً لا يكونون على طريقتناء ولا نجتمع معهم في حلقة ذكر» وأذكر أن رجلا كان أخانا من الشيخ» له مكانة بيننا وكنا نحبه ونحترمه» وما هي إلا أن أخبرنا أحدنا بأنه رآه في بلدة أخرى, في حلقة ذكر لطائفة أخرى» حتى كرهناه وهجرناه» وأخبرنا سيدنا به وبم| فعلناء فقال» نعم ما فعلتم» لا تتساهلوا فيمن يخل بثيء من آداب الطريق» ولا تخالطوا من يفسد عليكم نيتكم في الشيخ» ولا تصلوا وراءهم» وكل من صلى منكم وراء إمام ليس على طريقتناء ولا يجتمع معنا على محبة الشيخ» فصلاته

.7 الزاهريء اعترافات طرقي قديم جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد/اء ص‎ )١(

(؟) الزاهريء اعترافات طرقي قديم؛ جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد/اء ص ". بحل

باطلة تجب عليه إعادتها! !)20

ويصور الزاهري تأثير مشايخ الطرق في مريديهم حتى في المسائل المرتبطة بالحياة الشخصية لكل مريدء بل حتى الحياة الشخصية لأفراد أسرته» فقد ورد في القصة من اعترافات هذا الطرقي التائب: (وسأل رجل وقال:يا سيدنا إني أريد أن أستشيرك في أمر يهمني» قال وما هو؟قال:إن ابني قد كبرء وأردنا أن نزوجه. وخطبنا له كريمة فلان إلى أبيهاء فوعدنا خيراً ولكنها من بنات طريقة أخرى لا من بنات طريقتناءوهي فتاة من الفتيات الصالحاتءفقال له سيده: وكيف تكون صالحة» وهي ليست من بنات طريقتنا؟ ولم تدخل زاويتنا قط!!ءفقال الرجل: عسى الله أن مهديها فتعتنق طريقتناء وتزور زاوية سيدناء فقال له سيده: اشترطوا عليها أن تترك طريقتها إلى طريقتناء فإذا رضيت بهذا الشرط فذلك ما كنا نبغي» وإلا فلا تعزموا عقدة النكاح.. وتكلم له رجل وقال:يا سيديءإن الآنسة فلانة» التي توفي عنها أبوها أخيرأ» وكانت من بنات طريقتناء قد أعجب بها فتى ليس مناء فأبت أن تقبله لها بعلا حتى يترك طريقته إلى طريقتناء وقد تزوجها على هذا الشرط وأصبح أخاً لنا في الشيخ» فقال سيدنا: أحسنت هذه الآنسة» وهي محبة في الشيخ» وإن عملها هذا هو من الصالحات» ومن أفضل ما يقربها إلى الله زلفى» ففرحنا نحن بهاء وصرنا نسميها"سكينة"تشبيهاً لا بسيدتنا سكينة بنت زين العابدين رضي الله عنها)""

ويذكر الزاهري كيف كانت تنتشر العداوة بين الطرق الصوفية بسبب خلافات بسيطة» فيقول: (على أن الطرق الأخرى يحمل أتباعها لنا من الضغينة والحقد أكبر تما يحمل أتباع طريقتناء فقد جربت ذات يوم أن أتودد إلى أهل طريقة» فرفضوا ودادي» وذلك أن جلست معهم في حلقة لهم عقدوها لتلاوة أورادهم» وكان من عادتهم أن يغمضوا أعينهم عند تلاوة )١(‏ الزاهري, اعترافات طرقي قديم» جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العددلاء ص ".

(؟) الزاهريء اعترافات طرقي قديم؛ جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد/اء ص ". لحكل

هذه الأوراد» وكان من عادتنا نحن أن نفتح أعينناء وأن لا نغمضها عند قراءة الأوراد» وما هي إلا أن عرفوا أنني لا أغمض عيني حتى طردونيء وقالوالي:أنت لست من طريقتنا!!)0)

وهو يحاول عن طريق اعترافات هذا الطرقي أن ينسب كل الرذائل والآفات إلى مشايخ الطرق بطريقة سردية بسيطة» فيذكر أنه قد في بعض الطلبة لتصوره أنه من الإصلاحيين لكنه ما إن زار زاوية من الزوايا فوجده فيها حتى تغير موقفه منه» وقد جرى في سر هذا التغير هذا الحوار الذي ذكره الزاهري, فقال: (وقال لي: لقد حضرت أنا نفسي على هذا الشيخ درساً في التوحيد يلقيه على أسيادناء فظننت أن الإمام الأشعري هو الذي يلقي هذا الدرس عليناء فقلت: لقد أصبح الطالب في نظرك شيخاً نظير الإمام الأشعريء ولكن في أي مسألة من مسائل التوحيد كان درس هذا الشيخ؟ قال: كان في مسألة "كرامات الأولياء"» وقد ذكر من كرامات شيخنا أكثر من مائة وخمسين كرامة» فقلت له: يا فلان» هل نسيت ما كنت تقوله يوم لقيت هذا الطالب أنه قليل العلم مدمن على التدخين» فقال: أما ما قلته عنه من قلة العلم فقد كنت مخطتاً فيه» واليوم تبين لي أنه غزير العلم» وحسبك أنه أستاذ لأسيادناء وأما أنه مدمن على شرب الدخانء فهذا أمر لا بأس به. لأن أسيادنا هم أنفسهم يدخنون ويدمنون على التدخين, ويدمنون على ما هو أكثر من الدخان أيضاء من غبر أن يقدح ذلك في مروءتهم أو في دينهم» فقلت: إن المدمنين على هذه الآفات هم تمن لا مروءة لهم ولادين» قال: لا يقول كلامك هذا إلا من كان مسلوباً من الإيوان» قلت: ويحكء فهل تعتقد أن تعاطي هذه الآفات هو أمر مباح؟ قال: لاء ولكني أعتقد أن الإنكار على أسيادناء لا يجوز مهما ارتكبوا من الكبائر والموبقات» قلت: وهل أسيادك هم فوق الشرع الشريف حتى لا تناههم أحكامه؟ قال: دعنا من هذا الكلام)”

. 4 الزاهريء اعترافات طرقي قديم؛ جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد/اء ص‎ )١(

(؟) الزاهريء اعترافات طرقي قديم؛ جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد/اء ص 7. 8

بل إن الزاهري يذكر أن من أتباع الطرق الصوفية بهود ظلوا على مهوديتهم, وأن العلاقة التي تربط مريدي الطريقة بهم أكثر من العلاقة التي تربطهم بالمسلمين» فيقول - على لسان هذا الطرقي التائب - : (كان اليهود في بعض نواحي الصحراءء قد دخلوا هم أيضاً في الطرق الصوفية» من غير أن يدخلوا في الإسلام» وكان قد اعتنق طريقتنا منهم عدد غير قليل» فجعل سيدنا عليهم(مقدما) يهودياً منهم.. ولا أكتمكم: أننا كنا نحب هذا المقدم اليهودي» ونحب هؤلاء اليهود الذين هم إخواننا من الشيخ أكثر ما نحب أي مسلم من المسلمين» الذين يتبعون الطرق الأخرىء وكما أن اليهود يسمون غيرهم- [الكوييم]- فإننا نحن أيضاً نسمي غيرنا من المسلمين باسم القراميط.. وبالجملة» فلم نكن نعرف الحب في الله والبغض في الله وإنم| كنا نعرف الحب في الشيخ والبغض في الشيخ)"2

وهكذا تستمر القصة - وبلغة بسيطة -تجمع جميع ما ترمي به الجمعية الطرق الصوفية في محل واحدء لتعتبرها جميعا ضلالا وشركاء ثم تعلن انتصار الجمعية عليها بتوبة الطرقي, وتحوله إلى مصلح بمجرد توبته.

والملاحظة التي يمكن أن ندلي بها هنا هي أن هذه القصة ليست سوى نوع من القذف غير العلمي وغير الأخلاقي وغير الشرعيء لأن قارئ القصة البسيط يتصور أنها حقيقة واقعة» ويتصور أن مافيها من أحداث ومواقف مرتبط بجميع الطرق» ولذلك جميع الطرق - كما تذكر القصة - يمارسون الكبائر بل يدمنون عليها مع أشياخهم» وهذا كله وإن صدق في محل لا يمكن أن يصدق في جميع المحال.

وهذا أكبر ما يشكو منه رجال الطرق من الجمعية» وهو التعميم المنافي للمنهج العلمي الصحيح. فالمنهج العلمي يقتضي التريث في إطلاق الأحكام قبل التحقيق.

. 5 الزاهريء اعترافات طرقي قديم؛ جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد/اء ص‎ )١( ل‎

رابعا المقالة الأدبية:

تعتبر المقالة الأدبية هي أكثر ما وردنا من تراث الجمعية» وقد وظفت خصوصا في مجال النقد بأنواعه المختلفة» وخاصة النقد الاجتماعي.

وربا تكون الجمعية في توظيفها للمقالة الأدبية النقدية في مواجهة الطرق الصوفية مقلدة للتيار الأدبي النقدي في ذلك الوقتء والذي مثله أحمد أمين وإبراهيم المازني وعباس محمود العقاد والرافعي وطه حسين وغيرهم من الأدباء» ولهذا نجد انسجاما بين طرق التعبير وأساليبه بين ما كتبته الجمعية وما كان يكتبه هؤلاء.

وربا يكون اختيار الجمعية لهذا الأسلوب في الكتابة هو بساطته وسرعة وصوله للقارئ وعدم حاجات صاحبه إلى إمكانات علمية كبيرة» بالإضافة إلى الحرية التي يشعر بها الكاتب» خاصة إن كانت له قدرة على التعبير» فهو يخوض فيم| شاءء وكيف شاء بعلم أو بغير علم.

وهذا ما يفرق المقالة العلمية عن المقالة الأدبية» فكاتب المقالة العلمية يحتاج عند ذكر كل عبارة إلى التوثيق والتحقيق والبرهان» فهو دائم محاصر برقيب يردد عليه قوله تعالى: [وَّلا تَقَفٌ نالنل لك يوذ إن القاقة البق والقواة قل أرليك كاقعلة تر ارا

انطلاقا من هذا وظفت الجمعية المقالة الآدبية خير توظيف في أداء رسالتها المتعلقة بمواجهة الطرق الصوفية.

وبا أن أكثر هذا المقالات إن لم نقل كلها يمكن اعتبارها من المقالات النقدية» فإنها استعملت - بالإضافة إلى الطريقة الوصفية- أساليب كثيرة لعلها أهمها أسلوب (التهكم والسخرية) من هذا الواقع لتصوره بصورة مستهجنة ينفر منها القارئ.

ولعل أشهر من اشتهر بهذا الأسلوبء وكان له القدرة الفائقة فيه بها أوتيٍ من قوة بيان» الشيخ البشير الإبراهيميء الذي لا يذكر الطرق ولا الصوفية أو مشايخها وعلماءها إلا ويصب عليهم من التهكم والسخرية ما يتصور أنه يذههم به.

565

وكمثال على ذلك مقالين كتبهما عن العلامة المحدث الكبير عبد الحي الكتاني!"» الذي لا يزال إلى الآن مرجعا من مراجع علماء الحديث» ولكنه - في منطق الإبراهيمي» وفي منطق المقالة الأدبية - ليس كذلكء وكيف يكون كذلكء هو يعتقد ب| يعتقد به رجال الطرق الصوفية.

ولعل الداعي إلى سخرية الإبراهيمي من الشيخ عبد الحي الكتاني هو استقواء الطرق الصوفية به» وكيف لا وهو الذي يجلب إليهم ما يحتاجون إليه من المصادر والنصوص التي تحفظ كيانهم في مواجهة الغزو الإصلاحي الموجه ضدهم.

وقد كانت الحادثة المؤلمة التي جعلت الإبراهيمي يعلن على الشيخ حربه هو ما قام به من تجميع الزوايا في مؤتمر دعا من خلاله إلى الإصلاح التربوي والتعليمي؛ بل دعا من خلاله إلى الإصلاح الشامل للزوايا ومن يمثلها من الطرق الصوفية!".

وكان يمكن للجمعية أن تفرح مبهذاء ولكنها للأسف لم تفعلء لآنها كانت تتصور أن في إصلاح الزوايا تقوية للهاء وفي قوتها يذهب نشاط الجمعية هدراء فهل يمكن للطبيب أن يمارس وظيفته إن شفي جميع المرضى؟

وبناء على هذه النظرة التي لم يفصح عنها الإبراهيمي» ولكنها تفوح بقوة من خلال كلاته

(0) نشرت في العدد ١‏ من جريدة «البصائر»» ؟١‏ أفريل سنة /195١»ء‏ والثانية نشرت في العدد 77 من جريدة «البصائر»» 77 أفريل سنة ١95/‏

)١(‏ مما يدل على هذا ما ذكره الإبراهيمي نفسه عندما قال: (.. بلغنا ما وقع في المؤتمر الثاني (مؤتمر الزوايا) بالتفصيل أيضاء حتى أسماء الحاضرين والخطباء وما خطبواء وأنهم تواردوا على معان متقاربة في غايات الاجتماع الظاهرية وهي جمع الشمل وتجديد العهد وخدمة العلم بالتعليم) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (7/ )7٠١‏

ولكنه كعادته - في استخدام منطق المؤامرة - يعتبر أن هناك أهدافا مبيتة غير هذه الأهداف» فقال: (وكان من كياسة الرئيسين الدائم والحائم (كان هذا الاجتماع تحت رئاسة اثنين: الدائم مصطفى القاسميء والحائم عبد الحي الكتاني) أن بالغا في إخفاء الغاية الحقيقية» حتى قام طالب مأجور يعدونه من أتباع الأتباع» فذكر جمعية العلماء بوصفها القديم الذي كانوا ينبزونها به» وهو أنها جمعية وهابية) (انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (”/ 07945

خن

صب جام غضبته وسخريته عليه ولم يجد من وسيلة سوى المقالة الأدبية التي رآها خير وسيلة لتحطيم عنفوان الرجل وقوته. لأن المقالة العلمية تستدعي أدلة كثيرة» ووقتا طويلاء ولم يكن لدى الشيخ الإبراهيمي - وهو المستغرق في الإصلاح وما يتطلبه من جهد- هذا الوقت ليضيعه في نقده.

وتبداً سخرية الإبراهيمي من الرجل من عنوان المقالة نفسهاء فقد عنونها ب (أفي كل حي... عبد الحي؟70". وعنوان المقالة الثانية (عبد الحي الكتاني: ما هو؟ وما شأنه؟)”"» وقد تعرض فيها لشخص الشيخ عبد الحي أكثر ما تعرض فيها لفكره ومنهجه ودعوته» وهذا كشأن التيار الوهابي عموما من تغليبه نقد الأشخاص على نقد الأفكار.

وقد قال جوابا عن سؤال طرحه (ما هو عبد الحي؟): (هو مكيدة مدبرة» وفتنة محضرة؛ ولو قال قائل في وصفه: شعوذة - تخطر - في حجلين وفتنة- تمثي على2 رجلين

لأراح البيان والتحليل» كما يقول شوقي؛ ولعفى على أصحاب التراجم» من أعاريب وأعاجم, ولأتى بالإعجاز في باب الإيجاز؛ إذ أتى بترجمة تحمل ببرقية» إلى الأقطار الغربية والشرقية» فيعم العلم» وتنتشر الإفادة» وتذيع الشهرة)9

ويعتبر أنه (مجموعة من العناصر منها العلم ومنها الظلم» ومنها الحق ومنها الباطل؛ وأكثرها الشر والفساد في الأرض)”)

/7( وانظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ »١954/ أفريل سنة‎ ١١ من جريدة «البصائر»ء‎ ٠١ نشرت في العدد‎ )١( 24

() انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (7/ 07946

() انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (7/ 5179)

(4) انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (7/ 14٠‏ 0) لكل

بل حتى اسمه يسخر منه» ويحوله عن المراد منه إلى مراد آخر يزيد من تهكمه به فيقول: (إن اسم صاحبنا لم يصدق فيه إلا جزؤه الأول» فهو عبد لعدة أشياء جاءت بها الآثار وجرت على ألسنة الناس» ولكن أملكها به الاستعمار؛ أما جزؤه الثاني فليس هو من أس)ء الله الحسنى, ولا يخطر هذا ببال مؤمن يعرف الرجل» ويعرف صفات عباد ال رحمان, المذكورة في خواتيم سورة الفرقان» وإن| هو بمعنى القبيلة» ى| يقال كاهن ا حي وعراف ال حي وعير الحي. وقبح الله الاشتراك اللفظي, فلو علم العرب أنه يأتي بمثل هذا الالتباس لطهروا منه لغتهم» وتحاموه فيه تحاموا من المستهجنات)0)

وهكذا يتلاعب الإبراهيمي بالألفاظء ويستخدمها خير استخدام في التهوين من شأن الرجل حتى فيا اشتهر من ذاكرة قوية وحفظ متين للحديثء أهله لأن يعتبر محدثاء لكن الإبراهيمي لم يكن ينظر إلى حفظه بتلك الصورة» فهو يقول عنه: (وعبد الحي محدث بمعنى آخرء فهو راوية بكل ما لهذه الكلمة من معنى. تتصل أسانيده بالجن والحن.. وبكل من هب ودب. وفيه من صفات المحدثين أنه جاب الآفاق» ولقي الرجال» واستوعب ما عندهم من الإجازات بالروايات» ثم غلبت عليه نزعة التجديد فآتى من صفات المحدثين (بالتخفيف) بكل عجيبة» فهو محدث محدث في آن واحد؛ وهمه وهم أمثاله من مجانين الرواية حفظ الأسانيد. وتحصيل الإجازات» ومكاتبة علماء الحند والسند للاستجازة» وأن يرحل أحدهم فيلقى رجلا من أهل الرواية في مثل فواق الحالب» فيقول له: أجزتك بكل مروياتي ومؤلفاتي.. فإذا عجز عن الرحلة كتب مستجيزا فيأتيه علم الحديث بل علوم الدين والدنيا كلها في بطاقة.. أهذا هو العلم؟ لا والله. وإنما هو شيء اسمه جنون الرواية)”"

والإبراهيمي بحكم توجهه السلفيء وتغلب النزعة الوهابية خصوصا عليه ينفي عن

)05 14٠ /7( انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

)5 1405 آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (؟/‎ )١( 1

الكتاني كونه محدثاء لأن من شروط المحدث في تصوره أن يكون سلفياء فيقول: (ولقد كان من مقتضى كون الرجل محدثا أن يكون سلفي العقيدة وقافا عند حدود الكتاب والسنة.. لكن المعروف عن هذا المحدث أنه قضى عمره في نصر الطرقية وضلالات الطرقيين ومحدثاتهم بالقول والفعل والسكوت, وأنه خصم لدود للسلفيين» وحرب عوان على السلفية» وهل يرجى من نشأ في أحضان الطرقية» وفتح عينيه على ما فيها من مال وجاه وشهوات ميسرة ومخايل من الملك. أن يكون سلفيا ولو سلسل الدنيا كلها بمسلسلاته؟)00

وهكذا يستمر الإبراهيمي في التهكم والسخرية إلى نباية مقاله الطريل» بل إنه يهدده بأنه إن استمر في دعم الطرق الصوفية في الجزائر» فإن سيروي الروايات في مثالبه وينشرها ويفضحه بباء فيقول: (..فإن عاد بالتوبة» عدنا بالصفح؛ وان زاد في الحوبة» عدنا على هذا المتن بالشرح» ولعل هذا الأسبوع هو أبرك الأسابيع على الشيخ» فقد أملينا فيه مجالس في مناقبه جاءت في كتيب» سميناه- بعد الوضع- "نشر الطي»؛ من أعمال عبد الحي", فإن تاب وأدناه» ووفينا له با وعدناه» وإلا عممناه بالرواية» وأذنا لعبد الحي في روايته عنا للتبرك واتصال السند» وهو أعلم الناس بجواز رواية الأكابر عن الأصاغر)”"

ولعل أهم ملاحظة نخرج بها من مطالعة هذه المقالة الطويلة هو أنها من الناحية الأدبية في منتهى الروعة والجمال» وكم تمنينا لو أنه كتبها أو كتب مثلها عن رجال الاستعمار الطغاة لا عن رجل من المحدثين الثقاة.

وتمنينا - كذلك - لو خلطها ببعض العلم والأدلة» فلا يمكن للألفاظ مهما حسنتء ولا للتعابير مهما قويت أن تقنع عاقلا مالم توج بالآدلة الكافية.

ولكن عذر الإبراهيمي هو كون كلامه موجها للعامة لا للخاصة؛ والعامة يفضلون

)5 45 انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (؟/‎ )١(

() انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (؟/ 47 5) ويه"

السخرية والسباب على العلم والدليل.

هذا نموذج عن الإبراهيمي وهو قليل من كثير» ومثله في الجمعية الشيخ الزاهري الذي كانت سخريته تصل إلى حد السباب» وقد شهد له بالقوة في هذا الباب والريادة فيه زميله وصديقه الشيخ الإبراهيمي الذي كتب يقول عنه بعد أن انشق عن الجمعية: (لقد كنتم تسبوننا بألسنتكم في المقاهي ومجالس السوءء وتلقنون صبيانكم سيّناك حتى أصبحت أفواههم مستنقعات... فلم يُقنعكم ذلك لأنه سب بالمجان, فارتقيتم إلى سبّنا بالكتابة لتتخذوا منها سلعة للبيع» ووسيلة لجمع المال. وتضيفوا إلى الهلال الأحمر هلالا أسود... ومن الغريب المضحك أنكم تعتمدون في بيع السب على السبء فقد شهد العقلاء أن تسعة أعشار جريدتكم لاتُباع إلا بالسب والتخويف والتهديد ومايُشبه الإكراه وأن العشر العاشر فقط يباع بالتغليط والتضليل.. إن هذه لحقيقة لا تستطيعون إنكارها وتكذيبها إلا بالعمل. ولو فعلتم وتركتم بيعها للرغبة والاختيار- كما تباع الجرائد- لأفلست في أسبوع. فجرّبوا إن كنتم منصفين)"

وهو ينتقده في هذا المنهج مع كونه كان يحبذه منه قبل ذلك عندما كان متوجها بسبه إلى الطرق الصوفية؛ فيقول: (أيها القوم: إن الوطن الذي تتوقف خدمته على بيع السب والكذب لوطن مخذول سلفًا؛ِ وإن الحزب الذي يريد أن يكمل بتنقيص غيره لحزب ناقص أبدَّاء وإن السياسة التي تغذَّى بمثل هذه المطاعم لسياسة ميتة... باجوع.)7"

بل إنه يسخر حتى من جرائده التي كان ينشر فيها ما ينشر من سباب يرتبط بالطرق الصوفية» فيقول: (أتذكر- يا شيخ- ماضيك الصحافي» وصحائفك الماضية التي #باوت في مثل عمر الزهرء من الجزائر» إلى البرق» إلى الوفاق» وقد ماتت كلها بالهزال والتسمّم» ولو كانت مما ينفع الناس لمكثت في الأرضء فاحتفظ با بقي من أعدادهاء فسيحتاج الناس إلى ما

)571١ /7”( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( )571١ /7”( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

فيها يوم ينكس الله طباعهم» ويطمس على بصائرهم» فيصبح السب والكذب عندهم من الفنون الجميلة» فيشيدون المعاهد العالية لتعلّمهاء ويقتبسون الناذج الرفيعة من تلك الجرائد)(0)

وليت هذا الموقف الذي وقفه الإبراهيمي ضد الزاهري استفاد منه هو قبله, ليعلم أنه لا يمكن أن يتحقق الإصلاح إلا بالصلاح, ففاقد الشيئ لا يعطيه.

ولا يتحقق الصلاح إلا بالتواضع مع الآخر وعدم السخرية منه. ىا قال تعالى: [ يا الّذِينَ آمنُوا لَا يَسْخَر قَوْمٌ مِنْ قَوْمِ عَسَى أَنْيَكُونُوا تَيًْا مِنْهَمْ] [الحجرات: ]١١‏

المطلب الثالث: المواجهة العاطفية

3

نريد بالمواجهة العاطفية ما كانت تستعمله الجمعية لإثارة عواطف الجاهير ضد الطرق الصوفية» وهي مواجهة كالمواجهة الأدبية تتسم بالبساطة» وبعدم الحاجة إلى الإقناع العقلٍ المعتمد على الدليل» بل كل اعتمادها على ما عند المستقبل من ثروة عاطفية» وهي من أكثر الثروات توفرا خاصة في الزمن الذي يكثر فيه الظلم والاضطهاد.

بناء على هذا نحاول هنا أن نذكر ثلاثة نيإذج عن هذا النوع من المواجهة» وقد ذكرنا - سابقا - أنا لا نتعامل مع الجمعية على أساس وجودها التاريخي الرسميء وإنما على أساس وجودها الواقعي المتمثل في أولئك المصلحين الذين اتفقوا على كل شيء» ولكن تأخر فقط تأسيسهم الرسمي للجمعية إلى أن وجدوا الظرف المناسبء ولهذا فإن بعض الأحداث التي سنذكرها حصلت قبل التأسيس الرسمي للجمعية» بل لعله كان من الأسباب المؤثرة بعد ذلك في

النموذج الأول: الاعتداء على ابن باديمس

)577 /7( انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( بحن‎

ذكرنا سابقا قصة هذا الاعتداء» وبساطته» وتعلقه بفرد واحد لم ينطلق في ذلك إلا من بعض الغضب على إهانة شيخه. بل إن صورة الحادثة تدل على أنه لم يرد أن يغتال» وإنما أراد أن يعاقب فقط» ذا لم تحدث كبير أثر في الشيخ ابن باديس» ولو أنه أراد اغتياله لطعنه بالسكين مباشرة» ولكان ذلك أسهلء بل ربا لو أراد ذلك لخطط له ولنجح في تخطيطه؛ ف| أسهل القيام بمثل هذه العمليات في واقع كالواقع الذي حصلت فيه.

ولكن مع كل هذا نجد تضخيم| كبيرا للحادثة» واتهاما لكل الطرق الصوفية بهاء وكأن الطرق الصوفية جميعا اجتمعوا في اجتماع طارئ» ثم قرروا اغتيال ابن باديسء ولم يجدوا للتنفيذ إلا هذا الرجل الضعيف الحزيل الذي استطاع ابن باديس مع نحافته أن يلببه بثيابه» ويتغلب عليه بكل سهولة.

وقد كتب الإبراهيمي حينها يصف الحادثة وأسبابها وملابساتها بهذه الطريقة المثيرة للعواطف: (وإذا نسي الناس فإنهم لم ينسوا حادثة الاعتداء على الأستاذ عبد الحميد بن باديس الذي هو رئيس هذه الجمعية منذ تأسست إلى اليوم» فقد تآمر العليويون على اغتياله حيث ثقلت عليهم وطأة الحق الذي كان يقوله ولا زال يقوله فيهم وفي أمثا هم وانتدب أشقاها لقتله في قسنطينة وضربه الضربة القاضية لولا وقاية الله ولطفه. ففي ذلك المشهد الذي تطيش فيه الآلباب وتتفشى فيه روح الانتقام قوى الله الأستاذ- وهو أعزل- فأمسك خصمه الفاتك المسلّح ولبّبه بثيابه» ثم تجلّ على قلبه المطمئن بالرحمة فقال- وجرحه يثعب دمًا- للجمهور لمتألّب المتعطّش لدم الجاني: إياكم أن يمسّه أحد منكم بسوء" حتى تسلموه للمحافظة؛ ولولا هذه الكلمة لقطعوا الجاني إربًا إربًا) )00

فالإبراهيمي يبدأ مقاله بأن الناس» وإن نسوا كل شيء. فإنهم لن ينسوا هذه الحادثة» وكأنه

)574 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١(

يحرضهم أن لا ينسوهاء ثم يتحدث - كعادته - على التآمر من غير أي دليل» ثم يصف المشهد الذي (تطيش فيه الآلباب) ليملا القلوب حقدا على الجاني ومن خلفه» ثم يذكر الموقف البطولي لابن باديس (المطمئن بال رحمة)

هكذا يصور الإبراهيمي الحادثة ليستثمرها في ملء القلوب بالأحقاد على الطريقة العلاوية أولاء وعلى الطرق الصوفية جميعا ثانيا.

وليت الأمر توقف عند الإبراهيميء بل تعداه إلى غيره» إن ما كتب في هذا المجال يمكن جمعه في مصنف خاص.ء بل فعل ذلك الشيخ أحمد حماني حين صور الحادثة» وكأنها صراع بين السنة والبدعة» لا بين شخص بسيط انفعل لموقف من المواقف. فمد يده معبرا عن ذلك الموقف.

وقد ذكرنا سابقا أن الشيخ أحمد حماني» وفي موقف ماثل لم يقفه عامي» وإن| وقفه عضو بارز من أهم أعضاء جمعية العلماء» مع علم من أهم أعلام الطرق الصوفية» وكانت الواقعة أفدح» والآلم المنجر عنها أشد» ومع ذلك وقف حماني مع الجاني ضد المجني عليه.

ولا بأس من إعادة ذكر ما ذكره الشيخ أحمد حماني هنا لنرى الأخلاق التي كانت تحكم الكثير من أعضاء الجمعية في مواقفهم» فقد قال: (وبلغ بالسيد مامي - عفا الله عنه - أن صار يسخر بالشيخ ابن باديس ويخترع على لسانه محاورات» فبلغ السيل الزباء واشتد غيض الشهيد أحمد بوشمال ول يملك نفسه ذات يوم في ١978‏ م, أن ارتمى عليه في مبج تجاري مزدحم وأعطاه (طريحة): أي ضربة كانت كافية لكفه النهائي عن التعرض لشخصية الشيخ ابن باديس بسوء حتى مات رحمه الله) 2

بعد هذا نحب أن نشير هنا باختصار لبعض ما كتب في ذلك الحين بهذه المناسبة من باب

(1) أحمد حماني : صراع بين السنة والبدعة» ص١17.‏

#بييج العواطف وإثارتها:

فممن كتب في ذلك الشيخ العربي التبسبي» وقد كان حينها في القاهرة» فأرسل منها مقالا بعنوان (أريد حياته ويريد قتلي)"» وما جاء فيه قوله: (.. فمن ذا الذي لا ينفلق كبده أسفا وغمالما أتاه هذا الأفاك الأثيم العليوي ما يغضب الرحمانء ويثير الأشجان. ألا فليعلم العليوي السفاك ولي إبليس أن فعلته التي فعل لم تكن مسددة إلى الأستاذ العظيم ابن باديس» وإنما رمى بسهمه في نحر الإسلام» وأنه إن أراد هو وشيعته أن يأتوا بدين مزيج من معتقدات الآباء الكاثوليك والرسل البروتستانت» فليس له أن يزغم علاء الإسلام على قبول بدعته باسم دينهم» وأن يكمم أفواههم حذر أن يبينوا للناس ما آتيتهم به ما ينقض هيكل الإسلام» ويحطمه لبنة لبنة» فدون وصولكم إلى غايتكم والله لمس السماء» ودك الشناخب أترم أنوفكم أن جاءكم بالحسنى يجادل بها رسول الله أعداء الإسلام» فهالكم الأمر» وسدت في وجوهكم مدارج الحق» فركنتم إلى الإجرام» وعمدتم إلى قتل من شهد له رسول الله بأنه عدل هذا الخلق» وأنه يحل محل نبي في بني إسرائيل)””

وهكذا يستمر الشيخ العربي في إثارة العواطف وتبيين القضية لا تتوقف عند اعتداء بسيط. وإنما هي حرب معلنة على الأمة» وعلى رسولا وعلى من شهد له رسوها بأنه يحل محل نبي في

والشيخ العربي لا يكتفي ببذاء بل يقرر بإثارة عجيبة أن أعدى أعداء المسلمين ليست فرنساء وليس الإلحاد ولا التبشير» وإنما أولئتك الذين جعلوا من الزوايا أوكار للجريمة المنظمة في حق العلماء» فيقول: (ألا إن أعدى المسلمين للإسلام أولئك النفر الذين يظنون من قبل

)١(‏ نشر هذا المقال في جريدة الشهاب : جريدة الشهابء السنة الثالثة» عدد 87 ١1977/07/1م‏ الموافق ٠‏ / شعبان/ 50 1ه ص ٠١‏

فة6 جريدة الشهاب. السنة الثالثة» عدد 47, /٠١‏ 7/07 1971م الموافق /٠/‏ شعبان/ 56 1ه ص 0

هه"

أنفسهم أنهم هم أولياء الرحمان وأحباؤه» وقد ملؤوا أنفسهم ومن يتبعهم بأمان هي ضلال» وما أرادوا مها صوابا. فاستباحوا من الله المحارم» وتعدوا له الحدود. وأعرضوا عما فيه من الهدى, فاغتر مهم الجهال» وانقاد لهم الأغرارء ودخلوا على الناس في عقائدهم, ولبسوا عليهم أمر دينهم» وزهدوا الملة الإسلامية في علمائها الذين أمر الله أن يرد إليهم الأمر في التشغيب» ونعتهم أجل نعت. وحث على سؤالهم عند حلول أي حادث. با تحدث به هؤلاء المضللون إلى طغام الأحلام؛ من أن بين الصالحين وبين العلماء خلافا عظيها قديماء وضربوا لهم الأمثال»

وساقوا عليها الشواهد» وقصوا عليهم من الأغاليط ما جنوا به جنوناء حتى ذهبوا ببذه الأمة

في متاهات لا نجاة لها)” وبعد أن يملا الشيخ العربي جماهيره بهذا الشحن الممتلئ بالأحقاد يعبئهم للمواجهة ال حادة الشديدة التى ترفض التنازل أو الصلح أو الاستسلام» فيقول: ( اتعدوا أمها

المضللونء فإن الذي نعلمه ويعلمه كل أحد أن طريقة القوم لا تتنازل عن حصاة من أرض السنة» وفي سبيل السنة تبيع العلماء الأرواح بيع السماح)”"

ثم يستغل الحادثة لبيان ضلال الطرق الصوفية وانحرافها وشركها وغير ذلك من المقولات التي رأينا الصياغات المختلفة لهاء فيقول: (.. ركب منكم الشيطان كل مركبء واستنكفتم عن قبول الحق الأبلج» ووضعتم أصابعكم في آذانكم» وأصررتم على عنادكم إصراراء شأن من سبقكم في الجاهلية الثانية.. هاأنتم استطعتم أن تفتنوا الأمة في دينهاء وتحيدوا بها عن أوليات الدين الذي جعلتم أهله شيعا وأحزابا وأضرابا»"

وما كتب في ذلك من شعر الزاهريء» فقد قال في قصيدة له مبذه المناسبة ينوه بث ا

)00 جريدة الشهاب. السنة الثالثة» عدد “47, /1١‏ 7/07 1971م الموافق /٠/‏ شعبان/ 56 1ه ص 0 6 جريدة الشهاب, السنة الثالثة» عدد 47, /07/٠١‏ 19737 الموافق /٠/‏ شعبان/ 56 1ه ص 0

فيه جريدة الشهابء السنة الثالثة» عدد 2/7 هو الموافق /ا٠/‏ شعبان/ 50 ١ه‏ ص لت 1م

الإمام بن باديس» ويستنكر ما فعل أعداؤه":

لا تبلغ العلياء دون ثبات هيهات دون المجد كل أداة يا وقفة لك في سبيل الله لم نرهان لغيرك من ذوي الوقفات بعثوا إليك منوما يعدو على ما فيك من جد ومن عزمات قطع الطريق عليك في غسق ولم تكن التّيوس لتقطع الطرقات ممضوا لحرب المصلحين لعلهم يقفون 2 دون يقة ‏ عشرات أذوك حين دعوت من ضلوا ال دين النير ‏ بحكمة وعظات ونلاحظ هنا كيف يعمم الشيخ الزاهري حكمه على الطرق الصوفية» وكونها تآمرت عليه وعلى المصلحينء ولا نجد هذا الأمر عند الشيخ محمد العيد آل خليفة الذي ذكرنا سابقا أنه أكثر أعضاء الجمعية اعتدالاء بل ذكرنا تبعيته للطريقة التيجانية» | يذكر التيجانيون» فقد عبر عن الحادثة ب| تقتضيه دون أن يتجاوز ذلكء فقال في في قصيدة بعنوان (حمتك يد المولي) ” : فك :يل الزل كنك جنا اول فالك1 ون تيه اباد ياد لمر وأخطاك الموت الزؤام يقوده إليك أمرؤ أملٍ له الغي ما أملٍ وأهوى إلى نصل بكفا لثمة تعود أن ينضي بها ذلك النصلا فأوسعها وهناء وأوسعتها قوة وأجهدتها عقداء وأجهدها حلا

وكادت يد الجاني السحّر تعتلي يد الشيخ لولا الله أدركه لولا

)١(‏ عبد الناصر : الشيخ عبد الحميد بن باديس في يوم حرية التعبير.. أول صحافي في التاريخ يتعرض لمحاولة اغتيال» جريدة الشروق اليومي» العدد ١715‏ الصادرة يوم الأربعاء ؛ ٠‏ ربيع الثاني ١5717‏ ه الموافق ل ٠7”‏ ماي 5٠١1‏ مءص 0 )١(‏ محمد العيد آل خليفة : ديوان محمد العيد» المؤسسة الوطنية للكتابء الجزائر» ص : ١77‏

ا

3 لو ضيع النْمْسِ كيف تطاولت قَوَاقتكَ بالتضر العزيزن طلائعٌ وإنه ألو لالش ١‏ النيرة” تطادوا

الآيات أنك2 بيننا

البندن. .“رق

فدّم يا بن باديس كا كنت راشدًا

4 و 3 ع ا 9 3 5 و

-ه

القعلا الأعل

-ه -ه -

على الفَتّكِ بالجاني فقلتَ كم مَهْلا

مباركة تنْرَى من الملذ

تعامل بالعدل الذي أغضب العدلا

فإني رأيت الرشد يستأصل الدجلا

النموذج الثاني: الاعتداء على الزاهري

وهذا أيضا من الأحداث التي استثمرتها الجمعية أخطر استثار في إلهاب العواطف». وتوجيهها نحو الطرق الصوفية» وقد أخذت حيزا محترما من صحيفة الشريعة التي اهالت عليها الأقلام تدين الحادثة» ىا اهالت من قبل الأقلام على الشهاب تدين حادثة الاعتداء على ابن باديس.

وقد ذكر الشيخ الزاهري الحادثة وتأثيرها في مقال له كتبه بعد خمسة عشر يوما من ا حادثة بعنوان (من الزاهري إلى سائر الأصدقاء والإخوان»» ومما استهل به مقاله ذكره لتأثير الحادثة في المجتمع» فقال:( مضى اليوم على حادث الاعتداء علي خمسة عشر يوما ولا يزال الحادث كى| هو جديدا في أذهان الناس هنا في وهران يستنكرونه ويستفظعونه ويلعنون المعتدين الآثمين لعنا كثير|)()

ثم ذكر الحادثة وأسبابها وصلتها ببعض المشايخ, ولم يذكر - كعادته في التعميم- لأي طريقة ينتمي هذا الشيخ حتى بحصر الأمر في محله. وتتلبس التهمة بأصحابهاء فقال: (لقد كان الجاني الحقيقي الذي أغرى على هذه الجناية بعض أتباعه الأخلاف شيخا من أشياخ السوء في وهران

وكان كثير العيال لا يكاد بحصى عدتهم إلا بعداد (!) وكان هو وعياله جميعا يعيشون عالة على

)١(‏ جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع 7/ ص؟) كن

المسلمين (الغافلين). يتظاهر بالولاية والصلاح ليحتال بذلك على ما في أيدي الناسأ ولا نصيب له من الولاية والصلاح إلا سب العلماء والوقوع في أعراضهم والافتراء عليهم وأكل لحوم النا سأ وكان في رغد من العيش با كان يتناول من صدقات الناس. وكان الناس يحسئون إليهأ ولكنه اليوم أصبح يعاني العسر والضيق) وانفض عنه أكثر من كان حوله من المتصدقين)7"

ويبدو من خلال هذا الوصف أن الشيخ لم يكن يصف شيخا له علاقة بالطرق الصوفية» وإنما كان يصف من يسميهم الناس مشايخ البركة» وهم الذين يقصدونهم لطلب الدعاءء أو لقراءة الغيب ونحوها”» وهؤلاء لا علاقة لهم بالتصوفء ولا بالطرق الصوفية؛ بل إن الطرق الصوفية تتبرأ منهم» ولكن الجمعية للأسف تجمعهم في سلة واحدة» لتطبق أخطاء هؤلاء على هؤلاء وتمحوهم جميعا.

ثم ذكر العلة التي دفعت هذا الشيخ إلى الاعتداء عليه» فقال: (ورأى أن الناس أصبحوا يلهجون بذكر جمعية العلماء المسلمين ويتعلقون مهأ ويذكرون رئيسها الأستاذ ابن باديس كى| يذكرون أكبر إمام من أئمة هذا الدينأ فوقع في نفسه أنه من هنا جاءه البلاء (!) وأنه من هنا انقطعت عنه الصدقات والنذور التي كانت تجبى إليه. فجعل دأبه أن يسب جمعية العلماء وأن يختص بالسب والقذف رئيسها الأستاذ عبد الحميد بن باديس وهذا الضعيف العاجز «الزاهري) الذي يمثل الجمعية في وهران وكان سبق لهذا التيس أن أغرى جروا له (ابنه) فشتمني في الطريق العام لولا أن الشاب المفضال المهذب السيد بلقاسم بن الشراب عطف عليه

)١ص‎ /7 جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع‎ )١(

(؟) ويدل لهذا ما كتبه العقبي في إدانة الحادثة» فقد جاء في مقاله: (إذن ما ذا يفعل (سيدي المرابط) أو الدجال المحتال الذي وقف له المصلحون في الطريق التي كان يجمع الناس لها ويحشرهم من كل ناحية إليهأ وما هي إلا طريق ابتزازه الأموال من هذه الأمة واعتصاره آخر قطرة من دم بقيت في جسمها وقد قطعوا رزقه كى) قيل وحالوا بينه وبين ما يشتهيه في هذه الأمة ومنها؟)

وكان من رفقائي فأدبه وجازاه بها يستحق.. وثار الرأي العام الإسلامي في وهران يومئذ على هذا الجرو وعلى والده الذي أغراه)!"

وإلى هنا فإن المنصف لا يرى في كل هذا شيئاء بل إننا لو حللنا ما حصل لوجدنا أن الجانني فيها هو الزاهري وأصحابه» ذلك أن هذا الولد الذي يسميه جروا ما فعل غير ما يسميه (شتيمة)» ونحن لا ندري ما قال له بالضبط في هذه الشتيمة» ولعلنا إن طبقنا ما يذكر من شتائم الطرق الصوفية. فإنها لا تعدو رميه بالوهابية» وكان يمكن للشيخ - باعتباره مصلحا وداعية ومربيا- أن يخاطبه بالتي هي أحسنء ويوجهه إلى التي هي أحسن. لكن الشيخ لم يفعل ذلك» بل استعان بتابعه الذي (أدبه وجازاه بها يستحق»» ولم يكتف بذلك. بل راح يثير (الرأي العام الإسلامي في وهران يومئذ على هذا الجرو وعلى والده الذي أغراه)» وكان يمكنه بدل ذلك أن ببدئ الأوضاع ويطيب النفوسء ولكن الزاهري وجد فرصته في هذاء فأراد أن يحي تلك الفتنة العظيمة التي حصلت بسبب الاعتداء على ابن باديسء وأراد أن يكون له هو الآخر حظ منها ومن شهرتها ومن المقالات والأشعار النابعة منها.

ويواصل الشيخ الزاهري وصف ما حدث فيقول: (كانت قبضة الشرطة السرية على شخص من أتباع شيخ السوء هذا ومن مريديه بتهمة أنه هو الجانيأ ولكن بعدما حققوا معه لم يجدوا بينة على إدانته ولكنه لا يزال مسجونا بتهمة أنه هرب من منفاه قبل أن يستكمل المدة المحكوم عليه يهأ ولما ترك سبيله من تهمة الاعتداء فإن الأعوان لم يقبضوا على شخص آخر بدعوى أنهم لا يجدون بينة على أحد تخول لهم أن يقبضوا عليمأ ويظهر أن التحقيق في هذا الاعتداء بينها كان جاريا بغاية الجد والاجتهاد وقف فجأة ولم يتقدم قيد شعرة وهنا سر يجب

أن يفهمه القارئ وحده (!!) أما الرأي العام فلا يزال هائجا منفعلا ضد المعتدي الأثيم والناس

)١(‏ جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع 7/ ص ؟) مان

يعلمون كل شيء عن هذا الحادث ويعلمون أن أصل الجناية إن| هو شيخ السوء ويعلمون أن هذه الجناية قد دبرت في مسجد بناه لله أحد المحسنين)(0)

وإلى هنا فإن كل ما ذكر مجرد اتبامات لا دليل عليهاء ولا صلة للشيخ المذكور بها ولكن مع ذلك نرى الأقلام المستعدة للإبحار في طوفان الفتن تستثمر الحادثة أبشع استثار لتهيج المجتمع على أولئك البسطاء أصحاب الحضرات والخلوات الذين يزعمون أنهم منشغلون برهم عمن سواه.

ولن نحتاج لكشف هذه الحقيقة إلى كبير معاناة» فمع أن الحادثة لم تعرف ملابساتها بدقة إلا أن الشيخ العقبي» ومع كونه من أصحاب الاتجاه السلفي الذي يراعي التحري والتدقيق في الأسانيد لكنه في هذه الناحية لم يراع هذا الأمر» بل كتب يقول في مقال تحت عنوان (نحن والطرقيون أو حادث الاعتداء على الأستاذ الزاهري): (وقد كنا نحسب أن مثل هذا الاعتداء ينتهي بعد حادثة ذلك العليوي الجاني على الأستاذ الشيخ (عبد الحميد بن باديس) واقتصاص يد العدالة منه بعا صيره عبرة لغيره وموعظة للمعتدين» فإذا به يتجدد مرة ثانيةأ فقد جاءتنا أنباء اليوم بفاجعة جديدة وجناية فظيعة تضاف إلى جنايات رجال الطرق السابقة حيث اعتدى بعض الطرقيين على (الأستاذ الزاهري) في هذه الأيام بمدينة (وهران) العضو الإداري بجمعية ((العلماء المسلمين)) وصاحب الكتابات الكثيرة ضد الضالين المضلين با ذكرته جريدة ((الشريعة)) التي له اليد الأولى في تحريرها)”)

ثم ذكر التأثير العاطفي للحادثة فيه وفي الجماهير» فقال: (تالله لقد هالنا هذا النباً العظيم

وأحزننا تجدد مثل هذه الحوادث من حين لآخر بهذا القطر البائس المسكين وعز علينا ما نزل

)١(‏ جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع 7/ ص ؟)

(؟) جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع ”/ ص") 8

بأخينا الأستاذ الزاهري)0)

وهو مع إقراره بأن الحادثة لم تعلم أسبابها ولا ملابساتها بدقة» يقول: (هذا وإننا لم ندر إلى ساعتنا هذه من هو المباشر لهذا الاعتداء والمنفذ لعملية أيسرها اعتداء على حرمة مسلم ذي شرف ودم معصوم مصونا وأعظمها لوتم للمعتدي ما أراد قتل عالم من علماء المسلمين يقول: ربنا اللّمأ لا يؤمن بعقيدة الحلول ويكفر بها وبمن يقول: كل ما في الكون هو الله حتى الشيخ والكلب وحمار العزيز وخنزير جاره الذي يرعاه)"

ولكنه مع ذلك يظل مصرا على أن مرتكب الجريمة ينتمي للطرق الصوفية» يقول في ذلك: (وقد جاءتنا الأخبار الأخيرة عن هذا الحادث الفظيع أن الحكومة بوهران ألقت القبض على الجاني وأنه رهن السجن والتحقيق. ولكنالم نعلم اسمه ولا هويته في طريقته ونحلتعأ ولا اسم (الشيخ) أو (المقدم) الذي سول له ارتكاب هذه الخطيئة وجرأه عليها بل أغراه بها وأشلام فلهذا لا نقدر أن نقول أنه من فقراء الطريقة العليوية أو أفرادها وما أكثر الأفراد في كل طريقة؟... غير أن الآمر المحقق عندنا هو أن الجاني طرقي وأنه مدفوع إلى هذه الجناية من طرقي ضالأ وأفاك دجال ستظهره الأيام وسيلقى جزاء جريمته وما اكتسبت يداد وإن غدا لناظره قريب وقريب جدا ما يوعدون))

لكن الأيام خلفت للأسف ما جزم به العقبي» فلم تعرف الطريقة ولا شيخها الذي استطاع بدهائه أن يدبر هذه الحادثة من غير أن يفطن له أحد.

ونحب في هذا المقام أن نذكر بما قاله مالك بن نبي من ممارسات الاستعمار لتفكيك المجتمع الجزائري» وإثارة النعرات العرقية أو الطاتفية فيه» فقد ذكر من الأمثلة على ذلك (أن يغتال -

)١(‏ جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع 7/ ص”7) (؟) جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (ع 7/ ص”7)

(0) الشريعة النبوية» (57/ 5) خض

المستعمر - رجلاً واحداً حتى يبث الفوضى والاضطرابء أو أن يشتري ضمير أحد الزعاء السياسيين» الذين تتجسد فيهم في فترة معينة» طاقة البلاد الحيوية وفكرة نضالها)”"

وبناء على هذا لا نستبعد أن تكون الحادثة تدبيرا استعماريا لإثارة المنطقة الغربية الجزائرية ضد الطرق الصوفية» كا أثبرت من قبلها في المنطقة الشرقية» خاصة إذا علمنا أن الزاهري اتهم بعد ذلك من الجمعية بكونه عميلا للاستعمار» بل نفذت فيه الثورة الجزائرية حكمها بالإعدام» وبذلك قتل الزاهري بيد الثورة لا بيد المساكين من أبناء الطرق الصوفية الذين هم أعجز الناس عن تدبير محاولات الاغتيال.

النموذج الثالث: طلب المباهلة

يتم أصحاب المنهج السلفي عادة بالمباهلة"» فهم يعوضون بها المناظرة والمناقشة والحوار, ولهذا يختارون هذا المنهج في التعامل مع مخالفيهم» والسر في استعالهم لهذا الأسلوب يعود إلى ريا

الأول: ثقتهم الزائدة في أنفسهم. والتي تصل أحيانا إلى حد الغرور» فهم يعتبرون أنفسهم أصحاب الفرقة الناجية» وأنهم على الحق المطلق كما أن غيرهم على الضلال المطلق.

والثاني: هو ضعف خصومهم في هذه الناحية» فهم مع اعتقادهم أخهم مع الحق, إلا أنهم لا يعتقدون أن خصومهم على الباطل» لأن الحق متعدد الصور عندهم, ولهذا لا يجرؤون أن

)00 مالك بن نبي» ميلاد مجتمع : ص//. )١(‏ المباهلة في اللغة : من باهله مباهلة لعن كل منهم| الآخر وابتهل إلى الله : ضرع إليه» وله بهلا : لعنه ومنه قول أبي بكر : من ولي من أمر الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله أي لعنته» وباهل بعضهم بعضا : اجتمعوا فتداعوا فاستنزلوا لعنة الله على الظالم منهم وني أثر ابن عباس : من شاء باهلته أنه ليس للأمة ظهار, ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي (انظر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت. الموسوعة الفقهية الكويتية» دار السلاسل» الكويت. الطبعة الثانية» (5/ /01)

م

يتفوهوا باللعن على الآخر مهما كان» وسنلاحظ هذا عند الحديث عن أساليب تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية.

وبناء على هذاء فقد حصل في تاريخ الجمعية حادثة من هذا النوع استثمرت أبشع استثار» وكان الداعي لها في البداية الشيخ سكيرج وهو مغرب من الطريقة التيجانية» ولعل قصده من ذلك هو تحذير الجمعية من مغبة التكفير ونحوه. ثم تراجع عن ذلك لكن الجمعية بقيت مصرة عليه؛ تلح عليه كل حين.

فقد كتب العقبي ردا على طلب المباهلة تحت عنوان (بل نجيب.. ولعنة الله على الكاذبين)7"

ثم ذكر مباهلته في مقاله بقوله: (اللهم إن كنت تعلم أن سكيرج وجماعة الطرقيين فيا هم عليه اليوم وما يدعون الناس إليه ويقرونهم على فعله في طرقهم محقون. وأن ذلك هو دينك الذي ارتضيته وشرعته لعبادك بواسطة محمد يي فالعني ومن معي لعنا كثيراء وإن كنت -يا الله» يا ربنا ورب كل شيء ‏ تعلم أن ما عليه الطرقيون اليوم فيا هم فيه من أمرهم ودعايتهم الناس إلى طرقهم هو من الحدث في دينك والباطل الذي لا يرضيك ولا يرضي نبيكء فالعن سكيرج ‏ قاضي الجديدة ‏ ومن معه لعنا كبيراء واجعل مقتك الأبدي ولعنتك الدائمة على الكاذبين» ‏ (آمين آمين آمين)0"

ثم علق عليها بقوله: (هكذا أباهلك وألاعنك يا سكيرج فلاعني بمثلها وإياك أن تتأخر أو تنهزم يوم اللقاء)”"

ولكن الشيخ سكيرج مع هذا الاستفزاز الذي استفزه به العقبي لم يستجب له فى| أصعب

على الصوفي أن يتفوه بلفظ اللعنة على نفسه أو على * شخص يعتقد إسلامه» ويعتقد في نفس

)١(‏ الشّهاب». السنة الثانية» العدد (/91)» ١1/‏ ذي القعدة 40 1ه ص8. (0) الشّهاب». السنة الثانية» العدد (/91)» ١1/‏ ذي القعدة 40 1ه ص8.

(0) الشّهاب». السنة الثانية» العدد (/91)» ١1/‏ ذي القعدة 40 1ه ص8. 0

الوقت خطأه المبني على الاجتهاد» خاصة وأن العقبي دعا في مباهلته باللعنة الأبدية.

ونرى أن الشيخ سكيرج في هذا الموقف الحرج وقف بين أمرين: بين أن يستجيب لذلك الاستفزاز الذي استفز به» فينطق بتلك الألفاظ الخطيرة» وبين أن ينسحب ولو اتهم با اتهم به» فاختار لورعه الثاني» وهو موقف في غاية الشرف والنبل والإييان.

ولكن الجمعية لم تفهم هذا للآأسف. فقد علقت الشهاب على نفور الشيخ سكيرج من المباهلة بهذا التعليق: ( سكت سكيرج ولم يجب عن مقال العقبي ببنت شفة» وكان واجبه أن يجيب بصراحة ويقول: (إنيٍ قبلت تعبين الزمان والمكان)» وهكذا انهزم سكيرجء ولكن أصحابه عمدوا إلى التمويه والمغالطة والكذب فأعرض العقبي عنهم» وقطع الكلام معهم لأههم كما قال: (هم قوم تتٌ)0"

وقد كانت هذه الحادثة من الحوادث التي استثمرت في إثارة عواطف المجتمع ضد الطرق الصوفية» فقد كتب ابن باديس تحت عنوان (سيهزم الجمع ويولون الدبر) يقول: مخاطبا الشيخ العقبي : (حياك الله وأيدك يا سيف السنة وعلم الموحدين ‏ وجزاك الله أحسن جزاء عن نفسك وعن دينك وعن إخوانك السلفيين المصلحين, ها نحن كلنا معك في موقفك صفا واحدا ندعوا دعوتك ونباهل مباهلتك ونؤازرك لله وبالله.. فليقدم إلينا الحلوليون وشيخهم ومن لف لفهم وكثر سوادهم في اليوم الموعود والمكان المعين لهمء وليبادروا بإعلان ذلك في جريدتهم» إن كانوا صادقينءفإن لم يفعلوا ‏ وأحسب أنهم لن يفعلوا ‏ فقد حقت عليهم كلمة العذاب وكانوا من الظالمين والحمد لله رب العالمين)0©

المبحث الثاني: أساليب تعامل الطرق الصوفية مع الجمعية

() الشهاب العدد /١١7‏ ص ١5-6‏ (0) الشّهاب»». السنة الثانية» العدد(/917): ١0/‏ ذي القعدة 54 ١ه‏ (ص: 07 م

لقد حاولنا - قبل إنجاز هذا الملبحث - أن ننظر في مصادر الطرق الصوفية عن رد فعل الطرق الصوفية عن أنواع المواجهات التي سبق ذكرها حتى تكون المقارنة تامة بين الطرفين» لكنا للأسف لم نجد إلا نوعا واحدا فقط يصلح للحديث عنه عند الطرق الصوفية» وهو ما أطلقنا عليه المواجهة العلمية.

ذلك أن المواجهتين الأخريين: الأدبية والعاطفية تقتضيان وجود أدباء وخطباء وذوي قدرات بيانية» ولم نجد هذا عند الطرق الصوفية» وفي حال وجوده. فإن الأدب الصوفي متوجه عموما للسلوك والعرفان» ولا يتوجه للجدل والخصومات.

ولهذاء فإنا لم نجد في دواوين الشيخ ابن عليوة» والشيخ عدة بن تونس وغيرهما ما يمكن أن نواجه به ما كتبه الزاهري أو العقبي» فأشعار ابن عليوة وغيره أشعار صوفية» بعيدة تماما عن البيئة التي كتبت فيهاء قد يصح مقارنتها بأشعار ابن الفارض أو الششتري أو غيرهما من الصوفية» ولكنه لا يصح بأي حال من الأحوال مقارنتها بأشعار رجال الجمعية.

وهكذا في كل المجالات الأخرىء ولهذا اكتفينا في هذا الملبحث بذكر خصائص المواجهة العلمية» والتي رأينا أنها تتمثل في ثلاث خصائص:

أولا- الاعتهاد على المصادر التي ألفت في الرد على الوهابية.

ثانيا ‏ ضعفها في علوم الحديث

ثالثا تساحها مع المخالف

وسنتحدث عن هذه الخصاتص في هذا المبحث.

أولا ‏ الاعتماد على المصادر التي ألفت في الرد على الوهابية:

منذ بداية تأسيس الحركة السلفية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب لقيت معارضة شديدة من طرف أكثر الطرق الصوفية» وألفت في ذلك الكتب والرسائل الكثيرة» وما أسرع ما انتشرت في العالم الإسلامي تلك الكتب والرسائل لتوسع الهوة بين كلا التيارين: السلفي

511

والصوني.

وقد ساعد على انتشار هذه الرسائل والكتب ما ووجهت به الدعوة السلفية الوهابية من معارضة سياسية واجتاعية في جميع بلاد العالم الإسلامي.

وكان من تلك الرسائل والكتب ما لبس لباس العلم والحوار العلمي بآدابه الشرعية» وهو قليل لا يكاد يذكر» وكان منها وهو الأكثر ما لبس لباس الشدة والعنف بجميع أشكاله.

وقد نمهلت الطرق الصوفية الجزائرية من تلك المصادر جميعاء واستعانت بها في مواجهتها لجمعية العلماء المسلمين.

ولهذا نرى لزاما علينا أن نذكر هنا باختتصار بعض ما ألف في مواجهة المدرسة السلفية من طرف رجال الطرق الصوفية» أو الفقهاء المنتسبين لهمء باعتبار أن هذه الكتب والرسائل كانت هي المصادر التي اعتمدت عليها الطرق الصوفية الجزائرية بعد ذلك في مواقفها من جمعية العلماء» ودليل ذلك - كما سنرى - أن التهم التي وجهها المحاربون للمدرسة السلفية هي نفسها التي وجهها رجال الطرق الصوفية في الجزائر لجمعية العلماء.

ونحب أن نذكر هنا بأسف - أن معظم الكتب والرسائل التي سنذكرهاء والتي راجت أول ظهور الدعوة الوهابية» وكان لها دور في الحد من تأثيرها وانتشارهاء هي الآن في حكم النادر» وبعضها لا يزال مخطوطا في مراكز أجنبية» ولم يمكنا الحصول عليه؛ ولهذا رجعنا في التعريف بها وبمؤلفيها إلى كتاب (دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب» عرض ونقض) للشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف.

ونرى أن ما حصل للمخالفين للشيخ محمد بن عبد الوهاب من التعتيم هو نفسه ما حصل للمخالفين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» فلا تزال كتب المخالفين ورسائلهم إما نادرة أو مخطوطة أو مطبوعة طبعة رديئة مقارنة بكتب ورسائل الجمعية.

بعد هذه الملاحظات المنهجية» نذكر أهم ما ألف في الرد على الوهابية» واستندت إليه الطرق

571/

الصوفية في مواجهتها للمخالفين لما:

١‏ - رسالة (الدرر السنية في الرد على الوهابية)» وهي من أشهر ما كتب في هذا الباب» وهي من الكتب القليلة المطبوعة» وقد ألفها الشيخ أحمد بن زيني دحلان : ولعله أشهر من واجه السلفية (الوهابية) في ذلك الحين.

وقد أتاحت له مكانته العلمية» فقد كان مفتي الشافعية» وأتاح له كذلك وجوده في الحجازء وبالضبط في مكة المكرمة» أن ينشر أفكاره التحذيرية من الدعوة الوهابية على جميع بلاد العالم الإسلامي» وأن تؤتي تحذيراته أكلها.

وقد ذكر محمد منظور النعماني ما كان ينشره (أحمد بن زيني دحلان) من أفكار مبيناً مدى انتشارها بعد سقوط الدرعية 77”4١ه:‏ (صادرت أرض الحجاز مركز دعاية ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعته بعدما أقصت الوهابيين قوات محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك على إيعاز من الحكومة العثانية.. وأضحت تنتشر في الحجاز - فيم| يتصل بالشيخ - أمور مستهجنة إن سمعها مسلم فإنه لا يكره شخصه فحسب.. بل يعتبره أكفر الكافرين في العالم كله.. وبم| أن الحرمين الشريفين هما مركز المسلمين الروحي والديني ومهد الدعوة الإسلامية ومنتتجع الحجيج من المسلمين في العالم كله» يختلف إليها المسلمون ولا سيا في مناسبة الموسم فساعد كل ذلك على انتشار كل ما يحاك فيهما ضد الوهابيين أو يدور حوهم في المحافل والنوادي أو يقال ويكتب في المؤلفات ساعده على انتشار في طول العالم وعرضه)

وقد لقي لأجل هذا معارضة شديدة من طرف التيار السلفي بنوعيه التنويري والمحافظ:

فالشيخ محمد رشيد رضا ينفي عنه صفة العلمية بالرغم من كونه مفتي مكة المكرمة» فيقول: (إن دحلان غبر محدث ولا مؤرخ ولا متكلم وإن| هو مقلد للمقلدين ونقال من كتب المتأخرين)

والتيار المحافظ يرميه بكل شيء حتى بالرفض >عادته في رمي المخالفين» يقول فوزان

516

السابق:(قد قال بعض الفضلاء من علماء مكة : تصانيف دحلان كالميتة لا يأكلها إلا المضطر. وقد رد عليه كثير من علاء الهند والعراق ونجد وغيرهم ففضحوه وبينوا ضلاله. وقد سمعت غير واحد تمن يوثق بهم من أهل العلم يقولون : أن دحلان هذا رافضي لكنه أخفى مذهبه وتسمى بتقليد أحد الأئمة الأربعة ستراً لمقاصده الخبيثة» ولنيل المناصب التي يأكل منها. ومن أدل الدليل على رفضه الخبيث» تأليفه لكتاب (أسنى المطالب في نجاة أبي طالب) الذي رد فيه واه نصوص الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة)

- لفحات الوجد من فعلات أهل نجد: وقد ألفه الشيخ محسن بن عبد الكريم بن إسحاق الحسني» وهو عبارة عن أبيات شعرية كتبها ضد الوهابية ثم شرحها في هذا الكتاب» وقد ذكر في آخر الرسالة بعض المسائل الفقهية التي يعارض فيها الوهابية.

- فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب: وقد ألفه الشيخ أحمد بن علي البصري الشهير بالقباني» وقد كان حيّا سنة /51١١ه»ء‏ وهو مجلد ضخم كتبه جوابا على رسالة ابن سحيم التي بعثها إلى علماء الدول الإسلامية يحذرهم فيها من الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته.

: - الصواعق والرعود في الرد على ابن سعود : وقد ألفه عبد الله بن داود الزبيري (ت 0 ه). وقد لقي هذا الكتاب حينها اهتماما كبيرا من طرف المخالفين للدعوة الوهابية» وأثنى عليه الكثير من مشايخ الصوفية أو من ارتبط بهم» يقول الشيخ محمد بن محمد القادري واصفا للكتاب: (وهو كتاب مخزون بالعجائب» ومشحون بالغرائب» عظيم النفع» جليل الشأن. واضح البرهان, لا نعرف كتاباً في هذا النمط أشرف منه وأعظمء ولا أنفس منه وأتم» من شأنه أن يكتب سطوره بالنور على خدود الحور ... ومن أراد أن يعرف دسائس الشيطان التي ألقاها إلى ابن سعود. فعليه بمطالعة (الصواعق والرعود»» فإنه كتاب غريب في صنعه عجيبء وكان التصدي لإبطالها فرض كفاية على علماء المسلمينء لتلا يغتر بها عوام المؤمنين»

ويصير الوزر عليهم أجمعين» فجزا الله حضرة الشيخ عبد الله بن داود حيث أبطلها في

57184

(الصواعق والرعود) أحسن الجزاء حيث رفع الوزر عنه وعنهم في دار الجزاء)

وذكره الشيخ (علوي الحداد)» فقال: (وقد سمعت بكتاب مبسوط في عشرين كراساً سماه (الصواعق والرعود رداً على الشقي عبد العزيز بن سعود)» وقد قرظ عليه أئمة من علماء البصرة وبغداد وحلب والإحساء وغيرهم. تأيبداً لكلام مؤلفه وثناء منهم عليه» وقد أجادوا وبينوا)

مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي التي أضل بها العوام: ألفه الشيخ علوي بن أحمد الحداد (ت 717١ه).‏ وهو يتكون من سبعة عشر فصلا ذكر فيها مسائل الخلاف بين الطرق الصوفية والوهابية كجواز الاستغاثة بالأموات وتعظيم الأولياء وخاز البناف عل القيوو زتقبيل المشاهل وا لز ارات تقوو الصاطين::

5 - الرد على بعض المبتدعين من الطائفة الوهابية : وهي رسالة من تأليف الشيخ محمد بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران الفابي (ت 771١ه)‏ وهو أحد علماء فاس بالمغرب» وكان سبب تأليف كتابه هو وصول رسالتين من الأمير سعود بن عبد العزيز ات 1779١ه)‏ إلى تلك البلاد فكتب هذا الرد على تلك الرسالتين.

بالإضافة إلى هذه الردود المبكرة» والمرتبطة بأصل الدعوة الوهابية» نجد الكثير من الكتب والرسائل التي ألفت بعد ذلك حول مسائل الخلاف الكثيرة بين الوهابيين والصوفية» وهي كلها مطبوعة ومنتشرة بكثرة خاصة بين الزوايا والطرق الصوفية نذكر منها باختصار:

١‏ - الأجوبة النعمانية عن الأسئلة ال مندية في العقائد: لنعمان بن محمود خير الدين الشهير بابن الآلوسي البغدادي, الحنفي (ت17117 ه)

”- إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجذ والقباب على القبور: للشيخ الحافظ أحمد بن الصديق الغماري (ت ١٠/1١ه)»‏ وهو مطبوع طبعات كثيرة.

٠‏ - الأصول الأربعة في ترديد الوهابية: لمحمد حسن صاحب السرهندي المجددي ( ت

006

2)

5- الأقوال السنية في الرد على مدعي نصرة السنة المحمدية: جمعها إبراهيم شحاتة الصديقي من كلام المحدث عبد الله الغماري.

ه ‏ الأوراق البغدادية في الجوابات النجدية: للشيخ إبراهيم الراوي البغداديء الرفاعي. رئيس الطريقة الرفاعية ببغداد.

5 البراءة من الاختلاف في الرد على أهل الشقاق والنفاق والرد على الفرقة الوهّابية الضالّة: للشيخ علي زين العابدين السوداني.

- تحذير الخلف من مخازي أدعياء السلف: للشيخ محمد زاهد الكوثري .

7 التحفة الوهبية في الردّ على الوهّابية: للشيخ داود بن سليان البغداديء النقشبندي الحنفي. المتوفى سنة ١799‏

4 - تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد: للشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي, من علماء الأزهر الشريفتة:

٠‏ - جلال الحقٌ في كشف أحوال أشرار الخلق: للشيخ إبراهيم حلمي القادري الاسكتدري.

١‏ -الردٌ على ابن عبد الوهاب: لشيخ الإسلام بتونس إسماعيل التميمي المالكيء المتوفى سنة 5/8 7١١اه.‏

١١‏ - الرد على الوهّابية: للشيخ صالح الكوا ش التونسي» وهي رسالة مسجعة نقض بها رسالة لابن عبد الوهاب.

- الردٌ على الوهّابية: لإبراهيم بن عبد القادر الطرابلسي الرياحي التونسي المالكي من مدينة تستور» توفي سنة 1575١ه.‏

4 - سعادة الداربن في الردّ على الفرقتين: الومّابية» ومقلّدة الظاهرية: لإبراهيم بن عثمان

ا"

بن محمّد السمنودي المنصوري المصريء مطبوع في مصر سنة 17١‏ هء في مجلدين.

١‏ - صلح الإخوان في الردّ على من قال على المسلمين بالشرك والكفران: في الرد على الوهابية لتكفيرهم المسلمين. للشيخ داود بن سليان النقشبندي البغدادي الحنفيء المتوفى سنة 89اه.

7 - قمع أهل الزيغ والإلحاد عن الطعن في تقليد أئمة الاجتهاد: لمفتي المدينة المنورة المحدث الشيخ محمد الخضر الشنقيطي المتوفى سنة 1107 ه.

ثانيا ضعفها في علوم الحديث:

من الخصائص التي يكتشفها الباحث في الصوفية عموما هو عدم اهتتامهم الشديد بالتوثيق» وخصوصا في علم الحديث» ولعل سر ذلك يعود إلى اهتمامهم بالمعنى أكثر من اهتمامهم بالمصادرء فإذا صح المعنى عندهم قبلوه» بغض النظر عن مصدره؛ وإذا ضعف رفضوه. من غير مبالاة كثيرة بمصدره.

ولهذا نراهم يصححون ما اتفق المحدثون على تضعيفه أو تكذيبه» كحديث جابر المشهور: يارسول الله : (بأبي أنت» وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء» قال : (إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك يا جابر» ثم خلق منه كل خير» وخلق بعده كل شيء)”» فقد حكم المحدثون على هذا الحديث بالوضع"» ومع ذلك فإنا نرى الصوفية يستدلون بهء بل يقرونه بناء

)١(‏ انظر كشف الخفا ومزيل الإلباس فيا اشتهر على ألسنة الناس» للعجلونى ص”777. )١(‏ حتى أن المنافحين عن الصوفية كالعلامة عبد الله بن الصديق الغماري يرى ضعفه. فيقول: (وعزوه إلى رواية عبد الرزاق خطأ لآنه لا يوجد في مصنفه ولا جامعه ولا تفسيره. وقال الحافظ السيوطي في الحاوي في الفتاوى» ج١‏ ص 0 : (ليس له إسناد يعتمد عليه وهو حديث موضوع جزمًا .. وبالجملة فالحديث منكر موضوع لا أصل له في شىء من كتب السّنْة)(انظر: مرشد ا حائر لبيان وضع حديث جابرء للعلامة: عبد الله بن الصديق الغماري» ص7. ولقد حكم بوضعه أكثر المحدثين كالحافظ الصغاني (الموضوعات, للصغاني» ص 755)» وأقره الحافظ العجلوني على ذلك (كشف الخفاء» للعجلوني» ج 7 ص ”777)

ف

على التي اتفاقه مع الكشف.

فقد أقر العلامة الدردير المالكي- مع فقهه وعلمه بل ومالكيته المتشددة- معنى الحديث فقال : (ونوره) يك (أصل الأنوار) والأجسام كا قال َي الجابر رضي الله عنه : (أول ما خلق الله نور نبيك من نوره) الحديث فهو الواسطة في جميع المخلوقات)"

وذلك لكونه صوفياء والصوفية متفقون على الأقل على معنى الحديث.

وهكذا نراهم ينكرون الأحاديث التي وردت في البخاري ومسلم إذا كان معناها مخالفا لما يؤمنون به» يقول ابن عربي - عند ذكره لبعض الأحاديث -: ( ولقد ورد في حديث نبوي عند أهل الكشف صحيح وإن لم يثبت طريقه عند أهل النقل لضعف الراوي )"

ويقول عن أولياء الصوفية: ( ما وهبهم الحق تعالى في طاعته حين أطاعوه» وبا صح عندهم من أحاديث الأحكام ما أتفق على ضعفه وتجريح نقلته (من علماء الحديث)» وهم (الصوفية) أخذوه عن الكشف عن قائله 8 صحيحاًء فتعبدوا به أنفسهم على غير ما تقرر عند علماء الرسوم .. ورب حديث قد صححوه واتفقوا عليه (علماء الرسوم)» وليبس بصحيح عندهم (الصوفية) من طريق الكشف. ويتركون العمل به)"

ولهذا نراهم - مثلا - ينكرون كون أبوي رسول الله يي في النار مع أن الحديث الوارد في ذلك ورد في البخاريء بل إن السيوطي عدة رسائل في ذلك©.

)١(‏ الشرح الصغير» للدردير» ومعه حاشية الصاوي المساة ببلغة السالك» ج؛ ص 8/الاء 4/ال. (؟) الفتوحات المكية: ج” صدة١‏ . (؟) رسائل ابن عربي» ص١7‏ . (5) هذه الرسائل هي: )١‏ مسالك الحنفا فى أبوى المصطفى . ؟) التعظيم والمنة فى أن أبوى الرسول فى الجنة . *') الدرج المنيفة فى الآباء الشريفة . فض

بل إن السيوطى فى رسالته (التعظيم والمنة في أن أبوي الرسول في الجنة) يقدم الحديث الوارد في إحياء أم النبي يي وهو باتفاق المحدثين من قسم الضعيف على الحديث الوارد في البخاري» وقد علل ذلك بأنه من (الضعيف الذى يتسامح بروايته في الفضائل خصوصا في مثل هذا الموطن )0

ومن عجيب ما استدل به السيوطي في هذه الرسالة أنه تأمل بالاستقراء فوجد جميع أمهات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مؤمنات فلا بد أن يكون أم النبي يي كذلك, كأم إسحاق وإسماعيل ويعقوب وموسى وهارون وعيسى”.

بل إن السيوطي - كالصوفية جميعا- يذهب إلى أخطر من ذلك حين يقرر في رسالة (الدرج المنيفة في الآباء الشريفة) على أن جميع أجداد النبي َي مؤمنون وفي الجنة» ويستدل لذلك با ورد في الحديث من أن النبي يي قال: (رأيت عمرو بن لحى الخزاعي يجر قصبه في النارء وكان

أول سيب السوائب)» وهو أول من غير دين إبراهيم".

5) نشر العلمين المنيفين فى إحياء الأبوين الشريفين .

5) المقامة السندسية فى النسبة المصطفوية .

)١‏ السبل الحلية فى الآباء العلية

وقد طبعت جميعا - عدا الخامسة - تحت عنوان (رسائل الإمام الحافظ جلال الدين السيوطى فى تحقيق نجاة أبوى المصطفى صل الله عليه وسلم وأنهم من أهل الجنة فى الآخرة)» تحقيق العلامة الشيخ حسنين مخلوف, رحمه الله أما الرسالة الخامسة فمن الواضح أنها مقامة أديبة فى المسألة» فاقتصر على الرسائل الأخرى. فقال العلامة المحقق: (اكتفينا بطبع الرسائل الخمس عن طبع المقامة السندسية» وذيلناها برسالة إنباه الأذكياء فى حياة الأنبياء عليهم السلام)» القاهرة: مطبعة المدنى» ط 7 1797ه//19175م)

07 التعظيم والمنة» ضمن مجموعة الرسائل فى تحقيق نجاة أبوى المصطفى صل الله عليه وسلمء (ص‎ )١(

() التعظيم والمنة» ضمن مجموعة الرسائل فى تحقيق نجاة أبوى المصطفى صل الله عليه وسلم (ص 99- )٠١١‏

فيه صحيح البخاري (7/ 7)) صحيح مسلم (// هه١)‏ 000

قال السيوطي معقبا على الحديث: (فثبت بهذا التقرير أن أجداده يي من إبراهيم عليه السلام إلى كعب بن لؤي وولده مرة منصوص على إي|نهم ولم يختلف فى ذلك اثنان» وبقى بين مرة بن كعب وعبد المطلب أربعة آباء هم : كلاب - وقصى - وعبد مناف - وهاشم, ولم أظفر فيهم بنقل لا يبهذا ولا بهذا)”"

بل إن الأمرلم يقتصر على أبوي رسول الله يي حتى عمه الذي يتفق المحدثون على صحة الأحاديث الواردة في شأن وأنه لى يمت على الإيهان» ولكن الصوفية مع ذلك كتبوا الكتب الكثيرة يصححون إيانه".

وهكذا في المسائل الكثيرة.. والتي جعلت المحدثين ينفرون منهم, ويعتبرونهم جهالا بعلم الحديث» وقد سبق أن ذكرنا نقد الشيخ العربي التبسي لمحاوره حول استدلاله بالحسن البصري في العهود. وهو ما ينفيه المحدثون.

والأخطر من ذلك كله هو تصحيح الحديث بالكشفء ومن ذلك ما أورده الشعراني عن أبي المواهب الشاذلي قال: قابلت رسول الله ييل فسألته عن الحديث المشهور (اذكروا الله حتى يقولوا مجنون)"» وفي صحيح بن حبان (أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون»» فقال عليه الصلاة والسلام: صدق ابن حبان في روايتط وصدق راوي (اذكروا الله) فاني قلتهم| معأ مرة

قلت هذأومرة قلت هذا))

)١50- ١55 السيوطيء الدرج المنيفة» ضمن مجموعة الرسائل السابقة» (ص‎ )١(

)١(‏ من الكتب المتداولة في الزوايا حول إيمانه كتاب (أسنى المطالب في نجاة أبي طالب) للعلامة أحمد زيني دحلان» الفقيه الخطيب مفتي الشافعية (1777 - ١7054‏ ه)» وقد اختصر فيه كتاب ( بغية الطالب لإيهان أبي طالب) للعلامة محمد بن رسول البر زنجيء وأضاف عليه مطالب مهمة» طبع بمصر سنة ١705(‏ ه)» وبعدها مكررا.

(؟) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/ “97) حديث رقم (815) وأخرجه الحاكم في (المستدرك) ١/549‏ والإمام أحمد في (المسند) 58/7 وابن عدي في الكامل (7/ )91/٠١‏

5( الشعراني» الطبقات الكبرى: فد» فون

ومن ذلك ما ورد في (جواهر المعاني): (وسئل سيدنا - رضي الله عنه - عن مسائل منها قوله عليه الصلاة والسلام : (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)”؟ فقال : الجواب - والله الموفق بمنه وكرمه للصواب - أما ما ذكرت من الحديث وهو علاء أمتي ... الخ فليس بحديشاً نص عليه السيوطي في (الدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة) وسأل صاحب «الإبريز) شيخه - رضي الله عنه - فقال له: ليس بحديشأ وذكره من جهة الكشف لأنه لا دراية له بعلم الحديث» وقوله حجة على غيره لأنه قطب - رضي الله تعالى عنه - كى| صرح به صاحب الإبريز المذكور)"

بل إن المحدث الكبير العجلوني مع كونه مرجعا من مراجع التيار السلفي في الحديث- نتيجة تأثره بالتصوف - يصحح هذاء ويحاول أن يستدل له وقد قال في مقدمة كتابه (كشف الخفاء): (والحكم على الحديث بالوضع والصحة أو غيرهماء إن بحسب الظاهر للمحدثين» باعتبار الإسناد أو غيره. لا باعتبار نفس الأمرٍ والقطعء لجواز أن يكون الصحيح مثلاً باعتبار نظر المحدث: موضوعاً أو ضعيفاً في نفس الأمر وبالعكس. نعم المتواتر مطلقاً قطعي النسبة لرسول الله يي اتفاقاً.. ومع كون الحديث يحتمل ذلكء فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين» ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين. وفي (الفتوحات المكية) للشيخ الأكبر قذس سزه الور مااسافيل:.فوي#حديث يكون مننيها من ظريق زواته خضل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله يي فيعكلم وضعه. ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه. ورب حديث ترك العمل به لضعف طريقه» من أجل وضاع في رواته» يكون صحيحاً في نفس الأمرء لسماع المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله

)١(‏ قال السخاوي: قال شيخنا - أي الحافظ ابن حجر ومن قبله الدميري والزركشي: أنه لا أصل له. زاد بعضهم:

)17١ /5( جواهر المعاني:‎ )١( 6ن‎

صل الله عليه وسلم)"

وإلى مثل هذا ذهب كل المحدثين من الصوفية» فهذا ابن حجر الهيثمي عندما سئل عن رأيه في استخدام الكشف الصوني للحكم على الأحاديث وافق ذلك» ثم ذكر حكاية (عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثاً فقال له الولي : هذا الحديث باطل» قال : ومن أين لك هذا ؟ قال هذا النبي ييه واقف على رأسك يقول: إنى لم أقل هذا الحديث وكشف للفقيه فرآه)”"

بل إن الأمر عند الصوفية أخطر من أن ينحصر في ذلكء فهم يرون الرجوع إلى رسول الله © في كل محل» وقد نقل النبهان عن كتاب (العهود المحمدية) للشعراني قوله نصيحة لمن رغب في المجاورة في أحد الحرمين: (فإن كان من أهل الصفاء فليشاوره يَ في كل مسألة فيها رأي أو قياس ويفعل ما أشار به يَ بشرط أن يسمع لفظه يي صريحا يقظة» كا كان عليه الشيخ حي الدين بن عربي رحمه الله قال : وقد صححت منه يي عدة أحاديث قال بعض الحفاظ بضعفها فأخذت بقوله يك فيهاء ولم يبق عندي شك فيما قاله وصار ذلك عندي من شرعه الصحيح أعمل به وإن لم يطعني عليه العلماء بناء على قواعدهم)7”

ثالثا تسامحها مع المخالف:

من الأمور المتفق عليهاء والتي لقيت إنكارا شديدا خاصة من التيار السلفي» موقف الصوفية المتسامح من الآخر حتى لو كان ذلك الآخر غير مسلم,» ولهذا يرمونهم بالقول بوحدة الأديان» ويكفرونهم على أساس ذلك.

)١(‏ العجلونيء إسماعيل بن محمد الجراحي. كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس» دار إحياء التراث العربي» /١(‏ 9) (؟) الفتاوى الحديثية ص /ا١7.‏

إفنة النبهاني سعادة الدارين» هت 2 يعون

وبناء على هذاء فإن أسلوب الطرق الصوفية في تعاملها مع الجمعية كان ألين بكثير من أسلوب الجمعية مع الطرق الصوفية» وقد سبق ذكر الأمثلة الكثيرة على ذلك» بل سبق أن ذكرنا كيف وصف الشيخ ابن باديس تعامل الشيخ ابن عليوة معه. وكيف أشاد بتلك المعاملة.

وأبسط مقارنة في هذا بين التوجه الصوني والتوجه السلفي هو الموقف من قوله 2: ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة» وتفرقت أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة» كلها في النار إلأواحدة» وهي ما أناعليه وأصحابي)"" »والذي يتعلق به الاتجاه السلفي كثيراء بل على أساسه يحكم على سائر الطوائف والفرق.

بين| نجد الشيخ ابن عليوة والصوفية عموما ينظرون إليه نظرة مغايرة» فقد سئل الشيخ ابن عليوة عن الحديث. فقال: (إِنْ هذا الحديث مما يقضي على الأمّة المحمديّة بالحلاك؛ مهما فهمناه حسب) فهمه أغلب المفسرينء لأنه صريح في نجاة جزء من ثلاث وسبعين جزءا من الأمّة المحمديّة» وعليه فالمرجو من الله والموافق لرأفة رسول الله يي بالمؤمنين» أن نحمل ذكر الأمّة في الحديث على أمّة الدعوة» لا على أمّة الإجابة» لقوله #: ( آنا رسول من أدركته حيّاء ومن لم يولد بعدي)”» ويتضح لك المعنى من أن الأمّة هنا المراد بها أمّة الدعوة» لقوله يَيه: ( من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنّة 46 وقوله تعالى: (إِنَّ الله لا يَغْفْرٌ أن يُشْرَكَ به وَيَغْفِرٌ مَا دُونَ ذَلِكَ كّنْ يَشَاءُ 1 [النساء: 48] وغير هذاء ومن المعلوم أَنْ أمّة الإجابة لم تعدم حظها من توحيد الله والإقرار برسالة رسول الله يي وإن تفرّقت من حيث الفروع فأصلها ثابت» وشفاعته يَي مجيطة بمن انتسب إليه؛ كيفما كان» والظنٌّ في الله حسن .. ومن المحتمل أن

الملل كانت قبل بعثة موسى عليه السلام, بالغة إلى حد السبعين فرقة وال ملّة التي جاء بها موسى

)١78 /5( ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني» سئن ابن ماجة» مكتبة أبي المعاطي»‎ )١( (؟) مع اجتهادي في البحث عن تخريج الحديث إلا أني لم أجده.‎

(؟) مسند أحمد بن حنبل (0/ 717170) 1

عليه السلام هي تمام الإحدى والسبعين فرقة» والجميع في النار إلا ما كان عليه موسى عليه السلام وأتباعه» ولا بعث الله عيسى عليه السلام؛ كانت ملته هي تمام الاثنين والسبعين فرقة» والجميع في النار إلآّ ما كان عليه عيسى وأتباعه: ولا بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا ( محمدا جلك ) بشريعة سمحة عادت الفرق مع ما سبق ثلاثا وسبعين فرقة» والجميع في النار إلا ما كان عليه ( محمد يل وأتباعه )» والجميع أمته من جهة الدعوة حسبم| سبق» والظنٌ في الله جميل» وهو حسبنا ونعم الوكيل)”"

وفي موضع آخرء وفي رده على الشيخ عثمان بن مكيء يقول: (وأيّ معصية أشنع من تطبيقك جميع ما ورد في أهل الزيغ والضلالة على جماعة الصوفيّة ؟» ولم يكفك ذلك حتى جعلتهم فرقة من فرق أهل النار مستدلا بقوله» فعن عبد الله بن عمرو » قال : قال رسول الله يل : ( ليأتيّن على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمّه علانية لكان في أمتّي من يصنع ذلكء وإِنْ بني إسرائيل تفرّقت إلى ثنتين وسبعين ملّة وتفترق أمتّي على ثلاث وسبعين ملّة كلهم في النار إلا ملّة واحدة» قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟» قال : ما أنا عليه وأصحابي)" رواه الترمذي في سئنه. وهذا صريح في أنّك تعني أنْ فرقة أهل التصوّف واحدة من تلك الفرق» وإني أحكمك لله ولرسوله ولصالح المؤمنين فيا بينك وبين الصوفيّة. وهلا نقلت حديثا نقله الإمام الغزالي في كتابه المسمّى ب (فصل التفريقات)" وهو قوله عليه الصلاة والسلام :(ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في الجنّة إلا الزنادقة)*» ولكن

)١(‏ أحمد بن مصطفى العلاوي: أعذب المناهل» ص 0038 ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص147. 6 سنن الترمذي (0/ »)0 (©) يشير به إلى كتاب أبي حامد الغزالي (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) الذي سبقت الإشارة إليه. (؛) سبق تخريجه مفصلا. 0"

هذا لايقع عليه بصرك وإنّما يقع على ما يساعدك ني الحكم على سائر أفراد المسلمين بالنار حتى تخلو لك الجة أنت ومن هو على شاكلتك لا غير ولا تجد من يرفع عنك معضالتك إل صوق ومحال أن تتنزل له لأنْ الحسد باب الإنصاف ويقطع لسان الاعتراف)”

وعلى أساس ذلك يحكم على كل المخالفين بأنهم ناجون مادام طلبهم الحقيقة» فيقول: (وأنا أقول : إِنَ الله سبحانه وتعالى عند ظنّ كلّ مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر مهما اجتهد لنفسه بها يقرّبه إلى الله فإن أصاب فله أجرانء وإن لم يصب فله أجرء فهو مأجور على كلّ حال أحببت أم كرهتء لأنْ الخلق ما كلّفوا إصابة الصواب. إِنَّا كلّفوا الظنّ بأَنّه صوابء وجميع ذلك ما يقتضيه تسامح الشرع الأحمدي المشار إليه بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدّينِ مِنْ حَرّج) [الحج: 28] .. فلما لم تصادف هذه الأخبار التي تفيد الوسع وتقضي على الأمّة بالنجاة ؟) ولكثك تنظر بالعين العوراء» فلهذا أراك إلى الآن تترك نضا يقضي على الذاكرين بالدمار والخروج من سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء إلا وألصقته بجانبهم)”

.7١ ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص4‎ )١(

(؟) ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص .7١90‏ الل

خاتمة الفصل

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل:

١‏ - رأينا أنه يمكن تقسيم الأساليب التي استعملتها الجمعية في مواجهة الطرق الصوفية إلى ثلاثة أنواع: المواجهة العلمية» والمواجهة الأدبية» والمواجهة العاطفية.

” - ربها كان حظ المواجهة العلمية - من خلال ما وصل إلينا من تراث الجمعية من صحفها ورسائلها هو أهون أنواع المواجهات وأقلهاء فمع تلك الحملة الشديدة لم نر إلا بتعض رسائل قصيرة محدودة المحتوىء وفي لغة لا نستطيع أن نصنفها ضمن اللغات العلمية المنهجية البحتة» وربا يكون عذر الجمعية في هذا هو طغيان المتشددين عليهاء ورفضهم لأي حوار مع الآخر بل رفضهمء ولو لذكر أدلة الطرف الآخرء ثم مناقشتها.

٠“‏ من خلال دراسة التراث القليل الذي كتبه رجال الجمعية حول تفاصيل الخلاف بينهم وبين الطرق الصوفية يمكن ملاحظة أن جمعية العلماء لم تكن ترى في الآخر شخصا اعتباريا يمكن أن تتحاور معه. أو تقبل مناقشته» لأنهاء ومنذ أول يوم قررت عدم الحوار» بل ل تر من حل سوى الاستئصال الجذري لا للطرق الصوفية فقطء بل لكل ما يرتبط بها من معان» وهي في هذا ترجع لأشد أنواع السلفية تطرفاء وهي السلفية الوهابية.

- من الأمور التي حالت بين الجمعية وبين الكتابة العلمية المفصلة المتضمنة للرأي والرأي الآخرء ذلك أن الفتوى في العادة توجه للعوام» ولا تقتضي ذكر الدليل بتفصيل بتفصيلء ولا تقتضي نقل الخلاف» ولا ذكر أدلة المخالف, ولعل الذي دعا الجمعية إلى هذا هو ما يعتمده المنهج السلفي عموماء من اعتبار ذكر الخلاف بتفصيل قد يكون نوعا من إشهار المبتدع والدعوة له بالمجان» والجمعية لا تريد هذاء ولهذا تمارس كل أنواع التشدد حتى الحسنات تبرزها بصورة

السيفات بحت تتمكن من :استتصنال الآخر استضالا جذريا!

5

ويظهر - من خلال دراسة تراث الجمعية المكتوب - أن المواجهة الأدبية كانت أهم الأساليب وأكثرها استعمالاء ولعل ذلك يرجع أن الجمعية عاصرت في ذلك الوقت أدباء كبار كطه حسين والرافعي والزيات وغيرهم, وقد كانت تحصل بينهم أحيانا سجالات في ميادين مختلفة» وكانت أداتهم في مواجهاتهم هي ما عرفه العرب من أساليب في هذا المجال» بالإضافة إلى أن هذه الأداة كانت كأنها من الأسلحة التي لا توجد عند خصمهم, فلم يكن في الطرق الصوفية من الأدباء من له قوة لسانهم وحدته؛ بل كان الكثير منهم - على ما يظهر - ضعيفا في النواحي اللغوية» وخاصة النحو.

5 تعتبر الخطابة من أهم ما كان يستعمله علماء الجمعية من أساليب في إيصال رسالتهم الإصلاحية» والعلة في ذلك - كما يذكر الإبراهيمي- هو التأثير القوي للخطابة في التغيير والإصلاح.

١‏ من الأشكال الأدبية التي استعملتها الجمعية في مواجهة الطرق الصوفية (الشعر)» وقد برزت فيه إلى درجة كبيرة» بحيث أنه قد تحول ما كتب من قصائد في هذا الجانب إلى زاد لا تزال تستعين به السلفية الحديثة في مواجهة التصوف والطرق الصوفية.

8 - استعملت الجمعية المواجهة العاطفية لإثارة عواطف الجاهير ضد الطرق الصوفية» وهي مواجهة كالمواجهة الأدبية تتسم بالبساطة» وبعدم الحاجة إلى الإقناع العقلي المعتمد على الدليل» بل كل اعتمادها على ما عند المستقبل من ثروة عاطفية» وهي من أكثر الثروات توفرا خاصة في الزمن الذي يكثر فيه الظلم والاضطهاد.

4 -م نجد لدى الطرق الصوفية من أنواع المواجهات إلا نوعا واحدا فقط يصلح للحديث عنه » وهو ما أطلقنا عليه المواجهة العلمية» ذلك أن المواجهتين الأخريين: الأدبية والعاطفية تقتضيان وجود أدباء وخطباء وذوي قدرات بيانية» ولم نجد هذا عند الطرق الصوفية» وفي

حال وجوده. فإن الأدب الصوفي متوجه عموما للسلوك والعرفان» ولا يتوجه للجدل

نينا

٠‏ -من خصائص المواجهة العلمية لدى الطرق الصوفية: اعتمادها على المصادر التى ألفت

انيلا